يولي الإسلام عناية واضحة نحو تربية المجتمع المسلم، في روابط قوية من التلاحم، والتعاون والشعور بمصلحة الجماعة. ولما كان الأمر كذلك فان التربية الأسرية في الإسلام تقوم على وحدة المعتقد، فهي العنصر الأساسي في توحيد الأهداف والاهتمامات والتصورات العامة لأفراد الأسرة المنسجمة.
الانسجام والتوافق الأسري
قال صلى الله عليه وسلم: "حُبب إلي من دنياكم ثلاث، الطيب والنساء وجُعلت قرة عيني في الصلاة". أخرجه أحمد في المسند ص38 ج3. فقد جمع صلى الله عليه وسلم بين قرة العين في الصلاة، ومعناها قمة القرب من الله وبين حب الزوجة. كما حقق الرسول صلى الله عليه وسلم ذلك الربط عمليا عندما كان يصلي على فراش عائشة وهذا معناه أن المكان الذي يكون فيه الإنسان مع زوجته من الممكن آن يكون هو بذاته مكان قرب الإنسان من ربه دون تعارض. إذ تقول عائشة عندما سألها ابن عمر: "اخبرينا بأعجب شيء رأيته من رسول الله صلى الله عليه وسلم فبكَت وقالت: كل أمره كان عجبا. أتاني في ليلتي حتى مس جلده جلدي ثم قال: ذريني أتعبد لربي فقلت: والله إني لأحبُّ قربك وإني أُحب أن تتعبد إلى ربك فقام إلى القربة فتوضأ ولم يكثر صب الماء ثم قام يصلي حتى بلَّت لحيته ثم سجد حتى بل الأرض" رواه ابن حبان.
وكذلك ربط بين مشاعر العبودية لله ومشاعر الأبوة والرحمة بالذرية في وقت واحد وكان يسجد فإذا ارتفع الحسين فوق ظهره ظل ساجدا حتى ينزل وكان يصلي وهو يحمل ابنته زينب على يده وبذلك تمتزج مشاعر العبودية لله مع مشاعر الرحمة والأبوة.
هذه حجة الوداع، اللقاء الأخير بين النبي صلى الله عليه وسلم وأمته، يقوم فيهم بوصاياه التي ستعيش معهم ويعيشون بها ومن بعده إلى قيام الساعة يقول: "واستوصوا بالنساء خيرا فإنهن عوان عندكم ليس تملكون منهن شيئا غير ذلك إلا أن يؤتين بفاحشة مبينة فإن فعلن فاهجروهن في المضاجع واضربوهن ضربا غير مبرح فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا إلا أن لكم على نسائكم حقا فأما حقكم على نسائكم فلا يوطئن فرشكم من تكرهون ألا وحقهن عليكم أن تحنو إليهن في كسوتهن وطعامهن" رواه البخاري ج3 ص483. والواضح من الرسالة أن جوهرها هو قيام علاقة طيبة بين رجال ونساء الأمة بالتكوين الأسري الصحيح وتحقيق مبدأ التحصين.
صور من واقع العصر النبوي في حماية الأسرة لتحقيق التوافق بين ضرورة الدعوة وتكاليفها وبين الطبيعة الأسرية نذكر هذه المواقف:
- نرى رجلا صحابيا اسمه حاطب ابن بلتعة "يبعث بخطاب إلى أهل مكة يخبرهم فيه أن الرسول صلى الله عليه وسلم سيأتي إليهم بجيش ويعلل هذا بأن كل الصحابة لهم ما يحمي أزواجهم وأولادهم في مكة فأراد أن يكون له بهذا العمل عند أهل مكة يدا يحمي بها زوجته وأهله ويصدق الرسول صلى الله عليه وسلم هذا التعليل ويقول: صدق ويأمر الصحابة ألا يقولوا له إلا خيرا". البخاري ج 1ص304.
- ولما تغيب عثمان عن بدر كان تحته بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت مريضة، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن لك أجر رجل وسهمه.
