معهد دار الهجرة للقراءات وعلوم القرآن الكريم

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

مرحبا بك يا زائر في معهد دار الهجرة للقراءات وعلوم القرآن الكريم


2 مشترك

    الرضا.. عبادة قلبية

    هومه
    هومه


    الرضا.. عبادة قلبية Empty الرضا.. عبادة قلبية

    مُساهمة من طرف هومه الخميس 27 نوفمبر 2008, 12:20 am

    الرضا.. عبادة قلبية

    أ. محمد عبده





    الرضا
    من العبادات القلبية التي تعكس إيمان العبد بربه، وتُظهر قوته ومتانته في
    نفسه، فالرضا يبعث في النفس الطمأنينة، ويسكب عليها برد السكينة فإذا هو
    ساكن وقور على عكس الساخط الذي تملأه الشكوك وتقتله الأوهام، ويتخبط في
    حياة كلها سواد ممتد، وظلام متصل، وليل حالك مُظلم لا يعقبه نهار منير.






    والسخط عكس الرضا كما في الدعاء "اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك"
    (سنن الترمذي، ح- 3489)، والإنسان الساخط قلَّما تجده فرحًا مسرورًا،
    وقلما تجده مستبشرًا متفائلاً، الكآبة ظله الدائم، والضيق حاله المتلازم،
    فهو ضيِّق الصدر ممن حوله، وضيق الصدر من الأحداث التي تدور من حوله، ضيق
    الصدر من كلِّ شيء حتى إنه ضيِّق الصدر من نفسه.






    لماذا الرضا من أخلاق الكبار؟


    لأن الرضا يعني القبول بأمرٍ تكرهه النفس، وهذا ما لا يُطيقه إلا الكبار أصحاب القلوب المطمئنة إلى قضاء الله وقدره.





    لأن
    الرضا يعني القبول عن حُبٍّ واطمئنانٍ لاختيار الله وإن كان صعبًا على
    النفس، وهذا يحتاج إلى قدرةٍ نفسيةٍ وقوة إيمانية لا يقدر عليها إلا
    الكبار.






    ولأن
    الرضا يعني في بعض الأحوال القبول بالوضع القائم وإن كان يحمل في بعضِ
    أشكاله الحرمان، والشعور بفقدان ما عند الغير، وهذا أيضًا لا يقدر عليه
    إلا الكبار.






    ولأن
    الرضا يعني قدرة نفسية وقوة إيمانية لدى صاحبها تُمكنه أن يكون الرضا
    ظاهرًا وباطنًا، وهذا ما لا يقدر عليه إلا الكبار أصحاب النفوس الكبيرة.






    هل يحزن الكبار؟


    الحزن
    قد يكون دليلاً على عدم الرضا، وهو من السلوكيات التي تعكس رفض الواقع
    وعدم الرضا به؛ ولأن الحزن أمر متوقع الحدوث، فلقد نزل القرآن داعيًا إلى
    عدم الحزن؛ لأنه لن يكون في الكون إلا ما أراد الله، وأن ما يحدث- كل ما
    يحدث- إنما يحدث تحت سمعِ وبصر الله ﴿وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ﴾ (الحجر: من الآية 88)، وقوله أيضًا: ﴿وَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ﴾ (يونس: من الآية 65).






    والكبار
    قد يحزنون ولكن حزنهم على غيرهم لا على أنفسهم، وإذا حزنوا على أنفسهم
    فإنهم يحزنون عندما يفوتهم خير، أو يقترفون إثم، ويحزنون إذا كانت المصيبة
    في دينهم لا دنياهم، وهذا هو حال الكبار فقط الذين لا يحزنون على فوات
    الدنيا أو قلة النعيم فيها.






    السعادة في الرضا:


    متى
    تحقق الرضا سكنت النفس وهدأت وارتاحت من أي هم يصيبها، أو محنة تقع فيها،
    أو نازلة من نوازل الدهر التي قلَّما يخلو منها بشر؛ لذا فإن الكبار
    المتصفين بخلق الرضا هم أكثر الناس سعادةً، وهذا ابن تيمية أحد الكبار
    أصحاب الهمم العالية، والنفوس الراضية يقول: "إن جنتي في صدري".






    إن
    الكبار سعداء على كل الأحوال؛ لأنهم ما شرعوا في أمر إلا ابتدءوه باستخارة
    الله عزَّ وجل، وكيف لا يسعدون وقد فوضوا مالك الملك وعالم الغيب والشهادة
    في أن يختار لهم، وهم بذلك يعترفون بضعفهم وعجزهم عن الاختيار لأنفسهم،
    ومعرفة ما ينفعهم.






