إن كل عمل يقوم به الإنسان لابد أن يسبقه أو يقارنه توجه أو شعور نفسي، وما من شك أن الشعور النفسي للداعية مهم، إذ هو الباعث على الحركة والعمل، والمحدد للقصد والغاية، والمشاعر النفسية كثيرة التنوع، شديدة التقلب، والحديث عنها يطول، وهذه المقالة مخصوصة ببعض المشاعر النفسية المؤثرة في مجال الدعوة .
إن الدعوة تحتاج إلى عزيمة فتية ماضية، وانطلاقة قوية، وذلك يحتاج إلى شعور عظيم بالأهمية، وإحساس كبير بالواجب، ليكون ذلك وقوداً محركاً وطاقة مشغلة، فلا يكون فتور ولا انقطاع، ولا يحصل تردد أو تراجع، ومن ثم فلابد أن يغمر النفس شعور بهمّ الدعوة، وحزن على فوات مصالحها، وألم على عدم تحقيق مقاصدها، والدعوة - ما لم تكن في شعور الداعية - أكبر همه، وأوكد شغله فلا أمل في عزم وانطلاق مناسبين.
إن الدعوة ينبغي أن تكون حاضرة في خطرات فكره، وخفقات قلبه، ولواعج نفسه، بل لابد أن تكون هي تأملات ماضيه، ومعاناة حاضره، وطموحات مستقبله، إنها ينبغي أن تجري مع الدماء وفي عروقه، وأن تختلط مع الهواء في أنفاسه، حتى تملك عليه أقطار نفسه، وتملأ جوانحها .
فهذا سيد الخلق وإمام الدعاة صلى الله عليه وسلم كان همّ الدعوة يملأ قلبه ويشغل فكره وقد بلغ به الأمر مبلغاً عظيماً تنـزلت فيه آيات تتلى ليخفف همه ويذهب حزنه {أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ} [ فاطر 8 ]، "الحسرة همّ النفس وشدة الحزن على فوات الأمر" [ انظر تفسير ابن عطية ، ص1546] [ تفسير البغوي ، ص1068] ، وقال ابن عباس رضي الله عنهما : " لا تغتم ولا تهلك نفسك حسرة على تركهم الإيمان" [تفسير ابن الجوزي ، ص1158] ، وهذه تسلية من الله للرسول صلى الله عليه وسلم "حتى يدع ما يجيش في قلبه البشري من حرص على هداهم، ومن رؤية الحق الذي جاء به معروفاً بينهم، وهو حرص بشري معروف، يرفق الله برسوله من وقعه في حسه، فيبين له أن هذا ليس من أمره بل من أمر الله،... وهي حالة يعانيها الدعاة كلما أخلصوا في دعوتهم، وأدركوا قيمتها وجمالها وما فيها من الخير ورأوا الناس في الوقت ذاته يصدون عنها ويعرضون" [ في ظلال القرآن : 5/2928 ] .
فتأمل كيف كان حمله صلى الله عليه وسلم لهمّ الدعوة حتى بلغ هذا المبلغ العظيم وحتى خاطبه ربه بقوله الكريم : {فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفاً } ، قال السعدي في تفسيره [ ص470] : " فلعلك باخع نفسك : أي مهلكها غماً وأسفاً عليهم " .
وهل لك - أخي الداعية - أن تتصور عظمة الهم الذي حمله أبوبكر الصديق رضي الله عنه فكان مؤججاً لحماسته ومفجراً لطاقته حتى وأد الفتنة وقمع الردة وابتدأ الفتوح ؟، ولا يخفى على أحد شهرة عمر رضي الله عنه بالهمّ الذي كان يحملها تجاه رعيته فأورثه عدلاً قلّ نظيره، وبذلاً أتعب من بعده، وعلى هذا كان الرعيل الأول من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم .
ولقد سألت عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا اِلنَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم : (هَلْ أَتَى عَلَيْكَ يَوْمٌ كَانَ أَشَدَّ مِنْ يَوْمِ أُحُدٍ قَالَ لَقَدْ لَقِيتُ مِنْ قَوْمِكِ مَا لَقِيتُ وَكَانَ أَشَدَّ مَا لَقِيتُ مِنْهُمْ يَوْمَ الْعَقَبَةِ إِذْ عَرَضْتُ نَفْسِي عَلَى ابْنِ عَبْدِ يَالِيلَ بْنِ عَبْدِ كُلَالٍ فَلَمْ يُجِبْنِي إِلَى مَا أَرَدْتُ فَانْطَلَقْتُ وَأَنَا مَهْمُومٌ عَلَى وَجْهِي فَلَمْ أَسْتَفِقْ إِلَّا وَأَنَا بِقَرْنِ الثَّعَالِبِ فَرَفَعْتُ رَأْسِي فَإِذَا أَنَا بِسَحَابَةٍ قَدْ أَظَلَّتْنِي فَنَظَرْتُ فَإِذَا فِيهَا جِبْرِيلُ فَنَادَانِي فَقَالَ إِنَّ اللَّهَ قَدْ سَمِعَ قَوْلَ قَوْمِكَ لَكَ وَمَا رَدُّوا عَلَيْكَ وَقَدْ بَعَثَ إِلَيْكَ مَلَكَ الْجِبَالِ لِتَأْمُرَهُ بِمَا شِئْتَ فِيهِمْ فَنَادَانِي مَلَكُ الْجِبَالِ فَسَلَّمَ عَلَيَّ ثُمَّ قَالَ يَا مُحَمَّدُ فَقَالَ ذَلِكَ فِيمَا شِئْتَ إِنْ شِئْتَ أَنْ أُطْبِقَ عَلَيْهِمْ الْأَخْشَبَيْنِ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَلْ أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ مِنْ أَصْلَابِهِمْ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ وَحْدَهُ لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا ) رواه الشيخان ، فلله رسول الله ما أعظم همّه الذي ولد طاقته التي لا مطمح لبلوغها !
إنه ما لم يكن في قلب الداعية همّ مقلق، وغيرة محركة، وحماسة متقدة، ونفس شفافة متأثرة بما يمس الدين والعرض والأرض والأمة فلا أحسب أن هذا الداعية جدير بهذا الاسم وتلك الصفة، ولا أحسب أنه سيكون أنموذج عمل دؤوب وحركة مستمرة، ولعلي أشتد قليلاً أو كثيراً في هذا المعنى لأهميته، ولست أدري كيف يكون داعية من همّه منصرف بكليته في البيت الجميل، والزوجة الحسناء، والسيارة الفارهة، ونزهاته العائلية، وليس في هذا مبالغة فإن الواقع يشهد بوجوده، ومن شُغل همّه بمثل ذلك قعدت همته عن المعالي .
وإليك - ختاماً - هذه الوصفة في صناعة الهمّ المحرك :
1- أكثر من الصلة بكتاب الله، مركزاً على قصص ودعوة وجهاد أنبياء الله .
2- أدمن العيش مع سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم لتأخذ من دعوته في مكة وجهاده في المدينة مالا يؤخذ إلا منه.
3- تراجم الأعلام من السلف العظام وأئمة الإسلام ودعاة العصر معين لا ينضب للهمّ البنّاء .
4- صل حبل فكرك وعلمك بواقع الأمة واعرف مآسيها واكتو بنارها، عش في أتون محنة المرابطين في أرض الإسراء، وكن قريباً من النار التي يصطلي بها المقاومون في أرض الرافدين، وزد بعد ذلك ما شئت .
5- اعرف كيد أعدائك ومكرهم الكُبّار بالليل والنهار، وما يبذلون من جهد وفكر ومال بل وأرواح ورجال .
6- مد جسر فكرك ونبض مشاعرك مع إخوانك الدعاة في ميادين عملهم ودعوتهم من شرق الأرض إلى غربها، فإن في عطائهم وبلائهم زاد للهم النافع .
