السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أيها الولد
تأليف محمد بن محمد أبي حامد الغزالي
بسم الله الرحمن الرحيم
سبب تأليف هذه الرسالة:
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، والصلاة والسلام على نبيه محمد وآله أجمعين.
اعلم أن واحدا من الطلبة المتقدمين، لازم خدمة الشيخ الإمام زين الدين حجة الإسلام أبي حامد محمد بن محمد الغزالي رحمه الله، واشتغل بالتحصيل وقراءة العلم عليه، حتى جمع دقائق العلوم، واستمكل فضائل النفس، ثم إنه تفكر يوما في حال نفسه، وخطر على باله فقال: إني قرأت أنواعا من العلوم، وصرفت في ريعان عمري على تعلمها وجمعها، والآن ينبغي أن أعلم أي نوعها ينفعني غدا ويؤنسني في الآخرة؟ وأيها لا ينفع حتى أتركه؟.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع" رواه مسلم وغيره.
فاستمرت له هذه الفكرة حتى كتب الى حضرة الشيخ حجة الإسلام محمد الغزالي رحمه الله تعالى استفتاء، وسأل عنه مسائل، والتمس منه نصيحة ودعاء.
قال: وإن كانت مصنفات الشيخ كالإحياء وغيره يشتمل على جواب مسائلي، لكن مقصودي أن يكتب الشيخ حاجتي في ورقات تكون معي مدة حياتي وأعمل بها مدة عمري إن شاء الله تعالى.
فكتب الشيخ هذه الرسالة إليه في جوابه.
بسم الله الرحمن الرحيم
اعلم أيها الولد المحب العزيز ـ أطال الله تعالى بقاءك بطاعته، وسلك بك سبيل أحبّائه ـ أن منشور النصيحة يكتب من معدن الرسالة عليه الصلاة والسلام، إن كان قد بلغك منه مصيحة فأي حاجة لك في نصيحتي؟ وإن لم يبلغك فقل لي: ماذا حصّلت في هذه السنين الماضية!!!
· أيها الولد..!!
من جملة ما نصح به رسول الله صلى الله عليه وسلم أمته صلى الله عليه وسلم قوله:" علامة إعراض الله تعالى عن العبد اشتغاله بما لا يعنيه، وإن امرأ ذهبت ساعة من عمره في غير ما خلق له لجدير أن تطول عليه حسرته، ومن جاوز الأربعين ولم يغلب خيره شره فليتجهز الى النار" قال النبي صلى الله عليه وسلم:" من حسن إسلام المرء ترك ما لا يعنيه" رواه أحمد وغيره.
وفي هذه النصيحة كفاية لأهل العلم.
· أيها الولد..!!
النصيحة سهل، والمشكل قبولها، لأنها في مذاق متبعي الهوى مرّ، إذ المناهي محبوبة في قلوبهم على الخصوص لمن كان طالب علم مشتغلا في فضل النفس ومناقب الدنيا، فإنه يحسب أن العلم المجرد له سيكون نجاته وخلاصه فيه، وأنه مستغن عن العمل، وهذا اعتقاد الفلاسفة. ( أي العلم بلا عمل).
سبحان الله العظيم!! لا يعلم هذا القدر أنه حين حصّل العلم إذا لم يعمل به تكون الحجة علبه آكد، كما ثال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" أشد الناس عذابا يوم القياة عالملا ينفعه الله بعلمه" قال العراقي في تخريج أحاديث الإحياء 1\3: رواه الطبراني في "الصغير"، والبيهقي في "شعب الإيمان" من حديث أبي هريرة بإسناد ضعيف.
وروي أن الجنيد رئي في المنام بعد موته، فقيل له: ما الخبر يا أبا القاسم؟ قال: طاحت العبارات، وفنيت الإشارات، وما نفعنا إلا ركعات ركعناها في جوف الليل.
· أيها الولد..!!
لا تكن من الأعمال مفلسا، ولا من الأحوال خاليا، وتيقّن أن العلم المجرد لا يأخذ باليد.
مثاله لو كان على رجل في برية عشرة أسياف هندية مع أسلحة أخرى، وكان الرجل شجاعا وأهل حرب، فحمل عليه أسد عظيم مهيب، فما ظنّك؟ هل تدفع الأسلحة شره عنه بلا استعمالها وضربها؟!
ومن المعلوم أنها ل اتدفع إلا بالتحريك والضرب، فكذا لو قرأ رجل مائة ألف مسألة علمية وتعلمها، ولم يعمل بها: لا تفيده إلا بالعمل.