    والكبار يعلنونها بقوة واستسلام سائلين الله عزَّ وجل أن يهديهم إلى أحسن الأعمال وأهداها وأصوبها فيقولون: "اللَّهُمَّ
    إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الْأَمْرَ خَيْرٌ لِي فِي دِينِي
    وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي- أَوْ قَالَ- عَاجِلِ أَمْرِي وَآجِلِهِ
    فَاقْدُرْهُ لِي وَيَسِّرْهُ لِي ثُمَّ بَارِكْ لِي فِيهِ وَإِنْ كُنْتَ
    تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الْأَمْرَ شَرٌّ لِي فِي دِينِي وَمَعَاشِي
    وَعَاقِبَةِ أَمْرِي- أَوْ قَالَ- فِي عَاجِلِ أَمْرِي وَآجِلِهِ
    فَاصْرِفْهُ عَنِّي وَاصْرِفْنِي عَنْهُ وَاقْدُرْ لِي الْخَيْرَ؛ حَيْثُ
    كَانَ ثُمَّ أَرْضِنِي قَالَ وَيُسَمِّي حَاجَتَهُ
    " (صحيح البخاري، ح- 1096).






    حقًّا إن الرضا من أسباب سعادة المرء "من سعادة المرء استخارته ربه، ورضاه بما قضى، ومن شقاء المرء تركه الاستخارة وعدم رضاه بعد القضاء" (رواه البزار ومعناه عند أحمد والترمذي).





    منزلة عظيمة:


    والرضا
    من مقامات العبودية الرفيعة التي لا تُمنح إلا للمؤمنين الذين سلًّموا
    أنفسهم لله رب العالمين، ورضوا بقضائه وقدره بنفس راضية مطمئنة، إنها
    منزلة تجعل صاحبها مستريح الضمير منشرح الصدر، لا يتبرم ولا يتضجر، ولا
    يسخط، أمره كله لله.






    ولا
    شك أن هذه المنزلة لا ينالها إلا المؤمنون حقًّا، ولا يرتقي لها إلا
    الكبار الذين رسخ الإيمان في قلوبهم فينالون بذلك السعادة القلبية الظاهرة
    والباطنة، وبهذا الرضا يستطيع الإنسان أن يتذوق طعم الإيمان حلاوة
    وطمأنينة "ذَاقَ طَعْمَ الإِيمَانِ مَنْ رَضِيَ بِاللَّهِ رَبًّا وَبِالإِسْلَامِ دِينًا وَبِمُحَمَّدٍ رَسُولاً"
    (صحيح مسلم، ح- 49)، والكبار بهذا الخلق العظيم، وتمكنه من قلوبهم يرتقون
    به إلى أعلى المقامات ﴿رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ﴾ (البينة:
    من الآية Cool.






    إيمان الكبار:


    والكبار بإيمانهم الراسخ، وتمكنه من قلوبهم استطاعوا أن يؤصلوا هذا الخلق العظيم والعبادة القلبية في نفوسهم.





    فالمؤمن
    الحق آمن بكمال الله وجماله، وأيقن بعدله ورحمته، اطمأن إلى علمه وحكمته،
    أحاط سبحانه بكل شيء علمًا، وأحصى كل شيء عددًا، ووسع كل شيء رحمة، لم
    يخلق شيئًا لهو ولم يترك شيئًا سدى، نعمه عليه لا تعد، وفضله عليه لا يحد،
    فما به من نعمة فمن الله، وما أصابه من حسنة فمن الله، وما أصابه من سيئة
    فمن نفسه.






    الكبار
    بإيمانهم موقنون تمام اليقين أن تدبير الله لهم أفضل من تدبيرهم لأنفسهم،
    ورحمته تعالى أعظم من رحمة آبائهم بهم، ينظرون في الأنفس والآفاق فيرون
    آثار بره تعالى ورحمته فيناجون ربهم ﴿بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ (آل عمران: من الآية 27) (الإيمان والحياة للدكتور يوسف القرضاوي بتصرف يسير).






    حكمة إلهية:


    الإيمان
    باسم الله "الحكيم" سببًا من أسباب تمكن ذلك الخلق العظيم في نفوس الكبار،
    فالكبار يؤمنون بأن هناك حكمةً إلهيةً وراء كل حدثٍ يقع، قد يجهلونها وقد
    يعرفونها.






    يقول تعالى: ﴿إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ
    (49)﴾ هذا القانون الرباني عندما استقرَّ في نفوس الكبار استقر الرضا في
    قلوبهم، وبات حقيقةً ملازمةً لهم في حياتهم، وبهذا القانون يستقبلون
    أحداثهم اليومية، فإن أصابهم ما يحبون فرحوا به، وإن أصابهم ما يكرهون
    رضوا به، فلم يجزعوا أو يتبرموا.






