الرضا.. عبادة قلبية
أ. محمد عبده
الرضا
من العبادات القلبية التي تعكس إيمان العبد بربه، وتُظهر قوته ومتانته في
نفسه، فالرضا يبعث في النفس الطمأنينة، ويسكب عليها برد السكينة فإذا هو
ساكن وقور على عكس الساخط الذي تملأه الشكوك وتقتله الأوهام، ويتخبط في
حياة كلها سواد ممتد، وظلام متصل، وليل حالك مُظلم لا يعقبه نهار منير.
والسخط عكس الرضا كما في الدعاء "اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك"
(سنن الترمذي، ح- 3489)، والإنسان الساخط قلَّما تجده فرحًا مسرورًا،
وقلما تجده مستبشرًا متفائلاً، الكآبة ظله الدائم، والضيق حاله المتلازم،
فهو ضيِّق الصدر ممن حوله، وضيق الصدر من الأحداث التي تدور من حوله، ضيق
الصدر من كلِّ شيء حتى إنه ضيِّق الصدر من نفسه.
لماذا الرضا من أخلاق الكبار؟
لأن الرضا يعني القبول بأمرٍ تكرهه النفس، وهذا ما لا يُطيقه إلا الكبار أصحاب القلوب المطمئنة إلى قضاء الله وقدره.
لأن
الرضا يعني القبول عن حُبٍّ واطمئنانٍ لاختيار الله وإن كان صعبًا على
النفس، وهذا يحتاج إلى قدرةٍ نفسيةٍ وقوة إيمانية لا يقدر عليها إلا
الكبار.
ولأن
الرضا يعني في بعض الأحوال القبول بالوضع القائم وإن كان يحمل في بعضِ
أشكاله الحرمان، والشعور بفقدان ما عند الغير، وهذا أيضًا لا يقدر عليه
إلا الكبار.
ولأن
الرضا يعني قدرة نفسية وقوة إيمانية لدى صاحبها تُمكنه أن يكون الرضا
ظاهرًا وباطنًا، وهذا ما لا يقدر عليه إلا الكبار أصحاب النفوس الكبيرة.
هل يحزن الكبار؟
الحزن
قد يكون دليلاً على عدم الرضا، وهو من السلوكيات التي تعكس رفض الواقع
وعدم الرضا به؛ ولأن الحزن أمر متوقع الحدوث، فلقد نزل القرآن داعيًا إلى
عدم الحزن؛ لأنه لن يكون في الكون إلا ما أراد الله، وأن ما يحدث- كل ما
يحدث- إنما يحدث تحت سمعِ وبصر الله ﴿وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ﴾ (الحجر: من الآية 88)، وقوله أيضًا: ﴿وَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ﴾ (يونس: من الآية 65).
والكبار
قد يحزنون ولكن حزنهم على غيرهم لا على أنفسهم، وإذا حزنوا على أنفسهم
فإنهم يحزنون عندما يفوتهم خير، أو يقترفون إثم، ويحزنون إذا كانت المصيبة
في دينهم لا دنياهم، وهذا هو حال الكبار فقط الذين لا يحزنون على فوات
الدنيا أو قلة النعيم فيها.
السعادة في الرضا:
متى
تحقق الرضا سكنت النفس وهدأت وارتاحت من أي هم يصيبها، أو محنة تقع فيها،
أو نازلة من نوازل الدهر التي قلَّما يخلو منها بشر؛ لذا فإن الكبار
المتصفين بخلق الرضا هم أكثر الناس سعادةً، وهذا ابن تيمية أحد الكبار
أصحاب الهمم العالية، والنفوس الراضية يقول: "إن جنتي في صدري".
إن
الكبار سعداء على كل الأحوال؛ لأنهم ما شرعوا في أمر إلا ابتدءوه باستخارة
الله عزَّ وجل، وكيف لا يسعدون وقد فوضوا مالك الملك وعالم الغيب والشهادة
في أن يختار لهم، وهم بذلك يعترفون بضعفهم وعجزهم عن الاختيار لأنفسهم،
ومعرفة ما ينفعهم.
والكبار يعلنونها بقوة واستسلام سائلين الله عزَّ وجل أن يهديهم إلى أحسن الأعمال وأهداها وأصوبها فيقولون: "اللَّهُمَّ
إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الْأَمْرَ خَيْرٌ لِي فِي دِينِي
وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي- أَوْ قَالَ- عَاجِلِ أَمْرِي وَآجِلِهِ
فَاقْدُرْهُ لِي وَيَسِّرْهُ لِي ثُمَّ بَارِكْ لِي فِيهِ وَإِنْ كُنْتَ
تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الْأَمْرَ شَرٌّ لِي فِي دِينِي وَمَعَاشِي
وَعَاقِبَةِ أَمْرِي- أَوْ قَالَ- فِي عَاجِلِ أَمْرِي وَآجِلِهِ
فَاصْرِفْهُ عَنِّي وَاصْرِفْنِي عَنْهُ وَاقْدُرْ لِي الْخَيْرَ؛ حَيْثُ
كَانَ ثُمَّ أَرْضِنِي قَالَ وَيُسَمِّي حَاجَتَهُ" (صحيح البخاري، ح- 1096).