ومثاله أيضا: لو كان لرجل حرارة ومرض صفراوي يكون علاجه بالسكنجين والكشكاب فلا يحصل البرء إلا باستعمالهما. السكنجين والكشكاب: دواءان لعلاج الحمى الصفراء.
كرمى دو هزار بار بييماي ** تامى نخوري نباشدت شيدابي
هذا البيت من الشعر الفارسي ومعناه: إذا كلت الخمر ألفي مرة ولم تشربها لم تحس بالنشوة.
· أيها الولد..!!
ولو قرأت العلم مائة سنة، وجمعت ألف كتاب، لا تكون مستعدا لرحمة الله تعالى إلا بالعمل لقوله تعالى:{ وأن ليس للإنسان إلا ما سعى} [ النجم:39]، وقوله تعالى:{ فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا} [ الكهف: 110]، وقوله تعالى:{ جزاء بما كانوا يكسبون} [ التوبة: 82]، وقوله تعالى:{ إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات كانت لهم جنات الفرعون نزلا * خالدين فيها لا يبغون عنها حولا} [ الكهف: 107 ـ 108]، وقوله تعالى:{ إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا} [ الفرقان: 70].
وما تقول في الأحاديث؟ " بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأنّ محمدا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصومرمضان، وحجّ البيت من استطاع إليه سبيلا" رواه البخاري ومسلم.
والإيمان: قول باللسان، وتصديق بالجنان، وعمل بالأركان.
ودليل الأعمال أكثر من أن يحصى، وإن كان العبد يبلغ الجنة بفضل الله تعالى وكرمه، لكن بعد أن يستعد بطاعته وعبادته، لأن رحمة الله قريب من المحسنين.
ولو قيل أيضا: يبلغ بمجرد الإيمان.
قلنا: نعم لكن متى يبلغ؟ وكم من عقبة كئود تستقبله الى أن يصل؟.
وأول تلك العقبات: عقبة الإيمان: أنه هل يسلم من السلب أم لا., وإذا وصل يكون خائبا مفلسا.
وقال الحسن البصري رحمه الله: يقول الله تعالى لعباده يوم القيامة: ادخلوا يا عبادي الجنة برحمتي واقتسموها بقدر أعمالكم.
· أيها الولد..!!
ما لم تعمل لم تجد الأجر.
حكي أن رجلا من بني إسرائيل عبد الله تعالى سبعين عاما، فأراد الله تعالى أن يجلوه على الملائكة فأرسل الله إليه ملكا يخبره أنه مع تلك العبادة لا يليق به دخول الجنة، فلما بلغه قال العابد: نحن خلقنا للعبادة، فينبغي لنا أن نعبده. فلما رجع الملك قال الله تعالى: ماذا قال عبدي؟ قال: إلهي، أنت أعلم بما قال، فقال الله تعالى: إذا هو لم يعرض عن عبادتنا، فنحن ـ مع الكرم ـ لا نعرض عنه، أشهدوا يا ملائكتي أني قد غفرت له.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوا أعمالكم قبل أن توزنوا" روى الترمذي هذا الحديث موقوفا على عمر بألفاظ مشابهة.
وقال علي رضي الله عنه: من ظنّ أنه بدون الجهد يصل فهو متمّن، ومن ظنّ أنه يبذل الجهد يصل فهو مستغن.
وقال الحسن رحمه الله تعالى: طلب الجنة بلا عمل ذنب من الذنوب. وقال: علامة الحقيقة ترك ملاحظة العمل لا ترك الهمل.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" الكيّس من دان نفسه، وعمل لما بعد الموت، والأحمق من أتبع نفسه هواها وتمنّى على الله". رواه الترمذي وقال: حديث حسن.
· أيها الولد..!!
كم من ليلة أحييتها بتكرار العلم ومطالعة الكتب، وحرّمت على نفسك النوم؛ لا أعلم ما كان الباعث فيه؟
إن كانت نيتك عرض الدنيا، وجذب حطامها وتحصيل مناصبها، والمباهاة على الأقران والأمثال، فويل لك ثم ويل لك.
وإن كان قصدك فيه إحياء شريعة النبي صلى الله عليه وسلم وتهذيب أخلاقك، وكسر النفس الأمّارة بالسوء، فطوبى لك ثم طوبى لك، ولقد صدق من قال شعرا:
سهر العيون لغير وجهك ضائع *** وبكاؤهن لغير فقدك باطل
· أيها الولد..!!