7- حدد لنفسك مشروعاً إيجابياً تسهم في البناء ليكون حظك في تيار العطاء وخارطة البناء .
مختصر مقال للشيخ \ على بن عمر با دحدح
إن الدعوة تحتاج إلى عزيمة فتية ماضية، وانطلاقة قوية، وذلك يحتاج إلى شعور عظيم بالأهمية، وإحساس كبير بالواجب، ليكون ذلك وقوداً محركاً وطاقة مشغلة، فلا يكون فتور ولا انقطاع، ولا يحصل تردد أو تراجع، ومن ثم فلابد أن يغمر النفس شعور بهمّ الدعوة، وحزن على فوات مصالحها، وألم على عدم تحقيق مقاصدها، والدعوة - ما لم تكن في شعور الداعية - أكبر همه، وأوكد شغله فلا أمل في عزم وانطلاق مناسبين.
إن الدعوة ينبغي أن تكون حاضرة في خطرات فكره، وخفقات قلبه، ولواعج نفسه، بل لابد أن تكون هي تأملات ماضيه، ومعاناة حاضره، وطموحات مستقبله، إنها ينبغي أن تجري مع الدماء وفي عروقه، وأن تختلط مع الهواء في أنفاسه، حتى تملك عليه أقطار نفسه، وتملأ جوانحها .
فهذا سيد الخلق وإمام الدعاة صلى الله عليه وسلم كان همّ الدعوة يملأ قلبه ويشغل فكره وقد بلغ به الأمر مبلغاً عظيماً تنـزلت فيه آيات تتلى ليخفف همه ويذهب حزنه {أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ} [ فاطر 8 ]، "الحسرة همّ النفس وشدة الحزن على فوات الأمر" [ انظر تفسير ابن عطية ، ص1546] [ تفسير البغوي ، ص1068] ، وقال ابن عباس رضي الله عنهما : " لا تغتم ولا تهلك نفسك حسرة على تركهم الإيمان" [تفسير ابن الجوزي ، ص1158] ، وهذه تسلية من الله للرسول صلى الله عليه وسلم "حتى يدع ما يجيش في قلبه البشري من حرص على هداهم، ومن رؤية الحق الذي جاء به معروفاً بينهم، وهو حرص بشري معروف، يرفق الله برسوله من وقعه في حسه، فيبين له أن هذا ليس من أمره بل من أمر الله،... وهي حالة يعانيها الدعاة كلما أخلصوا في دعوتهم، وأدركوا قيمتها وجمالها وما فيها من الخير ورأوا الناس في الوقت ذاته يصدون عنها ويعرضون" [ في ظلال القرآن : 5/2928 ] .
فتأمل كيف كان حمله صلى الله عليه وسلم لهمّ الدعوة حتى بلغ هذا المبلغ العظيم وحتى خاطبه ربه بقوله الكريم : {فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفاً } ، قال السعدي في تفسيره [ ص470] : " فلعلك باخع نفسك : أي مهلكها غماً وأسفاً عليهم " .
وهل لك - أخي الداعية - أن تتصور عظمة الهم الذي حمله أبوبكر الصديق رضي الله عنه فكان مؤججاً لحماسته ومفجراً لطاقته حتى وأد الفتنة وقمع الردة وابتدأ الفتوح ؟، ولا يخفى على أحد شهرة عمر رضي الله عنه بالهمّ الذي كان يحملها تجاه رعيته فأورثه عدلاً قلّ نظيره، وبذلاً أتعب من بعده، وعلى هذا كان الرعيل الأول من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم .
ولقد سألت عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا اِلنَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم : (هَلْ أَتَى عَلَيْكَ يَوْمٌ كَانَ أَشَدَّ مِنْ يَوْمِ أُحُدٍ قَالَ لَقَدْ لَقِيتُ مِنْ قَوْمِكِ مَا لَقِيتُ وَكَانَ أَشَدَّ مَا لَقِيتُ مِنْهُمْ يَوْمَ الْعَقَبَةِ إِذْ عَرَضْتُ نَفْسِي عَلَى ابْنِ عَبْدِ يَالِيلَ بْنِ عَبْدِ كُلَالٍ فَلَمْ يُجِبْنِي إِلَى مَا أَرَدْتُ فَانْطَلَقْتُ وَأَنَا مَهْمُومٌ عَلَى وَجْهِي فَلَمْ أَسْتَفِقْ إِلَّا وَأَنَا بِقَرْنِ الثَّعَالِبِ فَرَفَعْتُ رَأْسِي فَإِذَا أَنَا بِسَحَابَةٍ قَدْ أَظَلَّتْنِي فَنَظَرْتُ فَإِذَا فِيهَا جِبْرِيلُ فَنَادَانِي فَقَالَ إِنَّ اللَّهَ قَدْ سَمِعَ قَوْلَ قَوْمِكَ لَكَ وَمَا رَدُّوا عَلَيْكَ وَقَدْ بَعَثَ إِلَيْكَ مَلَكَ الْجِبَالِ لِتَأْمُرَهُ بِمَا شِئْتَ فِيهِمْ فَنَادَانِي مَلَكُ الْجِبَالِ فَسَلَّمَ عَلَيَّ ثُمَّ قَالَ يَا مُحَمَّدُ فَقَالَ ذَلِكَ فِيمَا شِئْتَ إِنْ شِئْتَ أَنْ أُطْبِقَ عَلَيْهِمْ الْأَخْشَبَيْنِ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَلْ أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ مِنْ أَصْلَابِهِمْ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ وَحْدَهُ لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا ) رواه الشيخان ، فلله رسول الله ما أعظم همّه الذي ولد طاقته التي لا مطمح لبلوغها !
إنه ما لم يكن في قلب الداعية همّ مقلق، وغيرة محركة، وحماسة متقدة، ونفس شفافة متأثرة بما يمس الدين والعرض والأرض والأمة فلا أحسب أن هذا الداعية جدير بهذا الاسم وتلك الصفة، ولا أحسب أنه سيكون أنموذج عمل دؤوب وحركة مستمرة، ولعلي أشتد قليلاً أو كثيراً في هذا المعنى لأهميته، ولست أدري كيف يكون داعية من همّه منصرف بكليته في البيت الجميل، والزوجة الحسناء، والسيارة الفارهة، ونزهاته العائلية، وليس في هذا مبالغة فإن الواقع يشهد بوجوده، ومن شُغل همّه بمثل ذلك قعدت همته عن المعالي .
وإليك - ختاماً - هذه الوصفة في صناعة الهمّ المحرك :
1- أكثر من الصلة بكتاب الله، مركزاً على قصص ودعوة وجهاد أنبياء الله .
2- أدمن العيش مع سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم لتأخذ من دعوته في مكة وجهاده في المدينة مالا يؤخذ إلا منه.
3- تراجم الأعلام من السلف العظام وأئمة الإسلام ودعاة العصر معين لا ينضب للهمّ البنّاء .
4- صل حبل فكرك وعلمك بواقع الأمة واعرف مآسيها واكتو بنارها، عش في أتون محنة المرابطين في أرض الإسراء، وكن قريباً من النار التي يصطلي بها المقاومون في أرض الرافدين، وزد بعد ذلك ما شئت .
5- اعرف كيد أعدائك ومكرهم الكُبّار بالليل والنهار، وما يبذلون من جهد وفكر ومال بل وأرواح ورجال .
6- مد جسر فكرك ونبض مشاعرك مع إخوانك الدعاة في ميادين عملهم ودعوتهم من شرق الأرض إلى غربها، فإن في عطائهم وبلائهم زاد للهم النافع .
7- حدد لنفسك مشروعاً إيجابياً تسهم في البناء ليكون حظك في تيار العطاء وخارطة البناء .
مختصر مقال للشيخ \ على بن عمر با دحدح