بسم الله
الأخوّة في الله
الأخوّة في الله من أسمى المعاني الإيمانية
لأنها امتداد لمحبة الله تعالى القائل: {إنما المُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [الحجرات:10].
والأخوة الإيمانية واجب ديني، وفريضة شرعية. وهذه الأخوة أزالت الحواجز
والمسافات بين أبناء البشر من الجنسيات والأقوام المختلفة لقوله صلى الله
عليه وسلم: "مَثَلُ المُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ؛ إذا
اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى" (رواه مسلم).
وهذا يدل على مشاركة المسلمين بعضهم لبعض في الأهداف والأحلام والآلام
والمشاكل والمشاعر والأفراح وغير ذلك؛ فلا بد إذاً من تعاضد الأخوة لتحقيق
الأهداف السامية التي فرضها الله علينا.
حقوق وواجبات الأخوة في الله:
ورد في كثير من النصوص والشرعية فضل الأخوة في الله والتلاقي عليه؛ فقد روى
أبو هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله : "إن الله يَقُولُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ:
أَيْنَ الْمُتَحَابُّونَ بِجَلالِي؟ الْيَوْمَ أُظِلُّهُمْ فِي ظِلِّي يَوْمَ لا ظِلَّ إِلا ظِلِّي" (رواه مسلم).
والواجبات والحقوق كثيرة منها:
- الحب في الله لا لغرض من الدنيا. قال صلى الله عليه وسلم:
"لا تَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا، وَلا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا" (رواه مسلم).
- التعاون والتآزر على البر والتقوى. قال تعالى: {وَتَعَاونُوا عَلَى الْبِرِّ
وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاونُوا عَلَى الإثْمِ وَالْعُدْوَان} [المائدة:2].
المواساة وحسن الصحبة والعشرة والإحسان إليه والإعانة بالمال وبالنفس.
قال تعالى: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أنفُسِهِمْ وَلَوْ كَان بِهِمْ خَصَاصَةٌ} [الحشر:9].
- حفظ العِرض. قال صلى الله عليه وسلم في خطبته في حجة الوداع:
"إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام...". ومنها السكوت عن ذكر
العيوب، وحفظ الأسرار، وعدم التدخل في ما لا يعنيه من أمور أخيه.
- التبسم والبشاشة في وجهه، والفرح بلقائه، وحسن الكلام معه، ورد السلام.
يقول صلى الله عليه وسلم: "ثلاث يصفين لك ود أخيك: تسلم عليه إذا لقيته،
وتوسع له في المجلس، وتدعوه بأحب أسمائه إليه" (رواه مسلم).
- عدم إساءة الظن. قال تعالى:
{اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِن الظَّنِّ إن بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ} [الحجرات:12].
- التواضع، وحسن الخلق، وخفض الجناح، ولين الجانب، وإقالة العثرات،
والتزاور في الله، وتفقد الأحوال، وعيادة المريض، والتهنئة والفرح معه،
ومراعاة آفات اللسان. قال سبحانه: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ
عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} [الفتح:29]. وقال صلى الله عليه وسلم:
"أَكْمَلُ الْمُؤْمِنِينَ إِيمَاناً أَحْسَنُهُمْ خُلُقاً" (رواه الترمذي وقال حديث صحيح).
- النصيحة والمشورة. قال صلى الله عليه وسلم: "الدِّينُ النَّصِيحَةُ"
. قُلْنَا: لِمَنْ؟ قال: "لِله وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلأئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ"
(رواه مسلم).
- ومن الواجبات الاجتماعية قبول الهدية، والمصافحة، وإجابة الدعوة.
قال صلى الله عليه وسلم: "حَقُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ خَمْسٌ: رَدُّ السَّلاِم وَعِيَادَةُ
الْمَرِيضِ وَاتِّبَاعُ الْجَنَائِزِ وَإِجَابَةُ الدَّعْوَةِ وَتَشْمِيتُ الْعَاطِسِ" (رواه البخاري).
شروط الأخوّة في الله ومحاذيرها:
إن السلوك الظاهر لا بد أن يكون ملازماً للإيمان الباطن، وصلاح الظاهر
ناتج عن صلاح الباطن، والعكس صحيح.
وللمحبة في الله شروط منها:
- أن تكون خالصة لله؛ فكل عمل لغير الله لا يقبله.
- أن تكون الأخوة على طاعه الله؛ فيجب أن لا تستغل طاعه الله لشيء حرَّمه الله.
- التناصح الصحيح. ومخافة الله في النصح أحد شروطها؛ فلا يجب أن تستغل هذه
النصائح لإشباع الأمراض الداخلية والاختلالات الفكرية والنفسية لدى الأفراد.
- الغضب والحسد والغيبة والنميمة والتجسس والكبر والبغض والغرور أمراض
تدمر وتحرق علاقات الأخوة.
ونحن بشر ذوو طبائع وقدرات واحتياجات نفسية مختلفة.. فطرنا الله على
الخير إلا أن البيئات المختلفة والتنشئة الأسرية المتنوعة عملت على تشكيل
الأفكار والعادات والسلوكات السوية وغير السوية.. فالأساس هو الفطرة
السوية والصلاح الظاهري والباطني. ولكننا لا يمكن أن نتجاهل وجود
اختلالات وانحرافات فطرية ووجود ذوي النفسيات المريضة والنفوس الضعيفة..
الذين يسيئون فهم الدين أو الذين يحللون ما حرم الله لسبب أو لآخر
ويستغلون الآخرين لتنفيذ مآربهم المرضية.
( إكرام العش )