والأمر الذي يسبق كل العوامل السابقة، ليتحقق التوافق بين واقع الأسرة والدعوة هو اختيار الزوجة أو الزوج، والقرآن يحدد ضرورة اختيار الزوج أو الزوجة بمقتضى الدعوة فيقول: {ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن ولأمة مؤمنة خير من مشركة ولو أعجبتكم، ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا، ولعبدٌ مؤمن خير من مشرك ولو أعجبكم أولئك يدعون إلى النار والله يدعو إلى الجنة والمغفرة بإذنه ويبين آياته للناس لعلهم يتذكرون}. البقرة أية 221.
ومنطوق الآية أن الدعوة إلى الله صيغة حياة الداعية ولا بد آن تكون الزوجة والزوج لونا منسجما ومتجانسا مع هذه الصيغة.
راعية في بيتها
يقول صلى الله عليه وسلم: "الدنيا متاع وخير متاعها المرأة الصالحة إذا نظرت إليها سرتك وإذا غبت عنها حفظتك في نفسها ومالك"أخرجه مسلم في الرضاع 1467
وقوله صلى الله عليه وسلم: "تنكح المرأة لأربع: لمالها ولحسبها ولجمالها ولدينها فاظفر بذاتِ الدِّين تَرِبَتْ يداك". متفق عليه.
وعن ثوبان قال لما نزل في الذهب والفضة ما نزل قال: "فأي المال نأخذ قال عمر: أنا أعلم ذلك فأوضع على بعير فأدركه وأنأ في أثره فقال يا رسول الله أي مال نتخذ قال: "ليتخذ أحدكم قلبا شاكرا ولسانا ذاكرا وزوجة تعين أحدكم في أمر الآخرة" أخرجه أحمد في المسند -278 5.
أن تكون امرأة لا تريد إلا الآخرة هذه صفة أساسية لمعالجة الطبيعة الإنسانية للمرأة في واقع الدعوة. لأن المرأة ستبذل إحساس الأمان في حياتها والحماية من زوجها كما أن المرأة ستبذل التميز المادي وهذه كلها أمور تفرضها الدعوة على الزوجين، اللذين يعيشان في واقعهما سواء أكانت الدعوة في مرحلة الاستضعاف والكفاح من أجل التمكين أم في مرحلة التمكين إلى إمكانية مادية لتطلعات المرأة ورغباتها.
وهؤلاء نسوة النبي صلى الله عليه وسلم "يتظاهرن عليه" ويطالبن بتغير المعيشة بعد أن جاءت الأموال وتحقق التمكين فأمر الله سبحانه النبي صلى الله عليه وسلم أن يضع نساءه بين الرضا بالمعيشة التي هم عليها أو الطلاق فجاء قوله عز وجل: "يا أيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحا جميلا وإن كنتن تردن الله ورسوله والدار الآخرة فان الله أعد للمحسنات منكن أجرا عظيما" سورة الأحزاب 27/29.
فالمرأة إذا بطبيعة الضعف والطموح والرغبات المادية لا يمكن أن تصدق في تغيير وجهاد حقيقيين إلا إذا تجردت من تلك الصفات وأرادت الآخرة.
يقول احد الدعاة الصالحين: "مساندات كن ومانعات للرجل عن التدحرج. بل ومنهن من تقتحم العقبة لا تنتظر الرجل أن يسحبها معه كما يسحب التابع. كم من صحابية أسلمت وتخلت عن المشرك الزوج. والمشرك الأب والمشركة الأم. والمشركين العشيرة. والقوم والحماية والرزق. كم منهن هاجرن إلى الله ورسوله ابتداء من ذاتهن وهمتهن ومبادرتهن"ويقول أيضا: "من أنت في حقل الإنسانية. شوكة أنت أم زهرة واعدة. أم نبتة حائرة أنت. من أين جئت وإلى أين! ما الحياة والموت. وماذا بعد الموت...
