إن من أخلاق المؤمنين محبة بعضهم لبعض، {لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه}
وإن من أخلاق المؤمنين مولاةَ بعضهم لبعض موالاةً تقتضي النصيحةَ والإخلاص لها، وتقتضي محبَّة المؤمن، ((وَٱلْمُؤْمِنُونَ وَٱلْمُؤْمِنَـٰتِ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ))[التوبة:71].
ومن أخلاق المؤمنين تألم البعض بألم البعض، فهم كالجسد الواحد، يتألم الكل بتألُّم البعض، {مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر}[2]، وهم كالبنيان المرصوص يشدُّ بعضه بعضًا، متى ما اختلَّت لبنة من لبن البناء أدى إلى انهيار البناء وضعفه.
ومن أخلاق المؤمن أن المؤمن مرآة لأخيه المؤمن، إن رأى خيراً شجَّعه على
الخير، ورغَّبه فيه، وحثه على الاستمرار عليه، وإن رأى خللاً، إن رأى
خطأً، إن أبصر نقصاً، إن نظر إلى مخالفة للشرع، فإنه يسعى في تسديد أخيه
المسلم.
وفي نصيحته وفي إنقاذه من الخطأ، وفي دعوته للصواب،(( وَٱلْعَصْرِ إِنَّ ٱلإِنسَـٰنَ لَفِى خُسْرٍ إِلاَّ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ وَتَوَاصَوْاْ بِٱلْحَقّ وَتَوَاصَوْاْ بِٱلصَّبْرِ)) [العصر:1-3].
أيها المسلم، مقتضى المحبة الإيمانية والأخوة الإسلامية، مقتضاها أن تبذل
النصيحة لأخيك، عندما ترى مخالفةً ويقع نظرك على خطأ فتبذل النصيحة لأخيك
المسلم إنقاذاً له من عذاب الله، وأخذاً بيده لما فيه صلاح دينه ودنياه.
ولكن هذه النصيحة تحتاج إلى ضوابط لتكون نصيحة مؤثرة، نصيحة نافعة، نصيحة
تؤدي الغرض منها.
فأولاً:
إخلاصك في نصيحتك، فالحامل على النصيحة إخلاصٌ لله، ثم لأخيك المسلم، ليست
نصيحتك رياءً وسمعة، ولا افتخاراً بها، ولا تعلٍ بها، ولا استطالة على
الخلق، ولا أن يكون لك رفعة ومكانة، ولكنها نابعة من قلب صادق محب للخير،
ساع له. والمخلصون في نصيحتهم هم الذين يضعون النصيحة موضعَها، لا يتحدثون
بها، ولا يفتخرون بها، ولكنها سرٌ وأمانة بينهم وبين من ينصحون له، لأن
هدفهم وغايتهم صلاح أخيهم المسلم، واستقامة حاله، وحماية عرضه، وليس هدفهم
الاستطالة والترفع على الناس.
ولا بد أن يكون هذا الناصح عالماً بما ينصح،
فكم من متصوِّر للخطأ أنه صواب فيدعو إلى غير هدى، وينصح بلا علم، فربما
أفسد أكثر مما يريد أن يصلح، إذاً فالعلم بحقيقة ما تنصح له، بأن تعلم
الخطأ على حقيقته، وتعلم كيف تخلص أخاك المسلم من تلك الهلكة.
وثالثها:
لا بد أن تكون بعيداً عن التشهير والتعيير والشماتة بالمخالف، فإن
المعيِّر للناس الشامت بهم الفَرِح بعوراتهم المتطِّلعَ إلى عيوبهم
الحريصَ على أن يرى العيب والخطأ فهذا ليس بناصح ولكنه مسيء وضاره.
وهذا
النوع من الناس لا يوفَّقون للخير؛ لأنهم لم يقصدوا الخير أصلاً، وإنما
اتخذوا الدين والخير وسيلةً للنيل ممن يريدون النيلَ منه. ولهذا ترى هذا
الشامت وهذا الفَرِح بالعيوب والنقائص ينصح علانية، ويُظهر الأمر أمام
الملأ لكي يَحُطَّ من قدر من يظنُّ أنه ينصحه، ولكي يُطْلع الناس على عيوب
خفيَت عن الآخرين، فيكون بذلك مسيئاً لا مصيباً، ومفسداً لا مصلحاً،
وفاضحاً لا ساتراً. ولهذا يُروى: {من عيَّر أخاه بذنب لم يمت حتى يفعله}4]، وفي الأثر: {لا تظهر الشماتة بأخيك فيعافيه الله ويبتليك}5].
