للشيخ صالح بن
فوزان بن عبد الله الفوزان
لهذه الكلمة إذا قيلت بصدق وإخلاص وعمل
بمقتضاها ظاهرًا وباطنًا آثار حميدة على الفرد والجماعة من أهمها:-
1ـ
اجتماع الكلمة التي ينتج عنها حصول القوة للمسلمين والانتصار على عدوهم لأنهم
يدينون بدين واحد وعقيدة واحدة كما قال تعالى: {وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ
اللَّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ} [سورة آل عمران: 103]. وقال
تعالى: {هُوَ الَّذِيَ أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ، وَأَلَّفَ
بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مَّا أَلَّفَتْ
بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَـكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ
حَكِيمٌ} [سورة الأنفال: 62-63]. والاختلاف في العقيدة يسبب التفرق
والنزاع والتناحر كما قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ
وَكَانُواْ شِيَعًا لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ} [سورة الأنعام: 159].
وقال تعالى: {فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُم بَيْنَهُمْ زُبُرًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا
لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ} [سورة المؤمنون: 53]. فلا يجمع الناس سوى عقيدة
الإيمان والتوحيد التي هي مدلول لا إله إلا الله واعتبر ذلك بحالة العرب قبل
الإسلام وبعده.
2ـ توفر الأمن والطمأنينة في المجتمع الموحد الذي يدين
بمقتضى لا إله إلا الله لأن كلاً من أفراده يأخذ ما أحل الله له ويترك ما حرم الله
عليه تفاعلاً مع عقيدته التي تملي عليه ذلك فينكف عن الاعتداء والظلم والعدوان ويحل
محل ذلك التعاون والمحبة والموالاة في الله عملاً بقوله تعالى: {إِنَّمَا
الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [سورة الحجرات: 10]. يظهر هذا جليًا في حالة
العرب قبل أن يدينوا بهذه الكلمة وبعدما دانوا بها – فقد كانوا من قبل أعداء
متناحرين يفتخرون بالقتل والنهب والسلب فلما دانوا بها أصبحوا أخوة متحابين كما قال
تعالى: {مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى
الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} [سورة الفتح: 29].
وقال
تعالى: {وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً
فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا} [سورة آل
عمران: 103].
3ـ حصول السيادة والاستخلاف في الأرض وصفاء الدين
والثبوت أمام تيارات الأفكار والمبادئ المختلفة – كما قال تعالى: {وَعَدَ
اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم
فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ
دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ
أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا} [سورة النور: 55] فربط
سبحانه حصول هذه المطالب العالية بعبادته وحده لا شريك له الذي هو معنى ومقتضى لا
إله إلا الله.
4 ـ حصول الطمأنينة النفسية والاستقرار الذهني لمن قال لا
إله إلا الله وعمل بمقتضاها لأنه يعبد ربًا واحدًا يعرف مراده وما يرضيه فيفعله
ويعرف ما يسخطه فيجتنبه بخلاف من يعبد آلهة متعددة كل واحد منها له مراد غير مراد
الآخر وله تدبير غير تدبير الآخر كما قال تعالى: {أَأَرْبَابٌ مُّتَفَرِّقُونَ
خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ} [سورة يوسف: 39].
وقال تعالى: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً رَّجُلاً فِيهِ شُرَكَاءُ
مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلاً سَلَمًا لِّرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً} [سورة
الزمر: 29].
قال الإمام ابن القيم رحمه الله: هذا مثل ضربه الله
سبحانه للمشرك والموحد، فالمشرك بمنزلة عبد يملكه جماعة متنازعون مختلفون متشاحون
والرجل المتشاكس: السيئ الخلق.
فالمشرك لما كان يعبد آلهة شتى شبه بعبد
يملكه جماعة متنافسون في خدمته لا يمكنه أن يبلغ رضاهم أجمعين، والموحد لما كان
يعبد الله وحده فمثله كمثل عبد لرجل واحد قد سلم له وعلم مقاصده وعرف الطريق إلى
رضاه فهو في راحة من تشاحن الخلطاء فيه، بل هو سالم لمالكه من غير تنازع فيه مع
رأفة مالكه ورحمته له وشفقته عليه وإحسانه إليه وتوليه لمصالحه، فهل يستوي هذان
العبدان.
