السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الصيام يقوّي العزائم ويُصفّي النفوس ويسمو بالأرواح.. كما أن شهر رمضان "دورة تدريبية" سنوية لتجديد وحدة الأمة.. هذه الحقائق لا يملّ تأكيدها علماء الإسلام ومفكروه وأساتذة الجامعات والباحثون.
العلماء أكدوا أيضاً أن رمضان فرصة سنوية للمراجعة والتأمل والنقد الذاتي للتخلص من الأمراض الاجتماعية.
وأوضحوا أن الصيام الإسلامي ليس له أي تأثير سلبي على الأداء العضلي وتحمُّل المجهود البدني. بل إن الصيام يمد الفرد بطاقة روحية تجعله أقدر على الإنتاج والعمل أكثر مما لو لم يكن صائماً.. وهذه الطاقة الروحية قوة لا يستهان بها.
وأكدوا أن الانتصارات الكبرى للأمة حدثت في رمضان؛ لأن الصوم يعطي المسلم طاقة هائلة، ويقوّي جهاز المناعة، ويقي الجسم من أمراض كثيرة، حيث يتحسن المؤشر الوظيفي للخلايا اللمفاوية عشرة أضعاف.
وفي التحقيق التالي نتعرف على المزيد من آرائهم:
بداية يؤكد الدكتور محمود حمدي زقزوق -وزير الأوقاف المصري- أن المسلمين مطالبون بفهم مغزى الصيام في شهر رمضان؛ ذلك لأنه الشهر الذي تجسّدت فيه كل العبادات وكل الانتصارات التي كان آخرها نصر العاشر من رمضان.
ويقول: إن شهر رمضان يجمع بين الدين والدنيا ليؤكد للجميع أن الإسلام ليس ديناً فقط إنما كتاب إلهي يجمع بين الدين والدنيا بكل أبعادها المختلفة، وليوضح أن الأمة الإسلامية -وفي المقدمة منها شبابها- تحتاج دائماً إلى تجديد فكرها وتطوير أدائها من أجل مواجهة التحديات محليّاً وعالميّاً.
ويضيف قائلاً: إن شهر رمضان فرصة ربانية أعطاها الله تعالى المسلمين لتكون محطة سنوية يقفون فيها مع أنفسهم؛ يراجعون حساباتهم للقضاء على السلبيات وتنمية الإيجابيات، خاصة وأن الأمة الإسلامية تمرّ حاليّاً بأوقات عصيبة تستدعي التمسك بالدين الصحيح، وإبراز منهجه المعتدل السمح المستنير، وتوضيح ذلك للعالم كله من خلال العلماء والمتخصصين، وقبل ذلك من خلال تصرفات وسلوكيات المسلمين أنفسهم، مشيراً إلى أن شهر رمضان وما يحمله من مفهوم الصوم فرصة جيّدة لأنْ يتخلّق المسلم بسلوكيات إيجابية يمكن أن تدوم معه بقية العام؛ فيكون بحق خير إنسان في خير أمة، وأن يجعل من الصيام منهجاً سويّاً في الطاعة والعمل المنتج الجاد.
فرصة تدريب
ويطالب الدكتور حمدي زقزوق المسلمين بأن يجعلوا من شهر رمضان فرصة للتدريب علي مجموعة كبيرة من القيم التي ينبغي أن يتعودوا عليها حتى يقوموا بواجبهم الديني والدنيوي على أحسن وجه ويتزودوا بشحنة تستمر معهم بقية العام، مشيراً إلى أن القرآن الكريم من أوله إلى آخره إما حديث إلى الإنسان أو حديث عن الإنسان الذي هو محور الكون وسيده، فقد خلقه الله تعالى لعمارة الأرض واستخلفه فيها، وطلب منه إنشاء حضارات جديدة تقدم للبشرية عطاء يحقق إرادة الله تعالى فيها.
ويطالب المسلمين جميعاً بالتزود من قراءة القرآن الكريم باعتباره الكتاب المسطور، وكذلك الكتاب المفتوح وهو الكون الذي يجب أن يكون مجالاً للتأمل والبحث الذي لا حدود له في الإسلام، وإن كان محفوفاً بسياج أخلاقي.