أيها
المسلم، النصيحة لجماعة المسلمين وأفرادهم، النصيحة للجميع، فنصحُك - أيها
المسلم - عام لجميع المسلمين أفراداً وجماعة على قدر استطاعتك وقدر نفوذك،
وكلٌ يؤدي ما يستطيع أداءَه.
أخي
المسلم، إننا معشرَ البشر لا بد فينا من أخطاء، والمعصوم من عصم الله، فلا
بد من أخطاء في البشر، نسي آدم فنسِيتْ ذريتُه، لا بد من أخطاء، ولو
تبصَّر الإنسان في نفسه لأبصر عيوبَه وأخطاءه، واشتغل بها عن عيوب
الآخرين، كلُّنا خطَّاء، وخير الخطائين التوابون، كلنا عرضةٌ للزلل والخطأ
والتقصير في الواجب أو ارتكاب شيء مما خالف الشرع لو تبصر المسلم حقَّاً.
فإذا كنا كذلك فالواجب على الجميع التناصح فيما بيننا، فلعل أخاك المسلم
وقع في تلك المخالفة إما غفلةً منه، إما جهلا بالحكم، أو غفلةً وسهوا
وسيطرة شهوات وهوى وجلساء سوء ودعاة ضلال، لعله عرض له أمر ظنَّ أن ما هو
عليه حقٌّ والواقع أنه خطأ ومخالف للشرع.
أخي
المسلم، إذاً فلا بد من ترويض نفسك على الصبر والاحتساب، ومخاطبة الناس
على قدر عقولهم وأفهامهم، لتعلم حال من تنصحه، أخلاقُه تقبُّله لما تدلي
إليه من نصيحة، حسن تقبُّله أو عدم تقبله، وكيف حاله وكيف طريقة نصحه؛ لأن
هدفك الوصول إلى الحق، وإنقاذ المسلم مما هو واقع فيه من الخطأ.
أخي
المسلم، فكن لله ناصحاً، وكن لعباد الله ناصحاً، نصيحةً تنبع من قلب مليء
بالرحمة والمحبة والشفقة وحسن القصد، لا عن خيانة وغش واستطالة وترفُّع
على الناس.
قال
بعض السلف: إن النصيحة علانية وتبيين معاصي العباد، إنه نوع من الهوان على
الإسلام وأهله. فليحذر المسلم أن ينشر معائب المسلمين، ويتحدث عن أخطائهم
علانية، فلا يقبلوا منه نصيحةً إن نصح، ولا يقبلوا منه توجيها إن وجَّه؛
لأنهم يعلمون أنه يتاجر بتلك النصيحة، يريد بها مكانة لنفسه وعزاً لنفسه،
وهو لا يدري أنه بذلك أسخط ربه، لأن الناصح الهادف من نصيحته يتلمَّس
الخير ويبحث عن الطرق التي يوصل بها النصح لكي يستفيد ويفيد. همُّه إصلاح
المسلمين، لا همُّه مصلحته الذاتية، ولا يتخذ من النصيحة وسيلة لتجريح
الناس وعيبهم، والسعي بالنميمة فيما بينهم، فيفرق أخوَّتهم، أو يحدث
النزاع بينهم، إنما يهدف من نصيحته التوفيق والإصلاح: ((إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ ٱلإِصْلَـٰحَ مَا ٱسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِى إِلاَّ بِٱللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ)) [هود:88] هكذا يقول شعيب عليه السلام، ونوح يقول لقومه: ((وَلاَ يَنفَعُكُمْ نُصْحِى إِنْ أَرَدْتُّ أَنْ أَنصَحَ لَكُمْ))
[هود:34]، لأنه أدام النصحَ لهم، أخبر الله عنه أنه دعا قومه لله سراً
وجهاراً ليلاً ونهاراً، كل ذلك حرص على هدايتهم، وحرص على صلاح قلوبهم،
والأمر بيد الله.
إنما
على المسلم أن ينصح لله الأفراد والجماعة، وكل على قدر حاله، وكل على حسب
منزلته، وأن الأدب في النصيحة والإخلاص فيها وكتمانها وإيصالها إلى
المنصوح بالطرق الجيدة، أن ذلك يترك أثراً عظيماً، أما الشماتة بالناس،
ونشر عيوبهم، والتحدث عن أخطائهم، وكأنه أعطي أماناً من الخطأ، وكأنه أعطي
عصمةً من الزلل، فهذا الدرب من الناس لا همّ لهم إلا تجريح الناس، والنيل
منهم، فعياذاً بالله من حالة السوء، أما المؤمن فهو بخلاف ذلك، وليٌّ
لأخيه، يحب له ما يحب لنفسه، ويكره له ما يكره لنفسه.