حقًّا إن الرضا من أسباب سعادة المرء "من سعادة المرء استخارته ربه، ورضاه بما قضى، ومن شقاء المرء تركه الاستخارة وعدم رضاه بعد القضاء" (رواه البزار ومعناه عند أحمد والترمذي).
منزلة عظيمة:
والرضا
من مقامات العبودية الرفيعة التي لا تُمنح إلا للمؤمنين الذين سلًّموا
أنفسهم لله رب العالمين، ورضوا بقضائه وقدره بنفس راضية مطمئنة، إنها
منزلة تجعل صاحبها مستريح الضمير منشرح الصدر، لا يتبرم ولا يتضجر، ولا
يسخط، أمره كله لله.
ولا
شك أن هذه المنزلة لا ينالها إلا المؤمنون حقًّا، ولا يرتقي لها إلا
الكبار الذين رسخ الإيمان في قلوبهم فينالون بذلك السعادة القلبية الظاهرة
والباطنة، وبهذا الرضا يستطيع الإنسان أن يتذوق طعم الإيمان حلاوة
وطمأنينة "ذَاقَ طَعْمَ الإِيمَانِ مَنْ رَضِيَ بِاللَّهِ رَبًّا وَبِالإِسْلَامِ دِينًا وَبِمُحَمَّدٍ رَسُولاً"
(صحيح مسلم، ح- 49)، والكبار بهذا الخلق العظيم، وتمكنه من قلوبهم يرتقون
به إلى أعلى المقامات ﴿رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ﴾ (البينة:
من الآية .
إيمان الكبار:
والكبار بإيمانهم الراسخ، وتمكنه من قلوبهم استطاعوا أن يؤصلوا هذا الخلق العظيم والعبادة القلبية في نفوسهم.
فالمؤمن
الحق آمن بكمال الله وجماله، وأيقن بعدله ورحمته، اطمأن إلى علمه وحكمته،
أحاط سبحانه بكل شيء علمًا، وأحصى كل شيء عددًا، ووسع كل شيء رحمة، لم
يخلق شيئًا لهو ولم يترك شيئًا سدى، نعمه عليه لا تعد، وفضله عليه لا يحد،
فما به من نعمة فمن الله، وما أصابه من حسنة فمن الله، وما أصابه من سيئة
فمن نفسه.
الكبار
بإيمانهم موقنون تمام اليقين أن تدبير الله لهم أفضل من تدبيرهم لأنفسهم،
ورحمته تعالى أعظم من رحمة آبائهم بهم، ينظرون في الأنفس والآفاق فيرون
آثار بره تعالى ورحمته فيناجون ربهم ﴿بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ (آل عمران: من الآية 27) (الإيمان والحياة للدكتور يوسف القرضاوي بتصرف يسير).
حكمة إلهية:
الإيمان
باسم الله "الحكيم" سببًا من أسباب تمكن ذلك الخلق العظيم في نفوس الكبار،
فالكبار يؤمنون بأن هناك حكمةً إلهيةً وراء كل حدثٍ يقع، قد يجهلونها وقد
يعرفونها.
يقول تعالى: ﴿إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ
(49)﴾ هذا القانون الرباني عندما استقرَّ في نفوس الكبار استقر الرضا في
قلوبهم، وبات حقيقةً ملازمةً لهم في حياتهم، وبهذا القانون يستقبلون
أحداثهم اليومية، فإن أصابهم ما يحبون فرحوا به، وإن أصابهم ما يكرهون
رضوا به، فلم يجزعوا أو يتبرموا.
فالمؤمن يؤمن إيمانًا لا يتزعزع أن هذا الكون الكبير بما فيه ومَن عليه من صُنع الله الذي أتقن كل شيء خلقه ﴿الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى﴾ (طه: من الآية 50)، إنها الحكمة الإلهية التي تضع كل شيء في موضعه، فلا مجالَ فيه للخطأ أو النسيان.
"فكل
ما قسم الله لعباده من رزق وأجل وسرور وحزن وعجز وقدرة وإيمان وكفر وطاعة
ومعصية، فكله عدل محض لا جور فيه وحق صرف لا ظلم فيه، بل هو على الترتيب
الواجب الحق على ما ينبغي وكما ينبغي وبالقدر الذي ينبغي، وليس في الإمكان
أصلاً أحسن منه ولا أتم ولا أكمل" (الإحياء ربع المنجيات كتاب التوكل ص 22
الحلبي).
