حفظي للقرآن.. كيف أحافظ عليه؟
الدكتور كمال المصري
إسلام أون لاين
أحسب أن الكثيرين يتفقون معي على أن الأصعب في مسألة حفظ القرآن الكريم هو "المراجعة" لا "الحفظ"، ولقد أكد لنا هذا رسولنا صلى الله عليه وسلم حين قال: "تعاهدوا هذا القرآن؛ فوالذي نفس محمد بيده لهو أشد تفلتا من الإبل في عقلها" (متفق عليه)؛ فالقرآن الكريم سهل الحفظ، لكن تفلته ونسيانه أسهل أكثر من الحفظ نفسه.
وفي هذا السياق لي التعليقات التالية:
- بما أن الحفظ سهل، وإيجاد المرء نفسه يحفظ بسرعة؛ فإن ذلك يغرينا أن نكثر ونسرع الحفظ، وبذلك تشق علينا المراجعة، وتبدأ سلسلة المشكلات حول الحفظ والمراجعة معنا، وأولى خطوات العلاج هي أن لا نكثر الحفظ؛ حتى لا نشق على أنفسنا، وإنما نقدر قدرا مهما كان ضئيلا للحفظ، ونقدر قدرا آخر للمراجعة، ولا ننتقل من حفظ إلى حفظ، حتى نتأكد من تثبيت حفظنا، ومن قدرتنا على مراجعته بسهولة.
إن المراجعة ليست أقل قدرا ومنزلة من الحفظ، إنهما سواء، بل المراجعة أعلى منزلة لأنها أكثر تفلتا، فينبغي أن نكرس لها الوقت الأطول، ولو أدى ذلك إلى تقليل قدر الحفظ إلى قدر قليل قد لا يرضي غرورنا ورغبتنا في حفظ كتاب الله تعالى، ولكن -صدقوني– هذا القدر القليل إن التزمنا به وبمراجعته جيدا فسنصل إن شاء الله تعالى إلى مبتغانا، وصدق صلى الله عليه وسلم حين قال: "عليكم بما تطيقون؛ فوالله لا يمل الله حتى تملوا" (جزء من حديث رواه البخاري ومسلم)، وحين قال صلى الله عليه وسلم أيضا: "أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل" (رواه مسلم)، وصدق القول القائل: "إن المنبت لا ظهرا أبقى، ولا أرضا قطع".
فعلينا ألا نكون من المنبتين دون أن نقصد.
ومما يعين على مراجعة ما سبق وسط زحمة الحياة ومشاغلها:
- سماع أشرطة القرآن بالسور التي تحفظها: في السيارة عند الذهاب للعمل أو العودة منه، أو في المسجد، أو في البيت أثناء أداء بعض الأعمال.
- مراجعة بعض الآيات وترديدها أثناء السير في الطريق أو أثناء ركوب المواصلات، أو في فترات الراحة أثناء العمل الوظيفي.
- استثمار صلوات اليوم وصلاة قيام الليل، في قراءة ما سبق حفظه أثناء الصلاة، على أن يتم ذلك في صورة جدول زمني يتم الالتزام به ما أمكن.
- مراجعة بعض آيات -ولو قليلة- بعد ختام كل صلاة أو أثناء انتظارها بين الأذان والإقامة؛ فإن القليل مع الوقت يصبح كثيرا.
- الاتفاق مع صديق أو جار أو زميل في العمل -إن أمكن ذلك- على التسميع المتبادل بينكما مرة أو مرتين أسبوعيا، فذلك مما يشجع ويعين.
- الاشتراك في مركز من مراكز التحفيظ، والتردد عليها مرة أو مرتين أسبوعيا؛ فهذا مما يعين على الالتزام واقتطاع بعض الوقت للمراجعة والحفظ.
لكن قد يعاني الكثيرون منا من عدم قدرتهم على الانتظام والالتزام في هذه البرامج، هنا يصبح أمامنا أحد أمرين:
1- الاشتراك في أحد مراكز تحفيظ القرآن الكريم لأجل المراجعة فقط إن لم يرد صاحبها الاشتراك في الحفظ.
2- اعتماد أسلوب الثواب والعقاب؛ بحيث أثيب نفسي إن التزمت بجدول المراجعة عبر قيامي بعمل أحبه مثلا، وأعاقب نفسي في حالة عدم التزامي، سواء بالمعاقبة المالية كأن أُخرج شيئا للفقراء والمحتاجين، أو أمتنع عن فعل أمر أحبه، وتزداد المثوبة أو العقوبة بازدياد التزامي من عدمه.
