السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
هل كان عثمان رضي الله عنه يعتبر سورة الأنفال و سورة براءة سورة واحدة لذلك لم يفصل بينهما بالبسملة ؟
و إذا كان كذلك فكيف نقول بأن سقوط البسملة من بين السورتين توقيفي ؟
و ما دامت المسألة خلافية وتتفرع على مسألة ترتيب سور القران ، فهل لأحد أن يضع البسملة بين السورتين ، بناءا على مخالفته لعثمان في ذلك وأنهما سورة واحدة ؟
و على قول عثمان ـ رضي الله عنه ـ هل نعتبرهما نحن سورة واحدة ؟
الجواب :
الناظر في النصوص الواردة في هذا الأمر يجد أن سيدنا عثمان رضي الله عنه لم يكن يعتبر أن سورة الأنفال و التوبة كانت سورة واحدة بل كان يظن أنهما سورة واحدة ، وهناك فرق بين العبارتين ، وهذا الظن تغير لسيدنا عثمان لما علم أن الأنفال ليست من التوبة والوارد في ذلك هو ما أخرجه أحمد وأبو داود ( 786 ) والترمذي ( 3086 ) وقال : حسن صحيح ، والنسائي في الكبرى ( 8007 ) وابن حبان ( 1/ 230 ) والحاكم ( 2/221 ) وصححه على شرط الشيخين ووافقه الذهبي ، وابن جرير ( 1 / 69 )عن ابن عباس قال قلت لعثمان ما حملكم على أن عمدتم إلى الأنفال وهي من المثاني وإلى براءة وهي من المئين فقرنتم بينهما ولم تكتبوا بينهما سطر بسم الله الرحمن الرحيم ووضعتموها في السبع الطول فقال عثمان كان رسول الله تنزل عليه السور ذوات العدد فكان إذا نزل عليه الشيء دعا بعض من كان يكتب فيقول ضعوا هؤلاء الآيات في السورة التي يذكر فيها كذا وكذا وكانت الأنفال من أوائل ما نزل في المدينة وكانت براءة من آخر القرآن نزولا وكانت قصتها شبيهة بقصتها فظننت أنها منها فقبض رسول الله ولم يبين لنا أنها منها فمن أجل ذلك قرنت بينهما ولم أكتب بينهما سطر بسم الله الرحمن الرحيم ووضعتها في السبع الطول . الإتقان 1/167.
فظن عثمان رضي الله عنه كان سببه :
أولاً :وفاة النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يتبين لعثمان أهما سورة واحدة أم اثنتان ؟
ثانياً : ووجود الشبه بينهما، ووجه الشبه في أن الأنفال بينت ما وقع له صلى الله عليه وسلم من مشركي مكة ، والتوبة بينت ما وقع له صلى الله عليه وسلم مع المنافقين ولأن في كل منهما تعاهداً ونبذاً للعهد ، وفيهما الأمر بالقتال . وهذا لا يعني أن عثمان كان يرى أنهما سورة واحدة .
ودليل علمه بأنهما سورتان هو فصلهما عن بعضهما .
وأما عدم كتابة البسملة في أول براءة فقد تعددت الآراء في ذلك ، يقول الزركشي في البرهان 1/ 360 ) : ( سبب سقوط البسملة أول براءة :اختلف في السبب في سقوط البسملة أول براءة فقيل كان من شأن العرب في الجاهلية إذا كان بينهم وبين قوم عهد وأرادوا نقضه كتبوا لهم كتابا ولم يكتبوا فيه البسملة فلما نزلت براءة بنقص العهد الذي كان للكفار قرأها عليهم علي ولم يبسمل على ما جرت به عادتهم .... .
وعن مالك أن أولها لما سقط سقطت البسملة .
وقد قيل إنها كانت تعدل البقرة لطولها.
وقيل لأنه لما كتبوا المصاحف في زمن عثمان اختلفوا هل هما سورتان أو الأنفال سورة وبراءة سورة تركت البسملة بينهما.
وفى مستدرك الحاكم [ 2/320 ] أيضا عن ابن عباس سألت عليا عن ذلك فقال لأن البسملة أمان وبراءة نزلت بالسيف ليس فيها أمان.
قال القشيرى والصحيح أن البسملة لم تكن فيها لأن جبريل عليه السلام ما نزل بها فيها ) .