    فالمؤمن يؤمن إيمانًا لا يتزعزع أن هذا الكون الكبير بما فيه ومَن عليه من صُنع الله الذي أتقن كل شيء خلقه ﴿الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى﴾ (طه: من الآية 50)، إنها الحكمة الإلهية التي تضع كل شيء في موضعه، فلا مجالَ فيه للخطأ أو النسيان.





    "فكل
    ما قسم الله لعباده من رزق وأجل وسرور وحزن وعجز وقدرة وإيمان وكفر وطاعة
    ومعصية، فكله عدل محض لا جور فيه وحق صرف لا ظلم فيه، بل هو على الترتيب
    الواجب الحق على ما ينبغي وكما ينبغي وبالقدر الذي ينبغي، وليس في الإمكان
    أصلاً أحسن منه ولا أتم ولا أكمل" (الإحياء ربع المنجيات كتاب التوكل ص 22
    الحلبي).






    كيف لا أرضى؟


    الكبار
    عندما ينزل بهم ما يكرهون، أو يستقبلون ما يسوءهم، يتذكرون نعم الله عليهم
    وهي كثيرة لا تُعد ولا تُحصى فتسكن نفوسهم، وتهدأ قلوبهم لقضاء الله.






    فكل صاحب مصيبة تهون عليه مصيبته متى رأى واستشعر نعم الله عليه التي تحيط به من كل مكان.





    فالفقير
    الذي قد يحزن لضيق ذات يده، وقد يُقلق ذلك مضجعه من كثرة التفكير فيه، إلا
    أن ذلك قد يهون عليه عندما يرى أخاه الغني رغم غناه محروم من بعض الأطعمة
    بقرار طبي، أو أن يراه وقد حُرم الولد.. ومعلوم أن الفطرة مجبولة على حب
    الذرية، والذي لو خير بين ثروته كلها وبين الرزق بالذرية لاختار الثانية
    بلا تردد.






    والشخص الذي حُرم الولد قد تهون مصيبته عندما يرى غيره ممن رزق الولد؛ ولكنه كان سبب شقاوته وتعاسته في الدنيا.





    الحمد لله:


    الحمد
    يبني في نفس العبد المؤمن الرضا ويُربيها على قبول قضاء الله بحب وسعادة،
    والكبار قد تربت نفوسهم على إظهار الشكر والمبالغة في إظهاره، كما علمهم
    الإسلام ورباهم على ذلك، فما من نازلة تنزل بهم، أو مصيبة تصيبهم إلا
    وحمدوا الله عليها.






    وهذا الخلق الكريم لم يأت من فراغ فالحمد ديدنهم، والشكر هو عادتهم في كل أمور حياتهم.


    فالكبار قد تعلموا في مدرسة النبوة أنه إذا أكل وأتم طعامه حمد الله على رزقه وقال "الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَطْعَمَنَا وَسَقَانَا وَكَفَانَا وَآوَانَا فَكَمْ مِمَّنْ لا كَافِيَ لَهُ وَلا مُؤْوِيَ"
    (صحيح مسلم، ح- 4890)، وإذا شرب قال: "الحمد لله الذي جعله عذبًا فراتًا
    برحمته، ولم يجعله ملحًا أجاجًا بذنوبنا" (شعب الإيمان للبيهقي، ح- 4304).






    والكبار
    تعلموا في مدرسة النبوة أنهم إذا لبسوا ثوبًا جديدًا فيقولون معترفين بنعم
    الله عليهم "الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي كَسَانِي هَذَا الثَّوْبَ
    وَرَزَقَنِيهِ مِنْ غَيْرِ حَوْلٍ مِنِّي وَلا قُوَّةٍ" (سنن أبي داود، ح-
    3505)، والكبار إذا استيقظوا من نومهم قالوا مسبحين بحمد ربهم "الحمد لله
    الذي أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النشور" (صحيح البخاري، ح-5837).






    والكبار يسبحون بحمد ربهم حتى بعض قضاء حاجتهم وخروجهم من الخلاء "الحمد لله الذي أذهب عني الأذى وعافاني" (سنن ابن ماجة، ح- 297).





    والكبار
    إذا رأوا أهل البلاء، سبَّحوا بحمد ربهم على نعمةِ المعافاة قائلين:
    "الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي عَافَانِي مِمَّا ابْتَلَاكَ بِهِ
    وَفَضَّلَنِي عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقَ تَفْضِيلاً" (سنن الترمذي، ح-
    3353).






