أعمال القلوب.. قوارب النجاة
أجاب عليه خالد رُوشه
السؤال
ما هي أعمال القلوب، وما أهميتها، وما هي الأعمال التي إذا حققتها صارت بقية أعمال القلوب متحققة أو تكاد؟ وهل عليها ثواب وعقاب؟ وما الترتيب الأمثل لأعمال القلوب؟ وجزاك الله خيراً.
الاجابة
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
الله _سبحانه_ قد أمر بتطهير القلب وتزكيته، وجعل ذلك من غايات رسالة الرسل أجمعين، وواجب علينا جميعا أن نراجع حال قلوبنا مع الله _سبحانه_، وأن نسعى لتزكيتها وتطهيرها قال ابن القيم _رحمه الله_: في قوله _تعالى_: "وثيابك فطهر": جمهور المفسرين من السلف ومن بعدهم على أن المراد بالثياب هنا هو القلب، بل قال _سبحانه_ عن الفاسدين والمبعدين عن رحمته وفضله: "أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ" (المائدة: من الآية41)، فجعل عدم تطهير تلك القلوب من أهم الأسباب الموجبة للعذاب.
بل لزمنا جميعاً أن نتعرف على أعمال القلوب، ونعلم مقدار ما لدينا منها، وماذا ينقصنا، فقد قال _صلى الله عليه وسلم_: "ألا وإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ أَلا وَهِيَ الْقَلْبُ" رواه البخاري ومسلم.
وقال الله _سبحانه_: "هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ" فقدم التزكية على التعليم من باب تقديم الغرض والغاية على الوسيلة التي تؤدي إليها، فالأصل هي: تزكية هذه القلوب التي هي موضع نظر الله من العبد كما في الحديث: "إِنَّ اللَّهَ لَا يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ" رواه مسلم، وهذه القلوب هي محل الابتلاء والتمحيص ومحل أهم الأعمال وأعظمها..
والمراد بالأعمال القلبية هي تلك الأعمال التي يكون محلها القلب، وترتبط به، وأعظمها الإيمان بالله _عز وجل_، ولذلك نجد آيات كثيرة تتحدث عن أعمال القلوب، وأعظم هذه الأعمال بلا ريب هو الإيمان، فالإيمان في الحقيقة هو إيمان القلب، ولهذا قال _تعالى_: "وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ" [الحجرات:7] هذا بالإضافة إلى المحبة لربه، والخوف والرجاء، والخشوع والتوكل والإنابة، والصبر واليقين، والخشوع، وما إلى ذلك، أما أعمال الجوارح فإنها لا تكفي من دون أعمال القلب، فالإيمان هو إيمان القلب، والتقوى هي تقوى القلب، كما قال الله _سبحانه_: "ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ" [الحج:32] ويقول _صلى الله عليه وسلم_: "التَّقْوَى هَاهُنَا، التَّقْوَى هَاهُنَا، التَّقْوَى هَاهُنَا، وَيُشِيرُ إِلَى صَدْرِهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ" رواه مسلم.
وأعمال القلوب كأعمال الجوارح يتعلق بها الثواب والعقاب أيضاً، فكما أن المرء محاسب على قول لسانه وفعل جوارحه فهو محاسب على عمل قلبه
وقد علمنا الشرع الحنيف أن الله _تعالى_ لا يقبل من الأعمال إلا ما خرج من قلب سليم فقال _سبحانه_: "يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ" (الشعراء:88، 89)، والقلب السليم هو الذي خلصت عبوديته لله _سبحانه_ وخلص عمله له وهو السالم من كل شبهة وشهوة تخالف أمر الله وخبره _سبحانه وتعالى_.
ومن ظن أن أشد ابتلاء العبد هو ابتلاؤه في جسده فقد أخطأ إنما هو ابتلاء القلوب قال الله _سبحانه_: "وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ" (آل عمران: من الآية154)، وقال _سبحانه_: "أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى" (الحجرات: من الآية3).
وأعمال القلوب يتوقف عليها أعمال الجوارح، فالإخلاص مثلا وهو عمل قلبي إذا فقد من عمل فإن ذاك العمل يحبط ويرجع على صاحبه فإن الله _سبحانه_ لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصاً لوجهه، وفي إحدى الغزوات قال الصحابة _رضوان الله عليهم_: ما قاتل من اليوم إلا فلان – من شدة قتله للمشركين -، فقال النبي _صلى الله عليه وسلم_: "هو في النار" فما لبث أن اتكأ على سيفه فقتل نفسه، والحديث في الصحيحين عن سهل الساعدي _رضي الله عنه_، وربما يكون ذلك مع وجود من هو من أهل الإيمان والتقوى ومن أهل الجنة في المعركة ولم يعمل مثله، فالله لا يقبل الأعمال التي يخالطها الإشراك فتصير عبادة العبد الظاهرة كالصلاة، أو الصيام، أو غير ذلك ليس له منها إلا التعب، ثم يعاقب عليها.
