لماذا يجوز مس الحائض للمصحف ؟ |
فى التشريع الاسلامى هو الإباحة وليس المنع، إلا إذا جاء معه نص صريح
بالتحريم يذكرفى القرآن فقد قال الله فى كتابه العزيز .. " وقد فصل لكم ما
حُرم عليكم " 119 الأنعام – ولم يرد أى نص قرآنى ينص على تحريم لمس الحائض
للمصحف وأيضا لم يرد هذا التحريم فى أحاديث صحيحة للرسول صلى الله عليه
وسلم .
(2) استند
المعارضون لمس الحائض للمصحف إلى سورة الواقعة بالايات من 77- 80 : " إنه
لقرآن كريم فى كتاب مكنون لا يمسه إلاالمطهرون، تنزيل من رب العالمين "
هذه الآيات نزلت على النبى صلى الله عليه وسلم عندما قال الكفار عن آيات
الوحى إنها تنزيل من الشياطين ، فنفى الله بهذه الآيات إدعاءاتهم وبأنه
قرآن كريم لا يمكن أن يمسه إلا المطهرون لماذا؟ لآنها تنزيل من رب
العالمين وكما قال الله تعالى فى سورة الشعراء " وما تنزلت به الشياطين
وما ينبغى لهم وما يستطيعون، إنهم عن السمع لمعزولون " .
(3) المراد هنا بكلمة (قرآن كريم) هى الصحف التى بأيدى الملائكة لماذا؟ للأسباب التالية :
كلمة
(مكنون) معناها اللغوى : المستور عن العيون وهل المصحف الكريم مستور عن
العيون ؟ بالطبع لأ – إنماالمقصود بعبارة (فى كتاب مكنون) هى تلك الصحف
التى بأيدى الملائكة فهى مستورة عن عيوننا فهى باللوح المحفوظ عند الله
سبحانه وتعالى يمسها الملائكة فقط .
· ما
المقصود هنا( بالمطهرون) ؟ هم الملائكة وليس المقصود البشر – لماذا؟ لان
لفظ (المطهرون) معناه الخلق الواقع عليهم الطهارة أى الطاهرون بطبيعة
خلقهم وليس من قاموابعمل ما حتى يتطهروا وإلا أصبحوا يسموا( متطهرون)
وليس( ُمطهرون)
فإسم
الفاعل من كلمة (تطهر) بمعنى من قام بالغسل أو الوضوء هو (متطهر)- فإذا
كان الله يقصد لا يمسه إلا البشر الذين يتطهرون فلماذا لم يقل " لا يمسه
إلا المتطهرون" بدلا من كلمة المطهرون التى أوردها فى الآية السابقة ؟ وقد
سبق فى موقع آخر فى القرآن أن قال سبحانه وتعالى:" إن الله يحب التوابين
ويحب المتطهرين"وكان يقصد هناأن الله تعالى يحب البشر الذين يتطهروا –
فالملائكة( مطهرون) والمؤمنون المتوضئون (متطهرون).
· كما أن من الدلائل على أن المقصود هنابكلمة
(المطهرون) هم الملائكة وليس البشر هو ماقاله الامام مالك فى كتابه
(الموطأ) فقد قال : أحسن ما سمعت فى تفسير قوله : "لايمسه إلا المطهرون"
إنها مثل هذه الآية فى سورة عبس :" من شاء ذكره فى صحف مكرمة مرفوعة مطهرة
بأيدىسفرة "
مكرمة
: لانها عندالله فى اللوح المحفوظ - مرفوعة : لأنه لايمسها إلا المطهرون
سفرة: وجاء فى شرحها إنها الملائكة التى تسعى بالوحى من الله وتبلغها
لرسوله وهى من لفظ السفارة أى السعى بين الناس .
