محمد صلى الله عليه وسلم والرفيق الأعلى |
الآيات والأحاديث المنذرة بوفاة رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال الله تعالى: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ* ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ}[الزمر: 30-31]. وقال تعالى: {وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ}[الأنبياء: 34]. وقال تعالى: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ} [آل عمران: 185]. وقال تعالى: ((وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرُّسل أفائن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضرَّ الله شيئاً وسيجزي الله الشَّاكرين)). وهذه الآية هي التي تلاها الصديق يوم وفاة رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فلما سمعها النَّاس كأنهم لم يسمعوها قبل. وقال تعالى: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجاً * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً}. قال عمر بن الخطاب وابن عبَّاس: هو أجل رسول الله نعي إليه. وقال ابن عمر: نزلت أوسط أيام التشريق في حجة الوداع، فعرف رسول الله أنه الوداع، فخطب النَّاس خطبة أمرهم فيها ونهاهم - الخطبة المشهورة - كما تقدم. (ج/ص:5/243) وقال جابر: رأيت رسول الله يرمي الجمار فوقف وقال: ((لتأخذوا عني مناسككم فلعلي لا أحج بعد عامي هذا)). وقال عليه السلام لابنته فاطمة كما سيأتي: ((إن جبريل كان يعارضني بالقرآن في كل سنة مرة، وإنه عارضني به العام مرتين، وما أرى ذلك إلا اقتراب أجلي)). وفي صحيح البخاري من حديث أبي بكر ابن عياش عن أبي حصين، عن أبي صالح، عن أبي هريرة قال: كان رسول الله يعتكف في كل شهر رمضان عشرة أيام، فلما كان من العام الذي توفي فيه اعتكف عشرين يوماً. وكان يعرض عليه القرآن في كل رمضان، فلما كان العام الذي توفي فيه عرض عليه القرآن مرتين. |
محمد صلى الله عليه وسلم والرفيق الأعلى
هومه
- مساهمة رقم 1
محمد صلى الله عليه وسلم والرفيق الأعلى
هومه
- مساهمة رقم 2
رد: محمد صلى الله عليه وسلم والرفيق الأعلى
بداية شكوى رسول الله واستغفاره لأهل البقيع
وقال محمد بن إسحاق: رجع رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم من حجة الوداع في ذي الحجة فأقام بالمدينة بقيته، والمحرم، وصفراً، وبعث أسامة بن زيد، فبينا النَّاس على ذلك ابتدىء رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم بشكواه الذي قبضه الله فيه إلى ما أراده الله من رحمته وكرامته في ليال بقين من صفر، أو في أول شهر ربيع الأول، فكان أول ما ابتدئ به رسول الله من ذلك فيما ذكر لي، أنه خرج إلى بقيع الغرقد من جوف الليل فاستغفر لهم ثم رجع إلى أهله، فلما أصبح ابتدئ بوجعه من يومه ذلك.
قال ابن إسحاق: وحدثني عبد الله بن جعفر عن عبيد بن جبر مولى الحكم، عن عبد الله بن عمرو بن العاص، عن أبي مويهبة مولى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال: بعثني رسول الله من جوف الليل فقال: ((يا أبا مويهبة، إني قد أمرت أن أستغفر لأهل هذا البقيع فانطلق معي)). فانطلقت معه، فلما وقف بين أظهرهم قال: ((السلام عليكم يا أهل المقابر، ليهن لكم ما أصبحتم فيه مما أصبح النَّاس فيه، أقبلت الفتن كقطع الليل المظلم يتبع آخرها أولها، الآخرة شر من الأولى)).
ثم أقبل عليَّ فقال: ((يا أبا مويهبة، إني قد أوتيت مفاتيح خزائن الدنيا والخلد فيها ثم الجنة، فخيرت بين ذلك وبين لقاء ربي والجنة)). قال: قلت: بأبي أنت وأمي فخذ مفاتيح خزائن الدنيا والخلد فيها، ثم الجنة.
قال: ((لا والله يا أبا مويهبة، لقد اخترت لقاء ربي والجنة)). ثم استغفر لأهل البقيع ثم انصرف، فبدئ برسول الله وجعه الذي قبضه الله فيه.
لم يخرجه أحد من أصحاب الكتب، وإنما رواه أحمد عن يعقوب بن إبراهيم، عن أبيه، عن محمد بن إسحاق به. (ج /ص:5/244)
وقال الإمام أحمد: ثنا أبو النضر، ثنا الحكم بن فضيل، ثنا يعلى بن عطاء عن عبيد بن جبر، عن أبي مويهبة قال: أمر رسول الله أن يصلي على أهل البقيع فصلى عليهم ثلاث مرات فلما كانت الثالثة قال: ((يا أبا مويهبة أسرج لي دابتي)).
قال: فركب ومشيت حتَّى انتهى إليهم، فنزل عن دابته وأمسكت الدابة فوقف - أو قال: قام عليهم - فقال: ((ليهنكم ما أنتم فيه مما فيه النَّاس، أتت الفتن كقطع الليل المظلم يتبع بعضها بعضا، الآخرة أشدّ من الأولى، فليهنكم ما أنتم فيه مما فيه النَّاس)).
ثم رجع فقال: ((يا أبا مويهبة إني أعطيت)) أو قال: ((خيرت بين مفاتيح ما يفتح على أمتي من بعدي والجنة، أو لقاء ربي)). قال: فقلت: بأبي أنت وأمي فاخترنا. قال: ((لأن ترد علي عقبها ما شاء الله، فاخترت لقاء ربي)).
فما لبث بعد ذلك إلا سبعاً، أو ثمانياً حتَّى قبض.
قال ابن إسحاق: وحدثني يعقوب بن عتبة عن الزُّهري، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، عن ابن مسعود، عن عائشة قالت: رجع رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم من البقيع فوجدني وأنا أجد صداعاً في رأسي وأنا أقول: وارأساه، فقال: ((بل أنا والله يا عائشة وارأساه)).
قالت: ثم قال: ((وما ضرك لو مت قبلي فقمت عليك، وكفنتك، وصليت عليك، ودفنتك)). قالت: قلت: والله لكأني بك لو فعلت ذلك لقد رجعت إلى بيتي فأعرست فيه ببعض نسائك.
قالت: فتبسم رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ونام به وجعه، وهو يدور على نسائه حتَّى استعزبه في بيت ميمونة فدعا نسائه فاستأذنهن أن يمرض في بيتي، فأذنَّ له.
قالت: فخرج رسول الله بين رجلين من أهله أحدهما: الفضل بن عبَّاس، ورجل آخر، عاصباً رأسه، تخطّ قدماه الأرض حتَّى دخل بيتي. قال عبيد الله: فحدثت به ابن عبَّاس. فقال: أتدري من الرجل الآخر؟ هو علي ابن أبي طالب، وهذا الحديث له شواهد ستأتي قريباً. (ج/ص:5/245)
وقال البيهقي: أنبأنا الحاكم، أنبأنا الأصم، أنبأنا أحمد بن عبد الجبار عن يونس بن بكير، عن محمد بن إسحاق، حدثني يعقوب بن عتبة عن الزُّهري، عن عبيد الله بن عبد الله، عن عائشة قالت: دخل علي رسول الله وهو يصدع وأنا أشتكي رأسي فقلت: وارأساه !. فقال: ((بل أنا والله يا عائشة وارأساه !)).
ثم قال: ((وما عليك لو متّ قبلي فوليت أمرك، وصليت عليك، وواريتك)).
فقلت: والله إني لأحسب لو كان ذلك، لقد خلوت ببعض نسائك في بيتي من آخر النهار فأعرست بها.
فضحك رسول الله ثم تمادى به وجعه، فاستعز به وهو يدور على نسائه في بيت ميمونة، فاجتمع إليه أهله فقال العبَّاس: إنا لنرى برسول الله ذات الجنب، فهلموا فلنلده فلدوه فأفاق رسول الله فقال: ((من فعل هذا؟))
فقالوا: عمك العبَّاس تخوَّف أن يكون بك ذات الجنب.
فقال رسول الله: ((إنها من الشيطان، وما كان الله ليسلطه علي، لا يبقى في البيت أحد إلا لددتموه إلا عمي العبَّاس)) فلدَّ أهل البيت كلهم حتَّى ميمونة وإنها لصائمة، وذلك بعين رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ثم استأذن أزواجه أن يمرض في بيتي، فأذنَّ له، فخرج وهو بين العبَّاس، ورجل آخر - لم تسمه - تخط قدماه بالأرض إلى بيت عائشة.
قال البخاري: حدثنا سعيد بن عفير، ثنا الليث، حدثني عقيل عن ابن شهاب، أخبرني عبيد الله بن عبد الله بن عتبة أن عائشة زوج النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم قالت: لما ثقل رسول الله، واشتد به وجعه، استأذن أزواجه أن يمرض في بيتي فأذنَّ له، فخرج وهو بين الرجلين تخط رجلاه الأرض بين عبَّاس قال: ابن عبد المطلب، وبين رجل آخر قال: عبيد الله، فأخبرت عبد الله - يعني: ابن عبَّاس - بالذي قالت عائشة.
فقال لي عبد الله بن عبَّاس: هل تدري من الرجل الآخر الذي لم تسمِّ عائشة؟
قال: قلت: لا!
قال ابن عبَّاس: هو علي، فكانت عائشة زوج النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم تحدِّث أن رسول الله لما دخل بيتي واشتد به وجعه قال: هريقوا عليَّ من سبع قرب لم تحلل أوكيتهن، لعلي أعهد إلى النَّاس، فأجلسناه في مخضب لحفصة زوج النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم ثم طفقنا نصب عليه من تلك القرب، حتَّى طفق يشير إلينا بيده أن قد فعلتن قالت عائشة: ثم خرج إلى النَّاس فصلى لهم، وخطبهم.
وقد رواه البخاري أيضاً في مواضع أخر من صحيحه، ومسلم من طرق عن الزُّهري به.
وقال البخاري: حدثنا إسماعيل، ثنا سليمان بن بلال قال هشام بن عروة: أخبرني أبي عن عائشة، أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم كان يسأل في مرضه الذي مات فيه أين أنا غداً، أين أنا غداً، يريد يوم عائشة، فأذن له أزواجه أن يكون حيث شاء، فكان في بيت عائشة، حتَّى مات عندها.
قالت عائشة رضي الله عنها: فمات في اليوم الذي كان يدور علي فيه في بيتي، وقبضه الله وإن رأسه لبين سحري ونحري، وخالط ريقه ريقي، قالت: ودخل عبد الرحمن ابن أبي بكر ومعه سواك يستن به، فنظر إليه رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، فقلت له: أعطني هذا السواك يا عبد الرحمن، فأعطانيه، فقضمته ثم مضغته فأعطيته رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فاستن به، وهو مسند إلى صدري.
انفرد به البخاري من هذا الوجه. (ج /ص:5/246)
وقال البخاري: أخبرنا عبد الله بن يوسف، ثنا الليث، حدثني ابن الهاد عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه، عن عائشة قالت: مات النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم وأنه لبين حاقنتي، وذاقنتي، فلا أكره شدة الموت لأحد أبداً بعد النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم.
وقال البخاري: حدثنا حيان، أنبأنا عبد الله، أنبأنا يونس عن ابن شهاب قال: أخبرني عروة أن عائشة أخبرته أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم كان إذا اشتكى نفث على نفسه بالمعوذات ومسح عنه بيده، فلما اشتكى وجعه الذي توفي فيه طفقت أنفث عليه بالمعوذات التي كان ينفث، وأمسح بيد النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم عنه.
ورواه مسلم من حديث ابن وهب عن يونس بن يزيد الإيلي، عن الزُّهري به، والفلاس ومسلم عن محمد بن حاتم كلهم.
وثبت في الصحيحين من حديث أبي عوانة عن فراس، عن الشعبي، عن مسروق، عن عائشة قالت: اجتمع نساء رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم عنده لم يغادر منهن امرأة، فجاءت فاطمة تمشي لا تخطئ مشيتها مشية أبيها فقال: ((مرحباً بابنتي)) فأقعدها عن يمينه، أو شماله، ثم سارَّها بشيء فبكت، ثم سارَّها فضحكت.
فقلت لها: خصك رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم بالسرار وأنت تبكين!فلما أن قامت قلت: أخبريني ما سارَّك؟
فقالت: ما كنت لأفشي سر رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فلما توفي قلت لها: أسألك لما لي عليك من الحق لما أخبرتيني.
قالت: أما الآن فنعم!
قالت: سارني في الأول قال لي: ((إن جبريل كان يعارضني في القرآن كل سنة مرة، وقد عارضني في هذا العام مرتين، ولا أرى ذلك إلا لاقتراب أجلي؛ فاتقي الله واصبري، فنعم السلف أنا لك)) فبكيت.
ثم سارَّني فقال: ((أما ترضيني أن تكوني سيدة نساء المؤمنين، أو سيدة نساء هذه الأمة)) فضحكت، وله طرق عن عائشة.
