المرء في هذه الحياة هو في امتحان {ليبلوكم أيكم أحسن عملا}، كما أنه مكلف بالنصح لله ولكتابه ورسوله والمسلمين جميعا، كما أنه بالطبع وبالفطرة كائن اجتماعي، يأخذ ويعطي، يؤثر ويتأثر، علاقاته الفردية تشتبك بالعلاقات الجماعية، وقد يقع أحيانا ألا يرضى بسلوك ما صدر من الآخرين، أو يعارض أو يتعارض في الآراء فيشرح ويدافع ويلوم ويعاتب.
كما أن ضرورة التعاون والتنظيم والتفاوت في المسؤوليات وما تفرضه من آليات للمتابعة والتقويم والتصحيح، فإنها في بعض الأحيان ولسوء الفهم أو لعدم التفاهم أو للخطأ في تفسير الرأي أو السلوك، تقلب النصيحة إلى فضيحة، ويصير الود بغضا وكرها، وتتشكل الورود أشواكا وعوسجا، فتتنافر القلوب قبل الأجساد، فيكون ذاك اللوم أو العتاب هو تلك القشة التي قصمت ظهر البعير، فيصعب الجمع مرة ثانية، وإن تم فلا يكون بقوة وصلابة الأول:
إن القلوب إذا تنافر ودها***كالزجاجة كسرها لا يجبر
لهذا حري بالمرء أن يجعل من عتابه ولومه للإخوان لبنة بناءٍ لا معول هدمٍ في صرح المحبة والأخوة، وهذه بعض القواعد في معاتبة الإخوان:
1- الخطأ والهفوة سمة إنسانية:
الحقيقة التي يقرها الدين والعقل هي أن الإنسان خطاء "كل بني آدم خطاءون وخير الخطائين التوابون"، فهي سمة ملازمة للإنسان كما الإصابة.
من ذا الذي ما أساء قط*** ومن الذي له الحسنى فقط
إذا وعيت هذه الحقيقة، فلا تكن مثاليا في تخيل صفات وخلال أصحابك وإخوانك، فالكمال لله وحده، وكم بَدَرَ منك من سلوك غير مقبول، أو خطإ في حق الآخرين من غير أن تعيره اهتمامك وانتباهك.
2- الظن الحسن هو الأصل:
خير لا خير بعده: حسن الظن بالله وبالناس، فحاول أن تجد مبررا لأفعال وأقوال الآخرين. فعند صدور قول أو فعل يسبب لك ضيقًا أو حزنًا حاول التماس الأعذار، واستحضر حال الصالحين الذين كانوا يحسنون الظن ويلتمسون المعاذير. حتى قال الإمام الشافعي رحمه الله: "التمس لأخيك سبعين عذرا"ً. وقال ابن سيرين رحمه الله: "إذا بلغك عن أخيك شيء فالتمس له عذرًا، فإن لم تجد فقل: لعل له عذرًا لا أعرفه". إنك حين تجتهد في التماس الأعذار ستريح نفسك من عناء الظن السيئ وستتجنب الإكثار من اللوم لإخوانك:
تأن ولا تعجل بلومك صاحبًا ***لعل له عذرًا وأنت تلوم
اجعل عملا جميلا من أعمالهم يشفع لهم عند خطئهم، ابحث عن تفسيرات إيجابية لسلوك الآخرين واتهم نفسك أولا، .قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "لا تظن بكلمة خرجت من أخيك المؤمن شرًّا، وأنت تجد لها في الخير محملاً". وانظر إلى الإمام الشافعي رحمه الله حين مرض وأتاه بعض إخوانه يعوده، فقال للشافعي: قوى لله ضعفك، قال الشافعي: لو قوى ضعفي لقتلني، قال: والله ما أردت إلا الخير. فقال الإمام: أعلمُ أنك لو سببتني ما أردت إلا الخير.
فهكذا تكون الأخوة الحقيقية إحسان الظن بالإخوان حتى فيما يظهر أنه لا يحتمل وجها من أوجه الخير.
والشر كل الشر أن يعتد المرء بنفسه كل الاعتداد، ويطلق لها الحبل على الغارب تصول وتجول في أذية الآخرين والانتقاص منهم، فمن ساء ظنه بالناس كان في تعب وهَم لا ينقضي فضلاً عن خسارته لكل من يخالطه حتى أقرب الناس إليه؛ إذ من عادة الناس الخطأ ولو من غير قصد، ثم إن من آفات سوء الظن أنه يحمل صاحبه على اتهام الآخرين، مع إحسان الظن بنفسه، وهو نوع من تزكية النفس التي نهى الله عنها في كتابه: {فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى} النجم:32.
وأنكر سبحانه على اليهود هذا المسلك: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلاً} النساء: 49. وسُئل الحسن البصري ذات يوم عن شر الناس فقال: "الذي يظن أنه خيرهم".