ويقول وزير الأوقاف: إن المسلمين يطالبون بعد التمسك بدينهم أن يستردوا مصادر القوة التي تؤهلهم ليكونوا جديرين بسيادة الكون، كما كانوا في الماضي، وأن يعرفوا جيداً أن معنى العبادة ليست في الصلاة والصوم؛ إنما كل عمل للإنسان يتوجه به إلى الله تعالى ويقدم الخير لنفسه ومجتمعه والإنسانية كلها بجانب العبادات.
وسطية واعتدال
ويختتم الدكتور زقزوق كلامه بالقول: إن الإسلام بكل ما جاء به يؤكد الوسطية والاعتدال، ولا يعرف العنف أو الإرهاب والتطرف، وأنه إذا كان المسلمون الآن في موقف الضعف وغيرهم في ميادين القوة؛ فليس أمامهم سوى الأخذ بأسباب هذه القوة وفهم مضمون الدين والبعد عن أسباب الضعف واللحاق بالآخرين في ميادين المعرفة والقوة.
الصيام يُعلّم المسلم الأمانة والعدالة
بدوره قال الدكتور أحمد عمر هاشم -رئيس جامعة الأزهر السابق-: إن شهر الصيام يأتي هذه الأيام من كل عام حتى ينبه المسلمين ويوجههم ويذكرهم بما ينبغي أن تكون عليه الأمة الإسلامية؛ فهو شهر الصبر، ويرتبط هذا الشهر بالأمانة والعدالة ووحدة الصف؛ فليس من فراغ أن يأتي شهراً كاملاً، يفرض فيه الله الصيام على المسلمين، ويسن الرسول صلى الله عليه وسلم قيامه، ويستشعر المسلمون ما فيه من معان جليلة، تتمثل في الأمانة والعدالة والوحدة والشعور بالفقراء والمحتاجين؛ حتى يكون دورة تدريبية للمسلمين خلال شهر كامل، ليتعلموا فيه كيف يوحّدوا صفوفهم، وحتى يكونوا أمناء مع الله، حين يمسكوا عن الطعام والشراب، ويصوموا فلا يفطروا بخلوة، ودون أن يراهم أحد؛ لأن المسلمين يعلمون أن الواحد الأحد يراهم ويطَّلع عليهم.
ويضيف قائلاً: إن الصيام يُعلّم المسلم الأمانة، والأمانة هي التي يمكن أن ينصلح بها حال الأمة، فإذا ضاعت الأمانة ضاعت الأمة، ولن يكون لبقائها معنى، وبيّن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك حين سُئل: متى الساعة؟ فقال:"إذا ضُيعت الأمانة؛ فانتظروا الساعة". أي إن الأمانة بها تقوم الحياة، وينتظم أمرها، ويستقر الناس.
ومن هنا يجب أن يكون المسلم أميناً فيما بينه وبين الله، وفيما بينه وبين نفسه، حتى لا يوردها موارد الهلاك، كما يجب أن يكون أميناً على من ولاّه الله أمرهم، وكذلك العمل المكلَّف به، والمال العام الذي يتعامل فيه، فرسولنا صلى الله عليه وسلم في توجيهه لذلك بيّن أنه لا إيمان لمن لا أمانة له، ولا دين لمن لا عهد له، وعمر بين الخطاب رضي الله عنه أعطى الأمة عبراً ودروساً في كيفية الحفاظ على المال العام والأمانة؛ حتى لا يهدر من ولي أمر المال العام، ولا يمدّ يده لسرقته واغتصابه، وما يتصدع به اقتصاد الأمة، وما تمر به من مهازل وأخطار من جراء التهاون، وذلك حينما طلبت منه زوجته أن يشتري لها الحلوى فرفض، وقال مادام في المسلمين حاجة فلا تأكلوا الكماليات. حتى إنها ادخرت من مصروف بيتها الخاص بعض الدراهم، وجاءت إليه بعد حين، وقالت: ها هي. فقال لها رضي الله عنه: من أين لك هذا؟!
والرسول صلى الله عليه وسلم هو الذي وضع قانون (من أين لك هذا)، الذي تُفاخر به القوانين الوضعية، وهو يحاسب الأمة، وسيدنا عمر أول من يحاسب زوجته في بضعة دراهم ادخرتها من مصروف البيت.