باختصار للشيخ عبد العزيز بن عبد آل شيخ
آداب الناصح:
الإخلاص: فلا يبغي الناصح من نصحه إظهار رجاحة عقله، أو فضح المنصوح
والتشهير به، وإنما يكون غرضه من النصح الإصلاح، وابتغاء مرضاة الله.
الحكمة والموعظة الحسنة واللين: فالكلمة الطيبة مفتاح القلوب، قال تعالى:
{ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن}
[_النحل: 125].
عدم كتمان النصيحة: المسلم يعلم أن النصيحة هي أحد
الحقوق التي يجب أن يؤديها لإخوانه المسلمين، فالمؤمن مرآة أخيه، يقدم له
النصيحة، ويخبره بعيوبه، ولا يكتم عنه ذلك. قال صلى الله عليه وسلم: (حق
المسلم على المسلم ست).
قيل: ما هن يا رسول الله؟ قال: (إذا لقيتَه
فسلِّم عليه، وإذا دعاك فأجبْه، وإذا استنصحك فانصحْ له، وإذا عطس فحمد
فشمِّته، وإذا مرض فَعُدْه (فزُرْه) وإذا مات فاتبعه (أي سِرْ في جنازته)
[مسلم].
أن تكون النصيحة في السر: المسلم لا يفضح المنصوح ولا يجرح مشاعره، وقد قيل: النصيحة في الملأ (العلن) فضيحة.
وما أجمل قول الإمام الشافعي:
تَغَمَّدَني بنُصْحِــكَ فــي انفـــِرادِي
وجَنِّبْنِــي النصيحــةَ فِــي الجَمَاعةْ
فـإنَّ النُّصْــحَ بَيـْـن النــاسِ نـــوعٌ
مــن التـَّوْبيخ لا أَرْضَى اســتِمَـاعَه
وكان صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن ينصح أحد الحاضرين يقول: ما بال
أقوام يفعلون كذا، ما بال أحدكم يفعل كذا. وقيل: النصح ثقيل فلا تجعلوه
جبلا، ولا ترسلوه جدلا، والحقائق مرة فاستعينوا عليها بخفة البيان.
الأمانة في النصح: فلا يخدع المنصوح ولا يستهين بأمره، بل يبذل الجهد،
ويعمل الفكر، قبل أن ينصح، وعليه بيان ما يراه من المفاسد إن وجد في ستر
وأمانة.
آداب المنصوح:
أن يتقبل النصيحة بصدر رحب: وذلك دون ضجر أو ضيق أو تكبر، وقد قيل: تقبل النصيحة بأي وجه، وأدِّها على أحسن وجه.
عدم الإصرار على الباطل: فالرجوع إلى الحق فضيلة والتمسك بالباطل رذيلة،
والمسلم يحذر أن يكون ممن قال الله -تعالى- فيهم: {وإذا قيل له اتق الله
أخذته العزة بالإثم فحسبه جهنم ولبئس المهاد} [_البقرة: 206].
أخذ
النصح من المسلم العاقل: لأنه يفيده بعقله وحكمته، كما أن المسلم يتجنب
نصح الجاهل أو الفاسق؛ لأنه يضره من حيث لا يحتسب. روي أن النبي صلى الله
عليه وسلم قال: (من أراد أمرًا فشاور فيه امرءًا مسلمًا، وَفَّقَهُ الله
لأرشد أموره) [الطبراني].
شكر الناصح: يجب على المنصوح أن يقدم الشكر لمن نصحه، فمن لا يشكر الناس لا يشكر الله.
وإن من أخلاق المؤمنين مولاةَ بعضهم لبعض موالاةً تقتضي النصيحةَ والإخلاص لها، وتقتضي محبَّة المؤمن، ((وَٱلْمُؤْمِنُونَ وَٱلْمُؤْمِنَـٰتِ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ))[التوبة:71].
ومن أخلاق المؤمنين تألم البعض بألم البعض، فهم كالجسد الواحد، يتألم الكل بتألُّم البعض، {مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر}[2]، وهم كالبنيان المرصوص يشدُّ بعضه بعضًا، متى ما اختلَّت لبنة من لبن البناء أدى إلى انهيار البناء وضعفه.
