البطن - على التحقيق _ ينبوع الشهوات
دائما ماكان يشتكي الكثير من كثرة النوم .الكسل .حب الدعة ...إلخ
وكذلك كثرة الشكوى عن صعوبة الحفظ وسرعة النسيان.
دائما ماكان يشتكي الكثير من كثرة النوم .الكسل .حب الدعة ...إلخ
وكذلك كثرة الشكوى عن صعوبة الحفظ وسرعة النسيان.
ولما كان من أكبر الأسباب الداعية إلى ذلك الشبع وكثرة الأكل_ ولا أقولها مبالغة إذ في عدم الشبع صفاء للذهن والقلب فيورث ذلك سرعة الحفظ وكذا رسوخه.
أحببت أن أجمع بعض ماورد عنه من سلفنا الكرام .
ومن الله أستمد التوفيق.
* ما يورثه الشبع :
عن المقدام بن معد كرب قال سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول ( ماملأ ابن آدم وعاء شرا من بطن، بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه فإن كان لا محالة فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه )) رواه الإمام أحمد والترمذي والنسائي وابن ماجه وقال الترمذي حديث حسن
" وهذا الحديث أصل جامع لأصول الطب كلها وقد روى أن ابن أبي ماسويه الطبيب لما قرأ هذا الحديث في كتاب أبي خيثمة قال لو استعمل الناس هذه الكلمات لسلموا من الأمراض والأسقام ولتعطلت المارشايات ودكاكين الصيادلة وإنما قال هذا لأن أصل كل داء التخمة " ابن رجب }جامع العلوم والحكم ص789{ " والبطن على التحقيق ينبوع الشهوات ومنبت الأدواء والآفات إذ يتبعها شهوة الفرج وشدة الشبق إلى المنكوحات ثم تتبع شهوة الطعام والنكاح شدة الرغبة في الجاه والمال اللذين هما وسيلة إلى التوسع في المنكوحات والمطعومات ثم يتبع استكثار المال والجاه أنواع الرعونات وضروب المنافسات والمحاسدات ثم يتولد بينهما آفة الرياء وغائلة التفاخر والتكاثر والكبرياء ثم يتداعى ذلك إلى الحقد والحسد والعداوة والبغضاء ثم يفضي ذلك بصاحبه إلى اقتحام البغي والمنكر والفحشاء وكل ذلك ثمرة إهمال المعدة وما يتولد منها من بطر الشبع والامتلاء ولو ذلل العبد نفسه بالجوع وضيق به مجاري الشيطان لأذعنت لطاعة الله عز وجل ولم تسلك سبيل البطر والطغيان ولم ينجر به ذلك إلى الانهماك في الدنيا وإيثار العاجلة على العقبى ولم يتكالب كل هذا التكالب على الدنيا "
ا.ه الغزالي (الإحياء3/80)
* منافع عدم الشبع :
"وأما منافعه بالنسبة إلى القلب وصلاحه فإن قلة الغذاء توجب رقة القلب وقوة الفهم وانكسار النفس وضعف الهوى والغضب وكثرة الغذاء يوجب ضد ذلك .
قال الحسن : يا ابن آدم كل في ثلث بطنك واشرب في ثلثه ودع ثلث بطنك يتنفس ويتفكر .
وقال المروزي : جعل أبو عبد الله يعني الإمام أحمد يعظم من الجوع والفقر فقلت له يؤجر الرجل في ترك الشهوات . فقال : وكيف لا يؤجر وابن عمر يقول ما شبعت منذ ثلاثة أشهر .
قلت لأبي عبد الله: يجد الرجل من قلبه رقة وهو شبع ؟ قال: ما أرى ." (جامع العلوم ص791)
ومن منافع الجوع :
" 1 _ صفاء القلب وإيقاد القريحة وإنفاذ البصيرة فإن الشبع يورث البلادة ويعمي القلب ويكثر البخار في الدماغ شبه السكر حتى يحتوي على معادن الفكر فيثقل القلب بسببه عن الجريان في الأفكار وعن سرعة الإدراك بل الصبي إذا أكثر الأكل بطل حفظه وفسد ذهنه وصار بطيء الفهم والإدراك ...