من هذا السؤال تبدأ الدعوة، فمن كانت تائهة في الغفلة، قانعة بإسلام موروث يكتنفه الجهل بالدين يأتيها السؤال من قبل الرفق والتذكير والتودد والموعظة، ولا حاجة ولا فائدة من النقاش الفكري والجدل العقلي، لا فائدة مع هذا الصنف ولا حاجة إلى التفلسف، غبرة من الغفلة تنفض، وركام من رين المعاصي السالفة والغفلات الفارطة، نتوب جميعا من ذلك وإذا نحن على الفطرة والسلامة الأصلية" إن واقع الأسرة السليم لا يكون ولن يكون إلا إذا حيت هذه الأسرة على قضية الرسالة وتصور الوجود من خلال تلك القضية والقدرة على مواجهة أي واقع مخالف لهذا التصور.
راع في بيت أهله
من الأمور التي يتحقق بها الأمان داخل البيت اتباعه صلى الله عليه وسلم في تعامله في بيته. تقول السيدة عائشة رضي الله عنها: "ما عاب رسول الله صلى الله عليه وسلم طعاما قط، إن اشتهاه أكله وإن كرهه تركه"، متفق عليه.
وكذلك لا ترى الزوجة زوجها يعيبها في شكلها ومظهرها. ولذلك نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يقبح الرجل زوجته فيقول لها قبحك الله، كما يجب على الرجل أن يستجيب لطبيعة المرأة التي لا يمكن أن تتغير فيها مثل طبيعة الحديث التي تعتبر من أبرز طبائع المرأة فيتحتم على الرجل سماع حديث زوجته وأن يظهر تجاوبا واهتماما، وهذا حديث السيدة عائشة إذ كان صلى الله عليه وسلم يقول: كنت لك كأبي زرع لأم زرع، بمعنى أنه صلى الله عليه وسلم ينصت لها ولا يمل.
ونجد أنه من الخطير المنع والتذمر من النفقة ومن أجل هذا أجاز النبي صلى الله عليه وسلم أن تأخذ المرأة من مال زوجها إذا كان بخيلا. فقد جاءته هند زوجة أبي سفيان وقالت إن أبا سفيان رجل مسيك فهل يجوز لي أن آخذ من ماله دون علمه فأذن لها بقدر حاجتها. البخاري ص507 ج9.
فقد جاء في هذا قوله صلى الله عليه وسلم إنما تُنصرون بضُعفائكم. وقوله: دينارٌ أنفقته في رقبة ودينار أنفقته على أهلك أعظمها أجرا الدينار الذي أنفقته على أهلك. ولعل أروع صورة قوله صلى الله عليه وسلم: "حتى اللقمة التي تضعها في فم امرأتك لك بها صدقة". رواه مسلم، يوضح هذا كيف تكون المعاملة الراقية والكرامة والوجدانية في سد احتياج المرأة.
الولد الصالح
روى الإمام مسلم وأصحاب السنن عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاثة: "صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له".
يقول احد الدعاة الصالحين: الحديث دليل قاطع على أن الذرية –صالحة أو فاسدة– هي من عمل الإنسان، لا ينفي كونها خلقا لله كونها عملا للإنسان، فقد توجه أمامنا عظم مسؤولية الإنسان عن ذريته: تصلح إن أصلحها، وتفسد إن أساء تنشئتها، فيترتب على هذا المنطق المستنير بنور الوحي ونور التوجيه النبوي منهاج المسؤولية البشرية عن صلاح الأجيال وفسادها... إن كمال المرأة الوظيفي وكمال الرجل، أبوين مسؤولين مربيين. هو غاية ما يراد منهما تحقيقه حفظا لفطرة الله. ونشرا لرسالة الله وخدمة لأمة رسول الله ما يرفع المرأة إلى القداسة إلا أمومتها، وما يرفع الرجل إلا أبوته"، ويذكر حقهما بعد حق الله مباشرة في قوله تعالى: {وقضى ربك إلا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا} الإسراء آية23.
إن الأسرة القوية. والأم المربية المصلحة عماد الأسرة. والأسرة القوية عماد المجتمع الصالح.
