التراث والثقافة الإسلامية .. أساس تقدمنا لا سبب تخلفنا
محمود صافي
15 - 3 - 2009
يتحدث الكثيرون من المثقفين العرب عن ثقافة عالمية واحدة هي الثقافة الغربية التي يجب علينا ـ معاشر العرب والمسلمين ـ اعتناقها، حتى يتسنى لنا اللحاق بركب الأمم الغربية المتقدمة، التي كانت ثقافتها هي طريقها نحو هذا التقدم.
كما يردد النفر المهزوم من المثقفين العرب أن السبب في تخلفنا هو تراثنا الإسلامي وثقافتنا الإسلامية، التي تحمل بذور الاستعلاء على الأمم الأخرى وعدم التواصل معها.
وللرد على هؤلاء المثقفين المهزومين لابد لنا أن نعرف الحضارة والثقافة، وأن نفرق بين الحضارة الإسلامية وغيرها من الحضارات، وأن نبحث إن كان الإسلام يعارض فعلًا التفاعل بين الحضارات، وما إذا كانت ثوابت الدين ومبادئه تدخل في إطار هذا التفاعل.
وبداية فإن الحضارة تتكون من عنصرين؛ هما الثقافة والعلم، أما الثقافة: فهي المعارف النظرية التي تؤخذ عن طريق الإخبار والتلقي والاستنباط العقلي؛ كالتشريع واللغة والتاريخ والفلسفة وغيرها من المعارف التي تؤثر في سلوك الأفراد والجماعات.
وأما العلم: فهو المعارف العلمية التي تؤخذ عن طريق الملاحظة والتجربة، فهي الرقي في المعارف التجريبية بهدف السيطرة على الطبيعة وإخضاع ظروف البيئة فيها للإنسان.
والتواصل الحضاري ينبغي أن يتم من خلال الجانب المدني أو العلمي التجريبي، أما الثقافة وهي الجانب الثاني من جوانب الحضارة فهي التي تمثل الذاتية التي تطبع كل حضارة بطابعها الخاص، فهي الأمر الذي تتمايز فيه الحضارات والأمم بحيث يكون هو المشكل لهوية الأمة وشخصيتها وسلوكها ووجهة نظرها في الحياة.
لكن ينبغي إدراك أن الثقافة الإسلامية تختلف عن الثقافة الغربية في أمور كثيرة، فهي تختلف عنها في مصدر التوجيه وفي تصورها للكون والحياة وفي غايتها وهدفها.
فمصدر الثقافة الإسلامية هو الوحي السماوي المقدس من خلال القرآن والسنة، ثم تأتي بعد ذلك مصادر التوجيه والتشريع الأخرى؛ مثل الاجتهاد والقياس والإجماع ... إلخ، كما تشكل السيرة النبوية والفقه الإسلامي والتاريخ الإسلامي مصادر هامة لثقافة المسلم.
أما الثقافة الغربية فقد قامت على الفكر البشري المتغير دون أن تعتمد أي اعتماد على الوحي المعصوم؛ ومن هنا فنحن نرفض من الثقافة الغربية ما يتعارض مع هويتنا الثقافية، وخصوصًا هذا الطابع المادي الذي طبع الثقافة الغربية وعلومها في الاجتماع والأخلاق والنفس والفلسفة والسياسة والاقتصاد؛ مما أدى إلى إهدار آدمية الإنسان، وإذا كان هناك شيء نافع في الثقافة الغربية فلا مانع من الانتفاع به فالحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق بها، وليس معنى الحفاظ على الذاتية الانغلاق الحضاري، فالإسلام يسمح بالاستفادة من أي حضارة كانت.
أما عن تصور الثقافة الإسلامية للكون والحياة فهو تصور واقعي متميز تمامًا عن الثقافة الغربية، حيث يقوم التصور الغربي على أن الكون مادة فقط تسيره قوانين الحتمية والتطور، وأن الحياة لا معنى لها إلا بمقدار ما يشبع الإنسان رغباته الحيوانية في الإِخضاع والسيطرة والهيمنة؛ مما أدى إلى اتسام الحياة هناك باليأس والقلق والتمرد والانتحار.
أما الثقافة الإسلامية فهي تقر بأن لهذا الكون إلهًا خالقًا، وأنه هو الذي أودع فيه ما أودع من قوانين التسيير والحركة؛ وبالتالي فالإنسان له وظيفة وهدف في الحياة، فهو عابد لربه ومعمر لكونه الذي استخلفه ربه فيه، وهذه الخلافة تقتضي إقامة العدل والإحسان والرحمة والمحافظة على الحياة والسير فيها بقوانين الله، كما أن الحياة تستلزم أن يشبع الإنسان رغباته وشهواته ولكن بالطريق الحلال، وهذا التصور للحياة يؤدي إلى الاستقرار والسكينة والهدوء ويبعد الإنسان عن الخوف والقلق والشك.
كذلك وضعت الثقافة الإسلامية إجابات محددة على أسئلة احتارت فيها الثقافة الغربية؛ مثل السؤال عن بداية الكون، ونهايته، والموت وما بعده، والحكمة من خلق الإنسان وعلاقة الإنسان بالإله ... إلخ.
كذلك تميزت الثقافة الإسلامية عن الثقافة الغربية في تحديد الغاية من وجود الإنسان، فالحضارة الغربية حددت غاية الإنسان في الاستمتاع بالشهوات بغض النظر عن تحري الحلال والحرام والخير والشر، ومحاولة التغلب على الآخرين للاستئثار بأكبر قدر من المتاع الحسي، ومحاولة إخضاع الناس بالقوة والقهر العسكري والسياسي والاقتصادي والعلمي، أما الثقافة الإسلامية فجعلت غاية الإنسان هي عبادة الله وإقامة خلافته في الأرض وتطبيق قوانين الله التي تحقق العدالة والرحمة.
المصدر