كيف لا أرضى؟
الكبار
عندما ينزل بهم ما يكرهون، أو يستقبلون ما يسوءهم، يتذكرون نعم الله عليهم
وهي كثيرة لا تُعد ولا تُحصى فتسكن نفوسهم، وتهدأ قلوبهم لقضاء الله.
فكل صاحب مصيبة تهون عليه مصيبته متى رأى واستشعر نعم الله عليه التي تحيط به من كل مكان.
فالفقير
الذي قد يحزن لضيق ذات يده، وقد يُقلق ذلك مضجعه من كثرة التفكير فيه، إلا
أن ذلك قد يهون عليه عندما يرى أخاه الغني رغم غناه محروم من بعض الأطعمة
بقرار طبي، أو أن يراه وقد حُرم الولد.. ومعلوم أن الفطرة مجبولة على حب
الذرية، والذي لو خير بين ثروته كلها وبين الرزق بالذرية لاختار الثانية
بلا تردد.
والشخص الذي حُرم الولد قد تهون مصيبته عندما يرى غيره ممن رزق الولد؛ ولكنه كان سبب شقاوته وتعاسته في الدنيا.
الحمد لله:
الحمد
يبني في نفس العبد المؤمن الرضا ويُربيها على قبول قضاء الله بحب وسعادة،
والكبار قد تربت نفوسهم على إظهار الشكر والمبالغة في إظهاره، كما علمهم
الإسلام ورباهم على ذلك، فما من نازلة تنزل بهم، أو مصيبة تصيبهم إلا
وحمدوا الله عليها.
وهذا الخلق الكريم لم يأت من فراغ فالحمد ديدنهم، والشكر هو عادتهم في كل أمور حياتهم.
فالكبار قد تعلموا في مدرسة النبوة أنه إذا أكل وأتم طعامه حمد الله على رزقه وقال "الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَطْعَمَنَا وَسَقَانَا وَكَفَانَا وَآوَانَا فَكَمْ مِمَّنْ لا كَافِيَ لَهُ وَلا مُؤْوِيَ"
(صحيح مسلم، ح- 4890)، وإذا شرب قال: "الحمد لله الذي جعله عذبًا فراتًا
برحمته، ولم يجعله ملحًا أجاجًا بذنوبنا" (شعب الإيمان للبيهقي، ح- 4304).
والكبار
تعلموا في مدرسة النبوة أنهم إذا لبسوا ثوبًا جديدًا فيقولون معترفين بنعم
الله عليهم "الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي كَسَانِي هَذَا الثَّوْبَ
وَرَزَقَنِيهِ مِنْ غَيْرِ حَوْلٍ مِنِّي وَلا قُوَّةٍ" (سنن أبي داود، ح-
3505)، والكبار إذا استيقظوا من نومهم قالوا مسبحين بحمد ربهم "الحمد لله
الذي أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النشور" (صحيح البخاري، ح-5837).
والكبار يسبحون بحمد ربهم حتى بعض قضاء حاجتهم وخروجهم من الخلاء "الحمد لله الذي أذهب عني الأذى وعافاني" (سنن ابن ماجة، ح- 297).
والكبار
إذا رأوا أهل البلاء، سبَّحوا بحمد ربهم على نعمةِ المعافاة قائلين:
"الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي عَافَانِي مِمَّا ابْتَلَاكَ بِهِ
وَفَضَّلَنِي عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقَ تَفْضِيلاً" (سنن الترمذي، ح-
3353).
ثم ها هم يرددون في كل صباح ومساء بنفس راضية مطمئنة، معترفين بفضل الله عليهم "اللهم
إني أصبحت منك في نعمة وعافية وستر فأتم علي نعمتك وعافيتك وسترك في
الدنيا والآخرة"، ثم الاعتراف بالفضل الكامل لله رب العالمين لا شريك له
"اللَّهُمَّ مَا أَصْبَحَ بِي مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنْكَ وَحْدَكَ لَا
شَرِيكَ لَكَ فَلَكَ الْحَمْدُ وَلَكَ الشُّكْرُ" (سنن أبي داود، ح-4411).
هذا حال الكبار يغمرهم شعور بفضل الله عليهم، شعور الذاكر لنعمه، المعترف بآلائه، الشاكر لفضله.
الرضا من حسن الخلق:
الرضا
من حسن الأدب مع الله، فلا ينبغي لعبد أنعم الله عليه بنعم كثيرة، أن
يعترض أو يتبرم من قضاء قدره الله ولا يُعجبه، ولعل عدم إعجابه أو تبرمه
ناتج عن عدم معرفته بحقائق الأمور والحكمة من ورائها، وفي هذا يقول الله
تعالى: ﴿وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا
وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ
وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ (216)﴾ (البقرة).
