إمام المسجد :
المسجد هو المؤسسة الثابتة في الإسلام وهو الرابطة الدينية والاجتماعية التي توثق الصلة وتحقق التعارف بين فئات المجتمع المسلم .
المسجد هو المؤسسة الثابتة في الإسلام وهو الرابطة الدينية والاجتماعية التي توثق الصلة وتحقق التعارف بين فئات المجتمع المسلم .
ويعتبر إمام المسجد وخطيبه عماد المسجد وقوته ، به يؤدي المسجد رسالته في نشر الدعوة وتوعية المجتمع وتبصير الناس بأمور دينهم ، فإذا كان الخطيب عالما قوي الشخصية نافذ البصيرة عارفا بعادات الناس وأحوالهم كان تأثيره جيدا ومفيدا في جماعة المسجد ، وفي سكان الحي الذي فيه المسجد يعلمهم ويرشدهم ويقودهم إلى كل خير وفضيلة .
وقد كان كذلك الخطباء المستجمعون لشروط الإمامة والخطابة .
ففي صدر الإسلام كان النبي صلى الله عليه وسلم هو الإمام والخطيب ثم خلفاؤه الراشدون ثم الأمراء والقواد والعلماء والأعلام ، وهذا يدل على أنه يجب أن يكون متولي هذه الوظيفة في المنزلة العالية من الدين والخلق والعلم والسلوك وهنا تظهر أهمية هذه الوظيفة في حياة الناس إذ إن قوة الخطباء تبدو على مجتمعاتهم ، وضعفهم يظهر أثره في تلك المجتمعات ، لأن المسجد هو الذي يعلم المجتمع ربط القول بالعمل فإذا كان الخطيب ضعيف العلم والشخصية أو سيئ الخلق والسلوك فإنه يضر ولا ينفع ، وإذا كان من مهمة الإمام الخطيب قيادة المصلين إلى الخير والبر والصلاح فمن العسير أن يحقق الخطيب الجاهل هذه المهمة الجليلة .
وقد يكون الإمام الخطيب جامعا لشروط هذه الوظيفة من حيث العلم والقدرة الشخصية ولكنه مشغول عن وظيفته بأعمال أخرى تؤثر على مستوى الخطبة ، فلا يجد الوقت الكافي لإعداد الخطبة بما يناسب الحال ، فيخرج للناس كما يقول ابن قيم الجوزية رحمه الله بخطبة لا تحصل في القلب إيمانا بالله ولا توحيدا له ولا معرفة خاصة به ولا تذكيرا بأيامه ولا بعثا للنفوس على محبته والشوق إلى لقائه . . . . الخ .
وقد يغلبه الهوى وتجمع به النزاعات السياسية والحزبية والتطرف المذموم فيخرج عن الموضوعية والتوجيه التربوي والدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة إلى التشهير والتجريح والإثارة والأسلوب المتشنج ، وهذه بلاء وضجيج وصيحات خاسرة جاء بها الفكر الوافد والثقافة الدخيلة ، فنعوذ بالله من الهوى والشيطان ودعاة الهدم والضلع ، ونسأل الله أن يرزقنا السداد في القول والعمل إنه ولي ذلك والقادر عليه .
مقومات الإمام العلمية :
يعيش المجتمع الإسلامي اليوم في بحر من المنكرات والبدع والخرافات واتباع الشهوات والوقوع في الشبهات ، وقد غلبت عليه النزعة المادية فجعل همه السعي وراء متطلبات الحياة دون وازع أو حذر من الوقوع في المحرمات ولم ينج من ذلك إلا من ركب سفينة النجاة وعصمه الله من الوقوع في الشهوات والشبهات .
يعيش المجتمع الإسلامي اليوم في بحر من المنكرات والبدع والخرافات واتباع الشهوات والوقوع في الشبهات ، وقد غلبت عليه النزعة المادية فجعل همه السعي وراء متطلبات الحياة دون وازع أو حذر من الوقوع في المحرمات ولم ينج من ذلك إلا من ركب سفينة النجاة وعصمه الله من الوقوع في الشهوات والشبهات .
وإن للمسجد أثرا عظيما في هذا الدين ؛ إذ هو منارة هدى يتصل العبد فيه بربه ، ويتقوى إيمانه ، ويجتمع بإخوانه ليتعاون الجميع على نشر الفضيلة ومحاربة الرذيلة ولن يكون المسجد قادرا على ذلك إلا إذا هيأ الله له إماما توفرت له المقومات العلمية المطلوبة لكل من يشغل هذا المنصب العظيم ويؤدي مهام هذه الوظيفة الجليلة وأهم هذه المقومات .
1 - إخلاص العمل لله حتى يكون مؤيدا منصورا مقبولا ومحبوبا عند الله وعند الناس .
2 - الابتعاد عن الرياء والمباهاة ، فإن الأمور بمقاصدها والأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى ومن تزين بما ليس فيه شانه الله .
3 - أن يكون حافظا لكتاب الله أو يحفظ قدرا كبيرا من القرآن الكريم .
