مريم ابنة عمران "نجية الملائكة"
يا من يظن الاصطفاء الإلهي حكرا على الرجال دون النساء، تعالى نبشر أنفسنا وإياك بسيرة سيدة من خير النساء، نذرتها أمها لله، فاستجاب الله النداء، وأجزل العطاء فقابلت العطاء بالشكر، والنذر بالوفاء، فكانت الزيادة، "ولئن شكرتم لأزيدنكم" إبراهيم الآية7. وتم الاصطفاء "يا مريم إن الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين" آل عمران الآية42. فما خبر هاته السيدة ؟ تعالين نسمع الخبر يتلى من السماء قال تعالى : "إذ قالت امرأة عمران رب إني نذرت لك ما في بطني محررا فتقبل مني إنك أنت السميع العليم، فلما وضعتها قالت رب إني وضعتها أنثى والله أعلم بما وضعت وليس الذكر كالأنثى وإني سميتها مريم وإني أعيدها بك وذريتها من الشيطان الرجيم" آل عمران الآيتان 35–36. فما قصة هاته المولودة ؟ وكيف أصبحت نجية الملائكة ؟
مريم ابنة عمران
إن مريم ابنة عمران آية من آيات الله في الأرض، لقد كانت في مولدها آية، وكانت في نسبها آية.
نسبها
فقد كانت مريم من آل عمران الذي اصطفاهم الله قال تعالى : "أن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين، ذرية بعضها من بعض، والله سميع عليم" آل عمران الآيتان 34–35. وهي من سلالة سيدنا داوود عليه السلام.
مولدها
كان آية أخرى، إذ كانت أمها عاقرا وكانت تشتهي الولد، واستجاب الله الدعاء، فوهبته لله محررا لخدمة بيته. ولكن وُضِع المولود أنثى، لم تكن الأنثى توهب للمسجد آنذاك "وليس الذكر كالأنثى" آل عمران الآية 36. ومع ذلك وفت الأم بنذرها. وقبل الله النذر وجعله مباركا "فتقبلها ربها بقبول حسن وأنبتها نباتا حسنا وكفلها زكرياء" آل عمران الآية37.
تلكم سيدتنا مريم، النذر المقبول والسيدة البتول وأم الرسول - سيدنا عيسى عليه السلام- اختار الله لكفالتها زوج خالتها سيدنا زكرياء عليه السلام، فكانت نموذجا للزهد والبعد عن الدنيا، فاستحقت أن تكون نجية الملائكة، وخير نساء العالمين. قال تعالى : "وإذ قالت الملائكة يا مريم إن الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين" آل عمران الآية42. وقال صلى الله عليه وسلم : (خير نساء العالمين : آسية امرأة فرعون ومريم ابنة عمران وخديجة بنت خويلد وفاطمة بنت محمد) أخرجه الحاكم في المستدرك.
كراماتها
مريم هبة لعمران وامرأة عمران، صالحان أنجبا صالحة، وكفلها الأصلح سيدنا زكرياء عليه السلام. "كلما دخل عليها زكرياء المحراب وجد عندها رزقا" آل عمران الآية37. طفلة كانت والكرامات تظهر على يدها، أعظمهن لزومها المحراب.
مريم المحراب، مريم الطهر، مريم المصدقة بكلمات ربها وكتابه، مريم القانتة "يا مريم اقنتي لربك واسجدي واركعي مع الراكعين" آل عمران الآية43 حتى ذهب بعض أهل العلم إلى أنها نبية. والمهم أن تعلم النساء، وتوقن المؤمنات أن الله عز وجل كما يصطفي من الرجال عبادا ويصطفي من النساء إماءا، وأن باب كرمه مفتوح للمرأة كما هو مفتوح للرجل، وأن طاعته سبحانه وعبادته والقنوت إليه والجهاد في سبيله هي الأعمال التي تشرف بها المرأة ويشرف بها الرجل لأنها أعمال خالدة، تموت الحضارات ويبعث الخلق فرادى ما يجدون عند مولاهم إلا ما قدمواوالاصطفاء الإلهي متصل.