- بالتجربة الشخصية، وبتجارب العديد من الإخوة الكرام حفظة القرآن الكريم، وجدت أن التزام المرء بالحفظ والمراجعة من مصحف بعينه هو خير وسيلة لتثبيت الحفظ، فكثيرا ما كنا نقف عند آية بعينها، فيعيننا تصورنا لمكان الآية في رسم المصحف في تذكر باقي الآية أو الآية التالية لها.
لقد كانت لي تجربة شخصية قد تكون مريرة في هذا السياق، حين اضُطررت لظرف من الظروف إلى مراجعة سورة من مصحف رسمه يختلف عن رسم المصحف الذي حفظت منه، وإلى اليوم ما زالت هذه السورة تسبب لي مشكلات في قراءتها، إذ تختلط الصورة الذهنية للسورة في رأسي اختلاطا مريعا، وتترد أماكن الآيات بين المصحفين في مخيلتي، ولا أصل منها إلى شيء غير الحيرة والاضطراب، وبالتالي سوء الحفظ والالتباس والتردد.
فالحذر كل الحذر من تغيير رسم المصحف حين نقوم بالمراجعة.
- مما يعين كذلك على تثبيت الحفظ والمراجعة مسألة الفهم؛ أن نفهم ما نقرأ، ولو كان ذلك عبر قراءة تفسير مبسط للقرآن الكريم، أو حتى معاني الكلمات وأسباب النزول، إن فهم الشيء جزءٌ من حفظه.
- مما يعين أيضا على تثبيت الحفظ أن يكون للمرء دوما وقفات محددة معلومة المحتوى والزمن، يراجع فيها ما يحفظ، سواء كله أو نصفه، أو أقل من ذلك، ولو استطاع الإنسان أن يراجع القرآن الكريم كاملا بطريقة متتالية مرة في العام فهذا خير، ولعل شهر رمضان الكريم خير المواسم لذلك، فهو شهر القرآن الكريم، والوقت فيه يكون فيه بركة وفضل حين نقوم بعباداتنا وطاعاتنا، وهو ضيق جدا حين نتخذه للهو واللعب.
وما هو أقل من ذلك يجب أن توضع له مدد أقل؛ فكل ستة أشهر مثلا لمراجعة نصف القرآن الكريم، وكل ثلاثة أشهر لمراجعة ربعه، وهكذا الأقل فالأقل.
وبالمعرفة وجدت أن أقصى مدة لمراجعة القرآن الكريم هي سنة، ويجب ألا تزيد المدة عن ذلك، لكن بعض الناس قد يحتاجون لمدد أقل حتى يثبت حفظهم؛ فهؤلاء يقدرون ما يناسبهم، وينفذون، ويبقى الاقتراح محددا من جهتي أن لا تزيد المدة عن سنة، أما أقل من ذلك فكل حسب طاقته وقدرته ووقته.
- من الأمور التي تحتاج إلى دقة كذلك حتى يتثبت الحفظ؛ أن يحفظ المرء حفظا صحيحا؛ لأن الحفظ الخاطئ عندما يثبت يغدو من الصعب تغييره، وعندما يقوم المرء بالتسميع ويصل للمنطقة التي حفظها خطأ وعلم تصحيحها فإنه في الغالب ما يحدث له أحد أمرين:
1- أن يكمل التسميع بطريقة طبيعية، ولكن بنطقه الخاطئ حسب ما حفظ.
2- أن ينتبه قبل وصوله لمكان الخطأ، فيركز في أنه لن يخطئ فيه، وهذا يقوده للتردد والالتباس، فيخطئ فيما قبل وصوله لمكان النص أو فيما بعده مباشرة بسبب تركيزه الشديد على تصحيح خطأ حفظه، وما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه، وتركيز المرء تركيز واحد لا أكثر.
لذلك يغدو الاستماع إلى قراءة شيخ ثقة عند بدء الحفظ أمرٌ ضروري، أو قراءة ما نود حفظه على شيخ ثقة قبل أن نحفظ، كل ذلك منعا من الحفظ الخاطئ ومشكلاته التالية:
- الانتباه للمتشابهات وخواتيم الآيات:
فالمتشابهات في القرآن الكريم من أشد ما تتعب من يحفظ، فتلتبس عليه الآيات المتشابهة بين السور، ويختلط عليه الأمر، كما في قصتي آدم وموسى عليهما السلام في سورتي البقرة والأعراف، وقصص العديد من الأنبياء في سور الأعراف وهود والشعراء.