2_ الانكسار والذل وزوال البطر والفرح والأشر الذي هو مبدأ الطغيان والغفلة عن الله تعالى فلا تنكسر النفس ولا تذل بشيء كما تذل بالجوع فعنده تسكن لربها وتخشع له وتقف على عجزها وذلها إذا ضعفت منتها وضاقت حيلتها بلقيمة طعام فاتتها وأظلمت عليها الدنيا لشربة ماء تأخرت عنها وما لم يشاهد الإنسان ذل نفسه وعجزه لا يرى عزة مولاه ولا قهره
3 _ أن لا ينسى بلاء الله وعذابه ولا ينسى أهل البلاء فإن الشبعان ينسى الجائع وينسى الجوع والعبد الفطن لا يشاهد بلاء من غيره إلا ويتذكر بلاء الآخرة فيذكر من عطشه عطش الخلق في عرصات القيامة ومن جوعه جوع أهل النار
4 _ وهي من أكبر الفوائد كسر شهوات المعاصي كلها والاستيلاء على النفس الأمارة بالسوء فإن منشأ المعاصي كلها الشهوات . والقوى ومادة القوى والشهوات لا محالة الأطعمة، فتقليلها يضعف كل شهوة وقوة وإنما السعادة كلها في أن يملك الرجل نفسه والشقاوة في أن تملكه نفسه
5 _ دفع النوم ودوام السهر فإن من شبع شرب كثيرا ومن كثر شربه كثر نومه ولأجل ذلك كان بعض الشيوخ يقول عند حضور الطعام ... لا تأكلوا كثيرا فتشربوا كثيرا فترقدوا كثيرا فتخسروا كثيرا ... وفي كثرة النوم ضياع العمر وفوت التهجد وبلادة الطبع وقساوة القلب.
والعمر أنفس الجواهر وهو رأس مال العبد، فيه يتجر. والنوم موت فتكثيره ينقص العمر ثم فضيلة التهجد لا تخفى وفي النوم فواتها...
والأوقات المصروفة إلى هذا لو صرفها إلى الذكر والمناجاة وسائر العبادات لكثر ربحه .
ومن جملته الصوم فإنه يتيسر لمن تعود الجوع ..." الغزالي (الإحياء 3 /84 )
* بعض ماورد من السلف عنه :
* عن سماك بن حرب قال : سمعت النعمان يخطب قال : ذكر عمر ما أصاب الناس من الدنيا فقال : لقد رأيت رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ يظل اليوم يلتوي ما يجد دقلا يملأ به بطنه . مسلم (6652) الدقل : ردىء التمر.
* عن إسماعيل بن أبي خالد ، قال : جاء رجل إلى ابن عمر قال : ألا نصنع لك جوارشن ؟ قال : وأي شيء الجوارشن ؟ قال : شيء إذا كظك الطعام فأكلت منه سهل عليك ما تجد ، قال ابن عمر : « ما شبعت منذ أربعة أشهر ، وما ذاك ألا أكون أجده ، ولكني عهدت أقواما يجوعون مرة ، ويشبعون مرة » (الجوع ص70)
* قال جعفر : كنا عند مالك بن دينار فجاء هشام بن حسان ، فقال : أين أبو يحيى ـكنية مالك_ ؟ قلنا : عند البقال ، قال : قوموا بنا إليه ، فحانت مني نظرة إلى هشام ، فقال : « يا هشام ، إني أعطي هذا البقال كل شهر درهما ودانقين ، فآخذ منه كل شهر ستين رغيفا ، كل ليلة رغيفين ،فإذا أصبتهما سخنا فهو أدمهما.(الجوع ص80)
* قال مالك بن دينار: « إنما بطن أحدكم كلب ، ألق إلى ذا الكلب كسرة ورأس جوافة يسكت عنك ، ولا تجعلوا بطونكم جربا للشيطان يوعي فيها إبليس ما شاء » ( الجوع ص 64)
* عن عتبة بن فرقد السلمي ، قال : قدمت على عمر ، وكان ينحر جزورا كل يوم أطايبها للمسلمين وأمهات المؤمنين ، ويأمر بالعنق والعلباء فيأكله هو وأهله ، فدعا بطعام ، فأتي به ، فإذا هو خبز خشن ، وكسور من لحم غليظ ، فجعل يقول : « كل » ، فجعلت آكل البضعة فألوكها فلا أستطيع أن أسيغها ، فنظرت ، فإذا بضعة بيضاء ، ظننت أنها من السنام ، فأخذتها ، فإذا هي من علباء العنق ، فنظر إلي عمر ، فقال : « إنه ليس يدركنك العراق الذي تأكل أنت وأصحابك » ( الجوع ص71)
* و قال عمر : « أيها الناس ، إياكم والبطنة من الطعام ، فإنها مكسلة عن الصلاة ، مفسدة للجسد ، مورثة للسقم ، وإن الله تبارك وتعالى يبغض الحبر السمين ، ولكن عليكم بالقصد في قوتكم ، فإنه أدنى من الإصلاح ، وأبعد من السرف ، وأقوى على عبادة الله ، وإنه لن يهلك عبد حتى يؤثر شهوته على دينه » ( الجوع ص 72)
* جوع يزيد الرقاشي نفسه لله ستين عاما حتى ذبل جسمه ، ونهك بدنه ، وتغير لونه ، وكان يقول : « غلبني بطني فما أقدر له على حيلة » ( الجوع ص 141)
* " وقد ندب النبي _ صلى الله عليه زسلم_ إلى التقلل من الأكل في حديث المقدام .