هذا وإن الكرامات التي ظهرت على مريم وهي في المحراب هيأتها لقبول معجزتها الخارقة لنواميس الكون والحياة، حتى تستيقن ولا تهون وهي تواجه قومها حينما تمثل لها سيدنا جبريل بشرا سويا، ونفخ في جيب درعها من روح الله حتى ولجت في فرجها، وكان منها الحمل روحا من عند الله، وتم ذلك وهي يقظى حتى لا تقع في هواجس الشك أن يكون إنس أو جن أصابها وهي نائمة
فما قصة هذا الحمل ؟ وكيف كان الوضع ؟
حملها
لما بشرتها الملائكة بسيدنا عيسى عليه السلام، أخبرها سيدنا جبريل بأنه رسول الله ليهب لها غلاما زكيا، تعجبت سيدتنا مريم فور تلقيها البشرى وقالت "أنى يكون لي غلام ولم يمسسني بشر ولم أك بغيا قال كذلك قال ربك هو علي هين ولنجعله آية للناس ورحمة منا وكان أمرا مقضيا" مريم الآيتان 20–21.
إنها رحمة من الله تفضل بها على مريم التي أصبحت وهي حامل، وقد بدأت مظاهر الحمل تظهر عليها، على يقين تام بأن حملها كان نتيجة نفخة من روح الله. قال تعالى : "ومريم ابنة عمران التي أحصنت فرجها فنفخنا فيه من روحنا" التحريم الآية12.
نهانا الله عن تلويث ديننا بالقبيحة العظمى : الزنا قال تعالى : "ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلا" الإسراء الآية32. ومدح سبحانه مريم ابنة عمران التي أحصنت فرجها فنفخ فيها سبحانه من روحه كما نفخ في آدم عليه وعليها السلام. المحصنات عفة قبل الزواج لهن من الطهارة نصيب مريمي
مخاضها
فال تعالى : "فأجاءها المخاض إلى جدع النخلة قالت يا ليثني مت قبل هذا وكنت نسيا منسيا. فناداها من تحتها ألا تحزني قد جعل ربك تحتك سريا وهزي إليك بجدع النخلة تساقط عليك رطبا جنيا فكلي واشربي وفري عينا" مريم الآيات 22-25. سبحان الله لما تفرغت مريم للعبادة ولم يكن لها ولد، كان الله يأتيها بالرزق الوفير، وفي لحظة وضعها أمرها أن لتأخذ بالأسباب وتهز الجدع ليساقط الرزق رطبا جنيا. ثم يخبرها أن الله قد أجرى تحتها جدولا يتدفق منه الماء لتشرب ولترتوي بعد أن تأكل الرطب الذي يعد من أنفع الطعام للنفساء
إذا وقفنا وقفة تأمل وقفة استيحاء للنموذج الكامل من سيرة هذه السيدة الطاهرة، وكيف أن الله نقلها من مقام لمقام فهي في ارتقاء دائم، إلى أن بلغت كمال الرشد بأمومتها، روى البخاري ومسلم عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: ( كمُل من الرجال كثير، ولم يكمل من النساء إلا مريم بنت عمران وآسية امرأة فرعون...) فيا من تبغي الكمال اقتحمي سباقا مع أبناء الدنيا وعين قلبك على من ضربهم الله لنا نموذجا على درجة الكمال، مريم ابنة عمران وصويحباتها. فما يرفع المرأة إلى القداسة إلا أمومتها. وكأنه سبحانه يبين لنا السبيل الذي ينبغي للمرأة أن تسلكه وبه يعرفها دورها الأساس ووظيفتها الأولى : حفظ الفطرة وصناعة الرجال.
العمل يخبر عن نفسه
وتم الوضع، واكتملت رسالة مريم، وتحققت البشرى. لكن كيف تخبر قومها خبر هاته البشارة، وهي التي لم يشفع لها عندهم ما عرفوا من عفتها وطهرها ؟ وبينما هي تفكر فيما تقول للناس إذ بالعمل يخبر عن نفسه : "فأشارت إليه قالوا كيف نكلم من كان في المهد صبيا قال إني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبيئا" مريم الآيتان 28-29.
هذا عمل سيدتنا مريم عليها السلام أشارت إليه فأخبر عن نفسه.
فما عملنا، لنشير إليه وندعو الناس ونذخره غدا عند رب الناس ؟
قال صلى الله عليه وسلم : (إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاثة : ... أو ولد صالح يدعو له) رواه مسلم. فالولد خلق الله وعمل الإنسان.
رضي الله عن سيدتنا مريم وأرضاها فقد كانت وابنها حقا آية للعالمين.
وصلى الله وسلم على سيدنا محمد سيد المرسلين والحمد لله رب العالمين.
عدل سابقا من قبل منال في السبت 29 نوفمبر 2008, 3:49 am عدل 2 مرات