من طرف محبة الرحمن7 الجمعة 29 يناير 2016, 7:58 pm
تفريغ محاضرة اللمسات البيانيه 8 للشيخ الفاضل أحمد رشاد حفظه الله وبارك فيه وفي علمه ونفع به.
ما زلنا في التقديم والتاخير
المثال الاول
تقديم وتأخير الصابئين في آيتي سورة البقرة والمائدة
قال تعالى في سورة البقرة (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ {62}
) وقال في سورة المائدة (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ وَالصَّابِؤُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وعَمِلَ صَالِحاً فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ {69}) الآيتان فيهما تشابه واختلاف وزيادة في إحداها عن الأخرى.
في سورة البقرة قدّم النصارى على الصابئين ( ،وحاءت بالنصب جاء مع العطف لتوكيد العطف)، وفي آية سورة المائدة قدّم الصابئون على النصارى ورفعها بدل النصب. فمن حيث التقديم والتأخير وجب علينا ان ننظر في سياق السورتين حتي يعيننا على فهم التشابه والإختلاف، ففي آية سوة المائدة جاءت الآيات بعدها تتناول عقيدة النصارى والتثليث وعقيدتهم بالمسيح وكأن النصارى لم يؤمنوا بالتوحيد فيما تذكر الآيات في السورة (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُواْ اللّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللّهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ {72} لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَـهٍ إِلاَّ إِلَـهٌ وَاحِدٌ وَإِن لَّمْ يَنتَهُواْ عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ {73}) هذا السياق لم يذكر هذا الأمر في سورة البقرة وهكذا اقتضى تقديم الصابئين على النصارى في آية سورة المائدة. فلما كان الكلام في ذم معتقدات النصارى اقتضى تأخير النصاري عن الصابئين. فالذي صبا هو الذي غير دينه
ولا هم يحزنون: بتقديم (هم) الذين يحزن غيرهم وليس هم. اي الذي يحزن الذي لا يومن بالله واليوم الاخر ولا يعمل صالحا نفي الفعل عن النفس ولكنه إثبات الفعل لشخص آخر كأن نقول (ما أنا ضربته) نفيته عن نفسي وأثبتّ وجود شخص آخر ضربه يُسمّى التقديم للقصر أما عندما نقول (ما ضربته) يعني لا أنا ولا غيري. نفى الحزن عنهم وأثبت أن غير هم يحزن (أهل الضلال في حزن دائم). ولم يقل لا خوف عليهم ولاحزن لهم لأنها لا تفيد التخصيص (نفى عنهم الحزن ولم يثبته لغيرهم) ولو قال ولا لهم حزن لانتفى التخصيص على الجنس أصلاً
المثال الثاني
تقديم وتأخير اللهو على التجارة في آية سورة الجمعة
هذه الآية (وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْواً انفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِماً قُلْ مَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ مِّنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ {11}) قدم الله سبحانه وتعالي في اول الايه التجاره عن اللهو و في اخر الايه ذكر الله اللهو قبل التجاره
نزلت هذه الايه بينما كان الرسول صلى الله عليه وسلم يخطب بعد صلاة الجمعة فجاءت العير بتجارة وكانت سنة شديدة فيها جدب وقحط فانفضّ الناس بسبب التجاره ليس بسبب اللهو لأنه كان هناك غلاء في الأسعار فعندما نودي أن القافلة وصلت انفضّ الناس عن الرسول صلّى الله عليه وسلّم ولهذا قدّم التجارة في أول الآية (وإذا رأوا تجارة). ثم في نهاية الآية قدّم تعالى اللهو على التجارة لأنه ليس كل الناس ينشغلون بالتجارة عن الصلاة في العموم فكثير ينشغلون باللهو وما عند الله تعالى خيرٌ من اللهو ومن التجارة لذا قدّم اللهو على التجارة.