    ثم ها هم يرددون في كل صباح ومساء بنفس راضية مطمئنة، معترفين بفضل الله عليهم "اللهم
    إني أصبحت منك في نعمة وعافية وستر فأتم علي نعمتك وعافيتك وسترك في
    الدنيا والآخرة"، ثم الاعتراف بالفضل الكامل لله رب العالمين لا شريك له
    "اللَّهُمَّ مَا أَصْبَحَ بِي مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنْكَ وَحْدَكَ لَا
    شَرِيكَ لَكَ فَلَكَ الْحَمْدُ وَلَكَ الشُّكْرُ
    " (سنن أبي داود، ح-4411).






    هذا حال الكبار يغمرهم شعور بفضل الله عليهم، شعور الذاكر لنعمه، المعترف بآلائه، الشاكر لفضله.





    الرضا من حسن الخلق:


    الرضا
    من حسن الأدب مع الله، فلا ينبغي لعبد أنعم الله عليه بنعم كثيرة، أن
    يعترض أو يتبرم من قضاء قدره الله ولا يُعجبه، ولعل عدم إعجابه أو تبرمه
    ناتج عن عدم معرفته بحقائق الأمور والحكمة من ورائها، وفي هذا يقول الله
    تعالى: ﴿وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا
    وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ
    وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ
    (216)﴾ (البقرة).






    وفي
    هذا المعنى يُوصي لقمان لابنه: أوصيك بخصالٍ تُقرِّبك من الله, وتباعدك من
    سخطه: أن تعبد الله لا تشرك به شيئًا، وأن ترضى بقدر الله فيما أحببت
    وكرهت".






    وكتب عمر بن الخطاب إلى أبي موسى- رضي الله عنهما-: أما بعد, فإن الخير كله في الرضا, فإن استطعتَ أن ترضى وإلا فاصبر.





    قصص واقعية


    الأحداث
    اليومية، والمواقف الحياتية التي يتعرض لها البعض قد تكون أبلغ أثرًا في
    نفوس الآخرين، ذلك أنها حقيقة ملموسة، وتأثيرها يتعدى الشخص نفسه إلى
    المحيطين به لما فيها من موعظة بليغة، وعبرة عظيمة.






    أعرف
    إنسانًا أخفق في تحقيق حلمه بدخول إحدى كليات القمة التي كان يتمناها،
    فلما أخفق كانت عليه علامات السخط والتضجر والضيق مما أصابه، غير أنه
    التحق بإحدى الكليات والتي تفوق فيها وحصل على المركز الأول في مراحلها
    المختلفة وتعين في كليته حتى أصبح أستاذًا فيها، وكان ذلك سببًا في فتح
    أبواب الرزق له، بجانب المكانة الاجتماعية بين أقرانه وعائلته، وفتحت له
    أبوابًا للعلاقات العامة مع المسئولين وأصحاب المراكز العليا في بلدته.






    تُرى هل لو كان يعرف كل هذا، كان سيعترض أو يتضجر عندما أخفق في تحقيق حلمه، ولكن الإنسان دائمًا ما يجحد وينسى فضل الله عليه.





    وأعرف
    أخرى كانت تنجب البنات دون البنين، وكانت تتمنى الولد، وكانت علامات عدم
    الرضا واضحة على وجهها، حتى أنها صرحت في إحدى جلساتها مع صديقاتها أنها
    تريد ولدًا ولو كان متخلفًا أو معاقًا، وحملت المسكينة وقد كان ما أرادت
    حملت بالولد المعاق ذهنيًّا، والذي كان سببًا في حدوث الكثير من المتاعب
    لها، حتى أنها كانت في بعض اللحظات تتمنى وفاته كي تستريح.






    تُرى ماذا لو رضيت بقسمة الله لها، واستسلمت لقضاء الله وحكمه فيما أراد.





    وأعرف
    آخر كافح ونافح ليذهب في رحلته المسافرة إلى بلدته، بعد أن تأخر عن موعد
    الرحلة، ولمَّا لم يجد سبيلاً لعودة مقعده الذي حصل عليه آخر، جلس لينتظر
    الموعد القادم، وعلامات الغيظ والضيق وعدم الرضا قد ارتسمت على قسمات
    وجهه، وطول فترة انتظاره وهو يتمتم بعبارات الاعتراض، والقلق على مواعيده
    التي تأخرت، ومصالحه التي تعطلت، وركب في الموعد الجديد، ولا يزال وجهه
    عابسًا، وأسلوبه حادًّا في الحديث، حتى إذا انتصف الطريق وجد الحافلة التي
    كان سيستقلها قد انقلبت في حادث على الطريق ومات أغلب ركابها، وأُصيب
    الباقون، وأشلاء الركاب ملقاة على الطريق، حينئذ على صوته قائلاً "الحمد
    لله" .. الآن فقط انفرجت أساريره، وابتسم ثغره، وعاد إلى طبيعته. حينئذ
    فقط نطق بكلمة الحمد إذ لم يكن في هذه الحافلة مسافرًا.






