ااستكمالا لما سبق في مو ضوع تجديد الايمان
لحمد لله الذي أنار قلوب عباده المتقين بنور كتابه المبين وجعل القرآن شفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد النبي العربي الأمين الذي ختم الله به أعينا عميا وآذانا صما وقلوبا غلفا وأخرج به من الظلمات إلى النور، صلاة وسلاما دائمين إلى يوم البعث والنشور، وعلى آله الطيبين وأصحابه الأبرار الهادين وبعد:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن هذه القلوب لتصدأ، وإن جلاءها قراءة القرآن، وذكر الموت وحضور مجالس الذكر".
القلب يصدأ، فإن تداركه صاحبه بما وصف النبي صلى الله عليه وسلم سَلِم وإلا انتقل إلى السواد، يسودُّ لبعده عن النور ويسود لحبه الدنيا والحرص عليها من غير ورع، لأن من تمكن من قلبه حب الدنيا زال ورعه وزال حياؤه من ربه عز وجل ومراقبته.
فلنقبل من نبينا هذه الوصفة لجلاء صدإ قلوبنا، ولو أن بأحدنا مرضا ووصف بعض الأطباء دواء له لما أهنأه العيش حتى يستعمله.
اختي المومنة;: كيف تُخرجي حب الدنيا من قلبك؟
إن نظرتي أختي بعيني قلبك إلى عيوب الدنيا قدرت على إخراجها منه، وإن نظرت إليها بعيني رأسك اشتغلت بزينتها عن عيوبها ولم تقدري على إخراجها من قلبك والزهد فيها، فتقتلك كما قتلت غيرك. جاهدي نفسك بقراءة القرآن وذكر الموت وحضور مجالس الذكر ومراقبة الله عز وجل حتى تطمئني، فإذا اطمأنتي عرفتي عيوب الدنيا وزهدت فيها. طمأنتها أنها تقبل من القلب وتوافق السر وتطيعها فيما يأمران به وينتهيان عنه وتقنع بعطائها وتصبر على منعهما، إذا صارت مطمئنة انضافت إلى القلب وسكنت إليه.
عليك أخي بإصلاح قلبك فإنه إذا صلح، صلح لك سائر أحوالك، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: "... ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب" قال تعالى: "يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم" وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول في دعائه: "اللهم إني أسألك قلبا سليما". فالقلب السليم هو السالم من الآفات والمكروهات كلها، وهو القلب الذي ليس فيه سوى محبة الله وخشيته. وفي مسند الإمام أحمد رضي الله عنه: "لا يستقيم إيمان عبد حتى يستقيم قلبه" والمراد باستقامة إيمانه استقامة أعمال جوارحه، فإن أعمال جوارحه لا تستقيم إلا باستقامة القلب. ومعنى استقامة القلب، أن يكون ممتلئا بمحبة الله تعالى والتوحيد له والإخلاص في الأعمال. فحركات الجسد تابعة لحركة القلب وإرادته. فإن كانت حركته وإرادته لله فقد صلح وصلحت حركات الجسد كله، وإن كانت حركة القلب وإرادته لغير الله فسد وفسدت حركات الجسد بحسب فساد حركة القلب.
فنظرة الإسلام إلى القلب خطيرة، فالقلب الأسود يفسد الأعمال الصالحة ويطمس بهجتها ويعكر صفوها. أما القلب المشرق فإن الله تعالى يبارك في قليله وهو إليه بكل خير أسرع.
فعلى الأخت المومنة أنتدرك أن عنايتها بقلبها يجب أن تفوق كل عناية، وإنه إن كانت تيعتني بجسدها وعقلها وتقدم لها الأغذية اللازمة والأدوية اللازمة للقيام بدورهما على الوجه الأكمل، فإن عليها بالتالي أن تعتني بقلبها. فهي بقلبها أولا تكون داعية وهي بقلبها أولاتكون مومنة وهي بقلبها أولا تكون ربانية.
ونظرا لما للقلب من قيمة يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الإنسان عيناه هاد، وأذناه قمع ولسانه ترجمان ويداه جناحان، ورجلان بريد، والقلب منه ملِك، فإذا طاب الملك طابت جنوده.