ومن هذا المنطلق فلا يصح أن يقول المسلم إنّ هذا المال مال سائب، أو مال الدولة، وليس ملكاً لأحد، بل يجب أن يحافظ عليه، وهذه هي الأمانة التي أرساها القرآن الكريم، والتي يبرزها هذا الشهر العظيم، حينما يكون المسلمون أمناء في عبادتهم، فلا يفرطوا في صيامهم بحال من الأحوال، ويرسي القرآن أيضاً فيهم العدالة بأسمى معانيها، ولا يُكلِّف أحداً بصوم وهو لا يستطيع الصيام؛ لقوله تعالى: {يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر}.
حياة آمنة
ويمضى الدكتور أحمد عمر هاشم قائلاً: تتحقق الحياة المستقرة الآمنة بالإيمان والعدالة، والإيمان إذا ضاع فلا أمان، ولا دنيا لمن لم يحيي دينه.. الإيمان أولاً ثم العدالة، فلو ضاع الإيمان ضاعت الحياة المستقرة الآمنة، وإن ضاعت العدالة وكان الظلم لابد أن يضيع الأمن والاستقرار، مهما فعل المسلمون، ومهما بذلوا من جهد، فمادام يوجد ظلم، فلا يمكن أن يوجد أمن واستقرار، سواء على مستوى الأسرة أو المجتمع أو الأمم؛ لأن القانون الرباني الذي أرسى قاعدة الإيمان قال فيه رب العزة: {الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون}.
وقد أرسى رب العزة قاعدة الأمان في الأرض، وهي أن يوثق المسلمين صلتهم بالله، وأن يؤكدوا إيمانهم به، فلا يجب أن يكون إيمانهم بالقول، وإنما يجب أن يكون قولاً وفعلاً. وطالما هذه الشرور والمفاسد موجودة بالفعل في أمتنا الإسلامية من صراعات بين أفراد مجتمعاتنا ودوائرنا الحكومية؛ فلن يتحقق النصر.
العدالة.. والنصر
ويوضح الدكتور عمر هاشم أن المسلمين إذا استطاعوا أن يحققوا الإيمان، وأن ينشروا العدالة في الأرض، فيستطيعوا أن يحققوا النصر، ولن يفزعوا من وقتها من عدو يتربص بهم، ويحصد أفرادهم، ويتسلط على دولهم، ويسلب واحداً من مقدساتهم، وهو القدس في الأرض المحتلة، بل إن العدو أدار ظهره لكل قرارات مجلس الأمن والأمم المتحدة والمنظمات الدولية، ولم يعبأ بهم، وأخذ بسياسة البلطجة والعربدة، وما تحركت الأمة، ولا تستطيع أن تتحرك، ولو أنها حققت الإيمان بالله لما احتاجت إلى كثير من القوة أو العدد أو العدة؛ لأن لهم من أسلافهم ودروس رسولهم ما يؤكد أن النصر من عند الله العزيز الحكيم وبأقل الأسباب.
فحين يتحقق الإيمان يتحقق النصر، ألا يتذكر المسلمون يوم الفرقان، يوم التقى الجمعان، وكان العدو أكثر عدداً وعدة، فماذا كان في أيدي المسلمين من قوة، فما أشبه الليلة بالبارحة، أبناء الأرض المحتلة يواجهون دبابات النار ببعض الحجارة!
أثر الصيام في النفس والصحة
أما الدكتور عبد الجواد الصاوي -رئيس اللجنة العلمية للهيئة العالمية للإعجاز العلمي في القرآن والسنة- فيقول: إن الصيام كاقتناع فكري وممارسة عملية، يقوّي لدى الإنسان كثيراً من جوانبه النفسية؛ فيقوي لديه الصبر والجَلَد وقوة الإرادة وضبط النوازع والرغبات ويضفي على نفسه السكينة والرضا والفرح.. وقد أخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "للصائم فرحتان يفرحهما: إذا أفطر فرح بفطره، وإذا لقي ربه فرح بصومه".
ويضيف: إن للصيام آثاراً إيجابية عديدة على صحة الإنسان، حيث أخبر الله تعالى أنه فرض علينا الصيام وعلى كل أهل الملل قبلنا؛ لنكتسب به التقوى الإيمانية التي تحجزنا عن المعاصي والآثام، ولنتوقى به كثيراً من الأمراض والعلل الجسمية والنفسية. قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون}. وقال صلى الله عليه وسلم: "الصيام جُنَّة". أي وقاية وستر.