ومن أخلاق المؤمن أن المؤمن مرآة لأخيه المؤمن، إن رأى خيراً شجَّعه على
الخير، ورغَّبه فيه، وحثه على الاستمرار عليه، وإن رأى خللاً، إن رأى
خطأً، إن أبصر نقصاً، إن نظر إلى مخالفة للشرع، فإنه يسعى في تسديد أخيه
المسلم.
وفي نصيحته وفي إنقاذه من الخطأ، وفي دعوته للصواب،(( وَٱلْعَصْرِ إِنَّ ٱلإِنسَـٰنَ لَفِى خُسْرٍ إِلاَّ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ وَتَوَاصَوْاْ بِٱلْحَقّ وَتَوَاصَوْاْ بِٱلصَّبْرِ)) [العصر:1-3].
أيها المسلم، مقتضى المحبة الإيمانية والأخوة الإسلامية، مقتضاها أن تبذل
النصيحة لأخيك، عندما ترى مخالفةً ويقع نظرك على خطأ فتبذل النصيحة لأخيك
المسلم إنقاذاً له من عذاب الله، وأخذاً بيده لما فيه صلاح دينه ودنياه.
ولكن هذه النصيحة تحتاج إلى ضوابط لتكون نصيحة مؤثرة، نصيحة نافعة، نصيحة
تؤدي الغرض منها.
فأولاً:
إخلاصك في نصيحتك، فالحامل على النصيحة إخلاصٌ لله، ثم لأخيك المسلم، ليست
نصيحتك رياءً وسمعة، ولا افتخاراً بها، ولا تعلٍ بها، ولا استطالة على
الخلق، ولا أن يكون لك رفعة ومكانة، ولكنها نابعة من قلب صادق محب للخير،
ساع له. والمخلصون في نصيحتهم هم الذين يضعون النصيحة موضعَها، لا يتحدثون
بها، ولا يفتخرون بها، ولكنها سرٌ وأمانة بينهم وبين من ينصحون له، لأن
هدفهم وغايتهم صلاح أخيهم المسلم، واستقامة حاله، وحماية عرضه، وليس هدفهم
الاستطالة والترفع على الناس.
ولا بد أن يكون هذا الناصح عالماً بما ينصح،
فكم من متصوِّر للخطأ أنه صواب فيدعو إلى غير هدى، وينصح بلا علم، فربما
أفسد أكثر مما يريد أن يصلح، إذاً فالعلم بحقيقة ما تنصح له، بأن تعلم
الخطأ على حقيقته، وتعلم كيف تخلص أخاك المسلم من تلك الهلكة.
وثالثها:
لا بد أن تكون بعيداً عن التشهير والتعيير والشماتة بالمخالف، فإن
المعيِّر للناس الشامت بهم الفَرِح بعوراتهم المتطِّلعَ إلى عيوبهم
الحريصَ على أن يرى العيب والخطأ فهذا ليس بناصح ولكنه مسيء وضاره.
وهذا
النوع من الناس لا يوفَّقون للخير؛ لأنهم لم يقصدوا الخير أصلاً، وإنما
اتخذوا الدين والخير وسيلةً للنيل ممن يريدون النيلَ منه. ولهذا ترى هذا
الشامت وهذا الفَرِح بالعيوب والنقائص ينصح علانية، ويُظهر الأمر أمام
الملأ لكي يَحُطَّ من قدر من يظنُّ أنه ينصحه، ولكي يُطْلع الناس على عيوب
خفيَت عن الآخرين، فيكون بذلك مسيئاً لا مصيباً، ومفسداً لا مصلحاً،
وفاضحاً لا ساتراً. ولهذا يُروى: {من عيَّر أخاه بذنب لم يمت حتى يفعله}4]، وفي الأثر: {لا تظهر الشماتة بأخيك فيعافيه الله ويبتليك}5].
أيها
المسلم، النصيحة لجماعة المسلمين وأفرادهم، النصيحة للجميع، فنصحُك - أيها
المسلم - عام لجميع المسلمين أفراداً وجماعة على قدر استطاعتك وقدر نفوذك،
وكلٌ يؤدي ما يستطيع أداءَه.