وقد روى البخاري عن علي بن عبد الله، عن يحيى بن سعيد القطان، عن سفيان الثوري، عن موسى ابن أبي عائشة، عن عبيد الله بن عبد الله، عن عائشة قالت: لددنا رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم في مرضه، فجعل يشير إلينا ((أن لا تلدوني)).
فقلنا: كراهية المريض للدواء، فلما أفاق، قال: ((ألم أنهكم أن لا تلدوني؟))
قلنا: كراهية المريض للدواء.
فقال: ((لا يبقى أحد في البيت إلا لد، وأنا أنظر إلا العبَّاس، فإنه لم يشهدكم)).
قال البخاري: ورواه ابن أبي الزناد عن هشام، عن أبيه، عن عائشة، عن النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم.
وقال البخاري: وقال يونس عن الزُّهري قال عروة: قالت عائشة: كان النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم يقول في مرضه الذي مات فيه: ((يا عائشة ما أزال أجد ألم الطعام الذي أكلت بخيبر، فهذا أوان وجدت انقطاع أبهري من ذلك السم)).
هكذا ذكره البخاري معلقاً. (ج /ص:5/247)
وقد أسنده الحافظ البيهقي: عن الحاكم، عن أبي بكر ابن محمد بن أحمد بن يحيى الأشقر، عن يوسف بن موسى، عن أحمد بن صالح، عن عنبسة، عن يونس بن يزيد الأيلي، عن الزُّهري به.
وقال البيهقي: أنبأنا الحاكم، أنبأنا الأصم، أنبأنا أحمد بن عبد الجبار عن أبي معاوية، عن الأعمش، عن عبد الله بن مرة، عن أبي الأحوص، عن عبد الله بن مسعود قال: لئن أحلف تسعاً أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قتل قتلا، أحب إلي من أن أحلف واحدة أنه لم يقتل، وذلك أن الله اتخذه نبياً، واتخذه شهيداً.
قال ابن إسحاق: وحدثني عبد الله بن جعفر عن عبيد بن جبر مولى الحكم، عن عبد الله بن عمرو بن العاص، عن أبي مويهبة مولى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال: بعثني رسول الله من جوف الليل فقال: ((يا أبا مويهبة، إني قد أمرت أن أستغفر لأهل هذا البقيع فانطلق معي)). فانطلقت معه، فلما وقف بين أظهرهم قال: ((السلام عليكم يا أهل المقابر، ليهن لكم ما أصبحتم فيه مما أصبح النَّاس فيه، أقبلت الفتن كقطع الليل المظلم يتبع آخرها أولها، الآخرة شر من الأولى)).
ثم أقبل عليَّ فقال: ((يا أبا مويهبة، إني قد أوتيت مفاتيح خزائن الدنيا والخلد فيها ثم الجنة، فخيرت بين ذلك وبين لقاء ربي والجنة)). قال: قلت: بأبي أنت وأمي فخذ مفاتيح خزائن الدنيا والخلد فيها، ثم الجنة.
قال: ((لا والله يا أبا مويهبة، لقد اخترت لقاء ربي والجنة)). ثم استغفر لأهل البقيع ثم انصرف، فبدئ برسول الله وجعه الذي قبضه الله فيه.
لم يخرجه أحد من أصحاب الكتب، وإنما رواه أحمد عن يعقوب بن إبراهيم، عن أبيه، عن محمد بن إسحاق به. (ج /ص:5/244)
وقال الإمام أحمد: ثنا أبو النضر، ثنا الحكم بن فضيل، ثنا يعلى بن عطاء عن عبيد بن جبر، عن أبي مويهبة قال: أمر رسول الله أن يصلي على أهل البقيع فصلى عليهم ثلاث مرات فلما كانت الثالثة قال: ((يا أبا مويهبة أسرج لي دابتي)).
قال: فركب ومشيت حتَّى انتهى إليهم، فنزل عن دابته وأمسكت الدابة فوقف - أو قال: قام عليهم - فقال: ((ليهنكم ما أنتم فيه مما فيه النَّاس، أتت الفتن كقطع الليل المظلم يتبع بعضها بعضا، الآخرة أشدّ من الأولى، فليهنكم ما أنتم فيه مما فيه النَّاس)).
ثم رجع فقال: ((يا أبا مويهبة إني أعطيت)) أو قال: ((خيرت بين مفاتيح ما يفتح على أمتي من بعدي والجنة، أو لقاء ربي)). قال: فقلت: بأبي أنت وأمي فاخترنا. قال: ((لأن ترد علي عقبها ما شاء الله، فاخترت لقاء ربي)).
فما لبث بعد ذلك إلا سبعاً، أو ثمانياً حتَّى قبض.
قال ابن إسحاق: وحدثني يعقوب بن عتبة عن الزُّهري، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، عن ابن مسعود، عن عائشة قالت: رجع رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم من البقيع فوجدني وأنا أجد صداعاً في رأسي وأنا أقول: وارأساه، فقال: ((بل أنا والله يا عائشة وارأساه)).
قالت: ثم قال: ((وما ضرك لو مت قبلي فقمت عليك، وكفنتك، وصليت عليك، ودفنتك)). قالت: قلت: والله لكأني بك لو فعلت ذلك لقد رجعت إلى بيتي فأعرست فيه ببعض نسائك.
قالت: فتبسم رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ونام به وجعه، وهو يدور على نسائه حتَّى استعزبه في بيت ميمونة فدعا نسائه فاستأذنهن أن يمرض في بيتي، فأذنَّ له.
قالت: فخرج رسول الله بين رجلين من أهله أحدهما: الفضل بن عبَّاس، ورجل آخر، عاصباً رأسه، تخطّ قدماه الأرض حتَّى دخل بيتي. قال عبيد الله: فحدثت به ابن عبَّاس. فقال: أتدري من الرجل الآخر؟ هو علي ابن أبي طالب، وهذا الحديث له شواهد ستأتي قريباً. (ج/ص:5/245)
وقال البيهقي: أنبأنا الحاكم، أنبأنا الأصم، أنبأنا أحمد بن عبد الجبار عن يونس بن بكير، عن محمد بن إسحاق، حدثني يعقوب بن عتبة عن الزُّهري، عن عبيد الله بن عبد الله، عن عائشة قالت: دخل علي رسول الله وهو يصدع وأنا أشتكي رأسي فقلت: وارأساه !. فقال: ((بل أنا والله يا عائشة وارأساه !)).
ثم قال: ((وما عليك لو متّ قبلي فوليت أمرك، وصليت عليك، وواريتك)).
فقلت: والله إني لأحسب لو كان ذلك، لقد خلوت ببعض نسائك في بيتي من آخر النهار فأعرست بها.
فضحك رسول الله ثم تمادى به وجعه، فاستعز به وهو يدور على نسائه في بيت ميمونة، فاجتمع إليه أهله فقال العبَّاس: إنا لنرى برسول الله ذات الجنب، فهلموا فلنلده فلدوه فأفاق رسول الله فقال: ((من فعل هذا؟))
فقالوا: عمك العبَّاس تخوَّف أن يكون بك ذات الجنب.
فقال رسول الله: ((إنها من الشيطان، وما كان الله ليسلطه علي، لا يبقى في البيت أحد إلا لددتموه إلا عمي العبَّاس)) فلدَّ أهل البيت كلهم حتَّى ميمونة وإنها لصائمة، وذلك بعين رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ثم استأذن أزواجه أن يمرض في بيتي، فأذنَّ له، فخرج وهو بين العبَّاس، ورجل آخر - لم تسمه - تخط قدماه بالأرض إلى بيت عائشة.
قال البخاري: حدثنا سعيد بن عفير، ثنا الليث، حدثني عقيل عن ابن شهاب، أخبرني عبيد الله بن عبد الله بن عتبة أن عائشة زوج النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم قالت: لما ثقل رسول الله، واشتد به وجعه، استأذن أزواجه أن يمرض في بيتي فأذنَّ له، فخرج وهو بين الرجلين تخط رجلاه الأرض بين عبَّاس قال: ابن عبد المطلب، وبين رجل آخر قال: عبيد الله، فأخبرت عبد الله - يعني: ابن عبَّاس - بالذي قالت عائشة.
فقال لي عبد الله بن عبَّاس: هل تدري من الرجل الآخر الذي لم تسمِّ عائشة؟
قال: قلت: لا!
قال ابن عبَّاس: هو علي، فكانت عائشة زوج النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم تحدِّث أن رسول الله لما دخل بيتي واشتد به وجعه قال: هريقوا عليَّ من سبع قرب لم تحلل أوكيتهن، لعلي أعهد إلى النَّاس، فأجلسناه في مخضب لحفصة زوج النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم ثم طفقنا نصب عليه من تلك القرب، حتَّى طفق يشير إلينا بيده أن قد فعلتن قالت عائشة: ثم خرج إلى النَّاس فصلى لهم، وخطبهم.
وقد رواه البخاري أيضاً في مواضع أخر من صحيحه، ومسلم من طرق عن الزُّهري به.
وقال البخاري: حدثنا إسماعيل، ثنا سليمان بن بلال قال هشام بن عروة: أخبرني أبي عن عائشة، أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم كان يسأل في مرضه الذي مات فيه أين أنا غداً، أين أنا غداً، يريد يوم عائشة، فأذن له أزواجه أن يكون حيث شاء، فكان في بيت عائشة، حتَّى مات عندها.
قالت عائشة رضي الله عنها: فمات في اليوم الذي كان يدور علي فيه في بيتي، وقبضه الله وإن رأسه لبين سحري ونحري، وخالط ريقه ريقي، قالت: ودخل عبد الرحمن ابن أبي بكر ومعه سواك يستن به، فنظر إليه رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، فقلت له: أعطني هذا السواك يا عبد الرحمن، فأعطانيه، فقضمته ثم مضغته فأعطيته رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فاستن به، وهو مسند إلى صدري.
انفرد به البخاري من هذا الوجه. (ج /ص:5/246)
وقال البخاري: أخبرنا عبد الله بن يوسف، ثنا الليث، حدثني ابن الهاد عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه، عن عائشة قالت: مات النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم وأنه لبين حاقنتي، وذاقنتي، فلا أكره شدة الموت لأحد أبداً بعد النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم.
وقال البخاري: حدثنا حيان، أنبأنا عبد الله، أنبأنا يونس عن ابن شهاب قال: أخبرني عروة أن عائشة أخبرته أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم كان إذا اشتكى نفث على نفسه بالمعوذات ومسح عنه بيده، فلما اشتكى وجعه الذي توفي فيه طفقت أنفث عليه بالمعوذات التي كان ينفث، وأمسح بيد النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم عنه.
ورواه مسلم من حديث ابن وهب عن يونس بن يزيد الإيلي، عن الزُّهري به، والفلاس ومسلم عن محمد بن حاتم كلهم.
وثبت في الصحيحين من حديث أبي عوانة عن فراس، عن الشعبي، عن مسروق، عن عائشة قالت: اجتمع نساء رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم عنده لم يغادر منهن امرأة، فجاءت فاطمة تمشي لا تخطئ مشيتها مشية أبيها فقال: ((مرحباً بابنتي)) فأقعدها عن يمينه، أو شماله، ثم سارَّها بشيء فبكت، ثم سارَّها فضحكت.
فقلت لها: خصك رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم بالسرار وأنت تبكين!فلما أن قامت قلت: أخبريني ما سارَّك؟
فقالت: ما كنت لأفشي سر رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فلما توفي قلت لها: أسألك لما لي عليك من الحق لما أخبرتيني.
قالت: أما الآن فنعم!
قالت: سارني في الأول قال لي: ((إن جبريل كان يعارضني في القرآن كل سنة مرة، وقد عارضني في هذا العام مرتين، ولا أرى ذلك إلا لاقتراب أجلي؛ فاتقي الله واصبري، فنعم السلف أنا لك)) فبكيت.
ثم سارَّني فقال: ((أما ترضيني أن تكوني سيدة نساء المؤمنين، أو سيدة نساء هذه الأمة)) فضحكت، وله طرق عن عائشة.
وقد روى البخاري عن علي بن عبد الله، عن يحيى بن سعيد القطان، عن سفيان الثوري، عن موسى ابن أبي عائشة، عن عبيد الله بن عبد الله، عن عائشة قالت: لددنا رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم في مرضه، فجعل يشير إلينا ((أن لا تلدوني)).
فقلنا: كراهية المريض للدواء، فلما أفاق، قال: ((ألم أنهكم أن لا تلدوني؟))
قلنا: كراهية المريض للدواء.
فقال: ((لا يبقى أحد في البيت إلا لد، وأنا أنظر إلا العبَّاس، فإنه لم يشهدكم)).
قال البخاري: ورواه ابن أبي الزناد عن هشام، عن أبيه، عن عائشة، عن النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم.
وقال البخاري: وقال يونس عن الزُّهري قال عروة: قالت عائشة: كان النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم يقول في مرضه الذي مات فيه: ((يا عائشة ما أزال أجد ألم الطعام الذي أكلت بخيبر، فهذا أوان وجدت انقطاع أبهري من ذلك السم)).
