مهلا يا دعاة الهزيمة
للشيخ محمد حسان
هذا هو عنوان محاضرتنا مع حضراتكم فى هذه الليلة الطبية وكعادتى فى مثل هذه المحاضرات المنهجية حتى لا ينسحب بساط الوقت سريعاً من تحت أقدامنا فسوف ينتظم حديثى مع حضراتكم فى هذا الموضوع المهم فى العناصر المحددة التالية:
أولاً: أعراض الهزيمة.
ثانياً: أسباب الهزيمة.
ثالثا: فما الحل؟
وأخيراً: لا تيأسوا: فالصبح من رحم الظلماء مسراه
فأعيرونى القلوب والأسماع جيداً، والله أسأل أن يقر أعيننا جميعا بنصره الإسلام وعز الموحدين إنه ولى ذلك والقادر عليه.
أولاً: أسباب الهزيمة:
أحبتى فى الله إن الصراع بين الحق والباطل قديم بقدم الحياة على ظهر الأرض والأيام دول، قا تعالى: { وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ } (140) سورة آل عمران ولاشك أن الدولة الآن للباطل وأهله يوم أن تخلى عن الحق أهله، فلقد ابتليت الأمة بنكبات وأزمات كثيرة ابتداء بأزمة الشرك ومروراً بأزمة الردة الحادة والهجمات التترية الغاشمة، والحروب الصليبية الطاحنة، وزوال ظل الخلافة واغتصاب القدس وضياع الأندلس وضياع كثير من أراضى المسلمين، ومع ذلك فأنا أؤكد لحضراتكم بأن أخطر هزيمة قد بليت بها الأمة فى العصر الحديث هى الهزيمة النفسية، لأن المهزوم نفسياً مشلول الفكر والحركة، واستطيع أن أقف الليلة مع حضراتكم مع أهم أعراض هذه الهزيمة النفسية التى تشكل واقعاً مريراً أليما للمسلمين الآن.
وهذا هو عنصرنا الأول من عناصر هذه المحاضرة أعراض الهزيمة النفسية:
أول عرض من هذه الأعراض الواقع الأليم واليأس من إمكانية التغيير، أنا لا أجهل الواقع الذى تحياه أمتنا الآن لكن الذى يؤلم القلب أن كثيراً من المسلمين قد هبت عليهم رياح عاتية من القنوط واليأس وهزموا هزيمة نفسية أمام هذا الواقع حتى راحت هذه الهزيمة النفسية تمثل معتقداً جديداً عند الكثيرين ممن صاروا يرددون هذه الكلمات التى تقول: لا فائدة أنت تؤذن فى خرابة، أنت تصرخ فى صحراء مقفرة، أنت تنفخ فى قربة مقطوعة (عش عصرك) رب أولادك، لن يسمعك أحد لن تغير شيئاً دع ما لقيصر لقيصر، وما لله لله بل ومنهم من يقول دع ما لله لقيصر.
لقد أسمعت لو ناديت حيا
ولو نارا نفخت بها أضاءت
ولكن لا حياة لمن تنادي
ولكن أنت تنفسخ فى رماد
وقد وصف الصادق الذى لا ينطق عن الهوى هذه النفسية المهزومة وصفاً دقيقاً كما فى صحيح مسلم من حديث أبى هريرة رضى الله عنه أن النبى قال: (إذا قال الرجل هلك الناس فهو أهلكهم" ([1]) وفى
لفظ : "فهو أهلكهم" بالضم والفتح والضم أشهر كما قال النووى: فهو أهلكهم أى: حكم عليهم بالهلاك.. وقد اتفق أهل العلم أن من قال ذلك على سبيل الإزدارء والتحقير فهو مذموم، أما من قال ذلك على سبيل أنه ينظر تقصيراً فى نفسه وعند إخوانه وهو يقول ذلك من باب أنه يحفز الهمم للعمل بدين الله تبارك وتعالى فهذا لا بأس به ، لكن الهزيمة النفسية التى صارت تمثل معتقداً عند الكثيرين الآن من يقولون: إن هذا الواقع لا يمكن أبداً أن يتغير هذا عرض خطير.
العرض الثانى: بإيجاز شديد، لأن المحاضرة طويلة، العرض الثانى من أعراض هذه الهزيمة النفسية السلبية الشديدة عند كثير من المسلمين وذلك من منطلق مقلوب لقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} (105) سورة المائدة
وقديماً خشى الصديق رضى الله عنه هذا الفهم المقلوب للآية فارتقى المنبر وقال: أيها الناس إنكم تقرؤون هذه الآية وتضعونها فى غير موضعها فإنى سمعت رسول الله يقول: "إن الناس إذا رأوا المنكر ولم يغيروه يوشك الله أن يعمهم جميعاً بعقاب من عنده"..
وفى لفظ " ثم يدعونه فلا يستجاب لهم".([2]) والحديث رواه أحمد والترمذى وغيرهما بسند صحيح .
صار المسلم الآن ينظر إلى الباطل وإلى المنكرات تصبح بها مجتمعات المسلمين فيهز كتفيه ويمضى كأن الأمر لا يعنيه لا من قريب ولا من بعيد مع أن الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر هو القطب الأعظم فى هذا الدين وهو شرط من شروط خيرية أمة سيد المرسلين: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ } (110) سورة آل عمران
وفى صحيح البخارى من حديث عبد الله بن عمرو أن النبى قال: " بلغوا عنى ولو آية"([3]) ... وفى صحيح مسلم من حديث عبد الله بن مسعود رضى الله عنه أن النبى قال: " ما من نبى بعثه الله فى أمة قبلى إلا وكان له من أمته حواريون وأصحاب يأخذون بسنته ويقتدون بأمره، ثم إنها تخلف من بعدهم خلوف يقولون ما لا يفعلون ويفعلون ما لا يقولون ، فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن، فمن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن، وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل" ([4]) وفى صحيح مسلم من حديث أبى سعيد الخدرى أن النبى
قال: " من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان"([5]) . بالضوابط الشرعية المعلومة بشرط ألا يترتب على المنكر الأصلى ما هو أنكر منه.