4 - أن يحفظ عددا من الأحاديث النبوية ، من رياض الصالحين أو الأربعين النووية أو من بلوغ المرام أو غيرها من كتب الحديث المعتمدة .
5 - أن يعرف الفقه في الدين عقيدة وشريعة وبالأخص فقه العبادات وأهم ذلك ما يتعلق بالطهارة ، والصلاة ، والصيام ، وكذلك فقه المعاملات ليعرف ضوابط الكسب والإنفاق ، ويحذر الناس من الغش والتدليس وأخذ أموال الناس بالباطل ، ويحذرهم كذلك من الإسراف والتبذير والبخل والتقتير ، حتى تكون تصرفاتهم المالية في ضوء الكتاب والسنة .
كقوله تعالى : وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ وقوله عز وجل : وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا .
ولما ذكر تعالى صفات المؤمنين في سورة الفرقان أخبر أنهم وسط في الإنفاق بين الإسراف والتقتير قال تعالى : وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا .
وقول النبي صلى الله عليه وسلم : كلوا واشربوا والبسوا في غير إسراف ولا مخيلة .
6 - أن يجيد اللغة العربية حتى يعرف معاني ما أنزل الله على رسوله صلى الله علبه وسلم فإن القرآن نزل بلغة العرب وبعض ألفاظه لم يعرفها بعض كبار الصحابة إلا منهم ، كما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال : "ما كنت أفهم معنى ( فاطر ) حتى سمعت قول الأعرابي : أنا فطرتها . " حين تنازع عنده أعرابيان في بئر فقال أحدهما : أنا فطرتها أي ابتدأت حفرها .
7 - أن يقرأ السيرة النبوية والشمائل المحمدية وسير السلف الصالح ففيها قدوة صالحة ، وأسوة حسنة وثروة علمية نافعة ، وثقافة إسلامية عالية .
8 - أن يعرف الفرق الإسلامية وعقائدها ، والاتجاهات الفكرية ومقاصدها ، والمذاهب الهدامة وأهدافها ، حتى يتمكن من مناقشتها في ضوء كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، وما كتبه علماء المسلمين المحققون وينقد زيفها ويحذر من باطلها .
9 - أن يتعرف على مشكلات العالم الإسلامي ، وأحوال الأقليات الإسلامية المضطهدة وكيف السبيل لحل هذه المشكلات ، ونصرة هذه الأقليات وما المخرج المنقذ من المآزق التي وقع فيها المسلمون بسبب ضعف الإيمان وقلة الوازع الديني ، وبعدهم عن منهج الله السوي المستقيم .
10 - أن يتعرف على وسائل الإعلام المختلفة ، ويعرف اجابياتها وسلبياتها ، وما أصيب به المسلمون بسبب هذا الانفتاح الجديد ، وتبادل الثقافات المختلفة والغزو الفكري المكثف ، وأخطار البث المباشر عن طريق الإعلام الوافد الذي يستهدف العقيدة والأخلاق والقيم .
وإذا توافرت هذه المقومات لإمام المسجد وبخاصة إمام الجمعة فإن ذلك يحصل استقامة وتوازنا فلا إفراط ولا تفريط ، ولا طيش ولا شطط ؛ لأنه حينئذ يتحدث من مشكاة القرآن والسنة ومن منهج خير الناس بعد الأنبياء أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولأنه يتحدث للناس من خلال رؤية واضحة وثقافة إسلامية مؤصلة ، ومعرفة لفقه الواقع .
وسيظهر أثر ذلك في تعليمه وتوجيهه وإرشاده الذي يتلقاه السامعون من خطبته من حيث الموضوعية ، والمنهجية ، والالتزام بمنهاج النبوة فلا إطالة ولا تقصير ، ولا إثارة ولا تجريح ولا شتم ولا تثريب ولا عتب ولا انتقام ولنضرب لذلك كله مثالا جامعا من منهج الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم حين جاء إلى المدينة وصلى بالناس أول جمعة صلاها في الإسلام وكانت هناك في بني سالم بن عوف فإنه صلى الله عليه وسلم خطب خطبة قصيرة جامعة مباركة ، قال فيها بعد أن حمد الله وأثنى عليه بما هو أهله .
أما بعد : أيها الناس ، فقدموا لأنفسكم تعلمن والله ليصعقن أحدكم ثم ليدعن غنمه ليس لها راع ثم ليقولن له ربه وليس له ترجمان ولا حاجب يحجبه دونه : ألم يأتك رسولي فبلغك ، وآتيتك مالا وأفضلت عليك فما قدمت لنفسك ، فلينظرن يمينا وشمالا فلا يرى شيئا ثم لينظرن قدامه فلا يرى غير جهنم ، فمن استطاع أن يقي وجهه من النار ولو بشق من تمرة فليفعل ، ومن لم يجد فبكلمة طيبة فإن بها تجزى الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
قارن بين هذا المضمون وهذا الإيجاز وبين خطب خطباء هذا العصر من وجهين على الأقل تجد :
أولا : أن خطبة الرسول صلى الله عليه وسلم كانت تملأ القلوب بالإيمان وتذكر الناس بلقاء الله قال ابن القيم رحمه الله : ( ومن تأمل خطب النبي صلى الله عليه وسلم وخطب أصحابه وجدها كفيلة ببيان الهدى والتوحيد ، وذكر صفات الرب جل جلاله ، وأصول الإيمان الكلية والدعوة إلى الله ، وذكر آلائه تعالى التي تحببه إلى خلقه وأيامه التي تحذر من بأسه ، والأمر بذكره وشكره الذي يحببهم إليه فيذكرون من عظمة الله وصفاته وأسمائه ما يحببه إلى خلقه ، ويأمرون من طاعته وشكره وذكره ما يحببهم إليه فينصرف السامعون وقد أحبوه وأحبهم ثم طال العهد وخفي نور النبوة وصارت الشرائع والأوامر رسوما تقام من غير مراعاة حقائقها ومقاصدها ) .
