السلام عليكــم ورحمـة الله وبركاتــة ،،
بســم الله الـرحمــن الرحيــم
المجلس الثالث عشر :
في آداب قراءة القرآن
الحمد
لله الذي لشرعه يخضع من يعبد ، ولعظمته يخشع من يركع ويسجد , ولطيب
مناجاته يسهر المتهجد ولا يرقد ، ولطلب ثوابه يبذل المجاهد نفسه ويجهد ،
يتكلم سبحانه بكلامٍ يَجِلُّ أن يُشابه كلام المخلوقين ويبعد ، ومن كلامه
كتابه المنزل على نبيه أحمد نقرؤه ليلا ونهارا ونردد ، فلا يخلق عن كثرة
الترداد ولا يُمَلُّ ولا يُفَنَّد ، أحمده حمد من يرجو الوقوف على بابه
غير مُشَرَّد ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة من أخلص
لله وتعبَّد ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الذي قام بواجب العبادة
وتَزَوَّد ، صلى الله عليه وعلى صاحبه أبي بكر الصديق الذي ملأ قلوب
مبغضيه قرحات تنفد , وعلى عمر الذي لم يزل يُقَوِّي الإسلام ويعضد , وعلى
عثمان الذي جاءته الشهادة فلم يتردد , وعلى علي الذي ينسف زرع الكفر بسيفه
ويحصد , وعلى سائر آله وأصحابه صلاة مستمرة على الزمان المؤبَّد , وسلم
تسليما .
إخواني : إن هذا القرآن الذي بين أيديكم تتلونه وتسمعونه
وتحفظونه وتكتبونه ، هو كلام ربكم رب العالمين ، وإله الأولين والآخرين ،
وهو حبله المتين ، وصراطه المستقيم ، وهو الذكر المبارَك والنور المبين ،
تكلَّم الله به حقيقة على الوصف الذي يليق بجلاله وعظمته ، وألقاه على
جبريل الأمين أحد الملائكة الكرام المقربين ، فنزل به على قلب محمد صلى
الله عليه وسلم ليكون من المنذرين بلسان عربي مبين ، وصفه الله بأوصاف
عظيمة لتعظموه وتحترموه فقال تعالى : { شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ
فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى
وَالْفُرْقَانِ } [ البقرة : 185 ] ، { ذَلِكَ نَتْلُوهُ عَليْكَ مِنَ
الْآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ } [ آل عمران : 58 ] ، { يَاأَيُّهَا
النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنَا
إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا } [ النساء : 174 ] ، { قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ
اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ }{ يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ
رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ } [ المائدة : 15 - 16 ] ، { وَمَا كَانَ
هَذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرَى مِنْ دُونِ اللَّهِ
وَلَكِنْ
تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ
فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ } [ يونس : 37 ] ، { يَاأَيُّهَا النَّاسُ
قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي
الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ } [ يونس : 57 ] .
{
الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ
خَبِيرٍ } [ هود : 1 ] ، { إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا
لَهُ لَحَافِظُونَ } [ الحجر : 9 ] ، { وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ
الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ }{ لَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى
مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ
وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ } [ الحجر : 87 - 88 ] ، {
وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى
وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ } [ النحل : 89 ] ، { إِنَّ هَذَا
الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ
الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا }{
وَأَنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ أَعْتَدْنَا لَهُمْ
عَذَابًا أَلِيمًا } [ الإسراء : 9 - 10 ] ، { وَنُنَزِّلُ مِنَ
الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ
الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا } [ الإسراء : 82 ] ، { قُلْ لَئِنِ
اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا
بِمِثْلِ هَذَا
الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ
ظَهِيرًا } [ الإسراء : 88 ] ، { مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ
لِتَشْقَى }{ إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى }{ تَنْزِيلًا مِمَّنْ
خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلَا } [ طه : 2 - 4 ]
{
تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ
لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا } [ الفرقان : 1 ] ، { وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ
رَبِّ الْعَالَمِينَ }{ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ }{ عَلَى
قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ }{ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ
}{ وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ }{ أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً
أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَمَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ } [ الشعراء : 192 - 197 ]
، { وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ }{ وَمَا يَنْبَغِي لَهُمْ
وَمَا يَسْتَطِيعُونَ } [ الشعراء : 210 - 211 ] ، { بَلْ هُوَ آيَاتٌ
بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ } [ العنكبوت : 49 ]
، { إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ }{ لِيُنْذِرَ مَنْ كَانَ
حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ } [ يس : 69 - 70 ] ، {
كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ
وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ } [ ص : 29 ] .