وبذلك تأخذ الأسرة وضعها في اتجاه الحركة وتدخل معها المشاعر والغرائز في طاقة التحرك وتنضم فيها الزوجة إلى دوافع العمل وتتحول بها الذرية إلى إمكانية امتداد بشري للدعوة فيتحقق الانطلاق الحركي مع الارتباط الأسري والالتزام الاجتماعي والاحتياج المعيشي.
الانسجام والتوافق الأسري
قال صلى الله عليه وسلم: "حُبب إلي من دنياكم ثلاث، الطيب والنساء وجُعلت قرة عيني في الصلاة". أخرجه أحمد في المسند ص38 ج3. فقد جمع صلى الله عليه وسلم بين قرة العين في الصلاة، ومعناها قمة القرب من الله وبين حب الزوجة. كما حقق الرسول صلى الله عليه وسلم ذلك الربط عمليا عندما كان يصلي على فراش عائشة وهذا معناه أن المكان الذي يكون فيه الإنسان مع زوجته من الممكن آن يكون هو بذاته مكان قرب الإنسان من ربه دون تعارض. إذ تقول عائشة عندما سألها ابن عمر: "اخبرينا بأعجب شيء رأيته من رسول الله صلى الله عليه وسلم فبكَت وقالت: كل أمره كان عجبا. أتاني في ليلتي حتى مس جلده جلدي ثم قال: ذريني أتعبد لربي فقلت: والله إني لأحبُّ قربك وإني أُحب أن تتعبد إلى ربك فقام إلى القربة فتوضأ ولم يكثر صب الماء ثم قام يصلي حتى بلَّت لحيته ثم سجد حتى بل الأرض" رواه ابن حبان.
وكذلك ربط بين مشاعر العبودية لله ومشاعر الأبوة والرحمة بالذرية في وقت واحد وكان يسجد فإذا ارتفع الحسين فوق ظهره ظل ساجدا حتى ينزل وكان يصلي وهو يحمل ابنته زينب على يده وبذلك تمتزج مشاعر العبودية لله مع مشاعر الرحمة والأبوة.
هذه حجة الوداع، اللقاء الأخير بين النبي صلى الله عليه وسلم وأمته، يقوم فيهم بوصاياه التي ستعيش معهم ويعيشون بها ومن بعده إلى قيام الساعة يقول: "واستوصوا بالنساء خيرا فإنهن عوان عندكم ليس تملكون منهن شيئا غير ذلك إلا أن يؤتين بفاحشة مبينة فإن فعلن فاهجروهن في المضاجع واضربوهن ضربا غير مبرح فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا إلا أن لكم على نسائكم حقا فأما حقكم على نسائكم فلا يوطئن فرشكم من تكرهون ألا وحقهن عليكم أن تحنو إليهن في كسوتهن وطعامهن" رواه البخاري ج3 ص483. والواضح من الرسالة أن جوهرها هو قيام علاقة طيبة بين رجال ونساء الأمة بالتكوين الأسري الصحيح وتحقيق مبدأ التحصين.
صور من واقع العصر النبوي في حماية الأسرة لتحقيق التوافق بين ضرورة الدعوة وتكاليفها وبين الطبيعة الأسرية نذكر هذه المواقف:
- نرى رجلا صحابيا اسمه حاطب ابن بلتعة "يبعث بخطاب إلى أهل مكة يخبرهم فيه أن الرسول صلى الله عليه وسلم سيأتي إليهم بجيش ويعلل هذا بأن كل الصحابة لهم ما يحمي أزواجهم وأولادهم في مكة فأراد أن يكون له بهذا العمل عند أهل مكة يدا يحمي بها زوجته وأهله ويصدق الرسول صلى الله عليه وسلم هذا التعليل ويقول: صدق ويأمر الصحابة ألا يقولوا له إلا خيرا". البخاري ج 1ص304.
- ولما تغيب عثمان عن بدر كان تحته بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت مريضة، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن لك أجر رجل وسهمه.