ليس أريح لقلب العبد في هذه الحياة ولا أسعد لنفسه من حسن الظن، فبه يسلم من أذى الخواطر المقلقة التي تؤذي النفس، وتكدر البال، وتتعب الجسد. إن حسن الظن يؤدي إلى سلامة الصدر وتدعيم روابط الألفة والمحبة بين أبناء الجماعة فلا تحمل الصدور غلاًّ ولا حقدًا، امتثالاً لقوله صلى الله عليه وسلم "إياكم والظن؛ فإن الظن أكذب الحديث، ولا تحسسوا، ولا تجسسوا، ولا تنافسوا، ولا تحاسدوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا، وكونوا عباد الله إخوانًا". وإذا كان أبناء المجتمع بهذه الصورة المشرقة فإن أعداءهم لا يطمعون فيهم أبدًا، ولن يستطيعوا أن يتبعوا معهم سياستهم المعروفة فرِّق تَسُد؛ لأن القلوب متآلفة، والنفوس صافية.
غير أن هذا لا يتعارض مع واجب النصيحة، وقوة الرأي والاقتراح، والاختلاف المحمود وتباين وجهات النظر، لكن ينبغي أن يكون كل ذلك مع متين الإخلاص والصدق والمودة، ولا شك أن ذلك سيكون أدعى لقبول الرأي والنصيحة والعتاب.
3- اجعل للمعاتب مساحة في قلبك:
قبل أن تلوم وتعاتب، أحب الآخرين، اجعلهم في دعائك، أهدهم صلاة وقرآنا ودعاءً. لا تنسهم وأنت ساجد، لتجالسهم وتشاركهم الطعام والهموم، عش أفراحهم وأحزانهم. وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يسأل ربه أن يرزقه قلبًا سليمًا. وكم نخطئ لما نساوي بين شخص الفاعل والفعل، فنكره الفعل ونحقد على الفاعل فنفسد من حيث قصدنا أن نصلح.
بون شاسع أن تلوم وتعاتب وأنت تحب، وبين أن تغضب وتنفعل وتطلق لسانك، وقلبك خلو إلا من غيض وحنق. احتضن الآخرين بابتسامتك، وليسعهم حسن معشرك، كن كريما معهم، تكن مطاعا فيهم. لتسبق أخلاقك إلى نفوسهم قبل أن تقرع آذانهم بالعتاب، لتسبق نبضات قلبك تقديرات عقلك وظنون فكرك. حرك قلبك بالمحبة ولسانك بالدعاء أولا.
حاشا لله أن يردك خائبا إن وقفت ببابه وتمسحت بجنابه، اعرض ما تشكوه على رب العباد، اطلب الدواء من صيدلية الرحمن. وتذكر دائما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أراد أن ينصح لسيدنا معاذ رضي الله عنه بدأ بـ: "يا معاذ إني أحبك...".
كما أن ضرورة التعاون والتنظيم والتفاوت في المسؤوليات وما تفرضه من آليات للمتابعة والتقويم والتصحيح، فإنها في بعض الأحيان ولسوء الفهم أو لعدم التفاهم أو للخطأ في تفسير الرأي أو السلوك، تقلب النصيحة إلى فضيحة، ويصير الود بغضا وكرها، وتتشكل الورود أشواكا وعوسجا، فتتنافر القلوب قبل الأجساد، فيكون ذاك اللوم أو العتاب هو تلك القشة التي قصمت ظهر البعير، فيصعب الجمع مرة ثانية، وإن تم فلا يكون بقوة وصلابة الأول:
إن القلوب إذا تنافر ودها***كالزجاجة كسرها لا يجبر
لهذا حري بالمرء أن يجعل من عتابه ولومه للإخوان لبنة بناءٍ لا معول هدمٍ في صرح المحبة والأخوة، وهذه بعض القواعد في معاتبة الإخوان:
1- الخطأ والهفوة سمة إنسانية:
الحقيقة التي يقرها الدين والعقل هي أن الإنسان خطاء "كل بني آدم خطاءون وخير الخطائين التوابون"، فهي سمة ملازمة للإنسان كما الإصابة.
من ذا الذي ما أساء قط*** ومن الذي له الحسنى فقط
إذا وعيت هذه الحقيقة، فلا تكن مثاليا في تخيل صفات وخلال أصحابك وإخوانك، فالكمال لله وحده، وكم بَدَرَ منك من سلوك غير مقبول، أو خطإ في حق الآخرين من غير أن تعيره اهتمامك وانتباهك.