وفي
هذا المعنى يُوصي لقمان لابنه: أوصيك بخصالٍ تُقرِّبك من الله, وتباعدك من
سخطه: أن تعبد الله لا تشرك به شيئًا، وأن ترضى بقدر الله فيما أحببت
وكرهت".
وكتب عمر بن الخطاب إلى أبي موسى- رضي الله عنهما-: أما بعد, فإن الخير كله في الرضا, فإن استطعتَ أن ترضى وإلا فاصبر.
قصص واقعية
الأحداث
اليومية، والمواقف الحياتية التي يتعرض لها البعض قد تكون أبلغ أثرًا في
نفوس الآخرين، ذلك أنها حقيقة ملموسة، وتأثيرها يتعدى الشخص نفسه إلى
المحيطين به لما فيها من موعظة بليغة، وعبرة عظيمة.
أعرف
إنسانًا أخفق في تحقيق حلمه بدخول إحدى كليات القمة التي كان يتمناها،
فلما أخفق كانت عليه علامات السخط والتضجر والضيق مما أصابه، غير أنه
التحق بإحدى الكليات والتي تفوق فيها وحصل على المركز الأول في مراحلها
المختلفة وتعين في كليته حتى أصبح أستاذًا فيها، وكان ذلك سببًا في فتح
أبواب الرزق له، بجانب المكانة الاجتماعية بين أقرانه وعائلته، وفتحت له
أبوابًا للعلاقات العامة مع المسئولين وأصحاب المراكز العليا في بلدته.
تُرى هل لو كان يعرف كل هذا، كان سيعترض أو يتضجر عندما أخفق في تحقيق حلمه، ولكن الإنسان دائمًا ما يجحد وينسى فضل الله عليه.
وأعرف
أخرى كانت تنجب البنات دون البنين، وكانت تتمنى الولد، وكانت علامات عدم
الرضا واضحة على وجهها، حتى أنها صرحت في إحدى جلساتها مع صديقاتها أنها
تريد ولدًا ولو كان متخلفًا أو معاقًا، وحملت المسكينة وقد كان ما أرادت
حملت بالولد المعاق ذهنيًّا، والذي كان سببًا في حدوث الكثير من المتاعب
لها، حتى أنها كانت في بعض اللحظات تتمنى وفاته كي تستريح.
تُرى ماذا لو رضيت بقسمة الله لها، واستسلمت لقضاء الله وحكمه فيما أراد.
وأعرف
آخر كافح ونافح ليذهب في رحلته المسافرة إلى بلدته، بعد أن تأخر عن موعد
الرحلة، ولمَّا لم يجد سبيلاً لعودة مقعده الذي حصل عليه آخر، جلس لينتظر
الموعد القادم، وعلامات الغيظ والضيق وعدم الرضا قد ارتسمت على قسمات
وجهه، وطول فترة انتظاره وهو يتمتم بعبارات الاعتراض، والقلق على مواعيده
التي تأخرت، ومصالحه التي تعطلت، وركب في الموعد الجديد، ولا يزال وجهه
عابسًا، وأسلوبه حادًّا في الحديث، حتى إذا انتصف الطريق وجد الحافلة التي
كان سيستقلها قد انقلبت في حادث على الطريق ومات أغلب ركابها، وأُصيب
الباقون، وأشلاء الركاب ملقاة على الطريق، حينئذ على صوته قائلاً "الحمد
لله" .. الآن فقط انفرجت أساريره، وابتسم ثغره، وعاد إلى طبيعته. حينئذ
فقط نطق بكلمة الحمد إذ لم يكن في هذه الحافلة مسافرًا.
من هنا نقول إن الإنسان لا بد له أن يرضى بقضاء الله وقدره، ويُحاول إدراك الحكمة الإلهية من وراء الحدث ﴿مَا
أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلاَّ فِي
كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ
(22) لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِمَا
آتَاكُمْ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ (23)﴾
(الحديد)، فالقرآن الكريم يوجهنا إلى تلك الوسطية في ردود الأفعال، وعدم
المبالغة الزائدة في الفرح أو الحزن، وأن نضع كل موقف في حجمه الصحيح، فلا
حزن يكسر النفس فيقعدها، ولا فرح يُلهينا فننسى فضل الله علينا. بل إن
النبي- صلى الله عليه وسلم- قد استعاذ من الحزن المضر الذي يقعد بالإنسان
عن الهمم العليا والطموح المتجدد، فقال- صلى الله عليه وسلم-: "اللَّهُمَّ
إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الْهَمِّ وَالْحَزَنِ" (صحيح البخاري، ح- 5005).