5 ـ حصول السمو والرفعة لأهل لا إله إلا الله في الدنيا والآخرة
– كما قال تعالى: {حُنَفَاء لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَن يُشْرِكْ
بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي
بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ} [سورة الحج: 31]. فدلت الآية على أن
التوحيد علو وارتفاع وأن الشرك هبوط وسفول وسقوط.
قال العلامة ابن القيم
رحمه الله: شبه الإيمان والتوحيد في علوه وسعته وشرفه بالسماء التي هي مصعده
ومهبطه، فمنها هبط إلى الأرض وإليها يصعد منها، وشبه تارك الإيمان والتوحيد بالساقط
من السماء إلى أسفل سافلين من حيث التضييق الشديد والآلام المتراكمة والطير التي
تخطف أعضاءه وتمزقه كل ممزق بالشياطين التي يرسلها الله تعالى وتؤزره وتزعجه وتقلقه
إلى مظان هلاكه – والريح التي تهوي به في مكان سحيق هو هواه الذي يحمله على إلقاء
نفسه في أسفل مكان وأبعده عن السماء.
6 ـ عصمة الدم والمال والعرض،
لقوله صلى الله عليه وسلم: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله
فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها)[ رواه البخاري (13/217)
في الاعتصام.]، وقوله (بحقها) معناه أنهم إذا قالوها وامتنعوا من القيام
بحقها وهو أداء ما تقتضيه من التوحيد والابتعاد عن الشرك والقيام بأركان الإسلام
أنها لا تعصم أموالهم ولا دماءهم بل يقتلون وتؤخذ أموالهم غنيمة للمسلمين كما فعل
بهم النبي صلى الله عليه وسلم وخلفاؤه.
هذا – ولهذه الكلمة آثار عظيمة
على الفرد والجماعة في العبادات والمعاملات والآداب والأخلاق...
المصدر: كتاب "معنى لا إله إلا الله"
فوزان بن عبد الله الفوزان
لهذه الكلمة إذا قيلت بصدق وإخلاص وعمل
بمقتضاها ظاهرًا وباطنًا آثار حميدة على الفرد والجماعة من أهمها:-
1ـ
اجتماع الكلمة التي ينتج عنها حصول القوة للمسلمين والانتصار على عدوهم لأنهم
يدينون بدين واحد وعقيدة واحدة كما قال تعالى: {وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ
اللَّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ} [سورة آل عمران: 103]. وقال
تعالى: {هُوَ الَّذِيَ أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ، وَأَلَّفَ
بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مَّا أَلَّفَتْ
بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَـكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ
حَكِيمٌ} [سورة الأنفال: 62-63]. والاختلاف في العقيدة يسبب التفرق
والنزاع والتناحر كما قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ
وَكَانُواْ شِيَعًا لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ} [سورة الأنعام: 159].
وقال تعالى: {فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُم بَيْنَهُمْ زُبُرًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا
لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ} [سورة المؤمنون: 53]. فلا يجمع الناس سوى عقيدة
الإيمان والتوحيد التي هي مدلول لا إله إلا الله واعتبر ذلك بحالة العرب قبل
الإسلام وبعده.
2ـ توفر الأمن والطمأنينة في المجتمع الموحد الذي يدين
بمقتضى لا إله إلا الله لأن كلاً من أفراده يأخذ ما أحل الله له ويترك ما حرم الله
عليه تفاعلاً مع عقيدته التي تملي عليه ذلك فينكف عن الاعتداء والظلم والعدوان ويحل
محل ذلك التعاون والمحبة والموالاة في الله عملاً بقوله تعالى: {إِنَّمَا
الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [سورة الحجرات: 10]. يظهر هذا جليًا في حالة
العرب قبل أن يدينوا بهذه الكلمة وبعدما دانوا بها – فقد كانوا من قبل أعداء
متناحرين يفتخرون بالقتل والنهب والسلب فلما دانوا بها أصبحوا أخوة متحابين كما قال
تعالى: {مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى
الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} [سورة الفتح: 29].
