مواقف من الآخرة
الموت هو المصير المحتوم الذي أوجبه الله على كل حي في هذا الكون، وهو مصيبة، ولكن المصيبة العظمى والأدهى ما بعد الموت: من سؤال منكر ونكير، ومن بعث وحساب، مشي على الصراط. فالاستعداد لما بعد الموت أمر مطلوب، وذلك بالعمل بما يرضي الله سبحانه وتعالى، واجتناب معاصيه، وتذكر الآخرة وأهوالها، فإنه عامل مساعد على الاستقامة على دين الله جل وعلا.
ساعة الاحتضار وحال العبد عندها
الحمد لله الذي خلق الخلق فأحصاهم عدداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إله الأولين والآخرين، وإليه المآب والمرجع يوم الدين، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله المصطفى الأمين، صلى عليه وعلى آله وصحبه أجمعين. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أما بعد: فيا إخواني في الله! وقفات ولحظات مع البرزخ والدار الآخرة، لقطات وومضات مع السفينة الماخرة إلى ذلك اللقاء المشهود، واليوم الموعود.. إلى لقاء رب العالمين وملك يوم الدين.. مواقف تهتز لها قلوب المتقين، وتَجِلُ لها أفئدة الخاشعين المتقين.
الآخرة ما الآخرة؟ هي التي أقضت مضاجع الصالحين، فكانوا قليلاً من الليل ما يهجعون، وبالأسحار هم يستغفرون، عرفوا ربهم وعظّموا خالقهم ووجلت أفئدتهم من هيبة المقام بين يديه. الآخرة ما الآخرة؟ وما أدراك ما الآخرة؟ هي التي حرمت الأخيار لذة النوم والكرى، وانفطرت لها أفئدة المتقين العابدين، فساروا إلى الله حثيثاً، أما الأموال فبذلوها لوجه الله، وأما جاه الدنيا فسخروه لمحبة الله، الآخرة لا يعرف حقها وقدرها إلا من عرف عظمة الله وعرف هيبة الموقف بين يدي الله وقد تحدثت عنها آيات التنزيل فما تركت للعبد من قيل..
الآخرة التي بيّن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن السعيد فيها سعيد، وأن المحروم فيها شقي طريد. أول منازل الآخرة وأول وقفة لنا معها، هي في تلك اللحظات التي يلقي العبد فيها آخر النظرات على هذه الدنيا، أول منازل الآخرة: إذا وجل الفؤاد من لقاء الله تبارك وتعالى، وتهيأ للرحيل، فساعة الرحيل أول موقف يراه العبد من الآخرة، هناك حيث تبدو المعالم واضحة، هناك حيث تنتاب السكرات، وتعلو الزفرات، وتفيض العين بالعبرات، ويَجِلُ العبد من خشية الله تبارك وتعالى، إنها الساعة التي يؤمن فيها الكافر، ويوقن فيها الفاجر، يلقي العبد فيها نظراته على الأبناء والبنات، على الإخوان والأخوات، على الأصحاب والخلان، على الأحباب والإخوان، يُلقي آخر النظرات مودعاً وإلى ربه منتقلاً.
أول موقف من مواقف الآخرة إذا حانت ساعة الفراق وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ * إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ [القيامة:29-30] فهناك حيث يزول الغرور، ويبدوا للعبد هول البعث والنشور.. هناك حيث تزول عن العبد سكراته، وتذهب عنه آماله وطموحاته، تتنزّل عليه ملائكة الله تؤذنه بالرحيل من الدنيا.. هناك حيث يبكي العبد بكاء الندم، رب! ارجعون، رب! ارجعون لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ [المؤمنون:100].. رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ [المنافقون:10] ينادي بقلب متقطع، ونفسٍ متقطعة من الحنين والألم، عرف قدر الأيام والليالي، وعلم أن الله لم يخلقه عبثاً، وأنه لم يُوجد في هذه الحياة سدى، هناك حيث يُوقن العبد بلقاء ربه. ......
