الحمد لله
قال الشيخ علي الضباع رحمه الله في رسالته:
فتح الكريم المنان في آداب حملة القرآن - (ج 1 / ص 6)
يجب عليه أن يخلص نيته، ثم يجد في قطع ما يقدر عليه من العلائق والعوائق الشاغلة له عن تمام مراده، وليبادر في شبابه وأوقات عمره للتحصيل، ولا يغتر بخدع التسويف فإنه آفة الطالب، ولا يستنكف عن أحد وجد عنده فائدة، وليقصد شيخا كملت أهليته، وظهرت ديانته، جامعا للشروط المتقدمة أو أكثرها وليطهر قلبه من الأدناس ليصلح لقبول القرآن وحفظه واستثماره،
وليكن حريصا على التعلم مواظبا عليه في جميع الأوقات التي يتمكن منه فيها، ولا يقنع بالقليل مع تمكنه من الكثير، ولا يحمل نفسه ما لا يطيق مخافة من الملل وضياع ما حصل، وليبكر بقراءته على شيخه،
وليحافظ على قراءة محفوظاته، ولا يؤثر بنوبته غيره إلا إذا أمره الشيخ بذلك لمصلحة، ولا يعجب بنفسه، ولا يحسد أحدا من رفقته أو غيرهم على فضيلة رزقة الله إياها، ويجب عليه أن ينظر شيخه بعين الاحترام، ويعتقد كمال أهليته ورجحانه على نظرائه فهو أقرب إلى انتفاعه ورسوخ ما يسمعه منه في ذهنه، ويلزم معه الوقار والتأدب والتعظيم ويتواضع له وإن كان أصغر منه سنا وأقل شهرة ونسبا وصلاحا ولا يأخذ بثوبه إذا قام، ولا يلح عليه إذا كسل، ولا يشبع من طول صحبته وينقاد له ويشاوره في جميع أموره، ويقبل قوله، ويقعد بين يديه قعدة المتعلمين لا قعدة المعلمين، ولا يدخل عليه بغير استئذان إذا كان في مكان يحتاج إليه، وإن ناظره في علم فليكن مع السكينة والوقار، ولا يشيرن بيده، ولا يغمزن غيره بعينه، ويتحرى رضاه وإن خالف رضا نفسه، ولا يفشي له سرا،
وإذا وقع من شيخه نقص فليجعله من نفسه بأنه لم يفهم قوله، ولا يذكر أحدا من أقرانه عنده، ولا يقول له قال فلان خلاف قولك، ويرد غيبته إذا سمعها إن قدر فإن تعذر عليه ردها قام وفارق ذلك المجلس، وإذا قرب من حلقه الشيخ فليسلم على الحاضرين وليخص الشيخ بتحية ويسلم عليه وعليهم إذا انصرف، ولا يتخطى رقاب الناس بل يجلس حيث انتهى به المجلس، إلا أن يأذن له الشيخ في التقدم، أو يعلم من إخوانه إيثار ذلك ولا يقيم أحدا من مجلسه.
فإن آثره لم يقبل إلا أن يقسم عليه أو أمر الشيخ بذلك، أو يكون في ذلك مصلحة للحاضرين، ولا يجلس في وسط الحلقة إلا لضرورة، ولا بين صاحبين بغير إذنهما، وإذا جلس فليوسع وليتأدب مع رفقته وحاصري مجلس الشيخ. فإن ذلك تأدب مع شيخه وصيانة لمجلسه، ولا يرفع صوته رفعا بليغا ولا يضحك، ولا يكثر الكلام إلا لحاجة، ولا يلتفت يمينا ولا شمالا بلا حاجة بل يتوجه إلى الشيخ ويصغي لكلامه، ولا يغتاب عنده أحدا، ولا يشاور أحدا في مجلسه، وليحتمل جفوة الشيخ وسوء خلقه، ولا يصده ذلك عن ملازمته واعتقاد كماله، ولا يقرأ عليه في حال شغله وملله وغمه وجوعه وعطشه ونعاسه وقلقه ونحو ذلك مما يشق عليه، أو يمنعه من كمال حضور القلب ونشاطه،
وإذا وجده نائما أو مشتغلا بمهم لم يستأذن عليه بل يصبر إلى استيقاظه أو فراغه أو ينصرف، وإذا جاء إلى الشيخ فلم يجده انتظره ولازم بابه، ولا يفوت وظيفته إلا أن يخاف كراهة الشيخ لذلك بأن يعلم من حاله الإقراء في وقت بعينه دون غيره، ويجوز له القيام لشيخة وهو يقرأ، أو لمن فيه فضيلة من علم أو صلاح أو سن أو حرمة بولاية أو غيرها، واستحب ذلك الإمام النووي، لكن بشرط أن يكون على سبيل الإكرام والاحترام، لا على سبيل الرياء والإعظام.
منقول