وقوله تعالى (والله خير الرازقين) يعمل الانسان في التجاره للبحث عن الرزق لأن التجارة مظنّة الرزق فوضع التجارة بجانب قوله تعالى (والله خير الرازقين) فليس لائقاً ولا مناسباً أن يقول تعالى (الله خير الرازقين) بجانب اللهو وفي اللغة عادة تترقّى من الأدنى إلى الأعلى فذكر الأدنى (اللهو) ثم الأعلى (التجارة).
وهناك أمر آخر وهو تكرار (من) في قوله تعالى (من اللهو ومن التجارة) لماذا لم يقل (من اللهو والتجارة) لأفاد أن الخيرية لا تكون إلا باجتماعهما أي اللهو والتجارة
أما قوله تعالى (من اللهو ومن التجارة) فهي تفيد أن الخيرية من اللهو على جهة الإستقلال ومن التجارة على جهة الإستقلال أيضاً فإن اجتمعا زاد هذا الأمر سوءاً
المثال الثالث
تقديم الرحيم على الغفور في سورة سبأ وقد وردت في باقي القرآن الغفور الرحيم
في سورة سبأ (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ {1} يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ {2})
لم يتقدّم في الآية ما يخصّ المكلَّفين أبداً اي العبد الذي كلفه الله بتكليفات اذا قام العبد بها اعطاه حسنات واذا قصر كتبت سيءات والمغفرة لا تأتي إلا للمكلَّفين والمذنبين الذين يغفر الله تعالى لهم وإنما جاء ذكرهم بعد الأيتين الأولى والثانية لذا اقتضى تأخير اسم الله الغفور لتأخر المغفور لهم في سياق الآية. أما في باقي سور القرآن الكريم فقد وردت الغفور الرحيم لأنه تقدّم ذكر المكلَّفين فيذنبون فيغفر الله تعالى لهم فتطلّب تقديم المغفرة على الرحمة.
المثال الرابع
تقديم (ما تسبق من أمة أجلها) على (ما يستأخرون) في آية سورة الحجر والمؤمنون
قال تعالى في سورة الحجر (مَّا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَهَا وَمَا يَسْتَأْخِرُونَ {5}) وقال في سورة المؤمنون (مَا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَهَا وَمَا يَسْتَأْخِرُونَ {43}) بتقديم (ما تسبق) على (ما يستأخرون) أما في سورة الأعراف فقد جاءت الآية بقوله (وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ {34}) بتقديم (لا يستأخرون) على (لا يستقدمون). وإذا لاحظنا الآيات في القرآن نجد أن تقديم (ما تسبق من أمة إجلها) على (وما يستأخرون) لم تأت إلا في مقام الإهلاك والعقوبة. في الموضعين الحجر والمؤمنون للدلاله علي ان المقام مقام اهلاك وعقوبه الاولي في العذاب الدنيوي
اما في ايه الاعراف كان وصايا لبني ءادم فلم يذكر الله عقاب امه في الدنيا في الاعراف العذاب الاخروي
المثال الخامس
تقديم وتأخير كلمة تخفوا في آية سورة البقرة وسورة آل عمران
قال تعالى في سورة البقرة (لِّلَّهِ ما فِي السَّمَاواتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَإِن تُبْدُواْ مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُم بِهِ اللّهُ فَيَغْفِرُ لِمَن يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاءُ وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ {284})
وقال في آل عمران (قُلْ إِن تُخْفُواْ مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللّهُ وَيَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ {29}).
بالنظر الي سياق الايات نجد التحدث علي المحاسبة في سورة البقرة فتكون المحاسبه هي على ما يُبدي الإنسان وليس ما يُخفي في نفسه سياق المحاسبة قدّم الإبداء أما في سورة آل عمران فالآية في سياق العلم لذا قدّم الإخفاء لأنه سبحانه يعلم السر وأخفى.