عش ما شئت فإنك ميت، وأحبب من شئت فإنك مفارقه واعمل ماشئت فإنك مجزي به. عن سهل بن محمد رضي الله عنهما قال: جاء جبريل الى النبي محمد صلى الله عليه وسلم فقال:" يا محمد: عش ما شئت فإنك ميت، واعمل ماشئت، فإنك مجزي به، وأحبب من شئت فإنك مفارقه، واعلم أن شرف المؤمن قيام الليل، وعزه استغناؤه عن الناس" رواه الطبراني في الأوسط وإسناده حسن. أنظر الترغيب والترهيب 1\431.
· أيها الولد..!!
أي شيء حاصل لك من تحصل علم الكلام والخلاف والطب والدواوين والأشعار والنجوم والعروض والنحو والتصريف: غير تضييع العمر بخلاف ذي الجلال.
إني رأيت في الإنجيل أن عيسى عليه السلام قال: من ساعة ما شوضع الميت على الجنازة إلى أن يوضع على شفير القبر يسأل الله بعظمته منه أربعين سؤالا، أوّله يقول:" عبدي.. طهّرت منظر الخلق سنين وما طهّرت منظري ساعة"، وكل يوم ينظر في قلبك يقول الله تعالى:" ما تصنع لغيري وأنت محفوف بخيري"!!! أما أنت أصمّ لا تسمع؟!!!
· أيها الولد..!!
العلم بلا عمل جنون، والعمل بغير علم لا يكون.
واعلم أن علما لا يبعدك اليوم عن المعاصي، ولا يحملك على الطاعة لن يبعدك غدا عن نار جهنم، وإذا لم تعمل اليوم، ولم تدارك الأيام الماضية تقول غدا يوم القيامة: فارجعنا نعمل صالحا، فيقال: يا أحمق أنت من هناك تجيء. قال تعالى:{ ولو ترى إذ المجرمون ناكسوا رؤوسهم عند ربهم ربنا سمعنا فارجعنا نعمل صالحا إنا موقنون} [ السجدة: 12].
· أيها الولد..!!
يتبع
أيها الولد
تأليف محمد بن محمد أبي حامد الغزالي
بسم الله الرحمن الرحيم
سبب تأليف هذه الرسالة:
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، والصلاة والسلام على نبيه محمد وآله أجمعين.
اعلم أن واحدا من الطلبة المتقدمين، لازم خدمة الشيخ الإمام زين الدين حجة الإسلام أبي حامد محمد بن محمد الغزالي رحمه الله، واشتغل بالتحصيل وقراءة العلم عليه، حتى جمع دقائق العلوم، واستمكل فضائل النفس، ثم إنه تفكر يوما في حال نفسه، وخطر على باله فقال: إني قرأت أنواعا من العلوم، وصرفت في ريعان عمري على تعلمها وجمعها، والآن ينبغي أن أعلم أي نوعها ينفعني غدا ويؤنسني في الآخرة؟ وأيها لا ينفع حتى أتركه؟.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع" رواه مسلم وغيره.
فاستمرت له هذه الفكرة حتى كتب الى حضرة الشيخ حجة الإسلام محمد الغزالي رحمه الله تعالى استفتاء، وسأل عنه مسائل، والتمس منه نصيحة ودعاء.
قال: وإن كانت مصنفات الشيخ كالإحياء وغيره يشتمل على جواب مسائلي، لكن مقصودي أن يكتب الشيخ حاجتي في ورقات تكون معي مدة حياتي وأعمل بها مدة عمري إن شاء الله تعالى.
فكتب الشيخ هذه الرسالة إليه في جوابه.
بسم الله الرحمن الرحيم
اعلم أيها الولد المحب العزيز ـ أطال الله تعالى بقاءك بطاعته، وسلك بك سبيل أحبّائه ـ أن منشور النصيحة يكتب من معدن الرسالة عليه الصلاة والسلام، إن كان قد بلغك منه مصيحة فأي حاجة لك في نصيحتي؟ وإن لم يبلغك فقل لي: ماذا حصّلت في هذه السنين الماضية!!!
· أيها الولد..!!