والأمر الذي يسبق كل العوامل السابقة، ليتحقق التوافق بين واقع الأسرة والدعوة هو اختيار الزوجة أو الزوج، والقرآن يحدد ضرورة اختيار الزوج أو الزوجة بمقتضى الدعوة فيقول: {ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن ولأمة مؤمنة خير من مشركة ولو أعجبتكم، ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا، ولعبدٌ مؤمن خير من مشرك ولو أعجبكم أولئك يدعون إلى النار والله يدعو إلى الجنة والمغفرة بإذنه ويبين آياته للناس لعلهم يتذكرون}. البقرة أية 221.
ومنطوق الآية أن الدعوة إلى الله صيغة حياة الداعية ولا بد آن تكون الزوجة والزوج لونا منسجما ومتجانسا مع هذه الصيغة.
راعية في بيتها
يقول صلى الله عليه وسلم: "الدنيا متاع وخير متاعها المرأة الصالحة إذا نظرت إليها سرتك وإذا غبت عنها حفظتك في نفسها ومالك"أخرجه مسلم في الرضاع 1467
وقوله صلى الله عليه وسلم: "تنكح المرأة لأربع: لمالها ولحسبها ولجمالها ولدينها فاظفر بذاتِ الدِّين تَرِبَتْ يداك". متفق عليه.
وعن ثوبان قال لما نزل في الذهب والفضة ما نزل قال: "فأي المال نأخذ قال عمر: أنا أعلم ذلك فأوضع على بعير فأدركه وأنأ في أثره فقال يا رسول الله أي مال نتخذ قال: "ليتخذ أحدكم قلبا شاكرا ولسانا ذاكرا وزوجة تعين أحدكم في أمر الآخرة" أخرجه أحمد في المسند -278 5.
أن تكون امرأة لا تريد إلا الآخرة هذه صفة أساسية لمعالجة الطبيعة الإنسانية للمرأة في واقع الدعوة. لأن المرأة ستبذل إحساس الأمان في حياتها والحماية من زوجها كما أن المرأة ستبذل التميز المادي وهذه كلها أمور تفرضها الدعوة على الزوجين، اللذين يعيشان في واقعهما سواء أكانت الدعوة في مرحلة الاستضعاف والكفاح من أجل التمكين أم في مرحلة التمكين إلى إمكانية مادية لتطلعات المرأة ورغباتها.
وهؤلاء نسوة النبي صلى الله عليه وسلم "يتظاهرن عليه" ويطالبن بتغير المعيشة بعد أن جاءت الأموال وتحقق التمكين فأمر الله سبحانه النبي صلى الله عليه وسلم أن يضع نساءه بين الرضا بالمعيشة التي هم عليها أو الطلاق فجاء قوله عز وجل: "يا أيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحا جميلا وإن كنتن تردن الله ورسوله والدار الآخرة فان الله أعد للمحسنات منكن أجرا عظيما" سورة الأحزاب 27/29.
فالمرأة إذا بطبيعة الضعف والطموح والرغبات المادية لا يمكن أن تصدق في تغيير وجهاد حقيقيين إلا إذا تجردت من تلك الصفات وأرادت الآخرة.
يقول احد الدعاة الصالحين: "مساندات كن ومانعات للرجل عن التدحرج. بل ومنهن من تقتحم العقبة لا تنتظر الرجل أن يسحبها معه كما يسحب التابع. كم من صحابية أسلمت وتخلت عن المشرك الزوج. والمشرك الأب والمشركة الأم. والمشركين العشيرة. والقوم والحماية والرزق. كم منهن هاجرن إلى الله ورسوله ابتداء من ذاتهن وهمتهن ومبادرتهن"ويقول أيضا: "من أنت في حقل الإنسانية. شوكة أنت أم زهرة واعدة. أم نبتة حائرة أنت. من أين جئت وإلى أين! ما الحياة والموت. وماذا بعد الموت...
من هذا السؤال تبدأ الدعوة، فمن كانت تائهة في الغفلة، قانعة بإسلام موروث يكتنفه الجهل بالدين يأتيها السؤال من قبل الرفق والتذكير والتودد والموعظة، ولا حاجة ولا فائدة من النقاش الفكري والجدل العقلي، لا فائدة مع هذا الصنف ولا حاجة إلى التفلسف، غبرة من الغفلة تنفض، وركام من رين المعاصي السالفة والغفلات الفارطة، نتوب جميعا من ذلك وإذا نحن على الفطرة والسلامة الأصلية" إن واقع الأسرة السليم لا يكون ولن يكون إلا إذا حيت هذه الأسرة على قضية الرسالة وتصور الوجود من خلال تلك القضية والقدرة على مواجهة أي واقع مخالف لهذا التصور.