أما الأثر الذي ذكره الزركشي عن مالك فهو غريب ؟ اللهم إلا أن يكون المراد النسخ وهذا لا دليل عليه ،وقد ورد عن مالك ما يرده قال السيوطي في الإتقان 1/ 63 : ( وأخرج [ لعله ابن أبي داود كما يدل عليه السياق ]عن ابن وهب قال سمعت مالكا يقول إنما ألف القرآن على ما كانوا يسمعون من النبي ) .
وأما ما ذكره من عادة العرب عند إرادتها نقض العهد عدم كتابتها البسملة فهذا بعيد في كونه العلة في هذا الشأن ، ثم عدم قراءة سيدنا علي لها لا يعني عدمها في نفس الأمر ، وهذا الأثر أشبه ما يكون بالحكمة منه بالعلة ، ولذلك استدرك عليه الزركشي رحمه الله بالحديث السابق عن ابن عباس فقال : ( ولكن في صحيح الحاكم أن عثمان ... وذكر الحديثَ ) ، وكذلك ما ذكره الزركشي عن سيدنا علي رضي الله عنه في أن البسملة أمان وبراءة نزلت بالسيف .. هو حكمة عدم ذكر البسملة لا علتها .وأما كونها كانت تعدل البقرة في طولها فيكفي في رده ذكر الزركشي له بالتضعيف ،وكذلك القول في اختلاف كتبة المصاحف في زمن عثمان هل هما سورتان أم كل واحدة سورة ، فلو صحّ ذلك لورد إلينا مستفيضاً كما ورد إلينا تحريهم في كتابة قوله تعالى : ( لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ) (التوبة:128) . [ انظر البرهان 1/326 ، 329 و 333 ] .
فبقي معنا قول القشيري أن البسملة لم تكن فيها لأن جبريل عليه السلام ما نزل بها فيها ،و هذا القول يؤيده بالمعنى ما نقله السيوطي قال : ( وقال مكي وغيره ترتيب الآيات في السور بأمر من النبي ولما لم يأمر بذلك في أول براءة تركت بلا بسملة ) الإتقان 1 /62 .
ولعل المسألة تتفرع عن أمرين :
الأول : الخلاف في كون ترتيب سور القرآن توقيفي أم اجتهادي ،فجمهور العلماء على الثاني منهم مالك والقاضي أبو بكر في أحد قوليه [ الإتقان 1/63] ، ويميل العبد الفقير لقول البيهقي الذي نقله السيوطي في إتقانه 1/ 64: ( قال البيهقي في المدخل كان القرآن على عهد النبي مرتبا سوره وآياته على هذا الترتيب إلا الأنفال وبراءة لحديث عثمان السابق ) . وهو الذي رجحه السيوطي في الإتقان 1/65 قال : ( قلت ومما يدل على أنه توقيفي كون الحواميم رتبت ولاء وكذا الطواسين ولم ترتب المسبحات ولاء بل فصل بين سورها وفصل بين طسم الشعراء وطسم القصص بطس مع أنها أقصر منهما ولو كان الترتيب اجتهاديا لذكرت المسبحات ولاء وأخرت طس عن القصص، والذي ينشرح له الصدر ما ذهب إليه البيهقي وهو أن جميع السور ترتيبها توقيفي إلا براءة والأنفال ولا ينبغي أن يستدل بقراءته سورا ولاء على أن ترتيبها كذلك وحينئذ فلا يرد حديث قراءته النساء قبل آل عمران لأن ترتيب السور في القراءة ليس بواجب فلعله فعل ذلك لبيان الجواز ) .فيكون سيدنا عثمان اجتهد في وضعهما معاً لوجود الشبه بينهما ، من باب مراعاة مناسبة الوحدة الموضوعية في القرآن الكريم ، لا لأنه يقول بأنهما سورة واحدة والله أعلم
الأمر الثاني :ترتيب الآيات توقيفي لا شبهة في ذلك والأدلة كثيرة وعليه الإجماع ، ولكن هل البسملة آية من الفاتحة ومن كل سورة ؟ أكثر العلماء على أنها آية [ انظر : التبيان في آداب حملة القرآن للنووي صـ 81،82 ، والمجموع للنووي أيضاً 3/280 ، 284 ، ففيه بسـط الأدلـة بمـا يغني ويشفي ] ، ومن أدلتهم على ذلك وجودها في المصاحف مع حرص سيدنا عثمان على نفي ما ليس من القرآن من القرآن ، فلما لم يكتب البسملة دل ذلك على أنها لم تنزل مع التوبة بالوحي ، فقد أخرج أبو داود ( 788 ) والحاكم ( 1/231 ) وصححه ووافقه الذهبي عن ابن عباس قال : ( كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يعرف فصل السور حتى ينزل عليه : بسم الله الرحمن الرحيم .) وفي رواية عند الحاكم ( 1/231 ) عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا جاءه جبريل فقرأ بسم الله الرحمن الرحيم ؛ علم أنها سورة . ) .