هكذا ذكره البخاري معلقاً. (ج /ص:5/247)
وقد أسنده الحافظ البيهقي: عن الحاكم، عن أبي بكر ابن محمد بن أحمد بن يحيى الأشقر، عن يوسف بن موسى، عن أحمد بن صالح، عن عنبسة، عن يونس بن يزيد الأيلي، عن الزُّهري به.
وقال البيهقي: أنبأنا الحاكم، أنبأنا الأصم، أنبأنا أحمد بن عبد الجبار عن أبي معاوية، عن الأعمش، عن عبد الله بن مرة، عن أبي الأحوص، عن عبد الله بن مسعود قال: لئن أحلف تسعاً أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قتل قتلا، أحب إلي من أن أحلف واحدة أنه لم يقتل، وذلك أن الله اتخذه نبياً، واتخذه شهيداً.
<
هومه
- مساهمة رقم 3
رد: محمد صلى الله عليه وسلم والرفيق الأعلى
b>خطبته صلى الله عليه وسلم قبل موته
وانصافه أبابكر
قال البيهقي: أنبأنا الحاكم، أنبأنا الأصم عن أحمد بن عبد الجبار، عن يونس بن بكير، عن محمد بن إسحاق، عن الزُّهري، عن أيوب بن بشير أن رسول الله قال في مرضه: ((أفيضوا عليَّ من سبع قرب من سبع آبار شتى، حتَّى أخرج فأعهد إلى النَّاس)).
ففعلوا، فخرج فجلس على المنبر فكان أول ما ذكر بعد حمد الله والثناء عليه ذكر أصحاب أُحد، فاستغفر لهم ودعا لهم.
ثم قال: ((يا معشر المهاجرين إنكم أصبحتم تزيدون، والأنصار على هيئتها لا تزيد، وإنهم عيبتي التي أوتيت إليها، فأكرموا كريمهم، وتجاوزوا من مسيئهم)).
ثم قال عليه السلام: ((أيها النَّاس إن عبداً من عباد الله قد خيره الله بين الدنيا وبين ما عند الله، فاختار ما عند الله)).
ففهمها أبو بكر رضي الله عنه من بين النَّاس فبكى. وقال: بل نحن نفديك بأنفسنا وأبنائنا وأموالنا.
فقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((على رسلك يا أبا بكر!انظروا إلى هذه الأبواب الشارعة في المسجد فسدوها، إلا ما كان من بيت أبي بكر، فإني لا أعلم أحداً عندي أفضل يداً في الصحبة منه)).
هذا مرسل له شواهد كثيرة.
وقال الواقدي: حدثني فروة بن زبيد بن طوسا عن عائشة بنت سعد، عن أم ذرة، عن أم سلمة زوج النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم قالت: خرج رسول الله عاصباً رأسه بخرقة، فلما استوى على المنبر تحدَّق النَّاس بالمنبر، واستكفوا.
فقال: ((والذي نفسي بيده إني لقائم على الحوض الساعة)). ثم تشهَّد فلما قضى تشهده كان أول ما تكلَّم به، أن استغفر للشهداء الذين قتلوا بأُحد.
ثم قال: ((إن عبداً من عباد الله خيِّر بين الدنيا وبين ما عند الله فاختار العبد ما عند الله)). فبكى أبو بكر فعجبنا لبكائه وقال: بأبي وأمي نفديك بآبائنا وأمهاتنا وأنفسنا وأموالنا. فكان رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم هو المخيَّر، وكان أبو بكر أعلمنا برسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وجعل رسول الله يقول له: ((على رسلك)).
وقال الإمام أحمد: حدثنا أبو عامر، ثنا فليح عن سالم أبي النضر، عن بشر بن سعيد، عن أبي سعيد قال: خطب رسول الله النَّاس فقال:
((إنَّ الله خيِّر عبداً بين الدنيا، وبين ما عنده فاختار ذلك العبد ما عند الله)). قال: فبكى أبو بكر. قال: فتعجَّبنا لبكائه أن يخبر رسول الله عن عبد، فكان رسول الله هو المخيَّر، وكان أبو بكر أعلمنا به.
فقال رسول الله: ((إن أمنَّ النَّاس عليّ في صحبته وماله أبو بكر، لو كنت متخذاً خليلاً غير ربي لاتخذت أبا بكر خليلاً، ولكن خلة الإسلام ومودته لا يبقى في المسجد باب إلا سد إلا باب أبي بكر)).
وهكذا رواه البخاري من حديث أبي عامر العقدي به. (ج/ص:5/250)
وهذا اليوم الذي كان قبل وفاته عليه السلام بخمس أيام هو يوم الخميس الذي ذكره ابن عبَّاس فيما تقدَّم.
قال الحافظ البيهقي: أنبأنا أبو الحسن علي بن محمد المقرئ، أنبأنا الحسن بن محمد بن إسحاق، حدثنا يوسف بن يعقوب - هو ابن عوانة الإسفراييني - قال: ثنا محمد ابن أبي بكر، ثنا وهب بن جرير، ثنا أبي سمعت يعلى بن حكيم يحدِّث عن عكرمة، عن ابن عبَّاس قال: خرج النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم في مرضه الذي مات فيه عاصباً رأسه بخرقة، فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه.
ثم قال: ((إنه ليس من النَّاس أحد أمنّ عليَّ بنفسه وماله من أبي بكر، ولو كنت متخذاً من النَّاس خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً، ولكن خلة الإسلام أفضل، سدوا عني كل خوخة في المسجد غير خوخة أبي بكر)).
رواه البخاري عن عبيد الله بن محمد الجعفي، عن وهب بن جرير بن حازم، عن أبيه به. (ج/ص:5/251)
وفي قوله عليه السلام: ((سدوا عني كل خوخة - يعني: الأبواب الصغار - إلى المسجد غير خوخة أبي بكر)).
إشارة إلى الخلافة أي: ليخرج منها إلى الصلاة بالمسلمين.
وقد رواه البخاري أيضاً من حديث عبد الرحمن بن سليمان بن حنظلة بن الغسيل عن عكرمة، عن ابن عبَّاس أن رسول الله خرج في مرضه الذي مات فيه عاصباً رأسه بعصابة دسماء، ملتحفاً بملحفة على منكبيه، فجلس على المنبر، فذكر الخطبة، وذكر فيها الوصاة بالأنصار إلى أن قال: فكان آخر مجلس جلس فيه رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم حتَّى قبض - يعني: آخر خطبة خطبها عليه السلام.
وقد روي من وجه آخر عن ابن عبَّاس بإسناد غريب، ولفظ غريب.
فقال الحافظ البيهقي: أنبأنا .....عن عطاء، عن ابن عبَّاس، عن الفضل بن عبَّاس
قال: أتاني رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وهو يوعك وعكاً شديداً، وقد عصب رأسه فقال: ((خذ بيدي يا فضل)قال: فأخذت بيده حتَّى قعد على المنبر. ثم قال: ((ناد في النَّاس يا فضل)).
فناديت: الصلاة جامعة. قال: فاجتمعوا فقام رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم خطيباً فقال:
((أما بعد أيها النَّاس، إنه قد دنى مني خلوف من بين أظهركم ولن تروني في هذا المقام فيكم، وقد كنت أرى أن غيره غير مغن عني حتَّى أقوِّمه فيكم، ألا فمن كنت جلدت له ظهراً فهذا ظهري فليستقد، ومن كنت أخذت له مالاً فهذا مالي فليأخذ منه، ومن كنت شتمت له عرضا فهذا عرضي فليستقد، ولا يقولن قائل أخاف الشحناء من قبل رسول الله، ألا وإن الشحناء ليست من شأني ولا من خلقي، وإن أحبكم إليَّ من أخذ حقاً إن كان له عليَّ أو حللني، فلقيت الله عز وجل وليس لأحد عندي مظلمة)).
قال: فقام منهم رجل فقال: يا رسول الله لي عندك ثلاثة دراهم.
فقال: ((أما أنا فلا أكذب قائلاً، ولا مستحلفه علي يمين فيم كانت لك عندي؟))
قال: أما تذكر أنه مرَّ بك سائل فأمرتني فأعطيته ثلاثة دراهم.
قال: ((أعطه يا فضل)).
قال: وأمر به فجلس.
قال: ثم عاد رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم في مقالته الأولى ثم قال: ((يا أيها النَّاس من عنده من الغلول شيء فليرده)).
فقام رجل فقال: يا رسول الله عندي ثلاثة دراهم غللتها في سبيل الله.
قال: ((فلم غللتها؟))
قال: كنت إليها محتاجاً.
قال: ((خذها منه يا فضل)).
ثم عاد رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم في مقالته الأولى وقال: ((يا أيها النَّاس من أحس من نفسه شيئاً فليقم أدعو الله له)).
فقام إليه رجل فقال: يا رسول الله إني لمنافق، وإني لكذوب، وإني لشئوم.
فقال عمر بن الخطاب: ويحك أيها الرجل لقد سترك الله لو سترت على نفسك.
فقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((مه يا ابن الخطاب فضوح الدنيا أهون من فضوح الآخرة، اللهم ارزقه صدقاً، وإيماناً، وأذهب عنه الشؤم إذا شاء)).
ثم قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((عمر معي، وأنا مع عمر، والحق بعدي مع عمر)).
وفي إسناده ومتنه غرابة شديدة. (ج/ص:5/252)
ففعلوا، فخرج فجلس على المنبر فكان أول ما ذكر بعد حمد الله والثناء عليه ذكر أصحاب أُحد، فاستغفر لهم ودعا لهم.
ثم قال: ((يا معشر المهاجرين إنكم أصبحتم تزيدون، والأنصار على هيئتها لا تزيد، وإنهم عيبتي التي أوتيت إليها، فأكرموا كريمهم، وتجاوزوا من مسيئهم)).
ثم قال عليه السلام: ((أيها النَّاس إن عبداً من عباد الله قد خيره الله بين الدنيا وبين ما عند الله، فاختار ما عند الله)).
ففهمها أبو بكر رضي الله عنه من بين النَّاس فبكى. وقال: بل نحن نفديك بأنفسنا وأبنائنا وأموالنا.
فقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((على رسلك يا أبا بكر!انظروا إلى هذه الأبواب الشارعة في المسجد فسدوها، إلا ما كان من بيت أبي بكر، فإني لا أعلم أحداً عندي أفضل يداً في الصحبة منه)).
هذا مرسل له شواهد كثيرة.
وقال الواقدي: حدثني فروة بن زبيد بن طوسا عن عائشة بنت سعد، عن أم ذرة، عن أم سلمة زوج النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم قالت: خرج رسول الله عاصباً رأسه بخرقة، فلما استوى على المنبر تحدَّق النَّاس بالمنبر، واستكفوا.
فقال: ((والذي نفسي بيده إني لقائم على الحوض الساعة)). ثم تشهَّد فلما قضى تشهده كان أول ما تكلَّم به، أن استغفر للشهداء الذين قتلوا بأُحد.
ثم قال: ((إن عبداً من عباد الله خيِّر بين الدنيا وبين ما عند الله فاختار العبد ما عند الله)). فبكى أبو بكر فعجبنا لبكائه وقال: بأبي وأمي نفديك بآبائنا وأمهاتنا وأنفسنا وأموالنا. فكان رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم هو المخيَّر، وكان أبو بكر أعلمنا برسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وجعل رسول الله يقول له: ((على رسلك)).
وقال الإمام أحمد: حدثنا أبو عامر، ثنا فليح عن سالم أبي النضر، عن بشر بن سعيد، عن أبي سعيد قال: خطب رسول الله النَّاس فقال:
((إنَّ الله خيِّر عبداً بين الدنيا، وبين ما عنده فاختار ذلك العبد ما عند الله)). قال: فبكى أبو بكر. قال: فتعجَّبنا لبكائه أن يخبر رسول الله عن عبد، فكان رسول الله هو المخيَّر، وكان أبو بكر أعلمنا به.
فقال رسول الله: ((إن أمنَّ النَّاس عليّ في صحبته وماله أبو بكر، لو كنت متخذاً خليلاً غير ربي لاتخذت أبا بكر خليلاً، ولكن خلة الإسلام ومودته لا يبقى في المسجد باب إلا سد إلا باب أبي بكر)).
وهكذا رواه البخاري من حديث أبي عامر العقدي به. (ج/ص:5/250)
وهذا اليوم الذي كان قبل وفاته عليه السلام بخمس أيام هو يوم الخميس الذي ذكره ابن عبَّاس فيما تقدَّم.
قال الحافظ البيهقي: أنبأنا أبو الحسن علي بن محمد المقرئ، أنبأنا الحسن بن محمد بن إسحاق، حدثنا يوسف بن يعقوب - هو ابن عوانة الإسفراييني - قال: ثنا محمد ابن أبي بكر، ثنا وهب بن جرير، ثنا أبي سمعت يعلى بن حكيم يحدِّث عن عكرمة، عن ابن عبَّاس قال: خرج النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم في مرضه الذي مات فيه عاصباً رأسه بخرقة، فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه.
