حلق التحفيظ المفترى عليها !!
الحمد لله وبعد,,
فقد أنزل الله تعالى كتابه العظيم ودستوره القويم ، شريعة للعالمين ، ورحمةً للنّاس أجمعين !!
وأمر - سبحانه- بتدبره وتلاوته حقاً ، وندب إلى تقديسه وإجلاله صدقاً ، وأرشد إلى العمل بمقتضاه قولاً وفعلاً !!
((كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ)) (ص : 29) . ((وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِن كِتَابِ رَبِّكَ)) (الكهف : 27) . ((هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَابِ)) (آل عمران : 7) .
وما زال المسلمون منذ بزوغ فجر الرسالة يتحلقون في مساجدهم, ويتوافدون الى مدارسهم, يتلون كتاب الله, ويتدارسونه بينهم, فما عرفت البشرية أرق منهم قلوباً !! ولا أضعف أفئدة!! ولا أصدق ألسناً !!
ولا غرو فهم أهل الله وخاصته ، وهم خير الخليقة ، وتاج البرية ، فعند البخاري من حديث عثمان ((خيركم من تعلم القرآن وعلّمه)) !!
فمعلمو القرآن وتلاميذهم أخيار العالم, وسادة الدنيا على لسان الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم ..!
وقد ظلت باحات المساجد وأروقتها إبّان حكم الدول الإسلامية المتتابعة, مكتظة بأهل القرآن وقرأته!
يُذكون المساجد بعطر تلاوتهم ، ويُجمِّلون أركانه برونق ترتيلهم ، ويشنفون الأسماع بحلاوة قراءتهم !!
فلا والله ما بالدنيا أجمل منهم منظراً ، ولا أبهى مشهداً !!
إنَّه القرآن العظيم ، ربيعُ القلوب ، وبهجةُ النفوس ، ومهوى الأفئدة !!
إنَّه كتاب الله الذين طالما استمع إليه الملحدون فآمنوا, وأنصت له المشركون فأسلموا !!
ولقد تعرض القرآن الكريم لجملة عظيمة من الكيد والحرب الضروس الهادفة إلى عزله وإقصائه عن حياة الأمة, ومعترك الأقران, والناشئة !!
ومن ضمن الحملات الشرسة ذلك التشويه المتعمد لحلق التحفيظ في مساجدنا !!
فكل يوم يطلُّ علينا مغرور أحمق عبر صحيفة خرقاء, أو قناة رعناء, ناقماً على حلق التحفيظ ، رامياً إيَّاها بالفضائع والشنائع ظُلماً وعدواناً ، وبغياً وبهتاناً !!
ولم يعد الأمر قاصراً على أرباب الشهوات ، ودهاقنة العلمنة, وأساطين الزندقة, بل تعداه إلى المحسوبين على (المشيخة !) و (العلم !)!!
فيتناول أحدهم قلمه الأهوج, فيدبّجُ مقالة فجة سمجة, تنبعث منها رائحة النفاق والبُهت, أو يقعد متوسداً على أريكته أمام عدسات المصورين؛ فيُقصي ويُدني, ويتحذلق ويتملق, ويتفيقه ويتشدق صاباً جام غضبه على حلق التحفيظ زاعماً - بلا خوف من الله- أنها بؤر (تخريب) , وأوكار ( إرهاب!!) وما ذاك إلا ، لأنَّ موجة العصر هي اتهام الإسلام في شرائعه, ومهاجمته في ثوابته, ومحاربته في شعائره, وإقصاؤه في مناهجه ومفرداته !!
ولو كان هذا الشيخ (رجلاً !!) أو تكلم (ناصحاً !!) لأمر بمعروف
ونهى عن منكر, وفتح عينيه على أصناف المخزيات من حوله, وألوان المنكرات بين يديه ومن خلفه والتي راجت في بلاد المسلمين وضجت من هولها الجبال الرواسي !!
ولو كان غيوراً على مستقبل أمته , وسلامة مجتمعه لكتب وحاضر ، وخطب وناظر إخماداً لفتنتها ، واستئصالاً لشأفتها .. لكن هيهات؛ (فالبطولة!) لا تظهر ، (والرجولة!) لا تكون إلا من خلال ركوب الموجة العاتية الجائرة ضد القيم السامية, والمناهج الراقية, وتسلق أسوار(المجد !!) لا يكون إلا فوق أكتاف طُلاب حلق التحفيظ الغضة !!
إن حلق التحفيظ - بحمد الله- كانت ولا تزال خير المحاضن لناشئة الأمة وشباب الإسلام ؛ فكم تخرج فيها من العلماء, وكم نبغ من خلالها النجباء!!
وكم أصلحت من الأخلاق, وعلمت من الآداب!!
وإني سائل كل من غمز حلق التحفيظ أو لمزها فضلاً عمن ظلمها وبهتها..
أين تحب أن يذهب ناشئة الإسلام,وأمل الأمة الواعد؟؟
أيسرك أن تمتلأ بهم مدرجات الكرة؟أم تحب أن يتسكعوا في الأسواق والطرقات ؟؟!
أم تتمنى أن يدلفوا على المقاهي, ويتحلقوا أمام القنوات؟!
أم يستهويك أن تروج بينهم العادات الضارة, والممارسات المحرمة, ويقعون فريسة سهلة لعصابات الجريمة والمخدرات؟!!
ألا فاتقوا الله وراقبوه أيها المتمشيخون فإنكم مسؤولون عمّا سطرته أيديكم ونطقته ألسنتكم ولن يصح إلا الصحيح وليس حُسن العاقبة إلا للمتقين !!
المصدر