ومن الدلائل التي تشير إلى حياة القلب، اشتغال صاحبه بذكر الله وقراءة القرآن وشتى أنواع العبادات مصداقا لقوله تعالى: "الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا وعلى ربهم يتوكلون".
وقوله تعالى: "وبشر المخبتين الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم والصابرين على ما أصابهم والمقيمي الصلاة ومما رزقناهم ينفقون".
ومن الدلائل التي تشير إلى حياة القلب صلابة صاحبته في الدين، وصدعها بالحق، وعدم خوفها إلا من الله عز وجل. وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث يقول: "إن لله تعالى في أرضه آنية ... وهي القلوب .. فأحبها إليه تعالى أرقها وأصفاها وأصلبها. ثم فسرها فقال: أصلبها في الدين، وأصفاها في اليقين وأرقها على الإخوان".
ومن الدلائل التي تشير إلى حياة القلوب خوف أصحابها من الله ومما يسخطه، وبُعد أصحابها عن محارمه واجتنابهم معاصيه، مصداقا لقوله تعالى: "إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون".
ومن الدلائل التي تشير إلى عافية القلوب كذلك، خلوها من الحسد والبغض والغش. فعن عبد الله بن عمرو: قيل يا رسول الله أي الناس أفضل؟ قال: "كل مخموم القلب صدوق اللسان" قيل: صدوق اللسان نعرفه فما مخموم القلب؟ قال: "هو التقي النقي، لا إثم فيه ولا بغي ولا غل ولا حسد".
ومن الدلائل التي تشير إلى عافية القلوب اطمئنان أصحابها في كل الظروف، وسعة نفوسهم وانشراح صدورهم. فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في تفسير قوله تعالى: "أفمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه" هو التوسعة. إن النور إذا قذف في القلب اتسع الصدر وانشرح.
وقف أعرابي أمام طبيب وهو يصف الأدوية للمرضى فقال له: أيها الطبيب أعندك دواء لداء الذنوب يرحمك الله؟ فأطرق الطبيب برأسه إلى الأرض وأخذ يفكر ثم قال له: اسمع، دواء إن عملت به كان الشفاء من عند الله تعالى: خذ عروق الفقر وروح الصبر، وامزجهما برقائق الفكر، واجعل معهما قدرا مساويا من التواضع والخشوع، ثم دق المخلوط في مهراس التوبة والخضوع وبَلِّلْهُ بماء الدموع وضعه في وعاء التذلل إلى الله، وأوقد تحته نار التوكل عليه، وحركه بملعقة الاستغفار حتى يظهر عليه زبد التوفيق والوقار، وانقله إلى آنية المحبة، وبرِّده بهواء المودة، وصفِّه بمصفى الأحزان، واجعل معه حقيقة الإيمان، وامزجه بخوف الرحمن، ودُمْ على هذا ما عِشت من الأيام، وإياك أن تقرب في أيام دوائك شيئا من الآثام.
وتجنب الرياء والبس لباس الحياء، واشدد قلبك بالصدق والوفاء، وإياك أن تدخل بيتك إلا من باب التوبة والصفاء.
فإذا داومت على هذا الدواء صفا قلبك بين القلوب وزالت أوجاع ألم الذنوب.
اللهم إنا نسألك قلوبا خاشعة ونسألك قلوبا سليمة ونسألك قلوبا مستقيمة، ونعوذ بك اللهم من قلوب حاسدة ومن قلوب بغيضة.
اللهم اشغل قلوبنا بذكرك واملأها بمحبتك وخشيتك.
اللهم نوِّر قلوبنا واشرح صدورنا وتقبل توبتنا واغسل حوبتنا.
اللهم إنا أتيناك خاضعين واعترفنا لك بذنوبنا متواضعين وتعلم أننا لم نعصك متجبرين ولكن غلبت علينا شقوتنا فاغفر لنا ذنوبنا يا أرحم الراحمين يا رب العالمين.
آمين.