ركب
الله في الإنسان العديد من الغرائز والأحاسيس ، فهو يتأثر بما يجري حوله ،
ويتفاعل بما يشاهد ويسمع من الآخرين ، فيضحك ويبكي ، ويفرح ويحزن ، ويرضى
ويغضب ، إلى آخر تلك الانفعالات النفسية .
ومن
الأمور التي نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الاسترسال فيها
الغضب ، فقد يخرج الإنسان بسببه عن طوره ، وربما جره إلى أمور لا تحمد
عقباها ، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم : أوصني ، قال : ( لا تغضب ، فردد مرارا ، قال : لا تغضب ) رواه البخاري .
ولم
يكتف صلى الله عليه وسلم بالنهي عن هذه الآفة ، وبيان آثارها ، بل بين
الوسائل والعلاجات التي يستعين بها الإنسان على التخفيف من حدة الغضب ،
وتجنب غوائله ، ومن هذه الوسائل السكوت وعدم الاسترسال في الكلام ، فعن ابن عباس رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( علِّموا ويسروا ولا تعسروا ، وإذا غضبت فاسكت ، وإذا غضبت فاسكت وإذا غضبت فاسكت ) رواه الإمام أحمد .
ومن وسائل تخفيف الغضب الوضوء ، فعن عطية السعدي رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن الغضب من الشيطان ، وإن الشيطان خلق من النار ، وإنما تُطْفأ النار بالماء ، فإذا غضب أحدكم فليتوضأ ) رواه أبو داود وحسنه بعض العلماء .
ومن
الأدوية الهامة التي أرشد إليها النبي صلى الله عليه وسلم لعلاج الغضب ،
والتخفيف من حدته ، وجاء الطب الحديث بتصديقها ، أن يغير الإنسان الوضع
الذي كان عليه حال الغضب من القيام إلى القعود ، أو الاضطجاع ، فعن أبي ذر رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إذا غضب أحدكم وهو قائم فليجلس ، فإن ذهب عنه الغضب وإلا فليضطجع ) رواه أبو داود .
فقد
كشف الطب الحديث أن هناك العديد من التغيرات التي يحدثها الغضب في جسم
الإنسان ، فالغدة الكظرية التي تقع فوق الكليتين ، تفرز نوعين من
الهرمونات هما هرمون الأدرينالين ، وهرمون النور أدرينالين ، فهرمون
الأدرينالين يكون إفرازه استجابة لأي نوع من أنواع الانفعال أو الضغط
النفسي ، كالخوف أو الغضب ، وقد يفرز أيضاً لنقص السكر ، وعادة ما يُفْرَز
الهرمونان معاً .
وإفراز
هذا الهرمون يؤثر على ضربات القلب ، فتضطرب ، وتتسارع ، وتتقلص معه عضلة
القلب ، ويزداد استهلاكها للأكسجين ، والغضب والانفعال يؤدي إلى رفع مستوى
هذين الهرمونين في الدم ، وبالتالي زيادة ضربات القلب ، وقد يؤدي إلى
ارتفاع ضغط الدم .
ولذلك
ينصح الأطباء مرضاهم المصابين بارتفاع ضغط الدم أو ضيق الشرايين ، أن
يتجنبوا الانفعالات والغضب وأن يبتعدوا عن مسبباته ، وكذلك مرضى السكر لأن
الأدرينالين يزيد من سكر الدم .
وقد
ثبت علمياً - كما جاء في كتاب هاريسون الطبي - أن كمية هرمون النور
أدرينالين في الدم تزداد بنسبة ضعفين إلى ثلاثة أضعاف عند الوقوف وقفة
هادئة لمدة خمس دقائق ، وأما الأدرينالين فإنه يرتفع ارتفاعاً بسيطاً
بالوقوف ، وأما الضغوط النفسية والانفعالات فهي التي تسبب زيادة مستوى
الأدرينالين في الدم بكميات كبيرة ، فإذا كان الوقوف وقفة هادئة ولمدة خمس
دقائق ، يضاعف كمية النور أدرينالين ، وإذا كان الغضب والانفعال يزيد
مستوى الأدرينالين في الدم بكميات كبيرة ، فكيف إذا اجتمع الاثنان معاً
الغضب والوقوف ، ولذلك أرشد النبي صلى الله عليه وسلم الغضبان إن كان
قائماً أن يجلس فإن لم يذهب عنه فيلضطجع .
فكان
هذا السبق العلمي منه - صلى الله عليه وسلم - من أوجه الإعجاز التي لم
تظهر إلا في هذا العصر ، وإلا فما الذي أدراه بأن هذه الهرمونات تزداد
بالوقوف ، وتنخفض بالجلوس والاستلقاء ، حتى يصف لنا هذا العلاج النبوي ؟
فصلوات الله وسلامه عليه وعلى سائر الأنبياء والمرسلين .