ثم قال: ((إنه ليس من النَّاس أحد أمنّ عليَّ بنفسه وماله من أبي بكر، ولو كنت متخذاً من النَّاس خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً، ولكن خلة الإسلام أفضل، سدوا عني كل خوخة في المسجد غير خوخة أبي بكر)).
رواه البخاري عن عبيد الله بن محمد الجعفي، عن وهب بن جرير بن حازم، عن أبيه به. (ج/ص:5/251)
وفي قوله عليه السلام: ((سدوا عني كل خوخة - يعني: الأبواب الصغار - إلى المسجد غير خوخة أبي بكر)).
إشارة إلى الخلافة أي: ليخرج منها إلى الصلاة بالمسلمين.
وقد رواه البخاري أيضاً من حديث عبد الرحمن بن سليمان بن حنظلة بن الغسيل عن عكرمة، عن ابن عبَّاس أن رسول الله خرج في مرضه الذي مات فيه عاصباً رأسه بعصابة دسماء، ملتحفاً بملحفة على منكبيه، فجلس على المنبر، فذكر الخطبة، وذكر فيها الوصاة بالأنصار إلى أن قال: فكان آخر مجلس جلس فيه رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم حتَّى قبض - يعني: آخر خطبة خطبها عليه السلام.
وقد روي من وجه آخر عن ابن عبَّاس بإسناد غريب، ولفظ غريب.
فقال الحافظ البيهقي: أنبأنا .....عن عطاء، عن ابن عبَّاس، عن الفضل بن عبَّاس
قال: أتاني رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وهو يوعك وعكاً شديداً، وقد عصب رأسه فقال: ((خذ بيدي يا فضل)قال: فأخذت بيده حتَّى قعد على المنبر. ثم قال: ((ناد في النَّاس يا فضل)).
فناديت: الصلاة جامعة. قال: فاجتمعوا فقام رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم خطيباً فقال:
((أما بعد أيها النَّاس، إنه قد دنى مني خلوف من بين أظهركم ولن تروني في هذا المقام فيكم، وقد كنت أرى أن غيره غير مغن عني حتَّى أقوِّمه فيكم، ألا فمن كنت جلدت له ظهراً فهذا ظهري فليستقد، ومن كنت أخذت له مالاً فهذا مالي فليأخذ منه، ومن كنت شتمت له عرضا فهذا عرضي فليستقد، ولا يقولن قائل أخاف الشحناء من قبل رسول الله، ألا وإن الشحناء ليست من شأني ولا من خلقي، وإن أحبكم إليَّ من أخذ حقاً إن كان له عليَّ أو حللني، فلقيت الله عز وجل وليس لأحد عندي مظلمة)).
قال: فقام منهم رجل فقال: يا رسول الله لي عندك ثلاثة دراهم.
فقال: ((أما أنا فلا أكذب قائلاً، ولا مستحلفه علي يمين فيم كانت لك عندي؟))
قال: أما تذكر أنه مرَّ بك سائل فأمرتني فأعطيته ثلاثة دراهم.
قال: ((أعطه يا فضل)).
قال: وأمر به فجلس.
قال: ثم عاد رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم في مقالته الأولى ثم قال: ((يا أيها النَّاس من عنده من الغلول شيء فليرده)).
فقام رجل فقال: يا رسول الله عندي ثلاثة دراهم غللتها في سبيل الله.
قال: ((فلم غللتها؟))
قال: كنت إليها محتاجاً.
قال: ((خذها منه يا فضل)).
ثم عاد رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم في مقالته الأولى وقال: ((يا أيها النَّاس من أحس من نفسه شيئاً فليقم أدعو الله له)).
فقام إليه رجل فقال: يا رسول الله إني لمنافق، وإني لكذوب، وإني لشئوم.
فقال عمر بن الخطاب: ويحك أيها الرجل لقد سترك الله لو سترت على نفسك.
فقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((مه يا ابن الخطاب فضوح الدنيا أهون من فضوح الآخرة، اللهم ارزقه صدقاً، وإيماناً، وأذهب عنه الشؤم إذا شاء)).
ثم قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((عمر معي، وأنا مع عمر، والحق بعدي مع عمر)).
وفي إسناده ومتنه غرابة شديدة. (ج/ص:5/252)
هومه
- مساهمة رقم 4
رد: محمد صلى الله عليه وسلم والرفيق الأعلى
ذكر أمره عليه السلام أبا بكر الصديق رضي الله عنه أن يصلي بالصحابة أجمعين
قال الإمام أحمد: ثنا يعقوب، ....عن عبد الله بن زمعة بن الأسود بن المطلب بن أسد قال: لما استعز برسول الله وأنا عنده في نفر من المسلمين دعا بلال للصلاة فقال: ((مروا من يصلي بالنَّاس)).
قال: فخرجت فإذا عمر في النَّاس، وكان أبو بكر غائباً.
فقلت: قم يا عمر فصل بالنَّاس.
قال: فقام فلما كبَّر عمر سمع رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم صوته، وكان عمر رجلاً مجهراً.
فقال رسول الله: ((فأين أبو بكر، يأبى الله ذلك والمسلمون، يأبى الله ذلك والمسلمون)).
قال: فبعث إلى أبي بكر، فجاء بعد ما صلى عمر تلك الصلاة، فصلى بالنَّاس.
وقال عبد الله بن زمعة: قال لي عمر: ويحك ماذا صنعت يا ابن زمعة، ما ظننت حين أمرتني إلا أن رسول الله أمرني بذلك، ولولا ذلك ما صليت. قال: قلت: والله ما أمرني رسول الله، ولكن حين لم أر أبا بكر رأيتك أحق من حضر بالصلاة. وهكذا رواه أبو داود من حديث ابن إسحاق، حدثني الزُّهري.
وقال أبو داود: ثنا أحمد بن صالح، ... عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، أن عبد الله بن زمعة أخبره بهذا الخبر قال: لما سمع النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم صوت عمر.
قال ابن زمعة: خرج النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم حتَّى أطلع رأسه من حجرته، ثم قال: ((لا لا، لا يصلي للناس إلا ابن أبي قحافة)) يقول ذلك مغضباً.
وقال البخاري: ثنا عمر بن حفص، ثنا أبي، ثنا الأعمش عن إبراهيم، قال الأسود: كنا عند عائشة فذكرنا المواظبة على الصلاة والمواظبة لها.
قالت: لما مرض النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم مرضه الذي مات فيه، فحضرت الصلاة، فأذَّن بلال.
فقال: ((مروا أبا بكر فليصل بالنَّاس)).
فقيل له: إن أبا بكر رجل أسيف إذا قام مقامك لم يستطع أن يصلي بالنَّاس، وأعاد، فأعادوا له، فأعاد الثالثة فقال: ((إنكن صواحب يوسف، مروا أبا بكر فليصل بالنَّاس)).
فخرج أبو بكر فوجد النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم في نفسه خفة، فخرج يهادي بين رجلين كأني أنظر إلى رجليه تخطان من الوجع، فأراد أبو بكر أن يتأخَّر، فأومأ إليه النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم أن مكانك، ثم أتى به حتَّى جلس إلى جنبه. (ج /ص:5/253)
وقال البخاري: ثنا عبد الله بن يوسف، أنبأنا مالك عن هشام ابن عروة، عن أبيه، عن عائشة أنها قالت: إن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال في مرضه: ((مروا أبا بكر فليصل بالنَّاس)).
قال ابن شهاب: فأخبرني عبيد الله بن عبد الله عن عائشة أنها قالت: لقد عاودت رسول الله في ذلك، وما حملني على معاودته إلا أني خشيت أن يتشاءم النَّاس بأبي بكر، وإلا أني علمت أنه لن يقوم مقامه أحد إلا تشاءم النَّاس به، فأحببت أن يعدل ذلك رسول الله عن أبي بكر إلى غيره.
وفي صحيح مسلم من حديث عبد الرزاق عن معمر، عن الزُّهري قال: وأخبرني حمزة بن عبد الله بن عمر عن عائشة قالت: لما دخل رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم بيتي قال: ((مُروا أبا بكر فليصل بالنَّاس)).
قالت: قلت: يا رسول الله إن أبا بكر رجل رقيق، إذا قرأ القرآن لا يملك دمعه، فلو أمرت غير أبي بكر.
قالت: والله!ما بي إلا كراهية أن يتشاءم النَّاس بأول من يقوم في مقام رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم.
قالت: فراجعته مرتين، أو ثلاثاً.
فقال: ((ليصل بالنَّاس أبو بكر، فإنكن صواحب يوسف)).
وفي الصحيحين من حديث عبد الملك بن عمير عن أبي بردة، عن أبي موسى، عن أبيه قال: مرض رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فقال: ((مروا أبا بكر فليصل بالنَّاس)).
فقالت عائشة: يا رسول الله إن أبا بكر رجل رقيق، متى يقم مقامك لا يستطيع يصلي بالنَّاس.
قال: فقال: ((مروا أبا بكر يصل بالنَّاس، فإنكن صواحب يوسف)).
قال: فصلى أبو بكر حياة رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم.
وقال الإمام أحمد: ثنا عبد الرحمن بن مهدي، أنبأنا زائدة بن قدامة عن موسى ابن أبي عائشة، عن عبيد الله بن عبد الله قال: دخلت على عائشة فقلت: ألا تحدثيني عن مرض رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم.
فقالت: بلى!ثقل برسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وجعه.
فقال: ((أصلى النَّاس؟))
قلنا: لا، هم ينتظرونك يا رسول الله.
فقال: ((صبوا إلي ماء في المخضب)) ففعلنا قالت: فاغتسل، ثم ذهب لينوء فأغمى عليه، ثم أفاق فقال: ((أصلى النَّاس؟))
قلنا: لا هم ينتظرونك يا رسول الله.
قال: ((ضعوا لي ماء في المخضب)) ففعلنا، فاغتسل ثم ذهب لينوء فأغمي عليه، ثم أفاق فقال: ((أصلى النَّاس؟))
قلنا: لا، هم ينتظرونك يا رسول الله.
قال: ((ضعوا لي ماء في المخضب)) ففعلنا، فاغتسل ثم ذهب لينوء فأغمي عليه، ثم أفاق فقال: ((أصلى النَّاس؟))
قلنا: لا، هم ينتظرونك يا رسول الله، قالت: والنَّاس عكوف في المسجد ينتظرون رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم لصلاة العشاء، فأرسل رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم إلى أبي بكر بأن يصلي بالنَّاس، وكان أبو بكر رجلاً رقيقاً
فقال: يا عمر صلِّ بالنَّاس.
فقال: أنت أحق بذلك. (ج /ص:5/254)
فصلى بهم تلك الأيام،
ثم إن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وجد خفة، فخرج بين رجلين أحدهما: العبَّاس لصلاة الظهر، فلما رآه أبو بكر ذهب ليتأخَّر، فأومأ إليه أن لا يتأخَّر، وأمرهما فأجلساه إلى جنبه، فجعل أبو بكر يصلي قائماً، ورسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يصلي قاعداً. ......وقد رواه البخاري ومسلم جميعاً عن أحمد بن يونس، عن زائدة به.
وفي رواية: فجعل أبو بكر يصلي بصلاة رسول الله وهو قائم، والنَّاس يصلون بصلاة أبي بكر، ورسول الله قاعد.
قال البيهقي: ففي هذا أن النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم تقدم في هذه الصلاة، وعلَّق أبو بكر صلاته بصلاته.
قال: وكذلك رواه الأسود وعروة عن عائشة.
وقال أحمد: ثنا بكر بن عيسى سمعت شعبة بن الحجاج عن نعيم ابن أبي هند، عن أبي وائل، عن مسروق، عن عائشة أن أبا بكر صلى بالنَّاس ورسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم في الصفّ.
وقال البيهقي: أخبرنا أبو الحسين بن الفضل القطان، أنبأنا عبد الله بن جعفر، أنبأنا يعقوب بن سفيان، حدثنا مسلم بن إبراهيم، ثنا شعبة عن سليمان الأعمش، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عائشة أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم صلى خلف أبا بكر.
وهذا إسناد جيد، ولم يخرِّجوه.
قال البيهقي: وكذلك رواه حميد عن أنس بن مالك، ويونس عن الحسن مرسلاً، ثم أسند ذلك من طريق هشيم، أخبرنا يونس عن الحسن قال هشيم: وأنبانا حميد عن أنس بن مالك: أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم خرج وأبو بكر يصلي بالنَّاس فجلس إلى جنبه، وهو في بردة قد خالف بين طرفيها، فصلى بصلاته. (ج/ص:5/255)
قال البيهقي: وأخبرنا علي بن أحمد بن عبدان، أنبأنا أحمد بن عبيد الصفار، ثنا عبيد بن شريك، أنبأنا ابن أبي مريم، أنبأنا محمد بن جعفر، أخبرني حميد أنه سمع أنساً يقول: آخر صلاة صلاها رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم مع القوم، في ثوب واحد ملتحفاً به خلف أبي بكر.