2- الظن الحسن هو الأصل:
خير لا خير بعده: حسن الظن بالله وبالناس، فحاول أن تجد مبررا لأفعال وأقوال الآخرين. فعند صدور قول أو فعل يسبب لك ضيقًا أو حزنًا حاول التماس الأعذار، واستحضر حال الصالحين الذين كانوا يحسنون الظن ويلتمسون المعاذير. حتى قال الإمام الشافعي رحمه الله: "التمس لأخيك سبعين عذرا"ً. وقال ابن سيرين رحمه الله: "إذا بلغك عن أخيك شيء فالتمس له عذرًا، فإن لم تجد فقل: لعل له عذرًا لا أعرفه". إنك حين تجتهد في التماس الأعذار ستريح نفسك من عناء الظن السيئ وستتجنب الإكثار من اللوم لإخوانك:
تأن ولا تعجل بلومك صاحبًا ***لعل له عذرًا وأنت تلوم
اجعل عملا جميلا من أعمالهم يشفع لهم عند خطئهم، ابحث عن تفسيرات إيجابية لسلوك الآخرين واتهم نفسك أولا، .قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "لا تظن بكلمة خرجت من أخيك المؤمن شرًّا، وأنت تجد لها في الخير محملاً". وانظر إلى الإمام الشافعي رحمه الله حين مرض وأتاه بعض إخوانه يعوده، فقال للشافعي: قوى لله ضعفك، قال الشافعي: لو قوى ضعفي لقتلني، قال: والله ما أردت إلا الخير. فقال الإمام: أعلمُ أنك لو سببتني ما أردت إلا الخير.
فهكذا تكون الأخوة الحقيقية إحسان الظن بالإخوان حتى فيما يظهر أنه لا يحتمل وجها من أوجه الخير.
والشر كل الشر أن يعتد المرء بنفسه كل الاعتداد، ويطلق لها الحبل على الغارب تصول وتجول في أذية الآخرين والانتقاص منهم، فمن ساء ظنه بالناس كان في تعب وهَم لا ينقضي فضلاً عن خسارته لكل من يخالطه حتى أقرب الناس إليه؛ إذ من عادة الناس الخطأ ولو من غير قصد، ثم إن من آفات سوء الظن أنه يحمل صاحبه على اتهام الآخرين، مع إحسان الظن بنفسه، وهو نوع من تزكية النفس التي نهى الله عنها في كتابه: {فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى} النجم:32.
وأنكر سبحانه على اليهود هذا المسلك: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلاً} النساء: 49. وسُئل الحسن البصري ذات يوم عن شر الناس فقال: "الذي يظن أنه خيرهم".
ليس أريح لقلب العبد في هذه الحياة ولا أسعد لنفسه من حسن الظن، فبه يسلم من أذى الخواطر المقلقة التي تؤذي النفس، وتكدر البال، وتتعب الجسد. إن حسن الظن يؤدي إلى سلامة الصدر وتدعيم روابط الألفة والمحبة بين أبناء الجماعة فلا تحمل الصدور غلاًّ ولا حقدًا، امتثالاً لقوله صلى الله عليه وسلم "إياكم والظن؛ فإن الظن أكذب الحديث، ولا تحسسوا، ولا تجسسوا، ولا تنافسوا، ولا تحاسدوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا، وكونوا عباد الله إخوانًا". وإذا كان أبناء المجتمع بهذه الصورة المشرقة فإن أعداءهم لا يطمعون فيهم أبدًا، ولن يستطيعوا أن يتبعوا معهم سياستهم المعروفة فرِّق تَسُد؛ لأن القلوب متآلفة، والنفوس صافية.
غير أن هذا لا يتعارض مع واجب النصيحة، وقوة الرأي والاقتراح، والاختلاف المحمود وتباين وجهات النظر، لكن ينبغي أن يكون كل ذلك مع متين الإخلاص والصدق والمودة، ولا شك أن ذلك سيكون أدعى لقبول الرأي والنصيحة والعتاب.
3- اجعل للمعاتب مساحة في قلبك:
قبل أن تلوم وتعاتب، أحب الآخرين، اجعلهم في دعائك، أهدهم صلاة وقرآنا ودعاءً. لا تنسهم وأنت ساجد، لتجالسهم وتشاركهم الطعام والهموم، عش أفراحهم وأحزانهم. وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يسأل ربه أن يرزقه قلبًا سليمًا. وكم نخطئ لما نساوي بين شخص الفاعل والفعل، فنكره الفعل ونحقد على الفاعل فنفسد من حيث قصدنا أن نصلح.
بون شاسع أن تلوم وتعاتب وأنت تحب، وبين أن تغضب وتنفعل وتطلق لسانك، وقلبك خلو إلا من غيض وحنق. احتضن الآخرين بابتسامتك، وليسعهم حسن معشرك، كن كريما معهم، تكن مطاعا فيهم. لتسبق أخلاقك إلى نفوسهم قبل أن تقرع آذانهم بالعتاب، لتسبق نبضات قلبك تقديرات عقلك وظنون فكرك. حرك قلبك بالمحبة ولسانك بالدعاء أولا.
حاشا لله أن يردك خائبا إن وقفت ببابه وتمسحت بجنابه، اعرض ما تشكوه على رب العباد، اطلب الدواء من صيدلية الرحمن. وتذكر دائما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أراد أن ينصح لسيدنا معاذ رضي الله عنه بدأ بـ: "يا معاذ إني أحبك...".