{ قُلْ هُوَ
نَبَأٌ عَظِيمٌ } [ ص : 67 ] ، { اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ
كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ
يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى
ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ } [ الزمر
: 23 ] ، { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءَهُمْ
وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ }{ لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ
يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ } [ فصلت :
41 - 42 ] ، { وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا
كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ
نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا } [ الشورى : 52 ] ، {
وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ } [ الزخرف :
4 ] ، { هَذَا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ
يُوقِنُونَ } [ الجاثية : 20 ] ، { وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ } [ ق : 1 ] ،
{ فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ }{ وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ
تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ }{
إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ }{ فِي كِتَابٍ
مَكْنُونٍ }{ لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ }{ تَنْزِيلٌ مِنْ
رَبِّ الْعَالَمِينَ } [ الواقعة : 75 - 80 ] ، { لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا
الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ
خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ
لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ } [ الحشر : 21 ] ، وقال تعالى عن الجن : {
قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا
إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا } [ الجن : 1 ] ، وقال تعالى : { بَلْ
هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ }{ فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ } [ البروج : 21 - 22 ] .
فهذه
الأوصاف العظيمة الكثيرة التي نقلناها وغيرها مما لم ننقله تدل كلها على
عظمة هذا القرآن ، ووجوب تعظيمه والتأدب عند تلاوته ، والبعد حال قراءته
عن الْهُزْء واللعب .
فمن آداب التلاوة إخلاص النية لله تعالى فيها ؛
لأن تلاوة القرآن من العبادات الجليلة كما سبق بيان فضلها ، وقد قال الله
تعالى : { فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ } [ غافر : 14 ] ،
وقال تعالى : { وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ
لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ } [ البينة : 5 ] ، وقال النبي صلى الله عليه
وسلم : « اقرءوا القرآن وابتغوا به وجه الله عز وجل من قبل أن يأتي قوم
يقيمونه إقامة القدح يتعجلونه ولا يتأجلونه » (1) ، ومعنى يتعجلونه يطلبون
به أجر الدنيا .
* ومن آدابها : أن يقرأ بقلب حاضر يتدبر ما يقرأ
ويتفهم معانيه ، ويخشع عند ذلك قلبه ، ويستحضر بأن الله يخاطبه في هذا
القرآن لأن القرآن كلام الله عز وجل .
* ومن آدابها : أن يقرأ القرآن
على طهارة لأن هذا من تعظيم كلام الله عز وجل ، ولا يقرأ القرآن وهو جنب
حتى يغتسل إن قدر على الماء ، أو يتيمم إن كان عاجزا عن استعمال الماء
لمرض أو عدم ، وللجنب أن يذكر الله ويدعوه بما يوافق القرآن إذا لم يقصد
القرآن ، مثل أن يقول : ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك
رحمة إنك أنت الوهاب .
_________
(1) رواه أحمد , وإسناده حسن .
*
ومن آدابها : أن لا يقرأ القرآن في الأماكن المستقذرة ، أو في مجمع لا
يُنْصَت فيه لقراءته لأن قراءته في مثل ذلك إهانة له ، ولا يجوز أن يقرأ
القرآن في بيت الخلاء ونحوه مما أعد للتبول أو التغوط لأنه لا يليق
بالقرآن الكريم .
* ومن آدابها : أن يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم
عند إرادة القراءة لقوله تعالى : { فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ
فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ } [ النحل : 98 ] ،
ولئلا يصده الشيطان عن القراءة أو كمالها ، وأما البسملة فإن كان ابتداء
قراءته من أثناء السورة فلا يُبَسْمِل ، وإن كان من أول السورة فليبسمل
إلا في سورة التوبة فإنه ليس في أولها بسملة ؛ لأن الصحابة رضي الله عنهم
أشكل عليهم حين كتابة المصحف هل هي سورة مستقلة أو بقية الأنفال ؟ ففصلوا
بينهما بدون بسملة , وهذا الاجتهاد هو المطابِق للواقع بلا ريب , إذ لو
كانت البسملة قد نزلت في أولها لبقيت محفوظة بحفظ الله عز وجل , لقوله
تعالى : { إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ
} [ الحجر : 9 ] .