قلت: وهذا إسناد جيد على شرط الصحيح، ولم يخرّجوه، وهذا التقييد جيد بأنها آخر صلاة صلاها مع النَّاس صلوات الله وسلامه عليه.
وقد ذكر البيهقي من طريق سليمان بن بلال، ويحيى بن أيوب عن حميد، عن أنس أن النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم صلى خلف أبي بكر في ثوب واحد برد مخالفاً بين طرفيه، فلما أراد إن يقوم، قال: ((أدع لي أسامه بن زيد)) فجاء، فأسند ظهره إلى نحره، فكانت آخر صلاة صلاها.
قال البيهقي: ففي هذا دلالة أن هذه الصلاة كانت صلاة الصبح من يوم الاثنين يوم الوفاة، لأنها آخر صلاة صلاها، لما ثبت أنه توفي ضحى يوم الإثنين، وهذا الذي قاله البيهقي، أخذه مسلماً من مغازي موسى بن عقبة فإنه كذلك ذكر......
وقد رواه مسلم من حديث سفيان بن عيينة، وصبيح بن كيسان، ومعمر عن الزُّهري، عن أنس.
ثم قال البخاري: ثنا أبو معمر، ثنا عبد الوارث، ثنا عبد العزيز عن أنس بن مالك قال: لم يخرج النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم ثلاثاً، فأقيمت الصلاة، فذهب أبو بكر يتقدم فقال نبي الله بالحجاب، فرفعه فلما وضح وجه النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم ما نظرنا منظراً كان أعجب إلينا من وجه النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم حين وضح لنا، فأومأ النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم بيده إلى أبي بكر أن يتقدَّم، وأرخى النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم الحجاب فلم يقدر عليه حتَّى مات صلَّى الله عليه وسلَّم. (ج/ص:5/256)
ورواه مسلم من حديث عبد الصمد بن عبد الوارث، عن أبيه به.
فهذا أوضح دليل على أنه عليه السلام لم يصل يوم الإثنين صلاة الصبح مع النَّاس، وأنه كان قد انقطع عنهم، لم يخرج إليهم ثلاثاً.
قلنا: فعلى هذا يكون آخر صلاة صلاها معهم الظهر كما جاء مصرحاً به في حديث عائشة المتقدم، ويكون ذلك يوم الخميس لا يوم السبت، ولا يوم الأحد كما حكاه البيهقي عن مغازي موسى بن عقبة، وهو ضعيف، ولما قدمنا من خطبته بعدها، ولأنه انقطع عنهم يوم الجمعة، والسبت، والأحد، وهذه ثلاثة أيام كوامل.
وقال الزُّهري عن أبي بكر ابن أبي سبرة، أن أبا بكر صلى بهم سبع عشرة صلاة.
وقال غيره: عشرين صلاة، فالله أعلم.
ثم بدا لهم وجهه الكريم صبيحة يوم الإثنين، فودعهم بنظرة كادوا يفتتنون بها، ثم كان ذلك آخر عهد جمهورهم به، ولسان حالهم يقول: كما قال بعضهم:
قال: فخرجت فإذا عمر في النَّاس، وكان أبو بكر غائباً.
فقلت: قم يا عمر فصل بالنَّاس.
قال: فقام فلما كبَّر عمر سمع رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم صوته، وكان عمر رجلاً مجهراً.
فقال رسول الله: ((فأين أبو بكر، يأبى الله ذلك والمسلمون، يأبى الله ذلك والمسلمون)).
قال: فبعث إلى أبي بكر، فجاء بعد ما صلى عمر تلك الصلاة، فصلى بالنَّاس.
وقال عبد الله بن زمعة: قال لي عمر: ويحك ماذا صنعت يا ابن زمعة، ما ظننت حين أمرتني إلا أن رسول الله أمرني بذلك، ولولا ذلك ما صليت. قال: قلت: والله ما أمرني رسول الله، ولكن حين لم أر أبا بكر رأيتك أحق من حضر بالصلاة. وهكذا رواه أبو داود من حديث ابن إسحاق، حدثني الزُّهري.
وقال أبو داود: ثنا أحمد بن صالح، ... عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، أن عبد الله بن زمعة أخبره بهذا الخبر قال: لما سمع النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم صوت عمر.
قال ابن زمعة: خرج النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم حتَّى أطلع رأسه من حجرته، ثم قال: ((لا لا، لا يصلي للناس إلا ابن أبي قحافة)) يقول ذلك مغضباً.
وقال البخاري: ثنا عمر بن حفص، ثنا أبي، ثنا الأعمش عن إبراهيم، قال الأسود: كنا عند عائشة فذكرنا المواظبة على الصلاة والمواظبة لها.
قالت: لما مرض النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم مرضه الذي مات فيه، فحضرت الصلاة، فأذَّن بلال.
فقال: ((مروا أبا بكر فليصل بالنَّاس)).
فقيل له: إن أبا بكر رجل أسيف إذا قام مقامك لم يستطع أن يصلي بالنَّاس، وأعاد، فأعادوا له، فأعاد الثالثة فقال: ((إنكن صواحب يوسف، مروا أبا بكر فليصل بالنَّاس)).
فخرج أبو بكر فوجد النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم في نفسه خفة، فخرج يهادي بين رجلين كأني أنظر إلى رجليه تخطان من الوجع، فأراد أبو بكر أن يتأخَّر، فأومأ إليه النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم أن مكانك، ثم أتى به حتَّى جلس إلى جنبه. (ج /ص:5/253)
وقال البخاري: ثنا عبد الله بن يوسف، أنبأنا مالك عن هشام ابن عروة، عن أبيه، عن عائشة أنها قالت: إن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال في مرضه: ((مروا أبا بكر فليصل بالنَّاس)).
قال ابن شهاب: فأخبرني عبيد الله بن عبد الله عن عائشة أنها قالت: لقد عاودت رسول الله في ذلك، وما حملني على معاودته إلا أني خشيت أن يتشاءم النَّاس بأبي بكر، وإلا أني علمت أنه لن يقوم مقامه أحد إلا تشاءم النَّاس به، فأحببت أن يعدل ذلك رسول الله عن أبي بكر إلى غيره.
وفي صحيح مسلم من حديث عبد الرزاق عن معمر، عن الزُّهري قال: وأخبرني حمزة بن عبد الله بن عمر عن عائشة قالت: لما دخل رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم بيتي قال: ((مُروا أبا بكر فليصل بالنَّاس)).
قالت: قلت: يا رسول الله إن أبا بكر رجل رقيق، إذا قرأ القرآن لا يملك دمعه، فلو أمرت غير أبي بكر.
قالت: والله!ما بي إلا كراهية أن يتشاءم النَّاس بأول من يقوم في مقام رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم.
قالت: فراجعته مرتين، أو ثلاثاً.
فقال: ((ليصل بالنَّاس أبو بكر، فإنكن صواحب يوسف)).
وفي الصحيحين من حديث عبد الملك بن عمير عن أبي بردة، عن أبي موسى، عن أبيه قال: مرض رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فقال: ((مروا أبا بكر فليصل بالنَّاس)).
فقالت عائشة: يا رسول الله إن أبا بكر رجل رقيق، متى يقم مقامك لا يستطيع يصلي بالنَّاس.
قال: فقال: ((مروا أبا بكر يصل بالنَّاس، فإنكن صواحب يوسف)).
قال: فصلى أبو بكر حياة رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم.
وقال الإمام أحمد: ثنا عبد الرحمن بن مهدي، أنبأنا زائدة بن قدامة عن موسى ابن أبي عائشة، عن عبيد الله بن عبد الله قال: دخلت على عائشة فقلت: ألا تحدثيني عن مرض رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم.
فقالت: بلى!ثقل برسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وجعه.
فقال: ((أصلى النَّاس؟))
قلنا: لا، هم ينتظرونك يا رسول الله.
فقال: ((صبوا إلي ماء في المخضب)) ففعلنا قالت: فاغتسل، ثم ذهب لينوء فأغمى عليه، ثم أفاق فقال: ((أصلى النَّاس؟))
قلنا: لا هم ينتظرونك يا رسول الله.
قال: ((ضعوا لي ماء في المخضب)) ففعلنا، فاغتسل ثم ذهب لينوء فأغمي عليه، ثم أفاق فقال: ((أصلى النَّاس؟))
قلنا: لا، هم ينتظرونك يا رسول الله.
قال: ((ضعوا لي ماء في المخضب)) ففعلنا، فاغتسل ثم ذهب لينوء فأغمي عليه، ثم أفاق فقال: ((أصلى النَّاس؟))
قلنا: لا، هم ينتظرونك يا رسول الله، قالت: والنَّاس عكوف في المسجد ينتظرون رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم لصلاة العشاء، فأرسل رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم إلى أبي بكر بأن يصلي بالنَّاس، وكان أبو بكر رجلاً رقيقاً
فقال: يا عمر صلِّ بالنَّاس.
فقال: أنت أحق بذلك. (ج /ص:5/254)
فصلى بهم تلك الأيام،
ثم إن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وجد خفة، فخرج بين رجلين أحدهما: العبَّاس لصلاة الظهر، فلما رآه أبو بكر ذهب ليتأخَّر، فأومأ إليه أن لا يتأخَّر، وأمرهما فأجلساه إلى جنبه، فجعل أبو بكر يصلي قائماً، ورسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يصلي قاعداً. ......وقد رواه البخاري ومسلم جميعاً عن أحمد بن يونس، عن زائدة به.
وفي رواية: فجعل أبو بكر يصلي بصلاة رسول الله وهو قائم، والنَّاس يصلون بصلاة أبي بكر، ورسول الله قاعد.
قال البيهقي: ففي هذا أن النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم تقدم في هذه الصلاة، وعلَّق أبو بكر صلاته بصلاته.
قال: وكذلك رواه الأسود وعروة عن عائشة.
وقال أحمد: ثنا بكر بن عيسى سمعت شعبة بن الحجاج عن نعيم ابن أبي هند، عن أبي وائل، عن مسروق، عن عائشة أن أبا بكر صلى بالنَّاس ورسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم في الصفّ.
وقال البيهقي: أخبرنا أبو الحسين بن الفضل القطان، أنبأنا عبد الله بن جعفر، أنبأنا يعقوب بن سفيان، حدثنا مسلم بن إبراهيم، ثنا شعبة عن سليمان الأعمش، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عائشة أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم صلى خلف أبا بكر.
وهذا إسناد جيد، ولم يخرِّجوه.
قال البيهقي: وكذلك رواه حميد عن أنس بن مالك، ويونس عن الحسن مرسلاً، ثم أسند ذلك من طريق هشيم، أخبرنا يونس عن الحسن قال هشيم: وأنبانا حميد عن أنس بن مالك: أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم خرج وأبو بكر يصلي بالنَّاس فجلس إلى جنبه، وهو في بردة قد خالف بين طرفيها، فصلى بصلاته. (ج/ص:5/255)
قال البيهقي: وأخبرنا علي بن أحمد بن عبدان، أنبأنا أحمد بن عبيد الصفار، ثنا عبيد بن شريك، أنبأنا ابن أبي مريم، أنبأنا محمد بن جعفر، أخبرني حميد أنه سمع أنساً يقول: آخر صلاة صلاها رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم مع القوم، في ثوب واحد ملتحفاً به خلف أبي بكر.
قلت: وهذا إسناد جيد على شرط الصحيح، ولم يخرّجوه، وهذا التقييد جيد بأنها آخر صلاة صلاها مع النَّاس صلوات الله وسلامه عليه.
وقد ذكر البيهقي من طريق سليمان بن بلال، ويحيى بن أيوب عن حميد، عن أنس أن النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم صلى خلف أبي بكر في ثوب واحد برد مخالفاً بين طرفيه، فلما أراد إن يقوم، قال: ((أدع لي أسامه بن زيد)) فجاء، فأسند ظهره إلى نحره، فكانت آخر صلاة صلاها.
قال البيهقي: ففي هذا دلالة أن هذه الصلاة كانت صلاة الصبح من يوم الاثنين يوم الوفاة، لأنها آخر صلاة صلاها، لما ثبت أنه توفي ضحى يوم الإثنين، وهذا الذي قاله البيهقي، أخذه مسلماً من مغازي موسى بن عقبة فإنه كذلك ذكر......
وقد رواه مسلم من حديث سفيان بن عيينة، وصبيح بن كيسان، ومعمر عن الزُّهري، عن أنس.
ثم قال البخاري: ثنا أبو معمر، ثنا عبد الوارث، ثنا عبد العزيز عن أنس بن مالك قال: لم يخرج النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم ثلاثاً، فأقيمت الصلاة، فذهب أبو بكر يتقدم فقال نبي الله بالحجاب، فرفعه فلما وضح وجه النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم ما نظرنا منظراً كان أعجب إلينا من وجه النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم حين وضح لنا، فأومأ النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم بيده إلى أبي بكر أن يتقدَّم، وأرخى النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم الحجاب فلم يقدر عليه حتَّى مات صلَّى الله عليه وسلَّم. (ج/ص:5/256)
ورواه مسلم من حديث عبد الصمد بن عبد الوارث، عن أبيه به.