راع في بيت أهله
من الأمور التي يتحقق بها الأمان داخل البيت اتباعه صلى الله عليه وسلم في تعامله في بيته. تقول السيدة عائشة رضي الله عنها: "ما عاب رسول الله صلى الله عليه وسلم طعاما قط، إن اشتهاه أكله وإن كرهه تركه"، متفق عليه.
وكذلك لا ترى الزوجة زوجها يعيبها في شكلها ومظهرها. ولذلك نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يقبح الرجل زوجته فيقول لها قبحك الله، كما يجب على الرجل أن يستجيب لطبيعة المرأة التي لا يمكن أن تتغير فيها مثل طبيعة الحديث التي تعتبر من أبرز طبائع المرأة فيتحتم على الرجل سماع حديث زوجته وأن يظهر تجاوبا واهتماما، وهذا حديث السيدة عائشة إذ كان صلى الله عليه وسلم يقول: كنت لك كأبي زرع لأم زرع، بمعنى أنه صلى الله عليه وسلم ينصت لها ولا يمل.
ونجد أنه من الخطير المنع والتذمر من النفقة ومن أجل هذا أجاز النبي صلى الله عليه وسلم أن تأخذ المرأة من مال زوجها إذا كان بخيلا. فقد جاءته هند زوجة أبي سفيان وقالت إن أبا سفيان رجل مسيك فهل يجوز لي أن آخذ من ماله دون علمه فأذن لها بقدر حاجتها. البخاري ص507 ج9.
فقد جاء في هذا قوله صلى الله عليه وسلم إنما تُنصرون بضُعفائكم. وقوله: دينارٌ أنفقته في رقبة ودينار أنفقته على أهلك أعظمها أجرا الدينار الذي أنفقته على أهلك. ولعل أروع صورة قوله صلى الله عليه وسلم: "حتى اللقمة التي تضعها في فم امرأتك لك بها صدقة". رواه مسلم، يوضح هذا كيف تكون المعاملة الراقية والكرامة والوجدانية في سد احتياج المرأة.
الولد الصالح
روى الإمام مسلم وأصحاب السنن عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاثة: "صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له".
يقول احد الدعاة الصالحين: الحديث دليل قاطع على أن الذرية –صالحة أو فاسدة– هي من عمل الإنسان، لا ينفي كونها خلقا لله كونها عملا للإنسان، فقد توجه أمامنا عظم مسؤولية الإنسان عن ذريته: تصلح إن أصلحها، وتفسد إن أساء تنشئتها، فيترتب على هذا المنطق المستنير بنور الوحي ونور التوجيه النبوي منهاج المسؤولية البشرية عن صلاح الأجيال وفسادها... إن كمال المرأة الوظيفي وكمال الرجل، أبوين مسؤولين مربيين. هو غاية ما يراد منهما تحقيقه حفظا لفطرة الله. ونشرا لرسالة الله وخدمة لأمة رسول الله ما يرفع المرأة إلى القداسة إلا أمومتها، وما يرفع الرجل إلا أبوته"، ويذكر حقهما بعد حق الله مباشرة في قوله تعالى: {وقضى ربك إلا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا} الإسراء آية23.
إن الأسرة القوية. والأم المربية المصلحة عماد الأسرة. والأسرة القوية عماد المجتمع الصالح.
وبذلك تأخذ الأسرة وضعها في اتجاه الحركة وتدخل معها المشاعر والغرائز في طاقة التحرك وتنضم فيها الزوجة إلى دوافع العمل وتتحول بها الذرية إلى إمكانية امتداد بشري للدعوة فيتحقق الانطلاق الحركي مع الارتباط الأسري والالتزام الاجتماعي والاحتياج المعيشي.