تبشير الملائكة للمؤمن عند حضور أجله
إن أسعد اللحظات وأعزها على المؤمن إذا دنت ساعة الرحيل، تلك الساعة التي لا كرب بعدها على المؤمن أبداً، ففي الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه لما طفقت سكرات الموت عليه، قالت فاطمة رضي الله عنها: (واكرب أبتاه، فقال صلى الله عليه وآله وسلم:
لا كرب على أبيك بعد اليوم) لقي الحبيب حبيبه، ولقي المؤمن من كان يتمنى لقاءه، كم اشتاق إلى لقاء الرحمن! وكم اشتاق للنقلة إلى دار الجنان! في تلك الساعة حيث تتنزل ملائكة الرحمن على ذلك العبد الصالح، تبشره بما عند الله من المثوبة، فيحب لقاء الله، فيحب الله لقاءه، ففي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال:
(إذا حضر العبد الموت، تنزلت عليه الملائكة فبشرته بما عند الله من المثوبة فأحب لقاء الله، وأحب الله لقاءه)، إن العبد إذا دنت ساعته، وحانت قيامته، وبدت سكراته وزفراته، عندها إما محسن سعيد بربه، وإما مسيءٌ شقي بعمله.
دخل أبو حازم رحمه الله على سليمان بن عبد الملك ، فقال له سليمان : يا أبا حازم ! كيف القدوم على الله؟ فقال رحمه الله: أما المحسن فكالمسافر يقدم على أهله، وأما المسيء فكالعبد الآبق يقدم على سيده. إن المؤمن إذا بدت له معالم الآخرة، تنزلت عليه الملائكة فبشّرته بما عند الله من العفو والرضوان؛ فثبتت له الجنان وأورثت في القلب حباً وأورثت في القلب لهفاً وشوقاً إلى لقاء ملك الملوك إلى لقاء رب العالمين، واشتاق القلب إلى الجنان وإلى لقاء الصديقين والشهداء والصالحين، بشرته بلقاء الله، فأحب لقاء الله، وقد بيّن الله تبارك وتعالى تلك اللحظات وقص بيانها في التنزيل، فقال سبحانه:
إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ * نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ [فصلت:30-32]. إذا حضر الموت للمؤمن وجد الحزن والشجا على فراق أبنائه، نظر إلى أبنائه فخاف عليهم العالة والفقر من بعده، خاف ألا يجد اليد الأمينة التي ترعاهم بعده، وخاف أن يجدوا من ضنك الدنيا وشدتها، فعند ذلك يحزن قلبه ثم يلتفت ويقلب عينه، ليرى ما أمامه في الآخرة فيخاف أهوالها وشدة نكالها، فعند ذلك يبشر بالأمرين، ألا تخافوا مما أنتم قادمون عليه، ألا تخافوا من لقاء الله، وألا تحزنوا على فراق الأبناء والذريات، عجبٌ والله! إن الله تبارك وتعالى تكفل للمطيع أن يرعى ذريته، حتى من بعد فراقه للدنيا، ولذلك انظروا إلى موسى عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام، يبعثه الله تبارك وتعالى مع عبدٍ من عباد الله الصالحين، لكي يرفع جداراً، فيقول ذلك العبد الصالح قاصاً للنبي خبره:
وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا [الكهف:82] قال بعض المفسرين: (وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا) إنه الجد السابع لهما، الله أكبر! صلاح العبد يحفظ الله عز وجل به الذرية إلى سابع ابن من النسل، فالله وفيٌ لعبده بعهده، ومن أوفى من الله عهداً؟ إن الطاعات والقربات ومحبة رب البريات والإقبال على الله في هذه الحياة والتقرب إليه في اللحظات والحركات والسكنات له موقع عند الله تبارك وتعالى عظيم لا يعرفه العبد إلا إذا لقي ذلك الرب الذي تعبّده، وذلك السيد الذي أطاعه، فيعرف ثمرة الطاعات إذا كان في انقطاع من الدنيا وإقبال على الآخرة.
إن أول بشائر الرحمات وبشائر الفوز بالجنات تتنزل على العبد إذا اشتدت عليه الكربات وبدت في السياق الحسرات، وحشرجت في النفس ما تجده من أنين السكرات، حينئذ يتنزل من الله على العبد من البشائر والرضوان، لذلك لا يعرف العبد قيمة هذه الساعات وهذه اللحظات إلا إذا رأى هذا الموقف الأول من مواقف الآخرة، عندها يبكي على ساعات الليل والنهار بكاء الحرقة والندم.. عندها يعرف قيمة هذه اللحظات التي متّعه الله عز وجل بها، وأكرمه بما أكرمه به من نعمه.