فهذا أوضح دليل على أنه عليه السلام لم يصل يوم الإثنين صلاة الصبح مع النَّاس، وأنه كان قد انقطع عنهم، لم يخرج إليهم ثلاثاً.
قلنا: فعلى هذا يكون آخر صلاة صلاها معهم الظهر كما جاء مصرحاً به في حديث عائشة المتقدم، ويكون ذلك يوم الخميس لا يوم السبت، ولا يوم الأحد كما حكاه البيهقي عن مغازي موسى بن عقبة، وهو ضعيف، ولما قدمنا من خطبته بعدها، ولأنه انقطع عنهم يوم الجمعة، والسبت، والأحد، وهذه ثلاثة أيام كوامل.
وقال الزُّهري عن أبي بكر ابن أبي سبرة، أن أبا بكر صلى بهم سبع عشرة صلاة.
وقال غيره: عشرين صلاة، فالله أعلم.
ثم بدا لهم وجهه الكريم صبيحة يوم الإثنين، فودعهم بنظرة كادوا يفتتنون بها، ثم كان ذلك آخر عهد جمهورهم به، ولسان حالهم يقول: كما قال بعضهم:
وَكنتُ أرَى كالموتِ منْ بينِ ساعةٍ فكيفَ ببينٍ كانَ موعدهُ الحشرُ
هومه
- مساهمة رقم 5
رد: محمد صلى الله عليه وسلم والرفيق الأعلى
شدة توجعه صلى الله عليه وسلم واحتضاره
قال الإمام أحمد: ثنا أبو معاوية، ثنا الأعمش عن إبراهيم التيمي، عن الحارث بن سويد، عن عبد الله هو: ابن مسعود قال: دخلت على النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم وهو يوعك، فمسسته فقلت: يا رسول الله إنك لتوعك وعكاً شديداً.
قال: ((أجل!إني أوعك كما يوعك الرجلان منكم)).
قلت: إن لك أجرين؟
قال: ((نعم!والذي نفسي بيده ما على الأرض مسلم يصيبه أذى من مرض فما سواه، إلا حطَّ الله عنه خطاياه كما تحطُّ الشجرة ورقها)). وقد أخرجه البخاري ومسلم من طرق متعددة عن سليمان بن مهران الأعمش به.
وقد روى البخاري ومسلم من حديث سفيان الثوري، وشعبة بن الحجاج، زاد مسلم - وجرير - ثلاثتهم عن الأعمش، عن أبي وائل شقيق بن سلمة، عن مسروق، عن عائشة قالت: ما رأيت الوجع على أحد أشد منه على رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم.
وفي صحيح البخاري من حديث يزيد بن الهاد عن عبد الرحيم بن القاسم، عن أبيه، عن عائشة قالت: مات رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم بين حاقنتي وذاقنتي، فلا أكره شدة الموت لأحد بعد النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم. (ج/ص:5/258)
وفي الحديث الآخر الذي رواه البخاري في صحيحه قال: قال رسول الله: ((أشدُّ النَّاس بلاء الأنبياء ثمَّ الصالحون، ثمَّ الأمثل فالأمثل، يبتلى الرجل على حسب دينه، فإن كان في دينه صلابة شدِّد عليه في البلاء)).
وقال الإمام أحمد: حدثنا يعقوب، ثنا أبي، حدثنا محمد بن إسحاق، حدثني سعيد بن عبيد بن السباق عن محمد بن أسامة بن زيد قال: لما ثقل رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم هبطت وهبط النَّاس معي إلى المدينة، فدخلت على رسول الله وقد أصمت فلا يتكلم، فجعل يرفع يديه إلى السماء، ثمَّ يصيبها على وجهه، أعرف أنَّه يدعو لي.
وقال الإمام أحمد: حدثنا أسباط بن محمد، ثنا التيمي عن قتادة، عن أنس بن مالك قال: كانت عامة وصية رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم حين حضر الموت: الصلاة، وما ملكت أيمانكم، حتَّى جعل رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يغرغر بها صدره، وما يكاد يفيض بها لسانه.
وقال أحمد: ثنا بكر بن عيسى الراسبي، ثنا عمر بن الفضيل عن نعيم بن يزيد، عن علي ابن أبي طالب قال: أمرني رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم أن آتيه بطبق يكتب فيه ما لا تضلُّ أمته من بعده.
قال: فخشيت أن تفوتني نفسه.
قال: قلت: إني أحفظ وأعي قال: ((أوصي بالصَّلاة، والزَّكاة، وما ملكت أيمانكم)) تفرَّد به أحمد من هذا الوجه
.
وقال يعقوب بن سفيان: ثنا أبو النعمان محمد بن الفضل، ثنا أبو عوانة عن قتادة، عن سفينة، عن أم سلمة قالت: كان عامة وصية رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم عند موته: الصلاة، وما ملكت إيمانكم، حتَّى جعل يلجلجها في صدره وما يفيض بها لسانه. وهكذا رواه النسائي.
وقال أحمد: ثنا يونس، ثنا اللَّيث عن يزيد بن الهاد، عن موسى بن سرجس، عن القاسم، عن عائشة قالت: رأيت رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وهو يموت، وعنده قدح فيه ماء، فيدخل يده في القدح ثمَّ يمسح وجهه بالماء ثمَّ يقول: ((اللَّهم أعني على سكرات الموت)). ورواه التِّرمذي، والنسائي، وابن ماجه من حديث اللَّيث به.
وقال التِّرمذي: غريب.
وقال حماد بن زيد عن أيوب، عن ابن أبي مليكة قال: قالت عائشة: توفي رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم في بيتي ويومي، وتوفي بين سحري ونحري، وكان جبريل يعوذه بدعاء إذا مرض، فذهبت أعوذه، فرفع بصره إلى السماء وقال: ((في الرفيق الأعلى، في الرفيق الأعلى))
ودخل عبد الرحمن ابن أبي بكر وبيده جريدة رطبة فنظر إليه، فظننت أن له بها حاجة قالت: فأخذتها فنفضتها، فدفعتها إليه فاستن بها أحسن ما كان مستناً، ثم ذهب يناولنيها فسقطت من يده قالت: فجمع الله بين ريقي وريقه في آخر يوم من الدنيا، وأول يوم من الآخرة. ورواه البخاري عن سليمان بن جرير، عن حماد بن زيد به. (ج/ص:5/260)
وقال البيهقي: أنبانا أبو عبد الله الحافظ، أخبرني أبو نصر أحمد بن سهل الفقيه ببخارى، ثنا صالح بن محمد الحافظ البغدادي، ثنا داود بن عمرو بن زهير الضبي، ثنا عيسى بن يونس عن عمر بن سعيد ابن أبي حسين، أنبأنا ابن أبي مليكة أن أبا عمرو ذكوان مولى عائشة أخبره أنَّ عائشة كانت تقول: إنَّ من نعمة الله عليَّ أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم توفي في يومي، وفي بيتي، وبين سحري ونحري، وإن الله جمع بين ريقي وريقه عند الموت. قالت: دخل عليَّ أخي بسواك معه، وأنا مسندة رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم إلى صدري، فرأيته ينظر إليه وقد عرفت أنه يحبُّ السواك ويألفه، فقلت: آخذه لك، فأراد برأسه أي نعم!فلينته له، فأمرَّه على فِيه قالت: وبين يديه ركوة، أو علبة فيها ماء، فجعل يدخل يده في الماء فيمسح بها وجهه ثمَّ يقول: ((لا إله إلا الله، إنَّ للموت لسكرات)) ثم نصب إصبعه اليسرى وجعل يقول: ((في الرفيق الأعلى، في الرفيق الأعلى)) حتَّى قبض ومالت يده على الماء. ورواه البخاري عن محمد، عن عيسى بن يونس.
وقال الزُّهري: أخبرني سعيد بن المسيب وعروة بن الزبير في رجال من أهل العلم أن عائشة قالت: كان رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يقول وهو صحيح: ((إنَّه لم يقبض نبي حتَّى يرى مقعده من الجنة ثمَّ يخيَّر)).
قال الإمام أحمد: ثنا أبو معاوية، ثنا الأعمش عن إبراهيم التيمي، عن الحارث بن سويد، عن عبد الله هو: ابن مسعود قال: دخلت على النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم وهو يوعك، فمسسته فقلت: يا رسول الله إنك لتوعك وعكاً شديداً.
قال: ((أجل!إني أوعك كما يوعك الرجلان منكم)).
قلت: إن لك أجرين؟
قال: ((نعم!والذي نفسي بيده ما على الأرض مسلم يصيبه أذى من مرض فما سواه، إلا حطَّ الله عنه خطاياه كما تحطُّ الشجرة ورقها)). وقد أخرجه البخاري ومسلم من طرق متعددة عن سليمان بن مهران الأعمش به.
وقد روى البخاري ومسلم من حديث سفيان الثوري، وشعبة بن الحجاج، زاد مسلم - وجرير - ثلاثتهم عن الأعمش، عن أبي وائل شقيق بن سلمة، عن مسروق، عن عائشة قالت: ما رأيت الوجع على أحد أشد منه على رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم.
وفي صحيح البخاري من حديث يزيد بن الهاد عن عبد الرحيم بن القاسم، عن أبيه، عن عائشة قالت: مات رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم بين حاقنتي وذاقنتي، فلا أكره شدة الموت لأحد بعد النَّبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم. (ج/ص:5/258)
وفي الحديث الآخر الذي رواه البخاري في صحيحه قال: قال رسول الله: ((أشدُّ النَّاس بلاء الأنبياء ثمَّ الصالحون، ثمَّ الأمثل فالأمثل، يبتلى الرجل على حسب دينه، فإن كان في دينه صلابة شدِّد عليه في البلاء)).
وقال الإمام أحمد: حدثنا يعقوب، ثنا أبي، حدثنا محمد بن إسحاق، حدثني سعيد بن عبيد بن السباق عن محمد بن أسامة بن زيد قال: لما ثقل رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم هبطت وهبط النَّاس معي إلى المدينة، فدخلت على رسول الله وقد أصمت فلا يتكلم، فجعل يرفع يديه إلى السماء، ثمَّ يصيبها على وجهه، أعرف أنَّه يدعو لي.
وقال الإمام أحمد: حدثنا أسباط بن محمد، ثنا التيمي عن قتادة، عن أنس بن مالك قال: كانت عامة وصية رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم حين حضر الموت: الصلاة، وما ملكت أيمانكم، حتَّى جعل رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يغرغر بها صدره، وما يكاد يفيض بها لسانه.
وقال أحمد: ثنا بكر بن عيسى الراسبي، ثنا عمر بن الفضيل عن نعيم بن يزيد، عن علي ابن أبي طالب قال: أمرني رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم أن آتيه بطبق يكتب فيه ما لا تضلُّ أمته من بعده.
قال: فخشيت أن تفوتني نفسه.
قال: قلت: إني أحفظ وأعي قال: ((أوصي بالصَّلاة، والزَّكاة، وما ملكت أيمانكم)) تفرَّد به أحمد من هذا الوجه
.
وقال يعقوب بن سفيان: ثنا أبو النعمان محمد بن الفضل، ثنا أبو عوانة عن قتادة، عن سفينة، عن أم سلمة قالت: كان عامة وصية رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم عند موته: الصلاة، وما ملكت إيمانكم، حتَّى جعل يلجلجها في صدره وما يفيض بها لسانه. وهكذا رواه النسائي.
وقال أحمد: ثنا يونس، ثنا اللَّيث عن يزيد بن الهاد، عن موسى بن سرجس، عن القاسم، عن عائشة قالت: رأيت رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وهو يموت، وعنده قدح فيه ماء، فيدخل يده في القدح ثمَّ يمسح وجهه بالماء ثمَّ يقول: ((اللَّهم أعني على سكرات الموت)). ورواه التِّرمذي، والنسائي، وابن ماجه من حديث اللَّيث به.
وقال التِّرمذي: غريب.