ونفس المشكلة تقع مع تشابه خواتيم الآيات، كما في: "لعلكم تعقلون"، "لعلكم تتقون"، "لعلكم تشكرون"، "لعلكم تذكرون"، "والله بما تعملون خبير"، "والله خبير بما تعملون"، "إن الله خبير بما تعملون"... وغير ذلك كثير من الأمثلة.
وأفضل علاج يمنع هذا اللبس –في رأيي– هو تجميع هذه المواطن وتحديدها؛ بحيث نقول مثلا: ورد قول الله تعالى: "والله بما تعملون خبير" سبع مرات، في سور: البقرة وآل عمران والحديد والمجادلة والتغابن، في مواطن كذا وكذا وكذا، أو أن الله تعالى في ذكره لقصة موسى عليه السلام في البقرة قدم "وادخلوا الباب سُجدا" على "وقولوا حطةٌ"، بينما في الأعراف قدم "وقولوا حطةٌ" على "وادخلوا الباب سُجدا"، فإذا كان الحافظ يسمع ووصل إلى أحد هذين الموطنين فسيتذكر أهو في البقرة أو في الأعراف، وسيتذكر ما يتقدم فيها وما يتأخر.
وكذلك كل المواطن الأخرى المتشابهة، فهذا التجميع والتحديد يسهل عملية التذكر عند الوصول إلى موطن من مواطن التشابه.
- آخر ما أنصح به في هذا الأمر هو عدم القنوط أو اليأس، مهما كانت العقبات، ومهما زادت الإخفاقات، ومهما صعبت المهمة، ولنثق دائما بأن الله تعالى سيعيننا ويوفقنا ويشرح صدورنا، وهذا لا يعني بحال أن لا ننظر في أسباب إخفاقنا، وأن نحاول علاج هذا الإخفاق، لكنه يعني ألا نستسلم للإخفاق الذي يكون الشيطان سببا أساسيا من أسبابه، وأن نتذكر أن الله تعالى لا يمل حتى نمل، فليكن شعارنا: لا لليأس.
الدكتور كمال المصري
إسلام أون لاين
أحسب أن الكثيرين يتفقون معي على أن الأصعب في مسألة حفظ القرآن الكريم هو "المراجعة" لا "الحفظ"، ولقد أكد لنا هذا رسولنا صلى الله عليه وسلم حين قال: "تعاهدوا هذا القرآن؛ فوالذي نفس محمد بيده لهو أشد تفلتا من الإبل في عقلها" (متفق عليه)؛ فالقرآن الكريم سهل الحفظ، لكن تفلته ونسيانه أسهل أكثر من الحفظ نفسه.
وفي هذا السياق لي التعليقات التالية:
- بما أن الحفظ سهل، وإيجاد المرء نفسه يحفظ بسرعة؛ فإن ذلك يغرينا أن نكثر ونسرع الحفظ، وبذلك تشق علينا المراجعة، وتبدأ سلسلة المشكلات حول الحفظ والمراجعة معنا، وأولى خطوات العلاج هي أن لا نكثر الحفظ؛ حتى لا نشق على أنفسنا، وإنما نقدر قدرا مهما كان ضئيلا للحفظ، ونقدر قدرا آخر للمراجعة، ولا ننتقل من حفظ إلى حفظ، حتى نتأكد من تثبيت حفظنا، ومن قدرتنا على مراجعته بسهولة.
إن المراجعة ليست أقل قدرا ومنزلة من الحفظ، إنهما سواء، بل المراجعة أعلى منزلة لأنها أكثر تفلتا، فينبغي أن نكرس لها الوقت الأطول، ولو أدى ذلك إلى تقليل قدر الحفظ إلى قدر قليل قد لا يرضي غرورنا ورغبتنا في حفظ كتاب الله تعالى، ولكن -صدقوني– هذا القدر القليل إن التزمنا به وبمراجعته جيدا فسنصل إن شاء الله تعالى إلى مبتغانا، وصدق صلى الله عليه وسلم حين قال: "عليكم بما تطيقون؛ فوالله لا يمل الله حتى تملوا" (جزء من حديث رواه البخاري ومسلم)، وحين قال صلى الله عليه وسلم أيضا: "أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل" (رواه مسلم)، وصدق القول القائل: "إن المنبت لا ظهرا أبقى، ولا أرضا قطع".