للشيخ محمد مختار الشنقيطي
منقول للفائدة
الموت هو المصير المحتوم الذي أوجبه الله على كل حي في هذا الكون، وهو مصيبة، ولكن المصيبة العظمى والأدهى ما بعد الموت: من سؤال منكر ونكير، ومن بعث وحساب، مشي على الصراط. فالاستعداد لما بعد الموت أمر مطلوب، وذلك بالعمل بما يرضي الله سبحانه وتعالى، واجتناب معاصيه، وتذكر الآخرة وأهوالها، فإنه عامل مساعد على الاستقامة على دين الله جل وعلا.
ساعة الاحتضار وحال العبد عندها
الحمد لله الذي خلق الخلق فأحصاهم عدداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إله الأولين والآخرين، وإليه المآب والمرجع يوم الدين، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله المصطفى الأمين، صلى عليه وعلى آله وصحبه أجمعين. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أما بعد: فيا إخواني في الله! وقفات ولحظات مع البرزخ والدار الآخرة، لقطات وومضات مع السفينة الماخرة إلى ذلك اللقاء المشهود، واليوم الموعود.. إلى لقاء رب العالمين وملك يوم الدين.. مواقف تهتز لها قلوب المتقين، وتَجِلُ لها أفئدة الخاشعين المتقين.
الآخرة ما الآخرة؟ هي التي أقضت مضاجع الصالحين، فكانوا قليلاً من الليل ما يهجعون، وبالأسحار هم يستغفرون، عرفوا ربهم وعظّموا خالقهم ووجلت أفئدتهم من هيبة المقام بين يديه. الآخرة ما الآخرة؟ وما أدراك ما الآخرة؟ هي التي حرمت الأخيار لذة النوم والكرى، وانفطرت لها أفئدة المتقين العابدين، فساروا إلى الله حثيثاً، أما الأموال فبذلوها لوجه الله، وأما جاه الدنيا فسخروه لمحبة الله، الآخرة لا يعرف حقها وقدرها إلا من عرف عظمة الله وعرف هيبة الموقف بين يدي الله وقد تحدثت عنها آيات التنزيل فما تركت للعبد من قيل..
الآخرة التي بيّن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن السعيد فيها سعيد، وأن المحروم فيها شقي طريد. أول منازل الآخرة وأول وقفة لنا معها، هي في تلك اللحظات التي يلقي العبد فيها آخر النظرات على هذه الدنيا، أول منازل الآخرة: إذا وجل الفؤاد من لقاء الله تبارك وتعالى، وتهيأ للرحيل، فساعة الرحيل أول موقف يراه العبد من الآخرة، هناك حيث تبدو المعالم واضحة، هناك حيث تنتاب السكرات، وتعلو الزفرات، وتفيض العين بالعبرات، ويَجِلُ العبد من خشية الله تبارك وتعالى، إنها الساعة التي يؤمن فيها الكافر، ويوقن فيها الفاجر، يلقي العبد فيها نظراته على الأبناء والبنات، على الإخوان والأخوات، على الأصحاب والخلان، على الأحباب والإخوان، يُلقي آخر النظرات مودعاً وإلى ربه منتقلاً.
أول موقف من مواقف الآخرة إذا حانت ساعة الفراق وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ * إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ [القيامة:29-30] فهناك حيث يزول الغرور، ويبدوا للعبد هول البعث والنشور.. هناك حيث تزول عن العبد سكراته، وتذهب عنه آماله وطموحاته، تتنزّل عليه ملائكة الله تؤذنه بالرحيل من الدنيا.. هناك حيث يبكي العبد بكاء الندم، رب! ارجعون، رب! ارجعون لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ [المؤمنون:100].. رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ [المنافقون:10] ينادي بقلب متقطع، ونفسٍ متقطعة من الحنين والألم، عرف قدر الأيام والليالي، وعلم أن الله لم يخلقه عبثاً، وأنه لم يُوجد في هذه الحياة سدى، هناك حيث يُوقن العبد بلقاء ربه. ......