كذلك فأعمال القلوب أنها أساس النجاة من النار والفوز بالجنة كالتوحيد فهو عبادة قلبية وسلامة الصدر للمسلمين عبادة قلبية، وقد ورد من حديث أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قول النبي _صلى الله عليه وسلم_: "يَطْلُعُ عَلَيْكُمْ الْآنَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ"، فيتبعه عبد الله بن عمرو بن العاص فلا يجد له كثير عمل يتفضل به غير أنه يبيت وليس في قلبه شيء لأحد من المسلمين، فيقول له عبد الله: "هَذِهِ الَّتِي بَلَغَتْ بِكَ وَهِيَ الَّتِي لَا نُطِيقُ" رواه أحمد.
كذلك فإن أعمال الجوارح كما ذكر ابن القيم رحمه الله- في (مدارج السالكين) لها حد معلوم وأما أعمال القلوب لا حد لها، بل تضاعف أضعافاً، وذلك لأن أعمال الجوارح مهما كثرت وعظمت لها وقت معلوم، أما العبادات القلبية فإنها إذا استقرت في قلب العبد، فإنها تكون ملازمة له على كل حال.
أما عن أهم أعمال القلوب فهو النية الصالحة بالإخلاص لله _سبحانه_ وحده لاشريك له فهو رأس مال العبد الصالح ومدار سلامة قلبه، والتسليم له _سبحانه_ والرضا به رباً وبالإسلام دينا وبمحمد رسولاً وبالقدر ووقائعه، والمحبة له _سبحانه_ ولدينه ولنبيه ولكتابه والمحبة فيه _سبحانه_ لعباده المؤمنين، والخوف والوجل منه _سبحانه_ الذي هو أساس تقواه، والتوكل عليه _سبحانه_ والصبر على طاعته الذين هما أساس البذل لدينه والثبات عليه.
والله أعلى وأعلم.
منقول
أجاب عليه خالد رُوشه
السؤال
ما هي أعمال القلوب، وما أهميتها، وما هي الأعمال التي إذا حققتها صارت بقية أعمال القلوب متحققة أو تكاد؟ وهل عليها ثواب وعقاب؟ وما الترتيب الأمثل لأعمال القلوب؟ وجزاك الله خيراً.
الاجابة
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
الله _سبحانه_ قد أمر بتطهير القلب وتزكيته، وجعل ذلك من غايات رسالة الرسل أجمعين، وواجب علينا جميعا أن نراجع حال قلوبنا مع الله _سبحانه_، وأن نسعى لتزكيتها وتطهيرها قال ابن القيم _رحمه الله_: في قوله _تعالى_: "وثيابك فطهر": جمهور المفسرين من السلف ومن بعدهم على أن المراد بالثياب هنا هو القلب، بل قال _سبحانه_ عن الفاسدين والمبعدين عن رحمته وفضله: "أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ" (المائدة: من الآية41)، فجعل عدم تطهير تلك القلوب من أهم الأسباب الموجبة للعذاب.
بل لزمنا جميعاً أن نتعرف على أعمال القلوب، ونعلم مقدار ما لدينا منها، وماذا ينقصنا، فقد قال _صلى الله عليه وسلم_: "ألا وإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ أَلا وَهِيَ الْقَلْبُ" رواه البخاري ومسلم.
وقال الله _سبحانه_: "هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ" فقدم التزكية على التعليم من باب تقديم الغرض والغاية على الوسيلة التي تؤدي إليها، فالأصل هي: تزكية هذه القلوب التي هي موضع نظر الله من العبد كما في الحديث: "إِنَّ اللَّهَ لَا يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ" رواه مسلم، وهذه القلوب هي محل الابتلاء والتمحيص ومحل أهم الأعمال وأعظمها..