فعلينا ألا نكون من المنبتين دون أن نقصد.
ومما يعين على مراجعة ما سبق وسط زحمة الحياة ومشاغلها:
- سماع أشرطة القرآن بالسور التي تحفظها: في السيارة عند الذهاب للعمل أو العودة منه، أو في المسجد، أو في البيت أثناء أداء بعض الأعمال.
- مراجعة بعض الآيات وترديدها أثناء السير في الطريق أو أثناء ركوب المواصلات، أو في فترات الراحة أثناء العمل الوظيفي.
- استثمار صلوات اليوم وصلاة قيام الليل، في قراءة ما سبق حفظه أثناء الصلاة، على أن يتم ذلك في صورة جدول زمني يتم الالتزام به ما أمكن.
- مراجعة بعض آيات -ولو قليلة- بعد ختام كل صلاة أو أثناء انتظارها بين الأذان والإقامة؛ فإن القليل مع الوقت يصبح كثيرا.
- الاتفاق مع صديق أو جار أو زميل في العمل -إن أمكن ذلك- على التسميع المتبادل بينكما مرة أو مرتين أسبوعيا، فذلك مما يشجع ويعين.
- الاشتراك في مركز من مراكز التحفيظ، والتردد عليها مرة أو مرتين أسبوعيا؛ فهذا مما يعين على الالتزام واقتطاع بعض الوقت للمراجعة والحفظ.
لكن قد يعاني الكثيرون منا من عدم قدرتهم على الانتظام والالتزام في هذه البرامج، هنا يصبح أمامنا أحد أمرين:
1- الاشتراك في أحد مراكز تحفيظ القرآن الكريم لأجل المراجعة فقط إن لم يرد صاحبها الاشتراك في الحفظ.
2- اعتماد أسلوب الثواب والعقاب؛ بحيث أثيب نفسي إن التزمت بجدول المراجعة عبر قيامي بعمل أحبه مثلا، وأعاقب نفسي في حالة عدم التزامي، سواء بالمعاقبة المالية كأن أُخرج شيئا للفقراء والمحتاجين، أو أمتنع عن فعل أمر أحبه، وتزداد المثوبة أو العقوبة بازدياد التزامي من عدمه.
- بالتجربة الشخصية، وبتجارب العديد من الإخوة الكرام حفظة القرآن الكريم، وجدت أن التزام المرء بالحفظ والمراجعة من مصحف بعينه هو خير وسيلة لتثبيت الحفظ، فكثيرا ما كنا نقف عند آية بعينها، فيعيننا تصورنا لمكان الآية في رسم المصحف في تذكر باقي الآية أو الآية التالية لها.
لقد كانت لي تجربة شخصية قد تكون مريرة في هذا السياق، حين اضُطررت لظرف من الظروف إلى مراجعة سورة من مصحف رسمه يختلف عن رسم المصحف الذي حفظت منه، وإلى اليوم ما زالت هذه السورة تسبب لي مشكلات في قراءتها، إذ تختلط الصورة الذهنية للسورة في رأسي اختلاطا مريعا، وتترد أماكن الآيات بين المصحفين في مخيلتي، ولا أصل منها إلى شيء غير الحيرة والاضطراب، وبالتالي سوء الحفظ والالتباس والتردد.
فالحذر كل الحذر من تغيير رسم المصحف حين نقوم بالمراجعة.
- مما يعين كذلك على تثبيت الحفظ والمراجعة مسألة الفهم؛ أن نفهم ما نقرأ، ولو كان ذلك عبر قراءة تفسير مبسط للقرآن الكريم، أو حتى معاني الكلمات وأسباب النزول، إن فهم الشيء جزءٌ من حفظه.
- مما يعين أيضا على تثبيت الحفظ أن يكون للمرء دوما وقفات محددة معلومة المحتوى والزمن، يراجع فيها ما يحفظ، سواء كله أو نصفه، أو أقل من ذلك، ولو استطاع الإنسان أن يراجع القرآن الكريم كاملا بطريقة متتالية مرة في العام فهذا خير، ولعل شهر رمضان الكريم خير المواسم لذلك، فهو شهر القرآن الكريم، والوقت فيه يكون فيه بركة وفضل حين نقوم بعباداتنا وطاعاتنا، وهو ضيق جدا حين نتخذه للهو واللعب.
