الكلمة مسؤولية , يحاسب عليها العبد ، ذلك أن كل كلام ابن آدم عليه لا له , إلا ذكر الله وما والاه أو أمر بمعروف أو نهي عن منكر ؛ قال تعالى : { ما يلفظ من قول إلاّ لديه رقيب عتيد } رقيب يراقب أقواله في الخير وفي الشّر . لذلك كان لزاما على المؤمن أن يكون عفيف اللسان ، يكسي ألفاظه أحسنها ، ويختار أَدلَّها على المقصود , بألطف عبارة ؛ ويربأ بنفسه عن الفظاظة والغلظة ووضيع الكلام . فما كان مربي البشرية وهاديها إلى الصراط المستقيم صلى الله عليه وسلم فاحشاً ولا متفحشاً ولا بالبذئ .
فـحفظ اللسان , وانتقاء أطايب الكلام , ووزنه قبل التَّلفظ به يعصم الإنسان من الزَّلل , ويقيه موارد الهلكة . قـال الإمام الشَّافعي رحمه الله : إذا أراد [الإنسان] الكلام فعليه أن يُفكر قبل كلامه , فإن ظهرت المصلحة تكلَّم ، وإن شكَّ لم يتكلم حتـى تظهر .
هناك الكلمة الطيِّبة المرققة للقلوب ، والراسمة للبسمة على الوجوه , والمشجّـعة على فعل الخير ، والدالَّة على أبواب البرّ والإحسان . وهناك الكلمة الجارحة للمشاعر ، المثيرة للفتنة والبغضاء , المفجّرة للغضب ، والفاتحة لأبواب الشر . وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ يقول : « إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله تعالى ما يلقي لها بالاً يرفعه الله بها درجات , وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله تعالى ما يلقي لها بالاً يهوي بها في جهنم » رواه البخاري .
فالكلمة كالسهم ؛ إذا انطلق فلن يعود . فعلى قائلها أن يحدد الهدف بدقـة , وأن يستعمل أجمل الألفاظ ويصيغـها بأسلوب لطيف محبب ؛ مما يجعل أثرها طيباً في النفوس , وثمرتها دافقة في الحياة . ولا يلجأ إلى اللفظ النابي والكلمة الخشنة التي من شأنها أن تؤدي إلى نتائج سلبية أو وخيمة . وقد تكون أحيانا وبالا، وندامة لصاحبها .
يقول الله عز وجل : { وقولوا للناس حسناً } . قال الإمام القرطبي في تفسيره : « ... فينبغي للإنسان أن يكون قوله للناس ليِّـناً ووجهه منبسطاً طَلْقاً مع البَرّ والفاجر , ... , لأن الله تعالى قال لموسى وهارون : { فقولا له قولا ليِّـناً } . فالقائل ليس بأفضل من موسى وهارون , والفاجر ليس بأخبث من فرعون , وقد أمرهما الله تعالى باللـين معـه . وقال طلحة بن عمر : قلت لعطاء إنك رجل يجتمع عندك ناس ذوو أهواء مختلفة , وأنا رجل فِـيَّ حِدَّة فأقول لهم بعض القول الغلـيظ ؛ فقال : لا تفعل , يقول الله تعالى : { وقولوا للناس حسنا } . »
يقول المزني - تلميذ الشافعي - رحمهما الله تعالى : سمعني الشافعي يوماً وأنا أقول : فلان كذاب )) ، فقال لي : " يـا إبراهيم : إكس ألفاظك أحسنها، لا تقل كذاب، ولكن قل حديثه ليس بشيء " . ونحوه أن البخاري كان لمزيد ورعـه قلّ أن يقول : كذّاب , أو وضّاع , أكثر ما يقول : سكتوا عنه , فيه نظر , تركوه , ونحو هذا نعم , ربما يقول : كذّبه فلان , أو رماه فلان بالكذب ...(1) .