مجلة الفرقان
الصيام يقوّي العزائم ويُصفّي النفوس ويسمو بالأرواح.. كما أن شهر رمضان "دورة تدريبية" سنوية لتجديد وحدة الأمة.. هذه الحقائق لا يملّ تأكيدها علماء الإسلام ومفكروه وأساتذة الجامعات والباحثون.
العلماء أكدوا أيضاً أن رمضان فرصة سنوية للمراجعة والتأمل والنقد الذاتي للتخلص من الأمراض الاجتماعية.
وأوضحوا أن الصيام الإسلامي ليس له أي تأثير سلبي على الأداء العضلي وتحمُّل المجهود البدني. بل إن الصيام يمد الفرد بطاقة روحية تجعله أقدر على الإنتاج والعمل أكثر مما لو لم يكن صائماً.. وهذه الطاقة الروحية قوة لا يستهان بها.
وأكدوا أن الانتصارات الكبرى للأمة حدثت في رمضان؛ لأن الصوم يعطي المسلم طاقة هائلة، ويقوّي جهاز المناعة، ويقي الجسم من أمراض كثيرة، حيث يتحسن المؤشر الوظيفي للخلايا اللمفاوية عشرة أضعاف.
وفي التحقيق التالي نتعرف على المزيد من آرائهم:
بداية يؤكد الدكتور محمود حمدي زقزوق -وزير الأوقاف المصري- أن المسلمين مطالبون بفهم مغزى الصيام في شهر رمضان؛ ذلك لأنه الشهر الذي تجسّدت فيه كل العبادات وكل الانتصارات التي كان آخرها نصر العاشر من رمضان.
ويقول: إن شهر رمضان يجمع بين الدين والدنيا ليؤكد للجميع أن الإسلام ليس ديناً فقط إنما كتاب إلهي يجمع بين الدين والدنيا بكل أبعادها المختلفة، وليوضح أن الأمة الإسلامية -وفي المقدمة منها شبابها- تحتاج دائماً إلى تجديد فكرها وتطوير أدائها من أجل مواجهة التحديات محليّاً وعالميّاً.
ويضيف قائلاً: إن شهر رمضان فرصة ربانية أعطاها الله تعالى المسلمين لتكون محطة سنوية يقفون فيها مع أنفسهم؛ يراجعون حساباتهم للقضاء على السلبيات وتنمية الإيجابيات، خاصة وأن الأمة الإسلامية تمرّ حاليّاً بأوقات عصيبة تستدعي التمسك بالدين الصحيح، وإبراز منهجه المعتدل السمح المستنير، وتوضيح ذلك للعالم كله من خلال العلماء والمتخصصين، وقبل ذلك من خلال تصرفات وسلوكيات المسلمين أنفسهم، مشيراً إلى أن شهر رمضان وما يحمله من مفهوم الصوم فرصة جيّدة لأنْ يتخلّق المسلم بسلوكيات إيجابية يمكن أن تدوم معه بقية العام؛ فيكون بحق خير إنسان في خير أمة، وأن يجعل من الصيام منهجاً سويّاً في الطاعة والعمل المنتج الجاد.
فرصة تدريب
ويطالب الدكتور حمدي زقزوق المسلمين بأن يجعلوا من شهر رمضان فرصة للتدريب علي مجموعة كبيرة من القيم التي ينبغي أن يتعودوا عليها حتى يقوموا بواجبهم الديني والدنيوي على أحسن وجه ويتزودوا بشحنة تستمر معهم بقية العام، مشيراً إلى أن القرآن الكريم من أوله إلى آخره إما حديث إلى الإنسان أو حديث عن الإنسان الذي هو محور الكون وسيده، فقد خلقه الله تعالى لعمارة الأرض واستخلفه فيها، وطلب منه إنشاء حضارات جديدة تقدم للبشرية عطاء يحقق إرادة الله تعالى فيها.
ويطالب المسلمين جميعاً بالتزود من قراءة القرآن الكريم باعتباره الكتاب المسطور، وكذلك الكتاب المفتوح وهو الكون الذي يجب أن يكون مجالاً للتأمل والبحث الذي لا حدود له في الإسلام، وإن كان محفوفاً بسياج أخلاقي.