فهذه الأدلة وغيرها بينت أن البسملة لم تسقط اجتهاداً من أحد من الصحابة ، ولو كان الأمر كذلك لورد إلينا من طرق القراءات ما يدل عليه ، ثم إن إجماع الصحابة قام على ما فعله عثمان رضي الله عنه وفيهم الحفظة ومنهم من نقل عنه القول بأن البسملة آية من كل سورة كعلي بن أبي طالب وأبي هريرة وابن عمر وابن عباس ... .ولا يجوز لهم أن يسكتوا عن إسقاط آية ولم يفعلوا .
قال في الإتقان 1/ 63 ط دار الفكر : ( قال البغوي في شرح السنة: الصحابة رضي الله عنهم جمعوا بين الدفتين القرآن الذي أنزله الله على رسوله من غير أن زادوا أو نقصوا منه شيئا خوف ذهاب بعضه بذهاب حفظته فكتبوه كما سمعوا من رسول الله من غير أن قدموا شيئا أو أخروا أو وضعوا له ترتيبا لم يأخذوه من رسول الله وكان رسول الله يلقن أصحابه ويعلمهم ما نزل عليه من القرآن على الترتيب الذي هو الآن في مصاحفنا بتوقيف جبريل إياه على ذلك وإعلامه عند نزول كل آية أن هذه الآية تكتب عقب آية كذا في سورة كذا فثبت أن سعي الصحابة كان في جمعه في موضع واحد لا في ترتيبه فإن القرآن مكتوب في اللوح المحفوظ على هذا الترتيب أنزله الله جملة إلى السماء الدنيا ثم كان ينزله مفرقا عند الحاجة وترتيب النزول غير ترتيب التلاوة .
وقال ابن الحصار ترتيب السور ووضع الآيات مواضعها إنما كان بالوحي كان رسول الله يقول ضعوا آية كذا في موضع كذا وقد حصل اليقين من النقل المتواتر بهذا الترتيب من تلاوة رسول الله ومما أجمع الصحابة على وضعه هكذا في المصحف ) .
وعليه فلا يجوز لأحد أن يضع البسملة بين السورتين ،متعللاً بما ورد في السؤال (، بناءا على مخالفته لعثمان في ذلك وأنهما سورة واحدة ) . والله أعلم .
ملاحظة : ورد عن بعض الأئمة أنهم قالوا بأن الأنفال والتوبة سورة واحدة كمجاهد وسفيان وابن لهيعة، وحجتهم عدم وجود البسملة ، وقد مر الكلام على ضعف هذه الحجة عداك عن صحة النسبة إليهم ، وكذلك ورد أن ابن مسعود أثبت البسملة في مصحفه ، وقد رد الطيبي هذا النقل وقال : لا يعول عليه ، انظر عون المعبود شرح سنن أبي داوود 8/ 380 ، 381 .وأردتها هنا للأمانة العلمية في ذكر اللآراء ولم أضمنها في البحث لضعفه وعدم ثبوتها والله أعلم
المراجع :
الإتقان في علوم القرآن للسيوطي ط دار الفكر بيروت .
البرهان في علوم القرآن للزركشي ، ت المرعشلي ، ط دار المعرفة .
التبيان في آداب حملة القرآن للنووي ت محمد الحجار ط دار ابن حزم .
تفسير ابن جرير ت صدقي جميل العطار ط دار الفكر بيروت .
المجموع شرح المهذب للإمام النووي ت : د. محمد مطرحي ، ط دار الفكر بيروت .
سنن أبي داوود ، ط دار الحديث .
جامع الترمذي ت أحمد شاكر ، ط دار الفكر بيروت
السنن الكبرى للنسائي ت عبد الغفار سليمان البنداري ، سيد كسروي حسن ط دار الكتب العلمية .
مستدرك الحاكم ط دار المعرفة .
صحيح ابن حبان ت شعيب أرناؤوط ، ط مؤسسة الرسالة .
عون المعبود شرح سنن أبي داوود ، للمباركفوري ط دار الكتب العلمية .