    من هنا نقول إن الإنسان لا بد له أن يرضى بقضاء الله وقدره، ويُحاول إدراك الحكمة الإلهية من وراء الحدث ﴿مَا
    أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلاَّ فِي
    كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ
    (22) لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِمَا
    آتَاكُمْ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ
    (23)﴾
    (الحديد)، فالقرآن الكريم يوجهنا إلى تلك الوسطية في ردود الأفعال، وعدم
    المبالغة الزائدة في الفرح أو الحزن، وأن نضع كل موقف في حجمه الصحيح، فلا
    حزن يكسر النفس فيقعدها، ولا فرح يُلهينا فننسى فضل الله علينا. بل إن
    النبي- صلى الله عليه وسلم- قد استعاذ من الحزن المضر الذي يقعد بالإنسان
    عن الهمم العليا والطموح المتجدد، فقال- صلى الله عليه وسلم-: "اللَّهُمَّ
    إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الْهَمِّ وَالْحَزَنِ" (صحيح البخاري، ح- 5005).
    هومه
    هومه


    الرضا.. عبادة قلبية Empty رد: الرضا.. عبادة قلبية

    مُساهمة من طرف هومه الخميس 27 نوفمبر 2008, 12:21 am

    نماذج من الراضين


    الكبار
    في خلق الرضا كُثر، ونماذج مُبهرة، كلها تؤكد أن حب الله والإيمان به،
    وراء ثبات هؤلاء الكبار وقبولهم بما يحدث لهم دون جزع أو ضيق.






    إمام المتقين:


    ويأتي
    على رأس هذه القائمة- قائمة الراضين عن ربهم- رسول الله صلى الله عليه
    وسلم، إمام المتقين، والقدوة لكل من أن أراد أن يتخذ مثلاً أعلى يحذو حذوه
    أو يقتفي أثره، إنه النبي المعصوم صلى الله عليه وسلم.






    ويحضرني
    الآن موقفه صلى الله عليه وسلم عندما ذهب داعيًا أهل الطائف إلى الإسلام،
    فطردوه وأدموه وآذوه أيما إيذاء، وهو الرسول الكريم، والنبي الخاتم،
    أتخيله صلى الله عليه وسلم، وقد استظل تحت شجرة يناجي ربه "إن لم يكن بك
    غضب عليّ فلا أبالي، ولكن عافيتك هي أوسع ليّ" انظر إلى الرضا في كلماته
    صلى الله عليه وسلم، واقرأ معي الحديث كاملاً وتأمل وهو النبي الذي لو
    أراد أن يدعو الله أن يطبق عليهم الأخشبين لفعل.






    يقول صلى الله عليه وسلم في دعائه:


    "اللهم
    إليك أشكو ضعف قوتي وهواني على الناس، يا أرحم الراحمين، أنت رب
    المستضعفين، وأنت ربي، إلى من تكلني، إلى بعيد يتجهمني، أم إلى عدو ملكته
    أمري؟! إن لم يكن بك غضب علي فلا أبالي، ولكن عافيتك هي أوسع لي.






    أعوذ
    بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة من أن
    تنزل بي غضبك أو تحل علي سخطك، لك العتبى حتى ترضى، لا حول ولا قوة ألا
    بك" (السيرة النبوية لابن كثير ج2- ص 150).






    وفي
    وصية جامعة ذكرها رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه، ولأمته من بعده،
    يوضح فيها ضرورة الاستسلام التام لقضاء الله وقدره، والرضا به يقول
    النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "لا يَتَمَنَّيَنَّ
    أَحَدُكُمْ الْمَوْتَ مِنْ ضُرٍّ أَصَابَهُ فَإِنْ كَانَ لا بُدَّ
    فَاعِلاً فَلْيَقُلْ اللَّهُمَّ أَحْيِنِي مَا كَانَتْ الْحَيَاةُ خَيْرًا
    لِي وَتَوَفَّنِي إِذَا كَانَتْ الْوَفَاةُ خَيْرًا لِي" (صحيح البخاري
    5239).