وما هو أقل من ذلك يجب أن توضع له مدد أقل؛ فكل ستة أشهر مثلا لمراجعة نصف القرآن الكريم، وكل ثلاثة أشهر لمراجعة ربعه، وهكذا الأقل فالأقل.
وبالمعرفة وجدت أن أقصى مدة لمراجعة القرآن الكريم هي سنة، ويجب ألا تزيد المدة عن ذلك، لكن بعض الناس قد يحتاجون لمدد أقل حتى يثبت حفظهم؛ فهؤلاء يقدرون ما يناسبهم، وينفذون، ويبقى الاقتراح محددا من جهتي أن لا تزيد المدة عن سنة، أما أقل من ذلك فكل حسب طاقته وقدرته ووقته.
- من الأمور التي تحتاج إلى دقة كذلك حتى يتثبت الحفظ؛ أن يحفظ المرء حفظا صحيحا؛ لأن الحفظ الخاطئ عندما يثبت يغدو من الصعب تغييره، وعندما يقوم المرء بالتسميع ويصل للمنطقة التي حفظها خطأ وعلم تصحيحها فإنه في الغالب ما يحدث له أحد أمرين:
1- أن يكمل التسميع بطريقة طبيعية، ولكن بنطقه الخاطئ حسب ما حفظ.
2- أن ينتبه قبل وصوله لمكان الخطأ، فيركز في أنه لن يخطئ فيه، وهذا يقوده للتردد والالتباس، فيخطئ فيما قبل وصوله لمكان النص أو فيما بعده مباشرة بسبب تركيزه الشديد على تصحيح خطأ حفظه، وما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه، وتركيز المرء تركيز واحد لا أكثر.
لذلك يغدو الاستماع إلى قراءة شيخ ثقة عند بدء الحفظ أمرٌ ضروري، أو قراءة ما نود حفظه على شيخ ثقة قبل أن نحفظ، كل ذلك منعا من الحفظ الخاطئ ومشكلاته التالية:
- الانتباه للمتشابهات وخواتيم الآيات:
فالمتشابهات في القرآن الكريم من أشد ما تتعب من يحفظ، فتلتبس عليه الآيات المتشابهة بين السور، ويختلط عليه الأمر، كما في قصتي آدم وموسى عليهما السلام في سورتي البقرة والأعراف، وقصص العديد من الأنبياء في سور الأعراف وهود والشعراء.
ونفس المشكلة تقع مع تشابه خواتيم الآيات، كما في: "لعلكم تعقلون"، "لعلكم تتقون"، "لعلكم تشكرون"، "لعلكم تذكرون"، "والله بما تعملون خبير"، "والله خبير بما تعملون"، "إن الله خبير بما تعملون"... وغير ذلك كثير من الأمثلة.
وأفضل علاج يمنع هذا اللبس –في رأيي– هو تجميع هذه المواطن وتحديدها؛ بحيث نقول مثلا: ورد قول الله تعالى: "والله بما تعملون خبير" سبع مرات، في سور: البقرة وآل عمران والحديد والمجادلة والتغابن، في مواطن كذا وكذا وكذا، أو أن الله تعالى في ذكره لقصة موسى عليه السلام في البقرة قدم "وادخلوا الباب سُجدا" على "وقولوا حطةٌ"، بينما في الأعراف قدم "وقولوا حطةٌ" على "وادخلوا الباب سُجدا"، فإذا كان الحافظ يسمع ووصل إلى أحد هذين الموطنين فسيتذكر أهو في البقرة أو في الأعراف، وسيتذكر ما يتقدم فيها وما يتأخر.
وكذلك كل المواطن الأخرى المتشابهة، فهذا التجميع والتحديد يسهل عملية التذكر عند الوصول إلى موطن من مواطن التشابه.
- آخر ما أنصح به في هذا الأمر هو عدم القنوط أو اليأس، مهما كانت العقبات، ومهما زادت الإخفاقات، ومهما صعبت المهمة، ولنثق دائما بأن الله تعالى سيعيننا ويوفقنا ويشرح صدورنا، وهذا لا يعني بحال أن لا ننظر في أسباب إخفاقنا، وأن نحاول علاج هذا الإخفاق، لكنه يعني ألا نستسلم للإخفاق الذي يكون الشيطان سببا أساسيا من أسبابه، وأن نتذكر أن الله تعالى لا يمل حتى نمل، فليكن شعارنا: لا لليأس.