المثال السادس
تقديم الشتاء على الصيف والجوع على الخوف في سورة قريش
قال تعالى في سورة قريش (لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ {1} إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاء وَالصَّيْفِ {2} فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ {3} الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ {4} ) لماذا لم يقل الله تعالي رحلة الصيف والشتاء وايضا امنهم من خوف واطعمهم من جوع
والمعروف أن حاجة الإنسان للطعام في الشتاء أكثر من الصيف والخوف في الصيف أكثر لأنه فيه يكثر قطّاع الطرق والزواحف يبقي الجوع مرتبط بالشتاء لذا قدّم تعالى الشتاء والخوف على الصيف والجوع بمعني قال رحله الشتاء والصيف فمقابل الشتاء الجوع ومقابل الصيف الخوف وقال أيضاً أطعمهم ولم يقل أشبعهم لأن الإطعام أفضل من الإشباع. ولقد جاءت سورة قريش بعد سورة الفيل للتركيز على الأمن في البيت الحرام بعد عام الفيل.
المثال السابع
تقدّيم البصر على السمع في آية سورة الكهف وآية سورة السجدة
قال تعالى في سورة الكهف (قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ مَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً {26})
وقال في سورة السجدة (وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُؤُوسِهِمْ عِندَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً إِنَّا مُوقِنُونَ {12})
الأكثر في القرآن تقديم السمع على البصر لأن السمع أهم من البصر في التكليف والتبليغ لأن فاقد البصر الذي يسمع يمكن ان يبلغ أما فاقد السمع فيصعب عليه التبليغ ثم إن مدى السمع أقل من مدى البصر فمن نسمعه يكون عادة أقرب ممن نراه، بالإضافة إلى أن السمع ينشأ في الإنسان قبل البصر في التكوين.
لماذا قدّم البصر على السمع في الآيتين المذكورتين فالسبب يعود إلى أنه في آية سورة الكهف الكلام عن أصحاب الكهف الذين فروا من قومهم لئلا يراهم أحد ولجأوا إلى ظلمة الكهف لكيلا يراهم أحد لكن الله تعالى يراهم في تقلبهم في ظلمة الكهف وكذلك طلبوا من صاحبهم أن يتلطف حتى لا يراه القوم إذن مسألة البصر هنا أهم من السمع فاقتضى تقديم البصر على السمع في الآية.
وكذلك في آية سورة السجدة، الكلام عن المجرمون الذين كانوا في الدنيا يسمعون عن القيامة وأحوالها ولا يبصرون لكن ما يسمعوه عن اليوم القيام والثواب والعقاب كان يدخل في مجال الشك والظنّ لانهم لم يروه ولو تيقنوا لآمنوا أما في الآخرة فقد أبصروا ما كانوا يسمعون عنه لأنهم أصبحوا في مجال اليقين وهو ميدان البصر (عين اليقين) والآخرة ميدان الرؤية وليس ميدان السمع وكما يقال ليس الخبر كالمعاينة. فعندما رأوا في الآخرة ما كانوا يسمعونه ويشكون فيه تغير الحال ولذا اقتضى تقديم البصر على السمع.
المثال الثامن
تقديم وتأخير الجن والإنس في آيتي الإسراء والرحمن
قال تعالى: ( قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآَنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا (88) الإسراء)
وقال عز وجل : ( يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لَا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ (33) الرحمن)
قدم في الأولى الإنس وقدم في الثانية الجن
لأن مضمون الآية الاولي هو التحدي بالإتيان بمثل القرآن ، و أن مدار التحدي على لغة القرآن علي اعتبار نظمه وبلاغته وحسن بيانه وفصاحته.
والإنس في هذا المجال هم المقدمون ، وهم أصحاب البلاغة وأععدة الفصاحة وأساطين البيان ، فإتيان ذلك من قبلهم أولى ، ولذلك كان تقديمهم أولى ليناسب ما يتلاءم مع طبيعتهم.
أما الآية الثانية قدم الجن علي الانس فإن الحديث فيها عن النفاذ من أقطار السموات والأرض ، ولا شك أن هذا هو ميدان الجن لتنقلهم وسرعة حركتهم الطيفية وبلوغهم أن يتخذوا مقاعد في في السماء للاستماع ،” وأنا كنا نقعد منها مقاعد للسمع ” الجن 9
فقدم الجن على الإنس لأن النفاذ مما يناسب خواصهم وماهية أجسامهم أكثر من الإنس