رحم الله هذا العالم الجليل كأنه يرى بعينيه ويسمع بأذنيه ما عليه معظم خطباء هذا الزمان من الضجيج الإعلامي الفارغ ، إذا سمع أحدهم خبرا في إذاعة مسموعة أو مرئية أو قرأ خبرا في صحيفة أو سمع قصة لا يدري ما مدى صحتها جعل من ذلك خطبة جمعة يرفع صوته ويمعر وجهه وينسج من الحبة قبة ، فيخرج السامعون بقيل وقال ما له من حاصل إلا العناء وكلة الأذهان ، ولقلة الفقه في الدين صار الناس يكثرون حول هذا الخطيب الذي جعل خطبة الجمعة محاضرة مليئة بالصراخ وصار مقصد الدهماء من الجمعة حضور الخطبة لا الصلاة ونخشى مع طول الزمن أن ينسى الناس معنى الصلاة والخطبة .
هذا من جهة ومن جهة أخرى فإن النبي صلى الله عليه وسلم قدم من مكة وهي مليئة بالمشكلات ومشحونة بالأحداث الجسام والرسول صلى الله عليه وسلم حديث عهد بالمؤامرة الفاشلة التي دبرها خصوم الدعوة لاغتياله وكان المشركون قد خنقوه حتى كادت روحه تزهق لولا أن تداركه أبو بكر وهو يقول أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله ولقي أصحابه في سبيل اتباعه أشد ما يلقاه أتباع نبي حيث عاملهم المشركون بما لا حد له من قسوة ووحشية .
وكان من الطبيعي في مفهومنا المعاصر أن يتعرض الرسول صلى الله عليه وسلم في أول خطبة يلقيها في المجتمع المدني المناصر له إلى هذه الأحداث ويذكر الأعداد ويندد بهم لكنه لم يذكر شيئا من ذلك إنما قصد المعنى الأسمى وهو التذكير بالله ولقائه فأين خطباء هذا العصر من هذا المنهج النبوي ، ليتهم يفهمون ذلك جيدا حتى لا يشغلوا المنابر والمصلين بتتبع الأحداث التي تسمع في أكثر من وسيلة إعلامية بما يغني عن شغل المنابر بها ويحول الخطبة نشرة أخبار .
ثانيا : خطبة النبي صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة قصيرة وهذا ثابت من قوله وفعله . وأما من فعله فقد ذكرنا نص الخطبة وهي كلمات طيبات مباركات جامعات نافعات .
وأما من قوله فقد ورد عنه صلى الله عليه وسلم ما يدل على ذلك :
1 - روى مسلم في صحيحه عن واصل بن حبان قال : قال أبو واتل : خطبنا عمار فأوجز وأبلغ فلما نزل قلنا يا أبا اليقظان لقد أبلغت وأوجزت فلو كنت تنفست ( أي أطلت قليلا ) فقال : إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " . إن طول صلاة الرجل وقصر خطبته مئنة من فقهه فأطيلوا الصلاة وأقصروا الخطبة وإن من البيان سحرا
2 - وروى مسلم أيضا عن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال : كنت أصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فكانت صلاته قصدا وخطبته قصدا . .
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر بالتخفيف ومراعاة أحوال الناس حتى في صلاة الفرض ، فعن أبي هريرة رضى الله عنه قال قال رسول صلى الله عليه وسلم : إذا صلى أحدكم للناس فليخفف فإن في الناس الضعيف والسقيم وذا الحاجه .
وعنه رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إذا أم أحدكم الناس فليخفف فإن فيهم الصغير والكبير والضعيف والمريض فإذا صلى وحده فليصل كيف شاء .
فأين خطباء هذا العصر من هذا التوجيه النبوي ، لقد بعد الناس عن فقه الصلاة والخطبة حتى رأيناهم يعكسون الأمر فيقصرون الصلاة ويطيلون الخطبة وربما يكون في الناس المريض والكبير وصاحب الحاجة وفي هذا مخالفة للسنة ومن لم تسعه سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وقع في البدعة ومهما يكن من مبررات فإن السنة أولى بالاتباع قال تعالى : لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا .
عدل سابقا من قبل الطيبه في الخميس 24 يوليو 2008, 2:51 pm عدل 1 مرات