وقال حماد بن زيد عن أيوب، عن ابن أبي مليكة قال: قالت عائشة: توفي رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم في بيتي ويومي، وتوفي بين سحري ونحري، وكان جبريل يعوذه بدعاء إذا مرض، فذهبت أعوذه، فرفع بصره إلى السماء وقال: ((في الرفيق الأعلى، في الرفيق الأعلى))
ودخل عبد الرحمن ابن أبي بكر وبيده جريدة رطبة فنظر إليه، فظننت أن له بها حاجة قالت: فأخذتها فنفضتها، فدفعتها إليه فاستن بها أحسن ما كان مستناً، ثم ذهب يناولنيها فسقطت من يده قالت: فجمع الله بين ريقي وريقه في آخر يوم من الدنيا، وأول يوم من الآخرة. ورواه البخاري عن سليمان بن جرير، عن حماد بن زيد به. (ج/ص:5/260)
وقال البيهقي: أنبانا أبو عبد الله الحافظ، أخبرني أبو نصر أحمد بن سهل الفقيه ببخارى، ثنا صالح بن محمد الحافظ البغدادي، ثنا داود بن عمرو بن زهير الضبي، ثنا عيسى بن يونس عن عمر بن سعيد ابن أبي حسين، أنبأنا ابن أبي مليكة أن أبا عمرو ذكوان مولى عائشة أخبره أنَّ عائشة كانت تقول: إنَّ من نعمة الله عليَّ أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم توفي في يومي، وفي بيتي، وبين سحري ونحري، وإن الله جمع بين ريقي وريقه عند الموت. قالت: دخل عليَّ أخي بسواك معه، وأنا مسندة رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم إلى صدري، فرأيته ينظر إليه وقد عرفت أنه يحبُّ السواك ويألفه، فقلت: آخذه لك، فأراد برأسه أي نعم!فلينته له، فأمرَّه على فِيه قالت: وبين يديه ركوة، أو علبة فيها ماء، فجعل يدخل يده في الماء فيمسح بها وجهه ثمَّ يقول: ((لا إله إلا الله، إنَّ للموت لسكرات)) ثم نصب إصبعه اليسرى وجعل يقول: ((في الرفيق الأعلى، في الرفيق الأعلى)) حتَّى قبض ومالت يده على الماء. ورواه البخاري عن محمد، عن عيسى بن يونس.
وقال الزُّهري: أخبرني سعيد بن المسيب وعروة بن الزبير في رجال من أهل العلم أن عائشة قالت: كان رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يقول وهو صحيح: ((إنَّه لم يقبض نبي حتَّى يرى مقعده من الجنة ثمَّ يخيَّر)).
قالت عائشة: فلما نزل برسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ورأسه على فخذي - غشي عليه ساعة ثمَّ أفاق، فأشخص بصره إلى سقف البيت وقال: ((اللهم الرفيق الأعلى)) فعرفت أنه الحديث الذي كان حدَّثناه، وهو صحيح أنه لم يقبض نبي قط حتَّى يرى مقعده من الجنَّة ثمَّ يخيَّر.
قالت عائشة: فقلت: إذاً لا تختارنا وقالت عائشة: كانت تلك الكلمة آخر كلمة تكلَّم بها رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ((الرفيق الأعلى)).
أخرجاه من غير وجه عن الزُّهري به. (ج/ص:5/261)
وقال البيهقي: أنبأنا أبو عبد الله الحافظ وغيره قالوا: ثنا أبو العبَّاس ...، عن عباد بن عبد الله بن الزبير، أنَّ عائشة أخبرته أنها سمعت رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وأصغت إليه قبل أن يموت وهو مسند إلى صدرها يقول: ((اللهم اغفر لي وارحمني وألحقني بالرفيق)). أخرجاه من حديث هشام بن عروة.
وقال الإمام أحمد: حدثنا يعقوب، ثنا أبي عن ابن إسحاق، حدثني يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير عن أبيه عباد سمعت عائشة تقول: مات رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم بين سحري ونحري وفي دولتي، ولم أظلم فيه أحداً فمن سفهي وحداثة سني، أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قبض وهو في حجري، ثم وضعت رأسه على وسادة، وقمت ألدم مع النساء وأضرب وجهي.
وقال الإمام أحمد: حدثنا محمد بن عبد الله بن الزبير، ثنا كثير بن زيد عن المطلب بن عبد الله قال: قالت عائشة: كان رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يقول: ((ما من نبي إلا تقبض نفسه ثم يرى الثواب، ثم ترد إليه فيخيَّر بين أن ترد إليه وبين أن يلحق)) فكنت قد حفظت ذلك منه، فإني لمسندته إلى صدري، فنظرت إليه حين مالت عنقه، فقلت: قد قضى فعرفت الذي قال، فنظرت إليه حين ارتفع فنظر قالت: قلت: إذاً والله لا يختارنا فقال: ((مع الرفيق الأعلى في الجنة، مع الذين أنعم الله عليهم من النَّبيّين والصديقين، والشهداء، والصالحين، وحسن أولئك رفيقاً)).
تفرد به أحمد، ولم يخرِّجوه.
وقال الإمام أحمد: حدثنا عفان، أنبأنا همام، أنبأنا هشام بن عروة عن أبيه، عن عائشة قالت: قبض رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ورأسه بين سحري ونحري قالت: فلما خرجت نفسه لم أجد ريحاً قط أطيب منها.
وهذا إسناد صحيح على شرط الصحيحين، ولم يخرِّجه أحد من أصحاب الكتب الستة.
وقال أحمد: حدثنا عفان، وبهز قالا: ثنا سليمان بن المغيرة، ثنا حميد بن هلال عن أبي بردة قال: دخلت على عائشة فأخرجت إلينا إزاراً غليظاً مما يصنع باليمن، وكساء من التي يدعون الملبدة فقالت: إن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قبض في هذين الثوبين.
وقد رواه الجماعة إلا النسائي من طرق عن حميد بن هلال به. وقال التِّرمذي: حسن صحيح. (ج/ص:5/262)
وقال الإمام أحمد: حدثنا بهز، ثنا حماد بن سلمة، أنبأنا أبو عمران الجوني عن يزيد بن بابنوس قال: ذهبت أنا وصاحب لي إلى عائشة .......... ثم قالت: كان رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم إذا مرَّ ببابي مما يلقي الكلمة ينفعني الله بها، فمرَّ ذات يوم فلم يقل شيئاً، ثم مرَّ فلم يقل شيئاً، مرتين أو ثلاثاً فقلت: يا جارية ضعي لي وسادة على الباب، وعصبت رأسي
فمرَّ بي فقال: ((يا عائشة ما شأنك؟))
فقلت: أشتكي رأسي.
فقال: أنا وارأساه،
فذهب فلم يلبث إلا يسيراً حتَّى جيء به محمولاً في كساء، فدخل عليَّ وبعث إلى النساء فقال: ((إني قد اشتكيت، وإني لا أستطيع أن أدور بينكن، فإذنَّ لي فلأكن عند عائشة،
فكنت أمرضه ولم أمرِّض أحداً قبله،
فبينما رأسه ذات يوم على منكبي إذ مال رأسه نحو رأسي، فظننت أنه يريد من رأسي حاجة، فخرجت من فِيه نقطة باردة، فوقعت على نقرة نحري فاقشعر لها جلدي، فظننت أنه غشي عليه، فسجيته ثوباً،
فجاء عمر والمغيرة بن شعبة فاستأذنا، فأذنت لهما، وجذبت إليَّ الحجاب،
فنظر عمر إليه فقال: واغشياه، ما أشدَّ غشي رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ثم قاما
فلما دنوا من الباب قال المغيرة: يا عمر مات رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم.
فقلت: كذبت بل أنت رجل تحوسك فتنة، إن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم لا يموت حتَّى يفني الله المنافقين.
قالت: ثم جاء أبو بكر، فرفعت الحجاب، فنظر إليه فقال: إنا لله وإنا إليه راجعون مات رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ثم أتاه من قبل رأسه فحدرناه، فقبَّل جبهته ثم قال: وانبياه، ثم رفع رأسه فحدرناه، وقبَّل جبهته، ثم قال: واصفياه، ثم رفع رأسه وحدرناه، وقبَّل جبهته وقال: واخليلاه، مات رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وخرج إلى المسجد،
وعمر يخطب النَّاس، ويتكلم ويقول: إنَّ رسول الله لا يموت حتَّى يفني الله المنافقين.
فتكلم أبو بكر فحمد الله، وأثنى عليه، ثم قال: إنَّ الله يقول: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ} [الزمر: 30]. حتَّى فرغ من الآية {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ} [آل عمران: 144] حتَّى فرغ من الآية، ثم قال: فمن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت، ومن كان يعبد محمد فإن محمداً قد مات.
فقال عمر: أو إنها في كتاب الله؟ ما شعرت أنها في كتاب الله.
ثم قال عمر: يا أيها النَّاس هذا أبو بكر وهو ذو شيبة المسلمين، فبايعوه فبايعوه.
وقد روى أبو داود، والتِّرمذي في (الشمائل) من حديث مرحوم بن عبد العزيز العطار عن أبي عمران الجوني به ببعضه. (ج/ص:5/263)
وقال الحافظ البيهقي: أنبأنا أبو عبد الله الحافظ، ... أخبرني أبو سلمة عن عبد الرحمن أن عائشة أخبرته: أن أبا بكر أقبل على فرس من مسكنه بالسنح حتَّى نزل فدخل المسجد، فلم يكلّم النَّاس حتَّى دخل على عائشة،
فيمم رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وهو مسجَّى ببرد حبرة فكشف عن وجهه، ثم أكبَّ عليه فقبَّله، ثم بكى ثم قال: بأبي أنت وأمي يا رسول الله، والله لا يجمع الله عليك موتتين أبداً، أما الموتة التي كتبت عليك فقد متَّها.
قال الزُّهري: وحدثني أبو سلمة عن ابن عبَّاس أن أبا بكر خرج وعمر يكلم النَّاس فقال: اجلس يا عمر!
فأبى عمر أن يجلس.
فقال: اجلس يا عمر.
فأبى عمر أن يجلس، فتشهد أبو بكر فأقبل النَّاس إليه فقال: أما بعد فمن كان منكم يعبد محمداً فإن محمداً قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت قال الله تعالى: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ} [آل عمران: 144] الآية.
قال: فوالله لكأن النَّاس لم يعلموا أن الله أنزل هذه الآية حتَّى تلاها أبو بكر، فتلقاها منه النَّاس كلهم فما سمع بشر من النَّاس إلا يتلوها.
قال الزُّهري: وأخبرني سعيد بن المسيب أن عمر قال: والله ما هو إلا أن سمعت أبا بكر تلاها فعرفت أنه الحق، فعقرت حتَّى ما تقلني رجلاي وحتَّى هويت إلى الأرض، وعرفت حين سمعته تلاها أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قد مات.
ورواه البخاري عن يحيى ابن بكير به. (ج/ص:5/264)
وروى الحافظ البيهقي: من طريق ابن لهيعة، ثنا أبو الأسود عن عروة بن الزبير في ذكر وفاة رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال: وقام عمر بن الخطاب يخطب النَّاس، ويتوعَّد من قال مات، بالقتل والقطع ويقول: إن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم في غشية، لو قد قام قتل وقطع، وعمرو بن قيس بن زائدة بن الأصم بن أم مكتوم قائم في مؤخر المسجد يقرأ: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ} الآية والنَّاس في المسجد يبكون ويموجون لا يسمعون، فخرج عبَّاس بن عبد المطلب على النَّاس فقال: يا أيها النَّاس هل عند أحد منكم من عهد من رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم في وفاته فليحدِّثنا.
قالوا: لا!
قال: هل عندك يا عمر من علم؟
قال: لا!
فقال العبَّاس: اشهدوا أيها النَّاس أن أحداً لا يشهد على رسول الله بعهد عهده إليه في وفاته، والله الذي لا إله إلا هو لقد ذاق رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم الموت.
قال: وأقبل أبو بكر رضي الله عنه من السنح على دابته، حتَّى نزل بباب المسجد وأقبل مكروباً حزيناً، فاستأذن في بيت ابنته عائشة، فأذنت له فدخل ورسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قد توفي على الفراش والنسوة حوله، فخمرن وجوههن، واستترن من أبي بكر إلا ما كان من عائشة، فكشف عن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فحثى عليه يقبِّله ويبكي ويقول: ليس ما يقوله ابن الخطاب شيئاً، توفي رسول الله والذي نفسي بيده، رحمة الله عليك يا رسول الله، ما أطيبك حياً وميتاً، ثم غشاه بالثوب، ثم خرج سريعاً إلى المسجد يتخطى رقاب النَّاس، حتَّى أتى المنبر وجلس عمر حين رأى أبا بكر مقبلاً إليه، وقام أبو بكر إلى جانب المنبر ونادى النَّاس فجلسوا وأنصتوا، فتشهد أبو بكر بما علمه من التشهد وقال: إن الله عز وجل نعى نبيه إلى نفسه وهو حي بين أظهركم، ونعاكم إلى أنفسكم وهو الموت حتَّى لا يبقى منكم أحد إلا الله عز وجل قال تعالى: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ} الآية.
فقال عمر: هذه الآية في القرآن؟ والله ما علمت أن هذه الآية أنزلت قبل اليوم.
وقد قال الله تعالى لمحمد صلَّى الله عليه وسلَّم: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ} [الزمر: 30].
وقال الله تعالى: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ}. [القصص: 88].
وقال تعالى: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ}. [الرحمن: 26-27].
وقال: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ}[آل عمران: 185].
