شبهة الفرآن يناقض نفسه عند تكرار القصة الواحدة |
الشبهة يقولون: نجد في القرآن إنطاقه الشخص الواحد في الموقف الواحد بعبارات مختلفة حين يكرر القصة ومن ذلك: تصويره لموقف الله من موسى حين رؤيته النار، فقد نودي مرة بقوله: (فَلَمَّا جَاءَهَا نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا) [النمل: 8] ونودي مرة أخرى بقوله: (فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِنْ شَاطِيِء الْوَادِي الْأَيْمَنِ فِي الْبُقَعْةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ) [القصص: 30] وفي سورة طه: (فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً) [طه: 11، 12]. الإجابة نقول وبالله تعالى التوفيق: أن القرآن قال ذلك كله، وأخذ من الحوار ما يناسب سياق السورة، وهذا لا يعد تناقضاً، بل قمة البلاغة، والترتيب كما يلي: لما وصل سيدنا موسى عليه السلام إلى ما ظن أنه مصدر النار (نُودِيَ أَن بُورِكَ مَن فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ) [النمل: 8] عندها تعجَّب وبحث عن مصدر الصوت: و (نُودِيَ مِن شَاطِئِ الوَادِ الأيْمَنِ فِي البُقْعَةِ المُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَن يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ العَالَمِينَ) [القصص: 30] وزيادة لتثبيته وتأكيد أن ما سمعه حق لا أوهام، كُرِّر النداء مرة أخرى، فنودي مرة ثالثة: (إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ المُقَدَّسِ طُوًى وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي) [طه: 13]. تكرار النداء إطناب مطلوب لتأكيد صحته، وإبعاداً لأي هاجس نفسي يشكك في مصدره، واسترعاءً لانتباهه فيكون في أقصى حالات الخشوع، لأهمية ما سيؤمَر به، فتكرر النداء تهيئة له بنقله من جو الخوف على أهله إلى جو سماع الوصايا الإلهية المباركة ووعيها وإزالةً للوحشة عنه، وزيادة في الأنس. والإطناب في الكلام محمود في ذلك الموقف، وهو مطلوب بلاغةً؛ لإزالة الوَحشة، فسيدنا موسى عليه السلام سار مسافة في الليل، وترك أهله لوحدهم، ولم يعهد مثل ذاك الموقف عند الطور، لأجل كل ذلك، الإكثار من الكلام المؤنِس مطلوب. كقوله تعالى في سورة طه: (وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى، قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى) [آية: 17، 18] يعني: أي شيء الذي بيدك؟ أو ما الذي بيدك؟ وكان عالماً بما في يده، ولكن الحكمة في سؤاله: إزالة الوحشة عن موسى، لأن موسى كان خائفاً مستوحشاً، كرجل دخل على ملك وهو خائف فسأله عن شيء، فتزول بعض الوحشة عنه بذلك، ويستأنس بسؤاله [انظر: بحر العلوم، السمرقندي 2/ 392]. ========================= * موسوعة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة |
عدل سابقا من قبل هومه في السبت 07 فبراير 2009, 7:18 am عدل 1 مرات