منقول
هل كان عثمان رضي الله عنه يعتبر سورة الأنفال و سورة براءة سورة واحدة لذلك لم يفصل بينهما بالبسملة ؟
و إذا كان كذلك فكيف نقول بأن سقوط البسملة من بين السورتين توقيفي ؟
و ما دامت المسألة خلافية وتتفرع على مسألة ترتيب سور القران ، فهل لأحد أن يضع البسملة بين السورتين ، بناءا على مخالفته لعثمان في ذلك وأنهما سورة واحدة ؟
و على قول عثمان ـ رضي الله عنه ـ هل نعتبرهما نحن سورة واحدة ؟
الجواب :
الناظر في النصوص الواردة في هذا الأمر يجد أن سيدنا عثمان رضي الله عنه لم يكن يعتبر أن سورة الأنفال و التوبة كانت سورة واحدة بل كان يظن أنهما سورة واحدة ، وهناك فرق بين العبارتين ، وهذا الظن تغير لسيدنا عثمان لما علم أن الأنفال ليست من التوبة والوارد في ذلك هو ما أخرجه أحمد وأبو داود ( 786 ) والترمذي ( 3086 ) وقال : حسن صحيح ، والنسائي في الكبرى ( 8007 ) وابن حبان ( 1/ 230 ) والحاكم ( 2/221 ) وصححه على شرط الشيخين ووافقه الذهبي ، وابن جرير ( 1 / 69 )عن ابن عباس قال قلت لعثمان ما حملكم على أن عمدتم إلى الأنفال وهي من المثاني وإلى براءة وهي من المئين فقرنتم بينهما ولم تكتبوا بينهما سطر بسم الله الرحمن الرحيم ووضعتموها في السبع الطول فقال عثمان كان رسول الله تنزل عليه السور ذوات العدد فكان إذا نزل عليه الشيء دعا بعض من كان يكتب فيقول ضعوا هؤلاء الآيات في السورة التي يذكر فيها كذا وكذا وكانت الأنفال من أوائل ما نزل في المدينة وكانت براءة من آخر القرآن نزولا وكانت قصتها شبيهة بقصتها فظننت أنها منها فقبض رسول الله ولم يبين لنا أنها منها فمن أجل ذلك قرنت بينهما ولم أكتب بينهما سطر بسم الله الرحمن الرحيم ووضعتها في السبع الطول . الإتقان 1/167.
فظن عثمان رضي الله عنه كان سببه :
أولاً :وفاة النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يتبين لعثمان أهما سورة واحدة أم اثنتان ؟
ثانياً : ووجود الشبه بينهما، ووجه الشبه في أن الأنفال بينت ما وقع له صلى الله عليه وسلم من مشركي مكة ، والتوبة بينت ما وقع له صلى الله عليه وسلم مع المنافقين ولأن في كل منهما تعاهداً ونبذاً للعهد ، وفيهما الأمر بالقتال . وهذا لا يعني أن عثمان كان يرى أنهما سورة واحدة .
ودليل علمه بأنهما سورتان هو فصلهما عن بعضهما .
وأما عدم كتابة البسملة في أول براءة فقد تعددت الآراء في ذلك ، يقول الزركشي في البرهان 1/ 360 ) : ( سبب سقوط البسملة أول براءة :اختلف في السبب في سقوط البسملة أول براءة فقيل كان من شأن العرب في الجاهلية إذا كان بينهم وبين قوم عهد وأرادوا نقضه كتبوا لهم كتابا ولم يكتبوا فيه البسملة فلما نزلت براءة بنقص العهد الذي كان للكفار قرأها عليهم علي ولم يبسمل على ما جرت به عادتهم .... .
وعن مالك أن أولها لما سقط سقطت البسملة .
وقد قيل إنها كانت تعدل البقرة لطولها.
وقيل لأنه لما كتبوا المصاحف في زمن عثمان اختلفوا هل هما سورتان أو الأنفال سورة وبراءة سورة تركت البسملة بينهما.
وفى مستدرك الحاكم [ 2/320 ] أيضا عن ابن عباس سألت عليا عن ذلك فقال لأن البسملة أمان وبراءة نزلت بالسيف ليس فيها أمان.
قال القشيرى والصحيح أن البسملة لم تكن فيها لأن جبريل عليه السلام ما نزل بها فيها ) .
أما الأثر الذي ذكره الزركشي عن مالك فهو غريب ؟ اللهم إلا أن يكون المراد النسخ وهذا لا دليل عليه ،وقد ورد عن مالك ما يرده قال السيوطي في الإتقان 1/ 63 : ( وأخرج [ لعله ابن أبي داود كما يدل عليه السياق ]عن ابن وهب قال سمعت مالكا يقول إنما ألف القرآن على ما كانوا يسمعون من النبي ) .
وأما ما ذكره من عادة العرب عند إرادتها نقض العهد عدم كتابتها البسملة فهذا بعيد في كونه العلة في هذا الشأن ، ثم عدم قراءة سيدنا علي لها لا يعني عدمها في نفس الأمر ، وهذا الأثر أشبه ما يكون بالحكمة منه بالعلة ، ولذلك استدرك عليه الزركشي رحمه الله بالحديث السابق عن ابن عباس فقال : ( ولكن في صحيح الحاكم أن عثمان ... وذكر الحديثَ ) ، وكذلك ما ذكره الزركشي عن سيدنا علي رضي الله عنه في أن البسملة أمان وبراءة نزلت بالسيف .. هو حكمة عدم ذكر البسملة لا علتها .وأما كونها كانت تعدل البقرة في طولها فيكفي في رده ذكر الزركشي له بالتضعيف ،وكذلك القول في اختلاف كتبة المصاحف في زمن عثمان هل هما سورتان أم كل واحدة سورة ، فلو صحّ ذلك لورد إلينا مستفيضاً كما ورد إلينا تحريهم في كتابة قوله تعالى : ( لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ) (التوبة:128) . [ انظر البرهان 1/326 ، 329 و 333 ] .
فبقي معنا قول القشيري أن البسملة لم تكن فيها لأن جبريل عليه السلام ما نزل بها فيها ،و هذا القول يؤيده بالمعنى ما نقله السيوطي قال : ( وقال مكي وغيره ترتيب الآيات في السور بأمر من النبي ولما لم يأمر بذلك في أول براءة تركت بلا بسملة ) الإتقان 1 /62 .
ولعل المسألة تتفرع عن أمرين :
الأول : الخلاف في كون ترتيب سور القرآن توقيفي أم اجتهادي ،فجمهور العلماء على الثاني منهم مالك والقاضي أبو بكر في أحد قوليه [ الإتقان 1/63] ، ويميل العبد الفقير لقول البيهقي الذي نقله السيوطي في إتقانه 1/ 64: ( قال البيهقي في المدخل كان القرآن على عهد النبي مرتبا سوره وآياته على هذا الترتيب إلا الأنفال وبراءة لحديث عثمان السابق ) . وهو الذي رجحه السيوطي في الإتقان 1/65 قال : ( قلت ومما يدل على أنه توقيفي كون الحواميم رتبت ولاء وكذا الطواسين ولم ترتب المسبحات ولاء بل فصل بين سورها وفصل بين طسم الشعراء وطسم القصص بطس مع أنها أقصر منهما ولو كان الترتيب اجتهاديا لذكرت المسبحات ولاء وأخرت طس عن القصص، والذي ينشرح له الصدر ما ذهب إليه البيهقي وهو أن جميع السور ترتيبها توقيفي إلا براءة والأنفال ولا ينبغي أن يستدل بقراءته سورا ولاء على أن ترتيبها كذلك وحينئذ فلا يرد حديث قراءته النساء قبل آل عمران لأن ترتيب السور في القراءة ليس بواجب فلعله فعل ذلك لبيان الجواز ) .فيكون سيدنا عثمان اجتهد في وضعهما معاً لوجود الشبه بينهما ، من باب مراعاة مناسبة الوحدة الموضوعية في القرآن الكريم ، لا لأنه يقول بأنهما سورة واحدة والله أعلم
الأمر الثاني :ترتيب الآيات توقيفي لا شبهة في ذلك والأدلة كثيرة وعليه الإجماع ، ولكن هل البسملة آية من الفاتحة ومن كل سورة ؟ أكثر العلماء على أنها آية [ انظر : التبيان في آداب حملة القرآن للنووي صـ 81،82 ، والمجموع للنووي أيضاً 3/280 ، 284 ، ففيه بسـط الأدلـة بمـا يغني ويشفي ] ، ومن أدلتهم على ذلك وجودها في المصاحف مع حرص سيدنا عثمان على نفي ما ليس من القرآن من القرآن ، فلما لم يكتب البسملة دل ذلك على أنها لم تنزل مع التوبة بالوحي ، فقد أخرج أبو داود ( 788 ) والحاكم ( 1/231 ) وصححه ووافقه الذهبي عن ابن عباس قال : ( كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يعرف فصل السور حتى ينزل عليه : بسم الله الرحمن الرحيم .) وفي رواية عند الحاكم ( 1/231 ) عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا جاءه جبريل فقرأ بسم الله الرحمن الرحيم ؛ علم أنها سورة . ) .