من جملة ما نصح به رسول الله صلى الله عليه وسلم أمته صلى الله عليه وسلم قوله:" علامة إعراض الله تعالى عن العبد اشتغاله بما لا يعنيه، وإن امرأ ذهبت ساعة من عمره في غير ما خلق له لجدير أن تطول عليه حسرته، ومن جاوز الأربعين ولم يغلب خيره شره فليتجهز الى النار" قال النبي صلى الله عليه وسلم:" من حسن إسلام المرء ترك ما لا يعنيه" رواه أحمد وغيره.
وفي هذه النصيحة كفاية لأهل العلم.
· أيها الولد..!!
النصيحة سهل، والمشكل قبولها، لأنها في مذاق متبعي الهوى مرّ، إذ المناهي محبوبة في قلوبهم على الخصوص لمن كان طالب علم مشتغلا في فضل النفس ومناقب الدنيا، فإنه يحسب أن العلم المجرد له سيكون نجاته وخلاصه فيه، وأنه مستغن عن العمل، وهذا اعتقاد الفلاسفة. ( أي العلم بلا عمل).
سبحان الله العظيم!! لا يعلم هذا القدر أنه حين حصّل العلم إذا لم يعمل به تكون الحجة علبه آكد، كما ثال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" أشد الناس عذابا يوم القياة عالملا ينفعه الله بعلمه" قال العراقي في تخريج أحاديث الإحياء 1\3: رواه الطبراني في "الصغير"، والبيهقي في "شعب الإيمان" من حديث أبي هريرة بإسناد ضعيف.
وروي أن الجنيد رئي في المنام بعد موته، فقيل له: ما الخبر يا أبا القاسم؟ قال: طاحت العبارات، وفنيت الإشارات، وما نفعنا إلا ركعات ركعناها في جوف الليل.
· أيها الولد..!!
لا تكن من الأعمال مفلسا، ولا من الأحوال خاليا، وتيقّن أن العلم المجرد لا يأخذ باليد.
مثاله لو كان على رجل في برية عشرة أسياف هندية مع أسلحة أخرى، وكان الرجل شجاعا وأهل حرب، فحمل عليه أسد عظيم مهيب، فما ظنّك؟ هل تدفع الأسلحة شره عنه بلا استعمالها وضربها؟!
ومن المعلوم أنها ل اتدفع إلا بالتحريك والضرب، فكذا لو قرأ رجل مائة ألف مسألة علمية وتعلمها، ولم يعمل بها: لا تفيده إلا بالعمل.
ومثاله أيضا: لو كان لرجل حرارة ومرض صفراوي يكون علاجه بالسكنجين والكشكاب فلا يحصل البرء إلا باستعمالهما. السكنجين والكشكاب: دواءان لعلاج الحمى الصفراء.
كرمى دو هزار بار بييماي ** تامى نخوري نباشدت شيدابي
هذا البيت من الشعر الفارسي ومعناه: إذا كلت الخمر ألفي مرة ولم تشربها لم تحس بالنشوة.
· أيها الولد..!!
ولو قرأت العلم مائة سنة، وجمعت ألف كتاب، لا تكون مستعدا لرحمة الله تعالى إلا بالعمل لقوله تعالى:{ وأن ليس للإنسان إلا ما سعى} [ النجم:39]، وقوله تعالى:{ فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا} [ الكهف: 110]، وقوله تعالى:{ جزاء بما كانوا يكسبون} [ التوبة: 82]، وقوله تعالى:{ إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات كانت لهم جنات الفرعون نزلا * خالدين فيها لا يبغون عنها حولا} [ الكهف: 107 ـ 108]، وقوله تعالى:{ إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا} [ الفرقان: 70].
وما تقول في الأحاديث؟ " بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأنّ محمدا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصومرمضان، وحجّ البيت من استطاع إليه سبيلا" رواه البخاري ومسلم.
والإيمان: قول باللسان، وتصديق بالجنان، وعمل بالأركان.
ودليل الأعمال أكثر من أن يحصى، وإن كان العبد يبلغ الجنة بفضل الله تعالى وكرمه، لكن بعد أن يستعد بطاعته وعبادته، لأن رحمة الله قريب من المحسنين.
ولو قيل أيضا: يبلغ بمجرد الإيمان.
قلنا: نعم لكن متى يبلغ؟ وكم من عقبة كئود تستقبله الى أن يصل؟.
وأول تلك العقبات: عقبة الإيمان: أنه هل يسلم من السلب أم لا., وإذا وصل يكون خائبا مفلسا.