والمراد بالأعمال القلبية هي تلك الأعمال التي يكون محلها القلب، وترتبط به، وأعظمها الإيمان بالله _عز وجل_، ولذلك نجد آيات كثيرة تتحدث عن أعمال القلوب، وأعظم هذه الأعمال بلا ريب هو الإيمان، فالإيمان في الحقيقة هو إيمان القلب، ولهذا قال _تعالى_: "وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ" [الحجرات:7] هذا بالإضافة إلى المحبة لربه، والخوف والرجاء، والخشوع والتوكل والإنابة، والصبر واليقين، والخشوع، وما إلى ذلك، أما أعمال الجوارح فإنها لا تكفي من دون أعمال القلب، فالإيمان هو إيمان القلب، والتقوى هي تقوى القلب، كما قال الله _سبحانه_: "ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ" [الحج:32] ويقول _صلى الله عليه وسلم_: "التَّقْوَى هَاهُنَا، التَّقْوَى هَاهُنَا، التَّقْوَى هَاهُنَا، وَيُشِيرُ إِلَى صَدْرِهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ" رواه مسلم.
وأعمال القلوب كأعمال الجوارح يتعلق بها الثواب والعقاب أيضاً، فكما أن المرء محاسب على قول لسانه وفعل جوارحه فهو محاسب على عمل قلبه
وقد علمنا الشرع الحنيف أن الله _تعالى_ لا يقبل من الأعمال إلا ما خرج من قلب سليم فقال _سبحانه_: "يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ" (الشعراء:88، 89)، والقلب السليم هو الذي خلصت عبوديته لله _سبحانه_ وخلص عمله له وهو السالم من كل شبهة وشهوة تخالف أمر الله وخبره _سبحانه وتعالى_.
ومن ظن أن أشد ابتلاء العبد هو ابتلاؤه في جسده فقد أخطأ إنما هو ابتلاء القلوب قال الله _سبحانه_: "وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ" (آل عمران: من الآية154)، وقال _سبحانه_: "أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى" (الحجرات: من الآية3).
وأعمال القلوب يتوقف عليها أعمال الجوارح، فالإخلاص مثلا وهو عمل قلبي إذا فقد من عمل فإن ذاك العمل يحبط ويرجع على صاحبه فإن الله _سبحانه_ لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصاً لوجهه، وفي إحدى الغزوات قال الصحابة _رضوان الله عليهم_: ما قاتل من اليوم إلا فلان – من شدة قتله للمشركين -، فقال النبي _صلى الله عليه وسلم_: "هو في النار" فما لبث أن اتكأ على سيفه فقتل نفسه، والحديث في الصحيحين عن سهل الساعدي _رضي الله عنه_، وربما يكون ذلك مع وجود من هو من أهل الإيمان والتقوى ومن أهل الجنة في المعركة ولم يعمل مثله، فالله لا يقبل الأعمال التي يخالطها الإشراك فتصير عبادة العبد الظاهرة كالصلاة، أو الصيام، أو غير ذلك ليس له منها إلا التعب، ثم يعاقب عليها.
كذلك فأعمال القلوب أنها أساس النجاة من النار والفوز بالجنة كالتوحيد فهو عبادة قلبية وسلامة الصدر للمسلمين عبادة قلبية، وقد ورد من حديث أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قول النبي _صلى الله عليه وسلم_: "يَطْلُعُ عَلَيْكُمْ الْآنَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ"، فيتبعه عبد الله بن عمرو بن العاص فلا يجد له كثير عمل يتفضل به غير أنه يبيت وليس في قلبه شيء لأحد من المسلمين، فيقول له عبد الله: "هَذِهِ الَّتِي بَلَغَتْ بِكَ وَهِيَ الَّتِي لَا نُطِيقُ" رواه أحمد.
كذلك فإن أعمال الجوارح كما ذكر ابن القيم رحمه الله- في (مدارج السالكين) لها حد معلوم وأما أعمال القلوب لا حد لها، بل تضاعف أضعافاً، وذلك لأن أعمال الجوارح مهما كثرت وعظمت لها وقت معلوم، أما العبادات القلبية فإنها إذا استقرت في قلب العبد، فإنها تكون ملازمة له على كل حال.
أما عن أهم أعمال القلوب فهو النية الصالحة بالإخلاص لله _سبحانه_ وحده لاشريك له فهو رأس مال العبد الصالح ومدار سلامة قلبه، والتسليم له _سبحانه_ والرضا به رباً وبالإسلام دينا وبمحمد رسولاً وبالقدر ووقائعه، والمحبة له _سبحانه_ ولدينه ولنبيه ولكتابه والمحبة فيه _سبحانه_ لعباده المؤمنين، والخوف والوجل منه _سبحانه_ الذي هو أساس تقواه، والتوكل عليه _سبحانه_ والصبر على طاعته الذين هما أساس البذل لدينه والثبات عليه.
والله أعلى وأعلم.
منقول