تبشير الملائكة للمؤمن عند حضور أجله
إن أسعد اللحظات وأعزها على المؤمن إذا دنت ساعة الرحيل، تلك الساعة التي لا كرب بعدها على المؤمن أبداً، ففي الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه لما طفقت سكرات الموت عليه، قالت فاطمة رضي الله عنها: (واكرب أبتاه، فقال صلى الله عليه وآله وسلم:
لا كرب على أبيك بعد اليوم) لقي الحبيب حبيبه، ولقي المؤمن من كان يتمنى لقاءه، كم اشتاق إلى لقاء الرحمن! وكم اشتاق للنقلة إلى دار الجنان! في تلك الساعة حيث تتنزل ملائكة الرحمن على ذلك العبد الصالح، تبشره بما عند الله من المثوبة، فيحب لقاء الله، فيحب الله لقاءه، ففي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال:
(إذا حضر العبد الموت، تنزلت عليه الملائكة فبشرته بما عند الله من المثوبة فأحب لقاء الله، وأحب الله لقاءه)، إن العبد إذا دنت ساعته، وحانت قيامته، وبدت سكراته وزفراته، عندها إما محسن سعيد بربه، وإما مسيءٌ شقي بعمله.
دخل أبو حازم رحمه الله على سليمان بن عبد الملك ، فقال له سليمان : يا أبا حازم ! كيف القدوم على الله؟ فقال رحمه الله: أما المحسن فكالمسافر يقدم على أهله، وأما المسيء فكالعبد الآبق يقدم على سيده. إن المؤمن إذا بدت له معالم الآخرة، تنزلت عليه الملائكة فبشّرته بما عند الله من العفو والرضوان؛ فثبتت له الجنان وأورثت في القلب حباً وأورثت في القلب لهفاً وشوقاً إلى لقاء ملك الملوك إلى لقاء رب العالمين، واشتاق القلب إلى الجنان وإلى لقاء الصديقين والشهداء والصالحين، بشرته بلقاء الله، فأحب لقاء الله، وقد بيّن الله تبارك وتعالى تلك اللحظات وقص بيانها في التنزيل، فقال سبحانه:
إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ * نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ [فصلت:30-32]. إذا حضر الموت للمؤمن وجد الحزن والشجا على فراق أبنائه، نظر إلى أبنائه فخاف عليهم العالة والفقر من بعده، خاف ألا يجد اليد الأمينة التي ترعاهم بعده، وخاف أن يجدوا من ضنك الدنيا وشدتها، فعند ذلك يحزن قلبه ثم يلتفت ويقلب عينه، ليرى ما أمامه في الآخرة فيخاف أهوالها وشدة نكالها، فعند ذلك يبشر بالأمرين، ألا تخافوا مما أنتم قادمون عليه، ألا تخافوا من لقاء الله، وألا تحزنوا على فراق الأبناء والذريات، عجبٌ والله! إن الله تبارك وتعالى تكفل للمطيع أن يرعى ذريته، حتى من بعد فراقه للدنيا، ولذلك انظروا إلى موسى عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام، يبعثه الله تبارك وتعالى مع عبدٍ من عباد الله الصالحين، لكي يرفع جداراً، فيقول ذلك العبد الصالح قاصاً للنبي خبره:
وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا [الكهف:82] قال بعض المفسرين: (وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا) إنه الجد السابع لهما، الله أكبر! صلاح العبد يحفظ الله عز وجل به الذرية إلى سابع ابن من النسل، فالله وفيٌ لعبده بعهده، ومن أوفى من الله عهداً؟ إن الطاعات والقربات ومحبة رب البريات والإقبال على الله في هذه الحياة والتقرب إليه في اللحظات والحركات والسكنات له موقع عند الله تبارك وتعالى عظيم لا يعرفه العبد إلا إذا لقي ذلك الرب الذي تعبّده، وذلك السيد الذي أطاعه، فيعرف ثمرة الطاعات إذا كان في انقطاع من الدنيا وإقبال على الآخرة.
إن أول بشائر الرحمات وبشائر الفوز بالجنات تتنزل على العبد إذا اشتدت عليه الكربات وبدت في السياق الحسرات، وحشرجت في النفس ما تجده من أنين السكرات، حينئذ يتنزل من الله على العبد من البشائر والرضوان، لذلك لا يعرف العبد قيمة هذه الساعات وهذه اللحظات إلا إذا رأى هذا الموقف الأول من مواقف الآخرة، عندها يبكي على ساعات الليل والنهار بكاء الحرقة والندم.. عندها يعرف قيمة هذه اللحظات التي متّعه الله عز وجل بها، وأكرمه بما أكرمه به من نعمه.
للشيخ محمد مختار الشنقيطي
منقول للفائدة