· كما
قال جرير عن ... عن.... قتادة :" لايمسه إلا المطهرون بمعنى لا يمسه عند
الله إلا المطهرون فأما فى الدنيا فإنه يمسه المجوسى النجس والمنافق الرجس
"
(4)
لو كان هناك تحريم لمس الحائض للمصحف فلابد أن تكون الآية التى تعللوا بها
للدلالةعلى هذا التحريم أن تأتى بكلمة "لايمسه" لابد أن تأتى بحرف (لا)
الناهية حتى يفهم منها أن الله ينهى الحائض عن مس المصحف ويأمرهابعدم مسه – ولكن نلاحظ هنا أن حرف (لا) فى الآية ليست (لا) الناهية،
بل (لا) النافية ..لماذا ؟ لان (لا) الناهية إذا دخلت على الفعل المضارع
فلا بد أن يكون مجزوما وهذه قاعدة فى لغتنا العربية لغة القرآن ولكننا نجد
فى الآية أن الفعل المضارع الذى جاء بعد حرف (لا) وهوفعل{ يمسُه } ليس
مجزوما بالسكون بل حرف السين عليه ( ضمة) – لماذا؟ لان (لا)هنا تنفــــى
ولا تنهـــــى أن القرآن يمكن أن يقوم بمســـه غير المطهرون علما بأن (لا)
النافية معروف أنها لا تجزم الفعل المضارع – ولو كان الله سبحانه وتعالى
يقصد أن ينهى عن مس المصحف لقال : { لا يمسســـه } إلا المطهرون .
(5)
سورة الواقعة التى بها الآيات السابقة هى ( مكية ) وليست( مدنية) والمعروف
أن جميع السور المكية نزلت لشرح التوحيد وتثبيته وإصلاح العقيدة ، وإثبات
الصانع والرد على الكفار .... وليس بها أى أعمال للشريعة- لذا ليس مطلوب
من المسلم بهذه الآيات أن يقوم بأى عمل مثل أن يتطهر أو يغتسل أو يتوضأ
إذا أراد أن يمس المصحف – بل تشرح فقط أن هذاالقرآن الكريم محفوظ عند الله
لايقرب منه إلا الملائكة المطهرون .
(6)
المؤمن طاهر أبدا فقد قال الله سبحانه وتعالى فى كتابه " إنما المشركون
نجس" كما قال النبى صلى الله عليه وسلم :إن المؤمن لا ينجس – وذلك ولو كان
الرجل جنبا والمرأة حائضا .
(7)
كثير من العلماء الأجلاء أجازوا مس الحائض للمصحف مثل ابن كثير فى كتابه"
تفسيرإبن كثير " 299 وفسر فيه ( لايمسه إلا المطهرون) أن المقصود به
الكتاب الذى فى السماء وأن المطهرون هنا يعنى : الملائكة – وأيضا الامام
مالك فى كتابه "الموطأ" وابن القيم فى كتابه " التفسير القيم لابن القيم"
وابن تيمية فى كتابه مجموع الفتاوى 21/459 وأيضا فى كتاب : " تمام المنة
فى التعليق على فقه السنة " للشيخ محمد ناصر الدين الألبانى فقد انتقد رأى
المعارضون لمس الحائض للمصحف فى استنادهم للحديث النبوى :"لايمس القرآن
إلا طاهر" فقال المراد بالطاهر هنا فى هذا الحديث هو المؤمن سواء كان
محدثا حدثا أكبر أو أصغر أو حائضا أو فى بدنه نجاسة لقول النبى صلى الله
عليه وسلم " المؤمن لا ينجس والمراد هنا هو عدم تمكين المشرك من مسه فهناك
حديث متفق عليه عن نهى النبى صلى الله عليه وسلم عن السفر بالقرآن إلى أرض
العدو مخافة أن يناله العدو وأيضا من العلماء الذين أجازوا مس الحائض
للمصحف : ابن حزم فى كتابه " المحلى 1/77- 78" الذى كتب : بأن قراءة
القرآن والسجود فيه ومس المصحف وذكر الله تعالى جائز كل ذلك بوضوء وبغير
وضوء وللجنب والحائض ومن أدعى المنع فيها فى بعض الأحوال كلف أن يأتى
بالبرهان.
من
كل ما سبق نجد أنه يجوز للحائض مس المصحف والقراءه فيه وتأخذ ثوابها كاملا
بإذن الله فما كان الله ليعاقبها بحرمانها من هذا الثواب العظيم والمضاعف
فى رمضان على شيىء فرضه اله سبحانه وتعالى عليها
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