ويقول وزير الأوقاف: إن المسلمين يطالبون بعد التمسك بدينهم أن يستردوا مصادر القوة التي تؤهلهم ليكونوا جديرين بسيادة الكون، كما كانوا في الماضي، وأن يعرفوا جيداً أن معنى العبادة ليست في الصلاة والصوم؛ إنما كل عمل للإنسان يتوجه به إلى الله تعالى ويقدم الخير لنفسه ومجتمعه والإنسانية كلها بجانب العبادات.
وسطية واعتدال
ويختتم الدكتور زقزوق كلامه بالقول: إن الإسلام بكل ما جاء به يؤكد الوسطية والاعتدال، ولا يعرف العنف أو الإرهاب والتطرف، وأنه إذا كان المسلمون الآن في موقف الضعف وغيرهم في ميادين القوة؛ فليس أمامهم سوى الأخذ بأسباب هذه القوة وفهم مضمون الدين والبعد عن أسباب الضعف واللحاق بالآخرين في ميادين المعرفة والقوة.
الصيام يُعلّم المسلم الأمانة والعدالة
بدوره قال الدكتور أحمد عمر هاشم -رئيس جامعة الأزهر السابق-: إن شهر الصيام يأتي هذه الأيام من كل عام حتى ينبه المسلمين ويوجههم ويذكرهم بما ينبغي أن تكون عليه الأمة الإسلامية؛ فهو شهر الصبر، ويرتبط هذا الشهر بالأمانة والعدالة ووحدة الصف؛ فليس من فراغ أن يأتي شهراً كاملاً، يفرض فيه الله الصيام على المسلمين، ويسن الرسول صلى الله عليه وسلم قيامه، ويستشعر المسلمون ما فيه من معان جليلة، تتمثل في الأمانة والعدالة والوحدة والشعور بالفقراء والمحتاجين؛ حتى يكون دورة تدريبية للمسلمين خلال شهر كامل، ليتعلموا فيه كيف يوحّدوا صفوفهم، وحتى يكونوا أمناء مع الله، حين يمسكوا عن الطعام والشراب، ويصوموا فلا يفطروا بخلوة، ودون أن يراهم أحد؛ لأن المسلمين يعلمون أن الواحد الأحد يراهم ويطَّلع عليهم.
ويضيف قائلاً: إن الصيام يُعلّم المسلم الأمانة، والأمانة هي التي يمكن أن ينصلح بها حال الأمة، فإذا ضاعت الأمانة ضاعت الأمة، ولن يكون لبقائها معنى، وبيّن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك حين سُئل: متى الساعة؟ فقال:"إذا ضُيعت الأمانة؛ فانتظروا الساعة". أي إن الأمانة بها تقوم الحياة، وينتظم أمرها، ويستقر الناس.
ومن هنا يجب أن يكون المسلم أميناً فيما بينه وبين الله، وفيما بينه وبين نفسه، حتى لا يوردها موارد الهلاك، كما يجب أن يكون أميناً على من ولاّه الله أمرهم، وكذلك العمل المكلَّف به، والمال العام الذي يتعامل فيه، فرسولنا صلى الله عليه وسلم في توجيهه لذلك بيّن أنه لا إيمان لمن لا أمانة له، ولا دين لمن لا عهد له، وعمر بين الخطاب رضي الله عنه أعطى الأمة عبراً ودروساً في كيفية الحفاظ على المال العام والأمانة؛ حتى لا يهدر من ولي أمر المال العام، ولا يمدّ يده لسرقته واغتصابه، وما يتصدع به اقتصاد الأمة، وما تمر به من مهازل وأخطار من جراء التهاون، وذلك حينما طلبت منه زوجته أن يشتري لها الحلوى فرفض، وقال مادام في المسلمين حاجة فلا تأكلوا الكماليات. حتى إنها ادخرت من مصروف بيتها الخاص بعض الدراهم، وجاءت إليه بعد حين، وقالت: ها هي. فقال لها رضي الله عنه: من أين لك هذا؟!
والرسول صلى الله عليه وسلم هو الذي وضع قانون (من أين لك هذا)، الذي تُفاخر به القوانين الوضعية، وهو يحاسب الأمة، وسيدنا عمر أول من يحاسب زوجته في بضعة دراهم ادخرتها من مصروف البيت.