    قائد القادسية:


    سعد
    ابن أبي وقاص من مغاوير الصحابة، ورجالاتها الشدائد، جاهد مع رسول الله
    صلى الله عليه وسلم، وأبلى بلاءً حسنًا في ميادين القتال، قاد المسلمين
    إلى النصر في معارك كثيرة، أشهرها معركة القادسية، دعا له الرسول صلى الله
    عليه وسلم أن يكون مستجاب الدعوة، وقد كان يلجأ إليه الكثير من الناس كي
    يدعو لهم، فكان يدعو لهم، غير أن هذا الصحابي الجليل وهو أحد الُمبشرين
    بالجنة، وصاحب الدعاء المستجاب قد فَََقَدَ بصره في آخر عمره، وقد سأله
    شاب أن يدعو الله أن يرد عليه بصره وهو مستجاب الدعوة: فكان جوابه جواب
    الراضي القانع بقضاء الله: قضاء الله أحب إليًّ من بصري، أفيرضاه الله لي
    ولا أرضاه لنفسي، والله لا أدعو.






    الفاروق:


    والفاروق
    عمر بن الخطاب من الصحابة الأجلاء الذين جاهدوا في الله حق جهاده، من
    الكبار الذين كانوا يرضون بقضاء الله وقدرة، ويقبلون بما نزل بهم من سوء،
    أو أصابهم من شر، وها هو يقول لنا ويرشدنا كيف كان الكبار يرضون بقضاء
    الله، فقد كان رضي الله عنه إذا أصابه ما يكره يحمد الله على أربع: أنها
    لم تكن في دينه، وأنها لم تكن أعظم من ذلك، وأن له فيها الأجر العظيم، ثم
    يتذكر المصيبة الكبرى بفقده النبي صلى الله عليه وسلم فتهون أي مصيبة
    بعدها.






    الرضا والطمع


    الكبار
    راضون بما قسم الله لهم من رزق، وما قسم لهم من وظيفة، وما قسم لهم من
    ذرية، وما قسم لهم من سكن، لا يستسلمون لنزعات الحرص والطمع التي قد تصيب
    الكثير من الناس.






    هذا الحرص والطمع على متاع الدنيا وإن كان مجبولاً عليه كل بني آدم كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لَوْ
    أَنَّ لابْنِ آدَمَ مِثْلَ وَادٍ مَالاً لأَحَبَّ أَنَّ لَهُ إِلَيْهِ
    مِثْلَهُ وَلا يَمْلأُ عَيْنَ ابْنِ آدَمَ إِلا التُّرَابُ وَيَتُوبُ
    اللَّهُ عَلَى مَنْ تَابَ
    " (صحيح البخاري، ح- 5957).






    رغم
    هذه الحقيقة التي تكاد تكون ملازمةً لبني البشر إلا أن الكبار يسعون إلى
    الاعتدال وتحقيق التوازن الداخلي الذي يحقق في نفوسهم الرضا عن قناعة وحب.






    الرضا الذي يمنحهم السكينة والسعادة التي تُبعدهم عن السخط أو النقمة على حالهم وأوضاعهم.





    فالكبار
    قد رسخ في يقينهم أن كل نفس مكفول لها رزقها "أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا
    اللَّهَ وَأَجْمِلُوا فِي الطَّلَبِ فَإِنَّ نَفْسًا لَنْ تَمُوتَ حَتَّى
    تَسْتَوْفِيَ رِزْقَهَا وَإِنْ أَبْطَأَ عَنْهَا فَاتَّقُوا اللَّهَ
    وَأَجْمِلُوا فِي الطَّلَبِ خُذُوا مَا حَلَّ وَدَعُوا مَا حَرُمَ" (سنن
    ابن ماجة، ح- 2135).






    خطورة عدم الرضا


    بالإضافة
    أن عدم الرضا بفعل الله وقضائه وقدره على عبده، لن يُضيف جديدًا للعبد، أو
    يزيل عنه ما نزل به من بلاء، بل على العكس من ذلك تمامًا فإن عدم الرضا
    يجعل الصدر ضيقًا ويُزيده همًّا وحزنًا.






    غير ذلك أنه سيحظى بسخط الله ومقته عنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ "إِنَّ
    عِظَمَ الْجَزَاءِ مَعَ عِظَمِ الْبَلاءِ وَإِنَّ اللَّهَ إِذَا أَحَبَّ
    قَوْمًا ابْتَلاهُمْ فَمَنْ رَضِيَ فَلَهُ الرِّضَا وَمَنْ سَخِطَ فَلَهُ
    السَّخَطُ"
    (صحيح البخاري، ح- 2320).