* ومن آدابها : أن يُحَسِّن صوته بالقرآن
ويَتَرَنَّمَ به , لحديث أبي هريرة رضي الله عنه : أن النبي صلى الله عليه
وسلم قال : « ما أذن الله لشيء ( أي : ما استمع لشيء ) كما أذن لنبي حسن
الصوت يَتَغَنَّى بالقرآن يجهر به » (1) ، « وعن جبير بن مطعم رضي الله
عنه قال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في المغرب بالطور فما سمعت
أحد أحسن صوتا أو قراءة منه » صلى الله عليه وسلم (2) ، لكن إن كان حول
القارئ أحد يتأذى بجهره في قراءته كالنائم والمصلي ونحوهما فإنه لا يجهر
جهرا يشوش عليه أو يؤذيه ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم خرج على الناس
وهم يصلون ويجهرون بالقراءة فقال : « إن المصلي يناجي ربه فلينظر بما
يناجيه به ولا يجهر بعضكم على بعض في القرآن » (3) .
_________
(1) متفق عليه .
(2) متفق عليه .
(3) رواه مالك في الموطأ , قال ابن عبد البر : وهو حديث صحيح .
*
ومن آدابها : أن يرتل القرآن ترتيلا , لقوله تعالى : { وَرَتِّلِ
الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا } [ المزمل : 4 ] ، فيقرأه بتمهل بدون سرعة ؛ لأن
ذلك أعون على تدبر معانيه وتقويم حروفه وألفاظه ، فعن أنس بن مالك رضي
الله عنه « أنه سئل عن قراءة النبي صلى الله عليه وسلم فقال : كانت مَدًّا
, ثم قرأ بسم الله الرحمن الرحيم , يمد بسم الله ويمد الرحمن ويمد الرحيم
» (1) ، « وسئلت أم سلمة رضي الله عنها عن قراءة النبي صلى الله عليه وسلم
فقالت : كان يُقَطِّع قراءته آية آية , { بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ
الرَّحِيمِ } * { الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ } * {
الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ } * { مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ }» (2) ، وقال ابن
مسعود رضي الله عنه : لا تنثروه نثر الرمل ولا تهذُّوه هَذَّ الشعر , قفوا
عند عجائبه ، وحرِّكوا به القلوب , ولا يكن هَمُّ أحدكم آخر السورة ، ولا
بأس بالسرعة التي ليس فيها إخلال باللفظ : بإسقاط بعض الحروف أو إدغام ما
لا يصح إدغامه , فإن كان فيها إخلال باللفظ فهي حرام لأنها تغيير للقرآن .
_________
(1) رواه البخاري .
(2) رواه أحمد وأبو داود والترمذي .
*
ومن آدابها : أن يسجد إذا مر بآية سجدة وهو على وضوء في أي وقت كان من ليل
أو نهار , فيكبِّر للسجود ويقول : سبحان ربي الأعلى , ويدعو , ثم يرفع من
السجود بدون تكبير ولا سلام , لأنه لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم ,
إلا أن يكون السجود في أثناء الصلاة فإنه يكبر في الصلاة إذا سجد وإذا قام
« لحديث أبي هريرة رضي الله عنه أنه كان يكبر كلما خفض ورفع ، ويُحَدِّث
أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك » (1) ، وعن ابن مسعود رضي الله
عنه قال : « رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يكبر في كل رفع وخفض وقيام
وقعود » (2) ، وهذا يعم سجود الصلاة وسجود التلاوة في الصلاة .
هذه بعض آداب القراءة فتأَدَّبوا بها واحرصوا عليها وابتغوا بها من فضل الله .
اللهم
اجعلنا من المعظِّمين لحرمتك , الفائزين بهباتك , الوارثين لجناتك , واغفر
لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين برحمتك يا أرحم الراحمين , وصلى الله وسلم
على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
_________
(1) رواه مسلم .
(2) رواه أحمد والنسائي والترمذي وصححه .
مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين 242/20
المحقق : فتاوى العقيدة جمع وترتيب : فهد بن ناصر بن إبراهيم السليمان
الناشر : دار الوطن - دار الثريا
الطبعة : الأخيرة - 1413 هـ
عدد الأجزاء : 20
منقول للفائدة
والله الموفق
بســم الله الـرحمــن الرحيــم
المجلس الثالث عشر :
في آداب قراءة القرآن
الحمد
لله الذي لشرعه يخضع من يعبد ، ولعظمته يخشع من يركع ويسجد , ولطيب
مناجاته يسهر المتهجد ولا يرقد ، ولطلب ثوابه يبذل المجاهد نفسه ويجهد ،
يتكلم سبحانه بكلامٍ يَجِلُّ أن يُشابه كلام المخلوقين ويبعد ، ومن كلامه
كتابه المنزل على نبيه أحمد نقرؤه ليلا ونهارا ونردد ، فلا يخلق عن كثرة
الترداد ولا يُمَلُّ ولا يُفَنَّد ، أحمده حمد من يرجو الوقوف على بابه
غير مُشَرَّد ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة من أخلص
لله وتعبَّد ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الذي قام بواجب العبادة
وتَزَوَّد ، صلى الله عليه وعلى صاحبه أبي بكر الصديق الذي ملأ قلوب
مبغضيه قرحات تنفد , وعلى عمر الذي لم يزل يُقَوِّي الإسلام ويعضد , وعلى
عثمان الذي جاءته الشهادة فلم يتردد , وعلى علي الذي ينسف زرع الكفر بسيفه
ويحصد , وعلى سائر آله وأصحابه صلاة مستمرة على الزمان المؤبَّد , وسلم
تسليما .
إخواني : إن هذا القرآن الذي بين أيديكم تتلونه وتسمعونه
وتحفظونه وتكتبونه ، هو كلام ربكم رب العالمين ، وإله الأولين والآخرين ،
وهو حبله المتين ، وصراطه المستقيم ، وهو الذكر المبارَك والنور المبين ،
تكلَّم الله به حقيقة على الوصف الذي يليق بجلاله وعظمته ، وألقاه على
جبريل الأمين أحد الملائكة الكرام المقربين ، فنزل به على قلب محمد صلى
الله عليه وسلم ليكون من المنذرين بلسان عربي مبين ، وصفه الله بأوصاف
عظيمة لتعظموه وتحترموه فقال تعالى : { شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ
فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى
وَالْفُرْقَانِ } [ البقرة : 185 ] ، { ذَلِكَ نَتْلُوهُ عَليْكَ مِنَ
الْآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ } [ آل عمران : 58 ] ، { يَاأَيُّهَا
النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنَا
إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا } [ النساء : 174 ] ، { قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ
اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ }{ يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ
رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ } [ المائدة : 15 - 16 ] ، { وَمَا كَانَ
هَذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرَى مِنْ دُونِ اللَّهِ
وَلَكِنْ
تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ
فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ } [ يونس : 37 ] ، { يَاأَيُّهَا النَّاسُ
قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي
الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ } [ يونس : 57 ] .
{
الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ
خَبِيرٍ } [ هود : 1 ] ، { إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا
لَهُ لَحَافِظُونَ } [ الحجر : 9 ] ، { وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ
الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ }{ لَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى
مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ
وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ } [ الحجر : 87 - 88 ] ، {
وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى
وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ } [ النحل : 89 ] ، { إِنَّ هَذَا
الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ
الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا }{
وَأَنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ أَعْتَدْنَا لَهُمْ
عَذَابًا أَلِيمًا } [ الإسراء : 9 - 10 ] ، { وَنُنَزِّلُ مِنَ
الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ
الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا } [ الإسراء : 82 ] ، { قُلْ لَئِنِ
اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا
بِمِثْلِ هَذَا
الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ
ظَهِيرًا } [ الإسراء : 88 ] ، { مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ
لِتَشْقَى }{ إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى }{ تَنْزِيلًا مِمَّنْ
خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلَا } [ طه : 2 - 4 ]
{
تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ
لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا } [ الفرقان : 1 ] ، { وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ
رَبِّ الْعَالَمِينَ }{ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ }{ عَلَى
قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ }{ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ
}{ وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ }{ أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً
أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَمَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ } [ الشعراء : 192 - 197 ]
، { وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ }{ وَمَا يَنْبَغِي لَهُمْ
وَمَا يَسْتَطِيعُونَ } [ الشعراء : 210 - 211 ] ، { بَلْ هُوَ آيَاتٌ
بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ } [ العنكبوت : 49 ]
، { إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ }{ لِيُنْذِرَ مَنْ كَانَ
حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ } [ يس : 69 - 70 ] ، {
كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ
وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ } [ ص : 29 ] .
{ قُلْ هُوَ
نَبَأٌ عَظِيمٌ } [ ص : 67 ] ، { اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ
كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ
يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى
ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ } [ الزمر
: 23 ] ، { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءَهُمْ
وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ }{ لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ
يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ } [ فصلت :
41 - 42 ] ، { وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا
كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ
نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا } [ الشورى : 52 ] ، {
وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ } [ الزخرف :
4 ] ، { هَذَا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ
يُوقِنُونَ } [ الجاثية : 20 ] ، { وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ } [ ق : 1 ] ،
{ فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ }{ وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ
تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ }{
إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ }{ فِي كِتَابٍ
مَكْنُونٍ }{ لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ }{ تَنْزِيلٌ مِنْ
رَبِّ الْعَالَمِينَ } [ الواقعة : 75 - 80 ] ، { لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا
الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ
خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ
لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ } [ الحشر : 21 ] ، وقال تعالى عن الجن : {
قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا
إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا } [ الجن : 1 ] ، وقال تعالى : { بَلْ
هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ }{ فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ } [ البروج : 21 - 22 ] .
فهذه
الأوصاف العظيمة الكثيرة التي نقلناها وغيرها مما لم ننقله تدل كلها على
عظمة هذا القرآن ، ووجوب تعظيمه والتأدب عند تلاوته ، والبعد حال قراءته
عن الْهُزْء واللعب .
فمن آداب التلاوة إخلاص النية لله تعالى فيها ؛
لأن تلاوة القرآن من العبادات الجليلة كما سبق بيان فضلها ، وقد قال الله
تعالى : { فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ } [ غافر : 14 ] ،
وقال تعالى : { وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ
لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ } [ البينة : 5 ] ، وقال النبي صلى الله عليه
وسلم : « اقرءوا القرآن وابتغوا به وجه الله عز وجل من قبل أن يأتي قوم
يقيمونه إقامة القدح يتعجلونه ولا يتأجلونه » (1) ، ومعنى يتعجلونه يطلبون
به أجر الدنيا .
* ومن آدابها : أن يقرأ بقلب حاضر يتدبر ما يقرأ
ويتفهم معانيه ، ويخشع عند ذلك قلبه ، ويستحضر بأن الله يخاطبه في هذا
القرآن لأن القرآن كلام الله عز وجل .
* ومن آدابها : أن يقرأ القرآن
على طهارة لأن هذا من تعظيم كلام الله عز وجل ، ولا يقرأ القرآن وهو جنب
حتى يغتسل إن قدر على الماء ، أو يتيمم إن كان عاجزا عن استعمال الماء
لمرض أو عدم ، وللجنب أن يذكر الله ويدعوه بما يوافق القرآن إذا لم يقصد
القرآن ، مثل أن يقول : ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك
رحمة إنك أنت الوهاب .
_________
(1) رواه أحمد , وإسناده حسن .
*
ومن آدابها : أن لا يقرأ القرآن في الأماكن المستقذرة ، أو في مجمع لا
يُنْصَت فيه لقراءته لأن قراءته في مثل ذلك إهانة له ، ولا يجوز أن يقرأ
القرآن في بيت الخلاء ونحوه مما أعد للتبول أو التغوط لأنه لا يليق
بالقرآن الكريم .
* ومن آدابها : أن يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم
عند إرادة القراءة لقوله تعالى : { فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ
فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ } [ النحل : 98 ] ،
ولئلا يصده الشيطان عن القراءة أو كمالها ، وأما البسملة فإن كان ابتداء
قراءته من أثناء السورة فلا يُبَسْمِل ، وإن كان من أول السورة فليبسمل
إلا في سورة التوبة فإنه ليس في أولها بسملة ؛ لأن الصحابة رضي الله عنهم
أشكل عليهم حين كتابة المصحف هل هي سورة مستقلة أو بقية الأنفال ؟ ففصلوا
بينهما بدون بسملة , وهذا الاجتهاد هو المطابِق للواقع بلا ريب , إذ لو
كانت البسملة قد نزلت في أولها لبقيت محفوظة بحفظ الله عز وجل , لقوله
تعالى : { إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ
} [ الحجر : 9 ] .
* ومن آدابها : أن يُحَسِّن صوته بالقرآن
ويَتَرَنَّمَ به , لحديث أبي هريرة رضي الله عنه : أن النبي صلى الله عليه
وسلم قال : « ما أذن الله لشيء ( أي : ما استمع لشيء ) كما أذن لنبي حسن
الصوت يَتَغَنَّى بالقرآن يجهر به » (1) ، « وعن جبير بن مطعم رضي الله
عنه قال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في المغرب بالطور فما سمعت
أحد أحسن صوتا أو قراءة منه » صلى الله عليه وسلم (2) ، لكن إن كان حول
القارئ أحد يتأذى بجهره في قراءته كالنائم والمصلي ونحوهما فإنه لا يجهر
جهرا يشوش عليه أو يؤذيه ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم خرج على الناس
وهم يصلون ويجهرون بالقراءة فقال : « إن المصلي يناجي ربه فلينظر بما
يناجيه به ولا يجهر بعضكم على بعض في القرآن » (3) .
_________
(1) متفق عليه .
(2) متفق عليه .
(3) رواه مالك في الموطأ , قال ابن عبد البر : وهو حديث صحيح .
*
ومن آدابها : أن يرتل القرآن ترتيلا , لقوله تعالى : { وَرَتِّلِ
الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا } [ المزمل : 4 ] ، فيقرأه بتمهل بدون سرعة ؛ لأن
ذلك أعون على تدبر معانيه وتقويم حروفه وألفاظه ، فعن أنس بن مالك رضي
الله عنه « أنه سئل عن قراءة النبي صلى الله عليه وسلم فقال : كانت مَدًّا
, ثم قرأ بسم الله الرحمن الرحيم , يمد بسم الله ويمد الرحمن ويمد الرحيم
» (1) ، « وسئلت أم سلمة رضي الله عنها عن قراءة النبي صلى الله عليه وسلم
فقالت : كان يُقَطِّع قراءته آية آية , { بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ
الرَّحِيمِ } * { الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ } * {
الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ } * { مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ }» (2) ، وقال ابن
مسعود رضي الله عنه : لا تنثروه نثر الرمل ولا تهذُّوه هَذَّ الشعر , قفوا
عند عجائبه ، وحرِّكوا به القلوب , ولا يكن هَمُّ أحدكم آخر السورة ، ولا
بأس بالسرعة التي ليس فيها إخلال باللفظ : بإسقاط بعض الحروف أو إدغام ما
لا يصح إدغامه , فإن كان فيها إخلال باللفظ فهي حرام لأنها تغيير للقرآن .
_________
(1) رواه البخاري .
(2) رواه أحمد وأبو داود والترمذي .
*
ومن آدابها : أن يسجد إذا مر بآية سجدة وهو على وضوء في أي وقت كان من ليل
أو نهار , فيكبِّر للسجود ويقول : سبحان ربي الأعلى , ويدعو , ثم يرفع من
السجود بدون تكبير ولا سلام , لأنه لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم ,
إلا أن يكون السجود في أثناء الصلاة فإنه يكبر في الصلاة إذا سجد وإذا قام
« لحديث أبي هريرة رضي الله عنه أنه كان يكبر كلما خفض ورفع ، ويُحَدِّث
أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك » (1) ، وعن ابن مسعود رضي الله
عنه قال : « رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يكبر في كل رفع وخفض وقيام
وقعود » (2) ، وهذا يعم سجود الصلاة وسجود التلاوة في الصلاة .
هذه بعض آداب القراءة فتأَدَّبوا بها واحرصوا عليها وابتغوا بها من فضل الله .
اللهم
اجعلنا من المعظِّمين لحرمتك , الفائزين بهباتك , الوارثين لجناتك , واغفر
لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين برحمتك يا أرحم الراحمين , وصلى الله وسلم
على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
_________
(1) رواه مسلم .
(2) رواه أحمد والنسائي والترمذي وصححه .
مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين 242/20
المحقق : فتاوى العقيدة جمع وترتيب : فهد بن ناصر بن إبراهيم السليمان
الناشر : دار الوطن - دار الثريا
الطبعة : الأخيرة - 1413 هـ
عدد الأجزاء : 20
منقول للفائدة
والله الموفق