طعام الواحد يكفي الاثنين ، وقد يكفي الأربعة في بعض الأحيان
، لكن أن يسدّ حاجة الجمع الغفير من الناس
، فذلك لا يكون إلا وجها من وجوه المعجزات الربانية
، التي أكرم الله بها نبيّه – صلى الله عليه وسلم - .
وقد تكرّرت هذه المعجزة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم
- في أماكن مختلفة، ومناسبات متعددة
، كان منها يوم الخندق
؛ حينما أطعم ألف نفر من شاة صغيرة وصاع من شعير
، فقد جاء في الحديث المتفق عليه أن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما
رأى جوعاً شديداً بالنبي صلى الله عليه وسلم، فانطلق إلى بيته
، وأخرج جراباً فيه صاع من شعير، وذبح شاة،
وجهز هو وزوجته طعاماً، ثم دعا رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم – إليه
، فلما رأى جابرٌ النبي - صلى الله عليه وسلم – وبصحبته أهل الخندق
فزع من ذلك المشهد ، وذهبت به الظنون كل مذهب ، وقال في نفسه :
كيف يمكن لهذا الطعام أن يكفي كل هذا الحشد ، فعلم النبي - صلى الله عليه وسلم
– ما يدور في نفس جابر رضي الله عنه فأخبره بألا ينزل القدر
، وألا يخبز الخبز، حتى يأتيه ويبارك فيه، ثم أكلوا جميعاً وشبعوا، والطعام كما هو.
ويوم الهجرة
كان سبب إسلام أم معبد الخزاعية رضي الله عنها رؤيتها للنبي - صلى الله عليه وسلم
– وهو يمسح على ضرع شاةٍ هزيلة كانت لديها ، فامتلأ الضرع لبناً
، فشرب منه النبي – صلى الله عليه وسلم – وسقى أبا بكر رضي الله عنه
، رواه الحاكم في المستدرك .
وتروي لنا عائشة رضي الله عنها
ما يدلّ على بركة طعام النبي – صلى الله عليه وسلم – في حياته وبعد مماته فتقول :
" توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وما في بيتي من شيء يأكله ذو كبدٍ
– تعني عدم وجود ما يصلح طعاماً - إلا شطر شعير في رفٍّ لي
، فأكلت منه حتى طال عليّ ، فكِلْتُه – أي : وزنته - ، ففني " متفق عليه .
.
وكان لأبي هريرة رضي الله عنه مع هذه المعجزة قصّة
، فقد اشتدّ به الجوع ذات يومٍ حتى اضطرّ إلى أن يربط على بطنه حجراً
، فقام يسأل أبابكر وعمر رضي الله عنهما ويحادثهما عسى
أن يظفر منهما بدعوةٍ إلى طعام ، لكنّهما لم يدركا مقصوده
، فلما رآه النبي- صلى الله عليه وسلم – عرف ما به من جوعٍ
، فدعاه إلى وعاءٍ من لبنٍ ، لكنّ فرحة أبي هريرة رضي الله عنه لم تكتمل
، فقد أمره رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أن يدعوا أهل الصفّة كلّهم
، فامتثل أبو هريرة رضي الله عنه للأمر النبوي وهو يظنّ أن مراده لن يتحقّق
، ولم يدر أنه سيكون شاهداً على إحدى معجزات النبي – صلى الله عليه وسلم –
، فقد شرب جميع من جاء من أهل الصفّة والوعاء على حاله لم ينقص
، ثم شرب منه أبو هريرة رضي الله عنه حتى لم يعد قادراً على الزيادة منه
، وكان النبي – صلى الله عليه وسلم - آخرهم شرباً ، رواه اري .
وأعجب من ذلك، ما جاء في سنن الترمذي
عن أبي هريرة رضي الله عنه حيث قال
: " أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - بتمرات، فقلت
يا رسول الله: ادع الله فيهن بالبركة، فضمهن، ثم دعا لي فيهن بالبركة
، وقال: ( خذهن واجعلهن في مزودك هذا، أو في هذا المزود
، كلما أردت أن تأخذ منه شيئاً، فأدخل فيه يدك، فخذه ولا تنثره نثرا )
، ويذكر أبو هريرة رضي الله عنه أنه ظلّ يأكل من ذلك التمر زماناً طويلاً
، واستمرّ حتى يوم مقتل عثمان رضي الله عنه
، رواه الترمذي ، وحسنه الألباني .
والحاصل أن تكثير الطعام
كان معجزة أيّد الله بها نبيه - صلى الله عليه وسلم -،
شاهدها الناس، وعايشها أصحابه ، فكان لها أثرٌ كبير
في دخول الناس في دين الله ، وتركت صدى عظيماً
في نفوس المسلمين وأسهمت في زيادة إيمانهم
وتعلقهم بربهم ، وحل مشكلاتهم وأزماتهم
، فسبحان من لا يعجزه شئ في الأرض ولا في السماء.