وقال الحسن البصري رحمه الله: يقول الله تعالى لعباده يوم القيامة: ادخلوا يا عبادي الجنة برحمتي واقتسموها بقدر أعمالكم.
· أيها الولد..!!
ما لم تعمل لم تجد الأجر.
حكي أن رجلا من بني إسرائيل عبد الله تعالى سبعين عاما، فأراد الله تعالى أن يجلوه على الملائكة فأرسل الله إليه ملكا يخبره أنه مع تلك العبادة لا يليق به دخول الجنة، فلما بلغه قال العابد: نحن خلقنا للعبادة، فينبغي لنا أن نعبده. فلما رجع الملك قال الله تعالى: ماذا قال عبدي؟ قال: إلهي، أنت أعلم بما قال، فقال الله تعالى: إذا هو لم يعرض عن عبادتنا، فنحن ـ مع الكرم ـ لا نعرض عنه، أشهدوا يا ملائكتي أني قد غفرت له.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوا أعمالكم قبل أن توزنوا" روى الترمذي هذا الحديث موقوفا على عمر بألفاظ مشابهة.
وقال علي رضي الله عنه: من ظنّ أنه بدون الجهد يصل فهو متمّن، ومن ظنّ أنه يبذل الجهد يصل فهو مستغن.
وقال الحسن رحمه الله تعالى: طلب الجنة بلا عمل ذنب من الذنوب. وقال: علامة الحقيقة ترك ملاحظة العمل لا ترك الهمل.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" الكيّس من دان نفسه، وعمل لما بعد الموت، والأحمق من أتبع نفسه هواها وتمنّى على الله". رواه الترمذي وقال: حديث حسن.
· أيها الولد..!!
كم من ليلة أحييتها بتكرار العلم ومطالعة الكتب، وحرّمت على نفسك النوم؛ لا أعلم ما كان الباعث فيه؟
إن كانت نيتك عرض الدنيا، وجذب حطامها وتحصيل مناصبها، والمباهاة على الأقران والأمثال، فويل لك ثم ويل لك.
وإن كان قصدك فيه إحياء شريعة النبي صلى الله عليه وسلم وتهذيب أخلاقك، وكسر النفس الأمّارة بالسوء، فطوبى لك ثم طوبى لك، ولقد صدق من قال شعرا:
سهر العيون لغير وجهك ضائع *** وبكاؤهن لغير فقدك باطل
· أيها الولد..!!
عش ما شئت فإنك ميت، وأحبب من شئت فإنك مفارقه واعمل ماشئت فإنك مجزي به. عن سهل بن محمد رضي الله عنهما قال: جاء جبريل الى النبي محمد صلى الله عليه وسلم فقال:" يا محمد: عش ما شئت فإنك ميت، واعمل ماشئت، فإنك مجزي به، وأحبب من شئت فإنك مفارقه، واعلم أن شرف المؤمن قيام الليل، وعزه استغناؤه عن الناس" رواه الطبراني في الأوسط وإسناده حسن. أنظر الترغيب والترهيب 1\431.
· أيها الولد..!!
أي شيء حاصل لك من تحصل علم الكلام والخلاف والطب والدواوين والأشعار والنجوم والعروض والنحو والتصريف: غير تضييع العمر بخلاف ذي الجلال.
إني رأيت في الإنجيل أن عيسى عليه السلام قال: من ساعة ما شوضع الميت على الجنازة إلى أن يوضع على شفير القبر يسأل الله بعظمته منه أربعين سؤالا، أوّله يقول:" عبدي.. طهّرت منظر الخلق سنين وما طهّرت منظري ساعة"، وكل يوم ينظر في قلبك يقول الله تعالى:" ما تصنع لغيري وأنت محفوف بخيري"!!! أما أنت أصمّ لا تسمع؟!!!
· أيها الولد..!!
العلم بلا عمل جنون، والعمل بغير علم لا يكون.
واعلم أن علما لا يبعدك اليوم عن المعاصي، ولا يحملك على الطاعة لن يبعدك غدا عن نار جهنم، وإذا لم تعمل اليوم، ولم تدارك الأيام الماضية تقول غدا يوم القيامة: فارجعنا نعمل صالحا، فيقال: يا أحمق أنت من هناك تجيء. قال تعالى:{ ولو ترى إذ المجرمون ناكسوا رؤوسهم عند ربهم ربنا سمعنا فارجعنا نعمل صالحا إنا موقنون} [ السجدة: 12].
· أيها الولد..!!
يتبع