فهذه الأدلة وغيرها بينت أن البسملة لم تسقط اجتهاداً من أحد من الصحابة ، ولو كان الأمر كذلك لورد إلينا من طرق القراءات ما يدل عليه ، ثم إن إجماع الصحابة قام على ما فعله عثمان رضي الله عنه وفيهم الحفظة ومنهم من نقل عنه القول بأن البسملة آية من كل سورة كعلي بن أبي طالب وأبي هريرة وابن عمر وابن عباس ... .ولا يجوز لهم أن يسكتوا عن إسقاط آية ولم يفعلوا .
قال في الإتقان 1/ 63 ط دار الفكر : ( قال البغوي في شرح السنة: الصحابة رضي الله عنهم جمعوا بين الدفتين القرآن الذي أنزله الله على رسوله من غير أن زادوا أو نقصوا منه شيئا خوف ذهاب بعضه بذهاب حفظته فكتبوه كما سمعوا من رسول الله من غير أن قدموا شيئا أو أخروا أو وضعوا له ترتيبا لم يأخذوه من رسول الله وكان رسول الله يلقن أصحابه ويعلمهم ما نزل عليه من القرآن على الترتيب الذي هو الآن في مصاحفنا بتوقيف جبريل إياه على ذلك وإعلامه عند نزول كل آية أن هذه الآية تكتب عقب آية كذا في سورة كذا فثبت أن سعي الصحابة كان في جمعه في موضع واحد لا في ترتيبه فإن القرآن مكتوب في اللوح المحفوظ على هذا الترتيب أنزله الله جملة إلى السماء الدنيا ثم كان ينزله مفرقا عند الحاجة وترتيب النزول غير ترتيب التلاوة .
وقال ابن الحصار ترتيب السور ووضع الآيات مواضعها إنما كان بالوحي كان رسول الله يقول ضعوا آية كذا في موضع كذا وقد حصل اليقين من النقل المتواتر بهذا الترتيب من تلاوة رسول الله ومما أجمع الصحابة على وضعه هكذا في المصحف ) .
وعليه فلا يجوز لأحد أن يضع البسملة بين السورتين ،متعللاً بما ورد في السؤال (، بناءا على مخالفته لعثمان في ذلك وأنهما سورة واحدة ) . والله أعلم .
ملاحظة : ورد عن بعض الأئمة أنهم قالوا بأن الأنفال والتوبة سورة واحدة كمجاهد وسفيان وابن لهيعة، وحجتهم عدم وجود البسملة ، وقد مر الكلام على ضعف هذه الحجة عداك عن صحة النسبة إليهم ، وكذلك ورد أن ابن مسعود أثبت البسملة في مصحفه ، وقد رد الطيبي هذا النقل وقال : لا يعول عليه ، انظر عون المعبود شرح سنن أبي داوود 8/ 380 ، 381 .وأردتها هنا للأمانة العلمية في ذكر اللآراء ولم أضمنها في البحث لضعفه وعدم ثبوتها والله أعلم
المراجع :
الإتقان في علوم القرآن للسيوطي ط دار الفكر بيروت .
البرهان في علوم القرآن للزركشي ، ت المرعشلي ، ط دار المعرفة .
التبيان في آداب حملة القرآن للنووي ت محمد الحجار ط دار ابن حزم .
تفسير ابن جرير ت صدقي جميل العطار ط دار الفكر بيروت .
المجموع شرح المهذب للإمام النووي ت : د. محمد مطرحي ، ط دار الفكر بيروت .
سنن أبي داوود ، ط دار الحديث .
جامع الترمذي ت أحمد شاكر ، ط دار الفكر بيروت
السنن الكبرى للنسائي ت عبد الغفار سليمان البنداري ، سيد كسروي حسن ط دار الكتب العلمية .
مستدرك الحاكم ط دار المعرفة .
صحيح ابن حبان ت شعيب أرناؤوط ، ط مؤسسة الرسالة .
عون المعبود شرح سنن أبي داوود ، للمباركفوري ط دار الكتب العلمية .
منقول