    والكبار يسعون دائمًا إلى تحقيق التوازن بين الحب الفطري للمال ﴿وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا (20)﴾ (الفجر) وبين التطلع لما في أيدي الناس، لما في الطمع والتطلع لما في أيدي الغير من خطورة على نفس المتطلع، وعلى غيره كذلك.





    ومن
    هنا كان التوجيه القرآني الخالد الذي دعا إلى القناعة والرضا بقسمة الله
    وعدم التطلع إلى ما عند الغير بنظرة يملؤها الحقد أو الحسد أو الغيرة ﴿وَلا
    تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ
    زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ
    خَيْرٌ وَأَبْقَى
    (131)﴾ (طه)،



    فالكبار
    قد تأكد لديهم أن الطمع متى تمكن من القلب واستبد به، أصاب النفس الجشع
    وملأها الغل، وكرهت الخير الذي يأتي الناس، فتحسدهم وتتمنى زواله، وهذه
    النفس في حقيقتها لا تشبع من كثير، ولا تقنع بقليل، بل تظل عينيها ممتدةً
    إلى ما عند الغير متطلعة إليه.






    الرضا والحسد


    الكبار
    ومن خلال الرضا الذي زرع في قلوبهم، وتربت عليه نفوسهم يحبون الخير
    لإخوانهم، وهو لا يعترض على تفضيل الله لبعض خلقه، أو توسيعه في الرزق ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (37)﴾ (الروم).






    أما صغار النفوس فتستعر نفوسهم حقدًا وحسدًا وغلاً على حالهم وينسون قوله تعالى ﴿أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ﴾ (النساء: من الآية 54).





    صغار
    النفوس يسهرون الليل ولا ينامون بسبب خير أنزله على غيرهم، أو توسعة حلًّت
    على عبد من عباد الله، يكاد الغيظ يقتلهم، والهم يفتك بهم.






    أما
    الكبار فيوقنون أن رزق الله مقسوم ومقدور، فهم يعلمون أن الخير ليس في
    كثرة المال، كما أن الشر ليس في قلته، بل قد يكون المال وبالاً على صاحبه،
    ورُب فقر قاد صاحبه إلى التواضع وزاده قربًا من ربه.






    والكبار
    يحسدون، ولكنه حسد من نوع آخر، حسد أقرهم عليه الرسول الكريم، وأثنى عليه،
    إنه الحسد المحمود بل والمطلوب يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم "لا
    حَسَدَ إِلا فِي اثْنَتَيْنِ رَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ مَالاً فَسُلِّطَ
    عَلَى هَلَكَتِهِ فِي الْحَقِّ وَرَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ الْحِكْمَةَ
    فَهُوَ يَقْضِي بِهَا وَيُعَلِّمُهَا
    " (صحيح البخاري- 71).






    مفهوم القناعة


    الرضا
    عند الكبار لا يعني التنازل عن الصدارة والقيادة في مجالات الحياة
    المختلفة، وهي كذلك لا تعني الرضا بالدونية وقتل الطموح في النفس، أو
    الرضا بالجوع والفقر والحرمان، والزهد في التميز وطلب معالي الأمور.






    إن
    الرضا المطلوب هو القناعة برزق الله أيًّا كان، رضا يحفظ للفرد سكينته
    واطمئنانه وهدوءه، رضا يضبط التطلع ويحقق التوازن المطلوب، فلا تطلع وسخط
    يصيب الإنسان فيقعده عن العمل، ويُقلل من همته من التغيير، ويفت في عزمه
    لمجابهة الظلم، أو تطلع لأمر مستحيل الحدوث، صعب التحقق.






    وذلك
    كالساخط على شكله وهيئته التي خلقها الله عليها، كأن يكون أسود، فيتمنى
    البياض، أو يكون قصيرًا فيتطلع إلى الطول، أو الفتاة متوسطة الجمال تتطلع
    إلى جمال خارق، فكل هذا مما لا طائل من التفكير فيه، ولا من ثمرة مرجوة من
    السخط، إنما هو فضل الله يؤتيه من يشاء ﴿وَلا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ﴾ (النساء: من الآية 32).






    القناعة ليست ضعفًا


    يظن
    الواهمون أن الرضا والقناعة برزق الله أو قدر الله ضعفًا واستسلامًا من
    صاحبه، أو أنه عجز ألبسه صاحبه لباس الرضا والقناعة، وليس أدل على ذلك من
    حال رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام كانوا ارفع الناس خلقًا،
    وأزهدهم في الدنيا، فرسولنا الكريم كان بوسعه أن يكون أكثر الناس مالاً
    وأعظمهم ملكًا عندما عرضت قريش المال والملك نظير تركه للدعوة، ولكنه رفض
    عرضهم وتمسك بدعوته زاهدًا في كل هذا "يا عم والله لو وضعوا الشمس في
    يميني، والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر حتى يظهره الله، أو أهلك
    فيه ما تركته" (السيرة النبوية لابن كثير ج1 ص474).