وفي " الصحيحين " عنه _صلى الله عليه وسلم_ أنه قال : المؤمن يأكل في معيِ واحد ، والكافر يأكل في سبعة أمعاء )) .
و ندب - صلى الله عليه وسلم - مع التقلُّل منَ الأكل والاكتفاء ببعض الطعام إلى الإيثار بالباقي منه ، فقال : (( طعامُ الواحدِ يكفي الاثنين ، وطعامُ الاثنين يكفي الثَّلاثة ، وطعامُ الثلاثة يكفي الأربعة )) .} أخرجه البخاري ومسلم وليس عندهما " وطعام الواحد.." وهي عند مسلم من وجه آخر {
فأحسنُ ما أكل المؤمن في ثُلُثِ بطنه ، وشرِبَ في ثلث ، وترك للنَّفَسِ ثُلثاً ، كما ذكره النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - في حديث المقدام ، فإنَّ كثرة الشرب تجلِبُ النوم ، وتفسد الطعام .
قال سفيان : كُلْ ما شئتَ ولا تشرب ، فإذا لم تشرب ، لم يجئك النوم .
وقال بعض السَّلف : كان شبابٌ يتعبَّدون في بني إسرائيل ، فإذا كان عند
فطرهم ، قام عليهم قائم فقال : لا تأكلوا كثيراً ، فتشربوا كثيراً ، فتناموا كثيراً ،
فتخسروا كثيراً .
وقد كان النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه يجوعون كثيراً ، ويتقلَّلون من أكل الشَّهوات ، وإنْ كان ذلك لِعدم وجود الطَّعام ، إلاَّ أنَّ الله لا يختارُ لرسوله إلا أكملَ الأحوال وأفضلها . ولهذا كان ابنُ عمر يتشبه بهم في ذلك ، مع قدرته على الطَّعام ، وكذلك كان أبوه من قبله .
ففي " الصحيحين " : عن عائشة ، قالت : ما شبع آلُ محمدٍ - صلى الله عليه وسلم - منذ قَدِمَ المدينة من خبز بُرٍّ ثلاث ليال تباعاً حتى قُبض ، ولمسلم: قالت : ما شبع
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من خبز شعير يومين متتابعين حتى قبض .
وخرَّج البخاري عن أبي هريرة قال : ما شَبِعَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من طعام ثلاثة أيام حتى قُبض .
وعنه قال : خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الدنيا ولم يشبع من خبز الشعير..
* كيفية علاج من ابتلي بالشبع :
" وتقليل الطعام يكون بالتدريج فمن اعتاد الأكل الكثير وانتقل دفعة واحدة إلى القليل لم يحتمله مزاجه وضعف وعظمت مشقته فينبغي أن يتدرج إليه قليلا قليلا وذلك بأن ينقص قليلا قليلا من طعامه المعتاد.
فالمطلوب الأقصى في جميع الأمور والأخلاق الوسط إذ خير الأمور أوساطها وكلا طرفي قصد الأمور ذميم .
فإذا عرفت هذا فاعلم أن الأفضل بالإضافة إلى الطبع المعتدل أن يأكل بحيث لا يحس بثقل المعدة ولا يحس بألم الجوع بل ينسى بطنه فلا يؤثر فيه الجوع أصلا فإن مقصود الأكل بقاء الحياة وقوة العبادة وثقل المعدة يمنع من العبادة وألم الجوع أيضا يشغل القلب ويمنع منها فالمقصود أن يأكل أكلا لا يبقي للمأكول فيه أثر
* وفي الختام : أود التنبيه على تأثير الشبع على طالب العلم فلا يمكنه من استيعاب مايقرأ وكثيرا ما يحوجه إلى الاسترخاء والنوم فإذا أردت وقادة الذهن واستيعاب ما تقرأ فعليك بالوسط .
وفق الله الجميع لما يحب ويرضى.
والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
مقطوف