ثناء الجنان واللسان على الملك الديَّان
سبحان من أتته السماء والأرض طائعة، وتطامنت الجبال لعظمته خاشعة، ووكفت العيون
عند ذكره دامعة، ترنم الرعد بتسبيحه، لمعَ البرق بتمجيده، شدا الطير بذكره، هدل الحمام
بشكره، شكره نعمة تستوجب الشكر، ومدحه فضيلة للمادح تستحق العرفان، والثناء عليه
منّة منه يختص بها من يشاء.
هجدنا ونام الركب والليل مسرفٌ وقمت أسح الدمع للخالق الباري
عبادته شرف، والذل له عزة، والافتقار إليه غنى، والتمسكن له قوة، محاربته خذلان،
والكفر به لعنة، والتنكر لجميله عذاب.
فتح ومنح، طحى ودحى، أغطش وأغشى، رفع ووضع، وصل وقطع، أطعم وسقى،
كفى وكسى، يبتلي ويستدرج، ويبرم ويعد، ويأخذ وينتقم، يصب النعيم على من عصاه،
ثم يأخذ أخذ عزيز مقتدر، ويسلط البلاء على من أطاعه ليرفع منزلته في الصالحين.
ينشئ حدائق غناءة غزيرة الماء؛ وارفة الأنداء، طيبة الظل، ندية الطل
((حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ
عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ)).
كم أضحكَ من سن، وأبكى من عين، خلق الضدين، وأوجد النقيضين، وجعلَ المتشابهين
والمختلفين: ليلاً ونهاراً، ونوراً وظلمة، حراً وبرداً، رخاءً وشدة، جنة وناراً، هدىً وضلالاً،
إيماناً وكفراً، صلاحاً وفساداً، فيا ألله ما أحكمه وأعلمه وما أحسن صنعه وأجل لطفه.
قطع الألسنة الفصيحة بسيف الموت، بتر الرؤوس العنيدة بصارم الفناء، فَرجه فجأة، وأخذه
بغتة، ومنعه وعطاؤه حكمة، وقضاؤه نافذ، وأمره غالب، بيده الأمر واليه المعاد ولا حول
ولا قوة إلاَّ بالله ((أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ)).
أحلَى اللحظات وأجل الساعات إذا ذكرته، أشرف الرتب وأفضل القُرَب إذا سبَّحته.
أرفع المقامات وأعظم الدرجات إذا شكرته، أنكد الأزمات وغاية الهوان إذا عصيته،
أشقى الليالي والأيام إذا حاربته.
أَرغم بحجته أنوف الضلاَّل، وقرع بجلال وعظه قلوب اللاَّهين، وزلزل بوعيده أفئدة
الجبابرة، وأتحف بوعده نفوس الطائعين.
انظر إلى الشمس كيف أبدع سناها، وسيّرها إلى منتهاها، وبلّغها مداها، وزين القمر
وحسّن طلعته، وبث نوره، وحسّن زينته، وبث النجوم ما بين منظوم ومنثور
((هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ)).
من روائع الشيخ الدكتور عائض القرني.