ودخل الربيع مرة يعود الإمام الشافعي من مرض , فقال له : قوّى الله ضعفك يا إمام . فقال الشافعي : لو قوّى ضعفي لقتلني . فقال الربيع : والله ما أردت إلا الخير . قال الشافعي : أعلم أنك لو شتمتني لم ترد إلا الخير(2) . والمقصود أنـه أصاب المعنى وأخطأ اللفظ ، ولا شك أن اختيار الألفاظ الجيدة هو من المروءة التي ينبغي أن يأخذ المرء بها نفسه .
أخبرنا الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم أن الكلمة الطيبة صدقة, والصدقة تتضاعف بالنّية , و قد تتضاعف بالأثر الذي يترتب منها . من أجل ذلك , ينبغي للداعية أن لا يستهين بما لديه من العلم فيـبلّغه , أو يُسوِّل له الشيطان أنه لا يصلح لهذا الأمر, فيحبب إليه الانزواء ويزهده عن أداء الأمانة , أو يتصور أن العمل ضرب من الرياء, فيؤثر العزلة ويفضل الانكماش, ويصور له الشيطان العزلة ورعا والانكماش تعففا, فيفوت عليه المصالح ويسد عنه أبواب الخير. فلا يدري أين تكون المصلحة ؟ ومتى تؤتي كلمته ثمرتها ؟
فهذا التابعي الكوفي الثقة أبو عبد الله زاذان الكندي الذي كان يغني ويضرب بالدف , وكان له صوت حسن , فمر عليه عبد الله بن مسعود رضي الله عنه مرة فقال : « ما أحسن هذا الصوت لو كان بقراءة كتاب الله » فلازم ابن مسعود حتى صار إماما في العلم .
فالكلمة الطيبة قد يحيي الله بها قلوبا , ويخرج بها أقواما من الظلمات إلى النور . وما على الداعية إلا اهتبال الفرص السانحة و اتخاذ زمام المبادرة إلى الدلالة على الله , وتبليـغ الرسالة ؛ لعل الله , وهو الكريم الوهاب , يكتب له أجر الكلمة التي لا يلقي لها بالاً فترفعه الدرجات. والسعيد من وفقه الله عز وجل لكلام طيب , ينتشر في الآفاق ويؤتي أكله كل حين بإذن ربه , يكتب الله له أجره وأجر من عمل به إلى ما يشاء الله . { وهدوا إلى الطيب من القول وهـدوا إلى صراط الحميد } .
--------------------
(1) انظر الإعلان بالتوبيخ للسخاوي .
(2) انظر آداب الشافعي للرازي
منقوووول
فـحفظ اللسان , وانتقاء أطايب الكلام , ووزنه قبل التَّلفظ به يعصم الإنسان من الزَّلل , ويقيه موارد الهلكة . قـال الإمام الشَّافعي رحمه الله : إذا أراد [الإنسان] الكلام فعليه أن يُفكر قبل كلامه , فإن ظهرت المصلحة تكلَّم ، وإن شكَّ لم يتكلم حتـى تظهر .
هناك الكلمة الطيِّبة المرققة للقلوب ، والراسمة للبسمة على الوجوه , والمشجّـعة على فعل الخير ، والدالَّة على أبواب البرّ والإحسان . وهناك الكلمة الجارحة للمشاعر ، المثيرة للفتنة والبغضاء , المفجّرة للغضب ، والفاتحة لأبواب الشر . وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ يقول : « إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله تعالى ما يلقي لها بالاً يرفعه الله بها درجات , وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله تعالى ما يلقي لها بالاً يهوي بها في جهنم » رواه البخاري .
فالكلمة كالسهم ؛ إذا انطلق فلن يعود . فعلى قائلها أن يحدد الهدف بدقـة , وأن يستعمل أجمل الألفاظ ويصيغـها بأسلوب لطيف محبب ؛ مما يجعل أثرها طيباً في النفوس , وثمرتها دافقة في الحياة . ولا يلجأ إلى اللفظ النابي والكلمة الخشنة التي من شأنها أن تؤدي إلى نتائج سلبية أو وخيمة . وقد تكون أحيانا وبالا، وندامة لصاحبها .
