خولة بنت الأزور
هي خولة بنت الأزور واسم الأزور مالك بن أوس بن جذيمة بن ربيعة بن
مالك بن ثعلبة بن دودان بن أسد بن خزيمة بن مدركة بن الياس بن مضر بن نزار. رضي الله عنها .
من مواقفها البطولية لإنقاذ أخيها :
وهي من ربات الشجاعة والفروسية ، خرجت مع أخيها ضرار بن
الأزور إلى الشام وأظهرت في المواقع التي دارت رحاها بين المسلمين
الروم بسالة فائقة خلد التاريخ اسمها في سجل الأبطال البواسل، فأسر
أخوها ضرار في إحدى الموقعات فحزنت لأسره حزناً شديداً ومن
موقعاتها( في أجنادين وهي قرية تقع شرقي القدس في فلسطين ) أن خالد
بن الوليد نظر إلى فارس طويل وهو لا يبين منه إلا الحدق والفروسية ،
تلوح من شمائله، وعليه ثياب سود وقد تظاهر بها من فوق لامته ، وقد
حزم وسطه بعمامة خضراء وسحبها على صدره، وقد سبق أمام الناس
كأنه نار. فقال خالد: ليت شعري من هذا الفارس؟ وأيم الله إنه لفارس
شجاع. ثم لحقه والناس وكان هذا الفارس أسبق إلى المشركين .فحمل
على عساكر الروم كأنه النار المحرقة، فزعزع كتائبهم وحطم مواكبهم ثم
غاب في وسطهم فما كانت إلا جولة الجائل حتى خرج وسنانه ملطخ
بالدماء من الروم وقد قتل رجالاً وجندل أبطالاً وقد عرّض نفسه للهلاك ثم
اخترق القوم غير مكترث بهم ولا خائف وعطف على كراديس
الروم.فقلق عليه المسلمون وقال رافع بن عميرة: ليس هذا الفارس إلاّ
خالد بن الوليد ، ثم أشرف عليهم خالد ، فقال رافع : من الفارس الذي تقدم
أمامك فلقد بذل نفسه ومهجته ؟ ، فقال خالد: والله أنني أشد إنكاراً منكم له،
ولقد أعجبني ما ظهر منه ومن شمائله، فقال رافع : أيها الأمير إنه منغمس
في عسكر الروم يطعن يميناً وشمالاً ، فقال خالد: معاشر المسلمين احملوا
بأجمعكم وساعدوا المحامي عن دين الله، فأطلقوا الأعنة وقوموا الأسنة
والتصق بعضهم ببعض وخالد أمامهم ونظر إلى الفارس فوجده كأنه شعلة
من نار والخيل في إثره، وكلما لحقت به الروم لوى عليهم وجندل فحمل
خالد ومن معه ، ووصل الفارس المذكور إلى جيش المسلمين ، فتأملوه
فرأوه وقد تخضب بالدماء، فصاح خالد والمسلمون: لله درك من فارس ..
بذل مهجته في سبيل الله وأظهر شجاعته على الأعداء .. اكشف لنا عن
لثامك، فمال عنهم ولم يخاطبهم وانغمس في الروم ، فتصايحت به الروم
من كل جانب وكذلك المسلمون وقالوا: أيها الرجل الكريم أميرك يخاطبك
وأنت تعرض عنه، اكشف عن اسمك وحسبك لتزداد تعظيماً . فلم يرد
عليهم جواباً ، فلما بعد عن خالد سار إليه بنفسه وقال له: ويحك لقد شغلت
قلوب الناس وقلبي بفعلك ، من أنت
فلما ألح خالد خاطبه الفارس من تحت لثامه بلسان التأنيث وقال: إنني يا
أمير لم أعرض عنك إلاّ حياءً منك لأنك أمير جليل وأنا من ذوات
الخدور وبنات الستور، فقال لها: من أنت ؟ فقالت: خولة بنت الأزور
وإني كنت مع بنات العرب وقد أتاني الساعي بأن ضراراً أسير فركبت
وفعلت ما فعلت، قال خالد: نحمل بأجمعنا ونرجو من الله أن نصل إلى
أخيك فنفكه.
قال عامر بن الطفيل: كنت عن يمين خالد بن الوليد حين حملوا وحملت
خولة أمامه وحمل المسلمون وعظم على الروم ما نزل بهم من خولة بنت
الأزور ، وقالوا: إن كان القوم كلهم مثل هذا الفارس فما لنا بهم طاقة.
وجعلت خولة تجول يميناً وشمالاً وهي لا تطلب إلاّ أخاها وهي لا ترى له
أثراً، ولا وقفت له على خبر إلى وقت الظهر. وافترق القوم بعضهم عن
بعض وقد أظهر الله المسلمين على أعدائهم وقتلوا منهم عدداً عظيماً.
ومن مواقفها الرائعة موقفها يوم أسر النساء في موقعة صحورا ( بالقرب
من مدينة حمص السورية ) . فقد وقفت فيهن ، وكانت قد أسرت معهن،
فأخذت تثير نخوتهن، وتضرم نار الحمية في قلوبهن، ولم يكن من السلاح
شيء معهن. فقالت: خذن أعمدة الخيام، وأوتاد الأطناب، ونحمل على
هؤلاء اللئام، فلعل الله ينصرنا عليهم ، فقالت عفراء بنت عفار: والله ما
دعوت إلاّ إلى ما هو أحب إلينا مما ذكرت. ثم تناولت كل واحدة منهن
عموداً من عمد الخيام، وصحن صيحة واحدة. وألقت خولة على عاتقها
عمودها، وتتابعن وراءها، فقالت لهن خولة: لا ينفك بعضكن عن بعض
ومن كالحلقة الدائرة. ولا تتفرقن فتملكن ، فيقع بكن التشتيت، واحطمن
رماح القوم، واكسرن سيوفهم. وهجمت خولة وهجمت النساء من ورائها،
وقاتلت بهن قتال المستيئس المستميت، حتى استنقذتهن من أيدي الروم،
وخرجت وهي تقول:
نحن بنـات تبـع وحمير = وضربنا في القوم ليس ينـكر
لأننا في الحرب نار تستعر = اليوم تسقون العذاب الأكبر
توفيت خولة بنت الأزور ـ رضي الله عنها ـ في عهد خلافة عثمان بن
عفان- رضي الله عنه- بعد أن شهدت كثيرا من المشاهد والأحداث
التاريخية .