وقال
تعالى: {وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً
فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا} [سورة آل
عمران: 103].
3ـ حصول السيادة والاستخلاف في الأرض وصفاء الدين
والثبوت أمام تيارات الأفكار والمبادئ المختلفة – كما قال تعالى: {وَعَدَ
اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم
فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ
دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ
أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا} [سورة النور: 55] فربط
سبحانه حصول هذه المطالب العالية بعبادته وحده لا شريك له الذي هو معنى ومقتضى لا
إله إلا الله.
4 ـ حصول الطمأنينة النفسية والاستقرار الذهني لمن قال لا
إله إلا الله وعمل بمقتضاها لأنه يعبد ربًا واحدًا يعرف مراده وما يرضيه فيفعله
ويعرف ما يسخطه فيجتنبه بخلاف من يعبد آلهة متعددة كل واحد منها له مراد غير مراد
الآخر وله تدبير غير تدبير الآخر كما قال تعالى: {أَأَرْبَابٌ مُّتَفَرِّقُونَ
خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ} [سورة يوسف: 39].
وقال تعالى: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً رَّجُلاً فِيهِ شُرَكَاءُ
مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلاً سَلَمًا لِّرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً} [سورة
الزمر: 29].
قال الإمام ابن القيم رحمه الله: هذا مثل ضربه الله
سبحانه للمشرك والموحد، فالمشرك بمنزلة عبد يملكه جماعة متنازعون مختلفون متشاحون
والرجل المتشاكس: السيئ الخلق.
فالمشرك لما كان يعبد آلهة شتى شبه بعبد
يملكه جماعة متنافسون في خدمته لا يمكنه أن يبلغ رضاهم أجمعين، والموحد لما كان
يعبد الله وحده فمثله كمثل عبد لرجل واحد قد سلم له وعلم مقاصده وعرف الطريق إلى
رضاه فهو في راحة من تشاحن الخلطاء فيه، بل هو سالم لمالكه من غير تنازع فيه مع
رأفة مالكه ورحمته له وشفقته عليه وإحسانه إليه وتوليه لمصالحه، فهل يستوي هذان
العبدان.
5 ـ حصول السمو والرفعة لأهل لا إله إلا الله في الدنيا والآخرة
– كما قال تعالى: {حُنَفَاء لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَن يُشْرِكْ
بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي
بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ} [سورة الحج: 31]. فدلت الآية على أن
التوحيد علو وارتفاع وأن الشرك هبوط وسفول وسقوط.
قال العلامة ابن القيم
رحمه الله: شبه الإيمان والتوحيد في علوه وسعته وشرفه بالسماء التي هي مصعده
ومهبطه، فمنها هبط إلى الأرض وإليها يصعد منها، وشبه تارك الإيمان والتوحيد بالساقط
من السماء إلى أسفل سافلين من حيث التضييق الشديد والآلام المتراكمة والطير التي
تخطف أعضاءه وتمزقه كل ممزق بالشياطين التي يرسلها الله تعالى وتؤزره وتزعجه وتقلقه
إلى مظان هلاكه – والريح التي تهوي به في مكان سحيق هو هواه الذي يحمله على إلقاء
نفسه في أسفل مكان وأبعده عن السماء.
6 ـ عصمة الدم والمال والعرض،
لقوله صلى الله عليه وسلم: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله
فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها)[ رواه البخاري (13/217)
في الاعتصام.]، وقوله (بحقها) معناه أنهم إذا قالوها وامتنعوا من القيام
بحقها وهو أداء ما تقتضيه من التوحيد والابتعاد عن الشرك والقيام بأركان الإسلام
أنها لا تعصم أموالهم ولا دماءهم بل يقتلون وتؤخذ أموالهم غنيمة للمسلمين كما فعل
بهم النبي صلى الله عليه وسلم وخلفاؤه.
هذا – ولهذه الكلمة آثار عظيمة
على الفرد والجماعة في العبادات والمعاملات والآداب والأخلاق...
المصدر: كتاب "معنى لا إله إلا الله"