يقول الله عز وجل : { وقولوا للناس حسناً } . قال الإمام القرطبي في تفسيره : « ... فينبغي للإنسان أن يكون قوله للناس ليِّـناً ووجهه منبسطاً طَلْقاً مع البَرّ والفاجر , ... , لأن الله تعالى قال لموسى وهارون : { فقولا له قولا ليِّـناً } . فالقائل ليس بأفضل من موسى وهارون , والفاجر ليس بأخبث من فرعون , وقد أمرهما الله تعالى باللـين معـه . وقال طلحة بن عمر : قلت لعطاء إنك رجل يجتمع عندك ناس ذوو أهواء مختلفة , وأنا رجل فِـيَّ حِدَّة فأقول لهم بعض القول الغلـيظ ؛ فقال : لا تفعل , يقول الله تعالى : { وقولوا للناس حسنا } . »
يقول المزني - تلميذ الشافعي - رحمهما الله تعالى : سمعني الشافعي يوماً وأنا أقول : فلان كذاب )) ، فقال لي : " يـا إبراهيم : إكس ألفاظك أحسنها، لا تقل كذاب، ولكن قل حديثه ليس بشيء " . ونحوه أن البخاري كان لمزيد ورعـه قلّ أن يقول : كذّاب , أو وضّاع , أكثر ما يقول : سكتوا عنه , فيه نظر , تركوه , ونحو هذا نعم , ربما يقول : كذّبه فلان , أو رماه فلان بالكذب ...(1) .
ودخل الربيع مرة يعود الإمام الشافعي من مرض , فقال له : قوّى الله ضعفك يا إمام . فقال الشافعي : لو قوّى ضعفي لقتلني . فقال الربيع : والله ما أردت إلا الخير . قال الشافعي : أعلم أنك لو شتمتني لم ترد إلا الخير(2) . والمقصود أنـه أصاب المعنى وأخطأ اللفظ ، ولا شك أن اختيار الألفاظ الجيدة هو من المروءة التي ينبغي أن يأخذ المرء بها نفسه .
أخبرنا الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم أن الكلمة الطيبة صدقة, والصدقة تتضاعف بالنّية , و قد تتضاعف بالأثر الذي يترتب منها . من أجل ذلك , ينبغي للداعية أن لا يستهين بما لديه من العلم فيـبلّغه , أو يُسوِّل له الشيطان أنه لا يصلح لهذا الأمر, فيحبب إليه الانزواء ويزهده عن أداء الأمانة , أو يتصور أن العمل ضرب من الرياء, فيؤثر العزلة ويفضل الانكماش, ويصور له الشيطان العزلة ورعا والانكماش تعففا, فيفوت عليه المصالح ويسد عنه أبواب الخير. فلا يدري أين تكون المصلحة ؟ ومتى تؤتي كلمته ثمرتها ؟
فهذا التابعي الكوفي الثقة أبو عبد الله زاذان الكندي الذي كان يغني ويضرب بالدف , وكان له صوت حسن , فمر عليه عبد الله بن مسعود رضي الله عنه مرة فقال : « ما أحسن هذا الصوت لو كان بقراءة كتاب الله » فلازم ابن مسعود حتى صار إماما في العلم .
فالكلمة الطيبة قد يحيي الله بها قلوبا , ويخرج بها أقواما من الظلمات إلى النور . وما على الداعية إلا اهتبال الفرص السانحة و اتخاذ زمام المبادرة إلى الدلالة على الله , وتبليـغ الرسالة ؛ لعل الله , وهو الكريم الوهاب , يكتب له أجر الكلمة التي لا يلقي لها بالاً فترفعه الدرجات. والسعيد من وفقه الله عز وجل لكلام طيب , ينتشر في الآفاق ويؤتي أكله كل حين بإذن ربه , يكتب الله له أجره وأجر من عمل به إلى ما يشاء الله . { وهدوا إلى الطيب من القول وهـدوا إلى صراط الحميد } .
--------------------
(1) انظر الإعلان بالتوبيخ للسخاوي .
(2) انظر آداب الشافعي للرازي
منقوووول