ومن هذا المنطلق فلا يصح أن يقول المسلم إنّ هذا المال مال سائب، أو مال الدولة، وليس ملكاً لأحد، بل يجب أن يحافظ عليه، وهذه هي الأمانة التي أرساها القرآن الكريم، والتي يبرزها هذا الشهر العظيم، حينما يكون المسلمون أمناء في عبادتهم، فلا يفرطوا في صيامهم بحال من الأحوال، ويرسي القرآن أيضاً فيهم العدالة بأسمى معانيها، ولا يُكلِّف أحداً بصوم وهو لا يستطيع الصيام؛ لقوله تعالى: {يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر}.
حياة آمنة
ويمضى الدكتور أحمد عمر هاشم قائلاً: تتحقق الحياة المستقرة الآمنة بالإيمان والعدالة، والإيمان إذا ضاع فلا أمان، ولا دنيا لمن لم يحيي دينه.. الإيمان أولاً ثم العدالة، فلو ضاع الإيمان ضاعت الحياة المستقرة الآمنة، وإن ضاعت العدالة وكان الظلم لابد أن يضيع الأمن والاستقرار، مهما فعل المسلمون، ومهما بذلوا من جهد، فمادام يوجد ظلم، فلا يمكن أن يوجد أمن واستقرار، سواء على مستوى الأسرة أو المجتمع أو الأمم؛ لأن القانون الرباني الذي أرسى قاعدة الإيمان قال فيه رب العزة: {الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون}.
وقد أرسى رب العزة قاعدة الأمان في الأرض، وهي أن يوثق المسلمين صلتهم بالله، وأن يؤكدوا إيمانهم به، فلا يجب أن يكون إيمانهم بالقول، وإنما يجب أن يكون قولاً وفعلاً. وطالما هذه الشرور والمفاسد موجودة بالفعل في أمتنا الإسلامية من صراعات بين أفراد مجتمعاتنا ودوائرنا الحكومية؛ فلن يتحقق النصر.
العدالة.. والنصر
ويوضح الدكتور عمر هاشم أن المسلمين إذا استطاعوا أن يحققوا الإيمان، وأن ينشروا العدالة في الأرض، فيستطيعوا أن يحققوا النصر، ولن يفزعوا من وقتها من عدو يتربص بهم، ويحصد أفرادهم، ويتسلط على دولهم، ويسلب واحداً من مقدساتهم، وهو القدس في الأرض المحتلة، بل إن العدو أدار ظهره لكل قرارات مجلس الأمن والأمم المتحدة والمنظمات الدولية، ولم يعبأ بهم، وأخذ بسياسة البلطجة والعربدة، وما تحركت الأمة، ولا تستطيع أن تتحرك، ولو أنها حققت الإيمان بالله لما احتاجت إلى كثير من القوة أو العدد أو العدة؛ لأن لهم من أسلافهم ودروس رسولهم ما يؤكد أن النصر من عند الله العزيز الحكيم وبأقل الأسباب.
فحين يتحقق الإيمان يتحقق النصر، ألا يتذكر المسلمون يوم الفرقان، يوم التقى الجمعان، وكان العدو أكثر عدداً وعدة، فماذا كان في أيدي المسلمين من قوة، فما أشبه الليلة بالبارحة، أبناء الأرض المحتلة يواجهون دبابات النار ببعض الحجارة!
أثر الصيام في النفس والصحة
أما الدكتور عبد الجواد الصاوي -رئيس اللجنة العلمية للهيئة العالمية للإعجاز العلمي في القرآن والسنة- فيقول: إن الصيام كاقتناع فكري وممارسة عملية، يقوّي لدى الإنسان كثيراً من جوانبه النفسية؛ فيقوي لديه الصبر والجَلَد وقوة الإرادة وضبط النوازع والرغبات ويضفي على نفسه السكينة والرضا والفرح.. وقد أخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "للصائم فرحتان يفرحهما: إذا أفطر فرح بفطره، وإذا لقي ربه فرح بصومه".
ويضيف: إن للصيام آثاراً إيجابية عديدة على صحة الإنسان، حيث أخبر الله تعالى أنه فرض علينا الصيام وعلى كل أهل الملل قبلنا؛ لنكتسب به التقوى الإيمانية التي تحجزنا عن المعاصي والآثام، ولنتوقى به كثيراً من الأمراض والعلل الجسمية والنفسية. قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون}. وقال صلى الله عليه وسلم: "الصيام جُنَّة". أي وقاية وستر.
مجلة الفرقان