وقال: إن الله عمَّر محمداً صلَّى الله عليه وسلَّم وأبقاه حتَّى أقام دين الله، وأظهر أمر الله، وبلَّغ رسالة الله، وجاهد في سبيل الله، ثمَّ توفاه الله على ذلك وقد ترككم على الطريقة، فلن يهلك هالك إلا من بعد البينة والشفاء، فمن كان الله ربه فإن الله حيّ لا يموت، ومن كان يعبد محمداً وينزله إلهاً فقد هلك إلهه، فاتقوا الله أيها النَّاس واعتصموا بدينكم، وتوكلوا على ربكم، فإن دين الله قائم، وإن كلمة الله تامة، وإن الله ناصر من نصره ومعز دينه، وإن كتاب الله بين أظهرنا وهو النور والشفاء، وبه هدى الله محمداً صلَّى الله عليه وسلَّم وفيه حلال الله وحرامه، والله لا نبالي من أجلب علينا من خلق الله، إن سيوف الله لمسلولة ما وضعناها بعد، ولنجاهدن من خالفنا كما جاهدنا مع رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فلا يبغينَّ أحد إلا على نفسه.
=======================================قالت عائشة: فقلت: إذاً لا تختارنا وقالت عائشة: كانت تلك الكلمة آخر كلمة تكلَّم بها رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ((الرفيق الأعلى)).
أخرجاه من غير وجه عن الزُّهري به. (ج/ص:5/261)
وقال البيهقي: أنبأنا أبو عبد الله الحافظ وغيره قالوا: ثنا أبو العبَّاس ...، عن عباد بن عبد الله بن الزبير، أنَّ عائشة أخبرته أنها سمعت رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وأصغت إليه قبل أن يموت وهو مسند إلى صدرها يقول: ((اللهم اغفر لي وارحمني وألحقني بالرفيق)). أخرجاه من حديث هشام بن عروة.
وقال الإمام أحمد: حدثنا يعقوب، ثنا أبي عن ابن إسحاق، حدثني يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير عن أبيه عباد سمعت عائشة تقول: مات رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم بين سحري ونحري وفي دولتي، ولم أظلم فيه أحداً فمن سفهي وحداثة سني، أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قبض وهو في حجري، ثم وضعت رأسه على وسادة، وقمت ألدم مع النساء وأضرب وجهي.
وقال الإمام أحمد: حدثنا محمد بن عبد الله بن الزبير، ثنا كثير بن زيد عن المطلب بن عبد الله قال: قالت عائشة: كان رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يقول: ((ما من نبي إلا تقبض نفسه ثم يرى الثواب، ثم ترد إليه فيخيَّر بين أن ترد إليه وبين أن يلحق)) فكنت قد حفظت ذلك منه، فإني لمسندته إلى صدري، فنظرت إليه حين مالت عنقه، فقلت: قد قضى فعرفت الذي قال، فنظرت إليه حين ارتفع فنظر قالت: قلت: إذاً والله لا يختارنا فقال: ((مع الرفيق الأعلى في الجنة، مع الذين أنعم الله عليهم من النَّبيّين والصديقين، والشهداء، والصالحين، وحسن أولئك رفيقاً)).
تفرد به أحمد، ولم يخرِّجوه.
وقال الإمام أحمد: حدثنا عفان، أنبأنا همام، أنبأنا هشام بن عروة عن أبيه، عن عائشة قالت: قبض رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ورأسه بين سحري ونحري قالت: فلما خرجت نفسه لم أجد ريحاً قط أطيب منها.
وهذا إسناد صحيح على شرط الصحيحين، ولم يخرِّجه أحد من أصحاب الكتب الستة.
وقال أحمد: حدثنا عفان، وبهز قالا: ثنا سليمان بن المغيرة، ثنا حميد بن هلال عن أبي بردة قال: دخلت على عائشة فأخرجت إلينا إزاراً غليظاً مما يصنع باليمن، وكساء من التي يدعون الملبدة فقالت: إن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قبض في هذين الثوبين.
وقد رواه الجماعة إلا النسائي من طرق عن حميد بن هلال به. وقال التِّرمذي: حسن صحيح. (ج/ص:5/262)
وقال الإمام أحمد: حدثنا بهز، ثنا حماد بن سلمة، أنبأنا أبو عمران الجوني عن يزيد بن بابنوس قال: ذهبت أنا وصاحب لي إلى عائشة .......... ثم قالت: كان رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم إذا مرَّ ببابي مما يلقي الكلمة ينفعني الله بها، فمرَّ ذات يوم فلم يقل شيئاً، ثم مرَّ فلم يقل شيئاً، مرتين أو ثلاثاً فقلت: يا جارية ضعي لي وسادة على الباب، وعصبت رأسي
فمرَّ بي فقال: ((يا عائشة ما شأنك؟))
فقلت: أشتكي رأسي.
فقال: أنا وارأساه،
فذهب فلم يلبث إلا يسيراً حتَّى جيء به محمولاً في كساء، فدخل عليَّ وبعث إلى النساء فقال: ((إني قد اشتكيت، وإني لا أستطيع أن أدور بينكن، فإذنَّ لي فلأكن عند عائشة،
فكنت أمرضه ولم أمرِّض أحداً قبله،
فبينما رأسه ذات يوم على منكبي إذ مال رأسه نحو رأسي، فظننت أنه يريد من رأسي حاجة، فخرجت من فِيه نقطة باردة، فوقعت على نقرة نحري فاقشعر لها جلدي، فظننت أنه غشي عليه، فسجيته ثوباً،
فجاء عمر والمغيرة بن شعبة فاستأذنا، فأذنت لهما، وجذبت إليَّ الحجاب،
فنظر عمر إليه فقال: واغشياه، ما أشدَّ غشي رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ثم قاما
فلما دنوا من الباب قال المغيرة: يا عمر مات رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم.
فقلت: كذبت بل أنت رجل تحوسك فتنة، إن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم لا يموت حتَّى يفني الله المنافقين.
قالت: ثم جاء أبو بكر، فرفعت الحجاب، فنظر إليه فقال: إنا لله وإنا إليه راجعون مات رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ثم أتاه من قبل رأسه فحدرناه، فقبَّل جبهته ثم قال: وانبياه، ثم رفع رأسه فحدرناه، وقبَّل جبهته، ثم قال: واصفياه، ثم رفع رأسه وحدرناه، وقبَّل جبهته وقال: واخليلاه، مات رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وخرج إلى المسجد،
وعمر يخطب النَّاس، ويتكلم ويقول: إنَّ رسول الله لا يموت حتَّى يفني الله المنافقين.
فتكلم أبو بكر فحمد الله، وأثنى عليه، ثم قال: إنَّ الله يقول: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ} [الزمر: 30]. حتَّى فرغ من الآية {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ} [آل عمران: 144] حتَّى فرغ من الآية، ثم قال: فمن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت، ومن كان يعبد محمد فإن محمداً قد مات.
فقال عمر: أو إنها في كتاب الله؟ ما شعرت أنها في كتاب الله.
ثم قال عمر: يا أيها النَّاس هذا أبو بكر وهو ذو شيبة المسلمين، فبايعوه فبايعوه.
وقد روى أبو داود، والتِّرمذي في (الشمائل) من حديث مرحوم بن عبد العزيز العطار عن أبي عمران الجوني به ببعضه. (ج/ص:5/263)
وقال الحافظ البيهقي: أنبأنا أبو عبد الله الحافظ، ... أخبرني أبو سلمة عن عبد الرحمن أن عائشة أخبرته: أن أبا بكر أقبل على فرس من مسكنه بالسنح حتَّى نزل فدخل المسجد، فلم يكلّم النَّاس حتَّى دخل على عائشة،
فيمم رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وهو مسجَّى ببرد حبرة فكشف عن وجهه، ثم أكبَّ عليه فقبَّله، ثم بكى ثم قال: بأبي أنت وأمي يا رسول الله، والله لا يجمع الله عليك موتتين أبداً، أما الموتة التي كتبت عليك فقد متَّها.
قال الزُّهري: وحدثني أبو سلمة عن ابن عبَّاس أن أبا بكر خرج وعمر يكلم النَّاس فقال: اجلس يا عمر!
فأبى عمر أن يجلس.
فقال: اجلس يا عمر.
فأبى عمر أن يجلس، فتشهد أبو بكر فأقبل النَّاس إليه فقال: أما بعد فمن كان منكم يعبد محمداً فإن محمداً قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت قال الله تعالى: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ} [آل عمران: 144] الآية.
قال: فوالله لكأن النَّاس لم يعلموا أن الله أنزل هذه الآية حتَّى تلاها أبو بكر، فتلقاها منه النَّاس كلهم فما سمع بشر من النَّاس إلا يتلوها.
قال الزُّهري: وأخبرني سعيد بن المسيب أن عمر قال: والله ما هو إلا أن سمعت أبا بكر تلاها فعرفت أنه الحق، فعقرت حتَّى ما تقلني رجلاي وحتَّى هويت إلى الأرض، وعرفت حين سمعته تلاها أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قد مات.
ورواه البخاري عن يحيى ابن بكير به. (ج/ص:5/264)
وروى الحافظ البيهقي: من طريق ابن لهيعة، ثنا أبو الأسود عن عروة بن الزبير في ذكر وفاة رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال: وقام عمر بن الخطاب يخطب النَّاس، ويتوعَّد من قال مات، بالقتل والقطع ويقول: إن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم في غشية، لو قد قام قتل وقطع، وعمرو بن قيس بن زائدة بن الأصم بن أم مكتوم قائم في مؤخر المسجد يقرأ: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ} الآية والنَّاس في المسجد يبكون ويموجون لا يسمعون، فخرج عبَّاس بن عبد المطلب على النَّاس فقال: يا أيها النَّاس هل عند أحد منكم من عهد من رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم في وفاته فليحدِّثنا.
قالوا: لا!
قال: هل عندك يا عمر من علم؟
قال: لا!
فقال العبَّاس: اشهدوا أيها النَّاس أن أحداً لا يشهد على رسول الله بعهد عهده إليه في وفاته، والله الذي لا إله إلا هو لقد ذاق رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم الموت.
قال: وأقبل أبو بكر رضي الله عنه من السنح على دابته، حتَّى نزل بباب المسجد وأقبل مكروباً حزيناً، فاستأذن في بيت ابنته عائشة، فأذنت له فدخل ورسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قد توفي على الفراش والنسوة حوله، فخمرن وجوههن، واستترن من أبي بكر إلا ما كان من عائشة، فكشف عن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فحثى عليه يقبِّله ويبكي ويقول: ليس ما يقوله ابن الخطاب شيئاً، توفي رسول الله والذي نفسي بيده، رحمة الله عليك يا رسول الله، ما أطيبك حياً وميتاً، ثم غشاه بالثوب، ثم خرج سريعاً إلى المسجد يتخطى رقاب النَّاس، حتَّى أتى المنبر وجلس عمر حين رأى أبا بكر مقبلاً إليه، وقام أبو بكر إلى جانب المنبر ونادى النَّاس فجلسوا وأنصتوا، فتشهد أبو بكر بما علمه من التشهد وقال: إن الله عز وجل نعى نبيه إلى نفسه وهو حي بين أظهركم، ونعاكم إلى أنفسكم وهو الموت حتَّى لا يبقى منكم أحد إلا الله عز وجل قال تعالى: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ} الآية.
فقال عمر: هذه الآية في القرآن؟ والله ما علمت أن هذه الآية أنزلت قبل اليوم.
وقد قال الله تعالى لمحمد صلَّى الله عليه وسلَّم: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ} [الزمر: 30].
وقال الله تعالى: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ}. [القصص: 88].
وقال تعالى: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ}. [الرحمن: 26-27].
وقال: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ}[آل عمران: 185].
وقال: إن الله عمَّر محمداً صلَّى الله عليه وسلَّم وأبقاه حتَّى أقام دين الله، وأظهر أمر الله، وبلَّغ رسالة الله، وجاهد في سبيل الله، ثمَّ توفاه الله على ذلك وقد ترككم على الطريقة، فلن يهلك هالك إلا من بعد البينة والشفاء، فمن كان الله ربه فإن الله حيّ لا يموت، ومن كان يعبد محمداً وينزله إلهاً فقد هلك إلهه، فاتقوا الله أيها النَّاس واعتصموا بدينكم، وتوكلوا على ربكم، فإن دين الله قائم، وإن كلمة الله تامة، وإن الله ناصر من نصره ومعز دينه، وإن كتاب الله بين أظهرنا وهو النور والشفاء، وبه هدى الله محمداً صلَّى الله عليه وسلَّم وفيه حلال الله وحرامه، والله لا نبالي من أجلب علينا من خلق الله، إن سيوف الله لمسلولة ما وضعناها بعد، ولنجاهدن من خالفنا كما جاهدنا مع رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فلا يبغينَّ أحد إلا على نفسه.
» نساء حول الرسول صلى الله عليه وسلم - زينب بنت محمد عليه السلام
» علموا اولادكم وصية سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم لسيدنا عبدالله بن العباس ابن عم رسول الله
» من يقرؤني مما انزل على محمد (صلى الله عليه وسلم)
» حباً ونصرةً للحبيب محمد صلى الله عليه وسلم
» الخصائص التكريمية لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم
» علموا اولادكم وصية سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم لسيدنا عبدالله بن العباس ابن عم رسول الله
» من يقرؤني مما انزل على محمد (صلى الله عليه وسلم)
» حباً ونصرةً للحبيب محمد صلى الله عليه وسلم
» الخصائص التكريمية لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم