بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،
أحبتي في الله :
موعظة رااائعة اسمعيها بنفسك مباشرة من في امام الحرم المكي ،
خطبة للشيخ سعود الشريم في الحرم المكي عن التفريط في العمل الصالح .
وبإمكانكم الاستماع إليها صوتيا أو حفظها من هذا الرابط :
http://www.alminbar.net/audio/013/073tfraat.ram
واليكن الخطبة مكتوبة ،قال حفظه الله :
الحمد لله فاطر السموات والأرض، غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب، ذي الطول لا إله إلا هو إليه المصير، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له خلق فسوى، وقدر فهدى، وأخرج المرعى، فجعله غثاءً أحوى، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أرسله إلى جميع الثقلين الإنس والجن بشيراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، أقام الله به الحُجَّة، وأوضح الطريق، فصلوات الله وسلامة عليه وعلى آله وأصحابه وخلفائه الأربعة: أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعلى سائر أصحابه الأخيار النجباء الأطهار.
أما بعد: فأوصيكم ـ أيها الناس ـ ونفسي بتقوى الله سبحانه، والاعتصام به في السراء والضراء، وألاّ تلبِسوا الحق بالباطل وتكتموا الحق وأنتم تعملون، واعلموا أن ما بكم من نعمة فمن الله أفغير تتقون؟!
عباد الله، في دنيا الناس أمثلة وضروب ومحادثات لاقت رجع الصدى بين الحين والآخر في غير ما مجلس، يتحدث من خلالها المتحدثون عما يشاهدونه بمرات وكرات من تفويتٍ للحظوظ وتفريط في المصالح الظاهرة، لاسيما تلك المصالح التي تكون في معايش الناس، وهي لا تساوي إلا ثمناً بخساً زهيداً، يُتَحصَّلُ من خلاله على مردود ليس بالقليل من الحظ الوافر والرزق الواسع.
ألا وإن من المقرر شرعاً وعُرفاً بين الناس أن من ظهر له ربحٌ ما في مُرابحة لا يحتاج في أن يعتاض عنها إلا شيئاً يسيراً ثم هو يفرِّط في تحصيلها فإنه قَلَّ أن يسلم ـ ولا شكّ ـ من بروز من يصفه بالسفه والحُمق، ولربما تعدَّى الأمر إلى دعوى أن مثله أهلٌ لأن يُحجر عليه بسبب تفويته مصلحةً محققةً بأقل كُلفه دون مسوغ.
والأمر الذي نريد أن نتحدث عنه هنا باقتضاب في هذه العُجالة شبيه بما ذكرناه آنفاً، غيرَ أن ما يعنينا هنا هو أمر أُخروي لا دنيوي، وراجح لا مرجوح، بل هو خيرٌ من كنوز كسرى وقيصر، وخير من مال قارون وخيرات سبأ، بل إنه من الحسنات اللاتي يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين. ذلكم ـ عباد الله ـ هو ما يعرف باسم التفريط في الأعمال الصالحة، وأخُصُّ في الحديث منها فضائل الإعمال.
أيها الناس، إننا حينما نتحدث عن فضائل الأعمال وفقهها فسيأخذ الحديث بألبابنا، ولربما طال بنا المُقام والقلوب مُشْرَئِبَّةٌ إلى سماعها بتمامها، بَيْدَ أن الذي نود تسليط الحديث عليه هو ذلكم الشعور السلبي والإحساس شبه المغيَّب حقيقة عن استحضار الصور الحقيقية لفضائل الأعمال، لا سيما تلك الأعمال التي تستجلب الحسنات الكثيرة في مُقابل العمل الصغير، والتي قد يفعلها جمهور من الناس غير أنه يقل من يستشعر أبعادها، أو يدرك حقيقة أجرها، بقطع النظر عن كون بعضهم يؤديها على شبه صورة اعتيادية فضلاً عمن نأى بنفسه عنها بالكلية، مع أنه لو علم ما فيها من الأجر والمثوبة لحكم على نفسه بالسفه والحِطّة، كيف يضيّعها لتغدوَ عنه سبهللا؟! ولا جرم ـ عباد الله ـ فعمر الإنسان مهما طال فهو إلى القصر أقرب ولو استحضرنا قليلاً حديث النبي في قوله: ((أعمار أمتي ما بين ستين إلى سبعين، وأقلهم من يجوز ذلك)) رواه الترمذي وغيره[1]، لو استحضرنا هذا الحديث ـ عباد الله ـ وقمنا بِقِسْمَة عُمر من بلغ الستين، وجعلنا له من يومه ما يقارب سبع ساعات يأخذها في النوم، فإن ثلث الستين سنة سيكون نوماً قطعاً، وإن ما يعادل سنتين تقريباً سيكون لتناول الطعام لو قلنا بالوجبات الثلاث، وما يقارب خمس عشرة سنة يكون سن طفولة وصبوة دون التكليف، وحينئذ لا يبقى له حقيقة من الستين إلا ما يقارب ثلاثاً وعشرين سنة، كل ذلك يؤكد للمرء أنه أحوج ما يكون إلى كل مبادرة للعمل الصالح.
أيها المسلمون، إن في ضرب المُثل غُنية وكفاية لمن هم في الفهم والإدراك فُحُل، فإليكم ـ عباد الله ـ أمثلة متنوعة نستطيع من خلال ذكرها أن ندرك جميعاً مدى الهوة السحيقة والبون الشاسع بيننا وبين البدارِ إلى الأعمال الصالحة.
جاء عند مسلم في صحيحه أن ابن عمر رضي الله عنهما كان يصلي على الجنازة ثم ينصرف، فلما بلغه حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي قال: ((من تبع جنازة فله قيراط))، قال ابن عمر رضي الله عنهما: (لقد فرطنا في قراريط كثيرة)[2]. ألا فانظروا ـ يا رعاكم الله ـ إلى ندم ابن عمر رضي الله عنهما كيف أسف على تضييعه لهذه القراريط، ولا غرو ـ أيها المسلمون ـ في ذلك، فإن القيراط الواحد كجبل أحد.
في الصحيحين أن النبي قال: ((من قال حين يصبح وحين يمسي: سبحان الله وبحمده مائة مرة حطت خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر))[3]، وعند مسلم أنه قال: ((أيعجز أحدكم أن يكسِب كل يوم ألف حسنة؟!))، فسأله سائل من جلسائه: كيف يكسب أحدنا ألف حسنة؟ قال: ((يسبح مائة تسبيحة فيكتب له ألف حسنة أو يحط عنه ألف خطيئة))[4]، وعند أحمد وأصحاب السنن أن النبي قال: ((من قال: سبحان الله وبحمده غُرست له نخلة في الجنة))[5]. فانظروا ـ يا رعاكم الله ـ إلى هذه الحسنات الهائلة، وإلى ما يقابلها من العمل اليسير، حسنات يعُبُّ منها الإنسان عَبّاً لا غلاء ولا كُلفة غير توفيق الله لمن بادر، ألا فليت شِعري أتُرون نخيل الجنة كنخيل الدنيا؟! لله كم يُشترى أطايب النخيل في دنيانا، ألا فالله أكبر ولا إله إلا الله، نخلة في الجنة ثمنها سبحان الله وبحمده، أوّه، تالله لقد فرطنا في نخيل كثيرة، فالله المستعان
هذا ـ عباد الله ـ في الذّكر، فما تقولون في مَن حَسُن خُلقه، فكفّ أذاه، وخفض جناح رحمته، وزَمَّ نفسه عن سِفْسَاف الأمور لينال معاليَها، فرحم وصدق, وبَّرَ وأوفى، وهش في وجه أخيه وبش، إن ظُلِم صبر، وإن أخطأ اعتذر، لا يستنفره الغضب، ولا يستثيره الحُمق، فيه وفي أمثاله يقول النبي : ((ما من شيء أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة من خلق حسن، وإن الله ليبغض الفاحش البذيء)) رواه الترمذي[6]، وعند أبي داود وغيره أن النبي قال: ((إن المؤمن ليدرك بحسن خلقه درجة الصائم القائم))[7]. فيا لَلَّهِ العجب، فيا لَلَّهِ العجب، إذا كان هذا هو أجر الخُلق فَعَلامَ النَّزَقُ[8] مِن أقوام؟! وما سِرُّ ضيق العَطَن لدى آخرين؟! ولم الحسد والغرور وبطر الحق وغمط الناس؟! ألا إن سلعه الله غالية، ألا إن سلعه الله هي الجنة.
عباد الله، لقد جاء في أجور صيام النوافل وفضلها ما يعلم المُقصِّرُ من خلاله أنه كان حِلْسَ تفريط صار به من القعدة المفرطين، ولو رَمَق المُفَرِّط بِمُقلتيه إلى نصوص السنة النبوية في فضل صيام النوافل لَعَلِم سر التحريض والتحضيض في تحصيلها، وإدراك ما أمكن من الفرص التي يتأكد استغلالها. جاء في الحديث الصحيح أن ((من صام رمضان ثم أتبعه ستًا من شوال كان كصيام الدهر))[9]، أي: كصيام سنة كاملة بعدد أيامها، وفي الحديث الصحيح الآخر يقول النبي عن صيام ثلاثة أيام من كل شهر وهي أيام البيض: ((إنها كصيام الدهر))[10]، أي: كصيام سنه كاملة. فلو نظرنا ـ عباد الله ـ إلى محصلة مجموع الصيامَين في السنة لوجدناهما يبلغان اثنين وأربعين يوماً، فتكون النتيجة أن من صامها كاملة كان كمن صام سبعمائة وعشرين يوماً فيما سواهما، أي أكثر من سبعة عشر ضعفاً، فلا إله إلا الله، والله أكبر، كم نحن مفرطون.
عباد الله، ما مضى ذِكره إنما هو جزء من كل، ونقطة من محيط، والفرص الثمينة ما لِفَوَاتِها من عِوَض، وإن انتهازها لدليل على قوة الإرادة النابعة عن عزم موفق، فمن علم خيراً فليُبادر هواه لئلا يغلبه، فلعله يظفر بما مُضِيُّ الوقت فيه هو الغُنْم، وعلى الضِّد يكون الغُرم.
ألا إن من فرح بالبطالة جَبُنَ عن العمل، ومهما علم الإنسان من الأجور والفضائل وكانت رغباته صالحة فإنه لن يستفيد إلا إذا انتهز كل فرصةٍ سانحة له.
ثم إن الأعمال الصالحة بِعَامَّة لا تأخذ من الناس وقتاً طويلاً ما لم يُشَرِّع الناس لأنفسهم ما لم يأذن به الله، فيشقوا على أنفسهم ويرهقوها عُسراً.
فاعلم ـ أيها المسلم ـ أنك في ميدان سباق، والأوقات تُنْتَهَب، وإياك إياك والخلود إلى الكسل، فما فات ما فات إلا بالكسل، ولا نال من نال إلا بالجد والعزم، وثمرة الأمرين أنَّ تعب المحصل للفضائل راحة في المعنى، وراحة المقصر في طلبها تعب وشَين، إن كان ثَمَّ فَهْمٌ لديك يا رعاك الله.
والدنيا كلها إنما تراد لِتُعْبَر لا لِتُعْمَر، وما يناله أهل النقص بسبب فضولها والانشغال بها عما هو خير منها فإنه يؤذي قلوب معاشريها حتى تنحط، ومِن ثَمَّ يأسف أمثال هؤلاء على فَقْدِ ما وجوده أصلح لهم، في حين إن تأسفهم ربما يكون شبه عقوبة عاجلة على تفريطهم.
يتبع
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،
أحبتي في الله :
موعظة رااائعة اسمعيها بنفسك مباشرة من في امام الحرم المكي ،
خطبة للشيخ سعود الشريم في الحرم المكي عن التفريط في العمل الصالح .
وبإمكانكم الاستماع إليها صوتيا أو حفظها من هذا الرابط :
http://www.alminbar.net/audio/013/073tfraat.ram
واليكن الخطبة مكتوبة ،قال حفظه الله :
الحمد لله فاطر السموات والأرض، غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب، ذي الطول لا إله إلا هو إليه المصير، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له خلق فسوى، وقدر فهدى، وأخرج المرعى، فجعله غثاءً أحوى، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أرسله إلى جميع الثقلين الإنس والجن بشيراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، أقام الله به الحُجَّة، وأوضح الطريق، فصلوات الله وسلامة عليه وعلى آله وأصحابه وخلفائه الأربعة: أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعلى سائر أصحابه الأخيار النجباء الأطهار.
أما بعد: فأوصيكم ـ أيها الناس ـ ونفسي بتقوى الله سبحانه، والاعتصام به في السراء والضراء، وألاّ تلبِسوا الحق بالباطل وتكتموا الحق وأنتم تعملون، واعلموا أن ما بكم من نعمة فمن الله أفغير تتقون؟!
عباد الله، في دنيا الناس أمثلة وضروب ومحادثات لاقت رجع الصدى بين الحين والآخر في غير ما مجلس، يتحدث من خلالها المتحدثون عما يشاهدونه بمرات وكرات من تفويتٍ للحظوظ وتفريط في المصالح الظاهرة، لاسيما تلك المصالح التي تكون في معايش الناس، وهي لا تساوي إلا ثمناً بخساً زهيداً، يُتَحصَّلُ من خلاله على مردود ليس بالقليل من الحظ الوافر والرزق الواسع.
ألا وإن من المقرر شرعاً وعُرفاً بين الناس أن من ظهر له ربحٌ ما في مُرابحة لا يحتاج في أن يعتاض عنها إلا شيئاً يسيراً ثم هو يفرِّط في تحصيلها فإنه قَلَّ أن يسلم ـ ولا شكّ ـ من بروز من يصفه بالسفه والحُمق، ولربما تعدَّى الأمر إلى دعوى أن مثله أهلٌ لأن يُحجر عليه بسبب تفويته مصلحةً محققةً بأقل كُلفه دون مسوغ.
والأمر الذي نريد أن نتحدث عنه هنا باقتضاب في هذه العُجالة شبيه بما ذكرناه آنفاً، غيرَ أن ما يعنينا هنا هو أمر أُخروي لا دنيوي، وراجح لا مرجوح، بل هو خيرٌ من كنوز كسرى وقيصر، وخير من مال قارون وخيرات سبأ، بل إنه من الحسنات اللاتي يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين. ذلكم ـ عباد الله ـ هو ما يعرف باسم التفريط في الأعمال الصالحة، وأخُصُّ في الحديث منها فضائل الإعمال.
أيها الناس، إننا حينما نتحدث عن فضائل الأعمال وفقهها فسيأخذ الحديث بألبابنا، ولربما طال بنا المُقام والقلوب مُشْرَئِبَّةٌ إلى سماعها بتمامها، بَيْدَ أن الذي نود تسليط الحديث عليه هو ذلكم الشعور السلبي والإحساس شبه المغيَّب حقيقة عن استحضار الصور الحقيقية لفضائل الأعمال، لا سيما تلك الأعمال التي تستجلب الحسنات الكثيرة في مُقابل العمل الصغير، والتي قد يفعلها جمهور من الناس غير أنه يقل من يستشعر أبعادها، أو يدرك حقيقة أجرها، بقطع النظر عن كون بعضهم يؤديها على شبه صورة اعتيادية فضلاً عمن نأى بنفسه عنها بالكلية، مع أنه لو علم ما فيها من الأجر والمثوبة لحكم على نفسه بالسفه والحِطّة، كيف يضيّعها لتغدوَ عنه سبهللا؟! ولا جرم ـ عباد الله ـ فعمر الإنسان مهما طال فهو إلى القصر أقرب ولو استحضرنا قليلاً حديث النبي في قوله: ((أعمار أمتي ما بين ستين إلى سبعين، وأقلهم من يجوز ذلك)) رواه الترمذي وغيره[1]، لو استحضرنا هذا الحديث ـ عباد الله ـ وقمنا بِقِسْمَة عُمر من بلغ الستين، وجعلنا له من يومه ما يقارب سبع ساعات يأخذها في النوم، فإن ثلث الستين سنة سيكون نوماً قطعاً، وإن ما يعادل سنتين تقريباً سيكون لتناول الطعام لو قلنا بالوجبات الثلاث، وما يقارب خمس عشرة سنة يكون سن طفولة وصبوة دون التكليف، وحينئذ لا يبقى له حقيقة من الستين إلا ما يقارب ثلاثاً وعشرين سنة، كل ذلك يؤكد للمرء أنه أحوج ما يكون إلى كل مبادرة للعمل الصالح.
أيها المسلمون، إن في ضرب المُثل غُنية وكفاية لمن هم في الفهم والإدراك فُحُل، فإليكم ـ عباد الله ـ أمثلة متنوعة نستطيع من خلال ذكرها أن ندرك جميعاً مدى الهوة السحيقة والبون الشاسع بيننا وبين البدارِ إلى الأعمال الصالحة.
جاء عند مسلم في صحيحه أن ابن عمر رضي الله عنهما كان يصلي على الجنازة ثم ينصرف، فلما بلغه حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي قال: ((من تبع جنازة فله قيراط))، قال ابن عمر رضي الله عنهما: (لقد فرطنا في قراريط كثيرة)[2]. ألا فانظروا ـ يا رعاكم الله ـ إلى ندم ابن عمر رضي الله عنهما كيف أسف على تضييعه لهذه القراريط، ولا غرو ـ أيها المسلمون ـ في ذلك، فإن القيراط الواحد كجبل أحد.
في الصحيحين أن النبي قال: ((من قال حين يصبح وحين يمسي: سبحان الله وبحمده مائة مرة حطت خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر))[3]، وعند مسلم أنه قال: ((أيعجز أحدكم أن يكسِب كل يوم ألف حسنة؟!))، فسأله سائل من جلسائه: كيف يكسب أحدنا ألف حسنة؟ قال: ((يسبح مائة تسبيحة فيكتب له ألف حسنة أو يحط عنه ألف خطيئة))[4]، وعند أحمد وأصحاب السنن أن النبي قال: ((من قال: سبحان الله وبحمده غُرست له نخلة في الجنة))[5]. فانظروا ـ يا رعاكم الله ـ إلى هذه الحسنات الهائلة، وإلى ما يقابلها من العمل اليسير، حسنات يعُبُّ منها الإنسان عَبّاً لا غلاء ولا كُلفة غير توفيق الله لمن بادر، ألا فليت شِعري أتُرون نخيل الجنة كنخيل الدنيا؟! لله كم يُشترى أطايب النخيل في دنيانا، ألا فالله أكبر ولا إله إلا الله، نخلة في الجنة ثمنها سبحان الله وبحمده، أوّه، تالله لقد فرطنا في نخيل كثيرة، فالله المستعان
هذا ـ عباد الله ـ في الذّكر، فما تقولون في مَن حَسُن خُلقه، فكفّ أذاه، وخفض جناح رحمته، وزَمَّ نفسه عن سِفْسَاف الأمور لينال معاليَها، فرحم وصدق, وبَّرَ وأوفى، وهش في وجه أخيه وبش، إن ظُلِم صبر، وإن أخطأ اعتذر، لا يستنفره الغضب، ولا يستثيره الحُمق، فيه وفي أمثاله يقول النبي : ((ما من شيء أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة من خلق حسن، وإن الله ليبغض الفاحش البذيء)) رواه الترمذي[6]، وعند أبي داود وغيره أن النبي قال: ((إن المؤمن ليدرك بحسن خلقه درجة الصائم القائم))[7]. فيا لَلَّهِ العجب، فيا لَلَّهِ العجب، إذا كان هذا هو أجر الخُلق فَعَلامَ النَّزَقُ[8] مِن أقوام؟! وما سِرُّ ضيق العَطَن لدى آخرين؟! ولم الحسد والغرور وبطر الحق وغمط الناس؟! ألا إن سلعه الله غالية، ألا إن سلعه الله هي الجنة.
عباد الله، لقد جاء في أجور صيام النوافل وفضلها ما يعلم المُقصِّرُ من خلاله أنه كان حِلْسَ تفريط صار به من القعدة المفرطين، ولو رَمَق المُفَرِّط بِمُقلتيه إلى نصوص السنة النبوية في فضل صيام النوافل لَعَلِم سر التحريض والتحضيض في تحصيلها، وإدراك ما أمكن من الفرص التي يتأكد استغلالها. جاء في الحديث الصحيح أن ((من صام رمضان ثم أتبعه ستًا من شوال كان كصيام الدهر))[9]، أي: كصيام سنة كاملة بعدد أيامها، وفي الحديث الصحيح الآخر يقول النبي عن صيام ثلاثة أيام من كل شهر وهي أيام البيض: ((إنها كصيام الدهر))[10]، أي: كصيام سنه كاملة. فلو نظرنا ـ عباد الله ـ إلى محصلة مجموع الصيامَين في السنة لوجدناهما يبلغان اثنين وأربعين يوماً، فتكون النتيجة أن من صامها كاملة كان كمن صام سبعمائة وعشرين يوماً فيما سواهما، أي أكثر من سبعة عشر ضعفاً، فلا إله إلا الله، والله أكبر، كم نحن مفرطون.
عباد الله، ما مضى ذِكره إنما هو جزء من كل، ونقطة من محيط، والفرص الثمينة ما لِفَوَاتِها من عِوَض، وإن انتهازها لدليل على قوة الإرادة النابعة عن عزم موفق، فمن علم خيراً فليُبادر هواه لئلا يغلبه، فلعله يظفر بما مُضِيُّ الوقت فيه هو الغُنْم، وعلى الضِّد يكون الغُرم.
ألا إن من فرح بالبطالة جَبُنَ عن العمل، ومهما علم الإنسان من الأجور والفضائل وكانت رغباته صالحة فإنه لن يستفيد إلا إذا انتهز كل فرصةٍ سانحة له.
ثم إن الأعمال الصالحة بِعَامَّة لا تأخذ من الناس وقتاً طويلاً ما لم يُشَرِّع الناس لأنفسهم ما لم يأذن به الله، فيشقوا على أنفسهم ويرهقوها عُسراً.
فاعلم ـ أيها المسلم ـ أنك في ميدان سباق، والأوقات تُنْتَهَب، وإياك إياك والخلود إلى الكسل، فما فات ما فات إلا بالكسل، ولا نال من نال إلا بالجد والعزم، وثمرة الأمرين أنَّ تعب المحصل للفضائل راحة في المعنى، وراحة المقصر في طلبها تعب وشَين، إن كان ثَمَّ فَهْمٌ لديك يا رعاك الله.
والدنيا كلها إنما تراد لِتُعْبَر لا لِتُعْمَر، وما يناله أهل النقص بسبب فضولها والانشغال بها عما هو خير منها فإنه يؤذي قلوب معاشريها حتى تنحط، ومِن ثَمَّ يأسف أمثال هؤلاء على فَقْدِ ما وجوده أصلح لهم، في حين إن تأسفهم ربما يكون شبه عقوبة عاجلة على تفريطهم.
يتبع