    رزق الأبناء


    لا
    شك أن الأبناء والذرية نعمة كبرى كغيرها من نعم الله على عباده والتي لا
    تُعد ولا تُحصى، وليس أدل على ذلك من نداء الفطرة الذي يُحرك مشاعرنا تجاه
    هذا النوع من الرزق، وكذلك فإن دعاء نبي الله ذكريا أن يرزقه الولد يُجسد
    هذه العاطفة تجسيدًا حيًّا ﴿وَإِنِّي خِفْتُ
    الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي وَكَانَتْ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي
    مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا (5) يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ
    وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا
    (6)﴾ (مريم).






    ولقد جعل الله الأبناء رزقًا يهبه لمن يشاء، ويؤخره عن من يشاء، ويمنعه عن من يشاء لحكمة عظيمة وجليلة عنده سبحانه وتعالى ﴿لِلَّهِ
    مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ
    يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ (49) أَوْ
    يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا
    إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ
    (50)﴾ (الشورى).






    وختام
    هذه الآية إحدى دوافع الكبار على الرضا برزق الله ﴿إِنَّهُ عَلِيمٌ
    قَدِيرٌ﴾ فمن يعلم لعل الرزق بالأبناء من الأسباب التي تُفضي إلى الطغيان
    والإفساد في الأرض، أو أن يكون الأبناء سببًا في شقاء الوالدين، والله هو
    العليم الذي يعلم ما ينفع البشر وما يضرهم.






    واختيار
    الله للكبار أفضل عندهم من اختيارهم لأنفسهم كما قال سعد بن أبي وقاص
    عندما فقد بصره في آخر عمره وقد نصحه أحد من حوله أن يدعو الله أن يرد
    عليه بصره وهو مستجاب الدعوة فقال قولته العظيمة "قضاء الله أحبًّ إلي من
    بصري.. أفيرضاه الله لي ولا أرضاه لنفسي والله لا أدعو".






    وكم
    من الأمثلة في واقعنا المعاصر والتي فعل فيها البعض المستحيل، وتكبدوا
    عناء المصاريف الباهظة حتى يُرزقوا بالأولاد فكانوا سببًا في تعاستهم وجلب
    المشاكل لهم، وأحيانًا وفاتهم.






    أغنى الناس


    يظن
    البعض أن الغني هو من امتلك المال والسلطان والجاه، ورسولنا الكريم يؤكد
    غير ذلك في وصيته للصحابي الجليل أبي هريرة عندما أكد له أن الغنى الحقيقي
    في الرضا بقسمة الله له في كل شيء في قسمته له في صحته، وقسمته له في
    ماله، قسمته له في الأولاد، وقسمته له في الوظيفة، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
    قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "مَنْ
    يَأْخُذُ عَنِّي هَؤُلاءِ الْكَلِمَاتِ فَيَعْمَلُ بِهِنَّ أَوْ يُعَلِّمُ
    مَنْ يَعْمَلُ بِهِنَّ فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ فَقُلْتُ أَنَا يَا
    رَسُولَ اللَّهِ فَأَخَذَ بِيَدِي فَعَدَّ خَمْسًا وَقَالَ اتَّقِ
    الْمَحَارِمَ تَكُنْ أَعْبَدَ النَّاسِ وَارْضَ بِمَا قَسَمَ اللَّهُ لَكَ
    تَكُنْ أَغْنَى النَّاسِ" (سنن الترمذي، ح- 2227).






    وفي ذلك يقول الخليفة عمر بن عبد العزيز داعيًا ربه "اللهم رضني بقضائك، وبارك لي في قدرك حتى لا أحب تعجيل شيء أخرته، ولا تأخير شيء عجلته" (شعب الإيمان للبيهقي ج1 ص249).


    ----------
    ام بودى
    ام بودى


    الرضا.. عبادة قلبية Empty رد: الرضا.. عبادة قلبية

    مُساهمة من طرف ام بودى الثلاثاء 27 أبريل 2010, 2:32 am

    ما شاء الله
    جزاك الله خير الجزاء حبيبتى هومه
    اللهم ارزقنا الرضا

      الوقت/التاريخ الآن هو الثلاثاء 05 نوفمبر 2024, 5:26 am