أخي
المسلم، إننا معشرَ البشر لا بد فينا من أخطاء، والمعصوم من عصم الله، فلا
بد من أخطاء في البشر، نسي آدم فنسِيتْ ذريتُه، لا بد من أخطاء، ولو
تبصَّر الإنسان في نفسه لأبصر عيوبَه وأخطاءه، واشتغل بها عن عيوب
الآخرين، كلُّنا خطَّاء، وخير الخطائين التوابون، كلنا عرضةٌ للزلل والخطأ
والتقصير في الواجب أو ارتكاب شيء مما خالف الشرع لو تبصر المسلم حقَّاً.
فإذا كنا كذلك فالواجب على الجميع التناصح فيما بيننا، فلعل أخاك المسلم
وقع في تلك المخالفة إما غفلةً منه، إما جهلا بالحكم، أو غفلةً وسهوا
وسيطرة شهوات وهوى وجلساء سوء ودعاة ضلال، لعله عرض له أمر ظنَّ أن ما هو
عليه حقٌّ والواقع أنه خطأ ومخالف للشرع.
أخي
المسلم، إذاً فلا بد من ترويض نفسك على الصبر والاحتساب، ومخاطبة الناس
على قدر عقولهم وأفهامهم، لتعلم حال من تنصحه، أخلاقُه تقبُّله لما تدلي
إليه من نصيحة، حسن تقبُّله أو عدم تقبله، وكيف حاله وكيف طريقة نصحه؛ لأن
هدفك الوصول إلى الحق، وإنقاذ المسلم مما هو واقع فيه من الخطأ.
أخي
المسلم، فكن لله ناصحاً، وكن لعباد الله ناصحاً، نصيحةً تنبع من قلب مليء
بالرحمة والمحبة والشفقة وحسن القصد، لا عن خيانة وغش واستطالة وترفُّع
على الناس.
قال
بعض السلف: إن النصيحة علانية وتبيين معاصي العباد، إنه نوع من الهوان على
الإسلام وأهله. فليحذر المسلم أن ينشر معائب المسلمين، ويتحدث عن أخطائهم
علانية، فلا يقبلوا منه نصيحةً إن نصح، ولا يقبلوا منه توجيها إن وجَّه؛
لأنهم يعلمون أنه يتاجر بتلك النصيحة، يريد بها مكانة لنفسه وعزاً لنفسه،
وهو لا يدري أنه بذلك أسخط ربه، لأن الناصح الهادف من نصيحته يتلمَّس
الخير ويبحث عن الطرق التي يوصل بها النصح لكي يستفيد ويفيد. همُّه إصلاح
المسلمين، لا همُّه مصلحته الذاتية، ولا يتخذ من النصيحة وسيلة لتجريح
الناس وعيبهم، والسعي بالنميمة فيما بينهم، فيفرق أخوَّتهم، أو يحدث
النزاع بينهم، إنما يهدف من نصيحته التوفيق والإصلاح: ((إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ ٱلإِصْلَـٰحَ مَا ٱسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِى إِلاَّ بِٱللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ)) [هود:88] هكذا يقول شعيب عليه السلام، ونوح يقول لقومه: ((وَلاَ يَنفَعُكُمْ نُصْحِى إِنْ أَرَدْتُّ أَنْ أَنصَحَ لَكُمْ))
[هود:34]، لأنه أدام النصحَ لهم، أخبر الله عنه أنه دعا قومه لله سراً
وجهاراً ليلاً ونهاراً، كل ذلك حرص على هدايتهم، وحرص على صلاح قلوبهم،
والأمر بيد الله.
إنما
على المسلم أن ينصح لله الأفراد والجماعة، وكل على قدر حاله، وكل على حسب
منزلته، وأن الأدب في النصيحة والإخلاص فيها وكتمانها وإيصالها إلى
المنصوح بالطرق الجيدة، أن ذلك يترك أثراً عظيماً، أما الشماتة بالناس،
ونشر عيوبهم، والتحدث عن أخطائهم، وكأنه أعطي أماناً من الخطأ، وكأنه أعطي
عصمةً من الزلل، فهذا الدرب من الناس لا همّ لهم إلا تجريح الناس، والنيل
منهم، فعياذاً بالله من حالة السوء، أما المؤمن فهو بخلاف ذلك، وليٌّ
لأخيه، يحب له ما يحب لنفسه، ويكره له ما يكره لنفسه.
باختصار للشيخ عبد العزيز بن عبد آل شيخ
آداب الناصح:
الإخلاص: فلا يبغي الناصح من نصحه إظهار رجاحة عقله، أو فضح المنصوح
والتشهير به، وإنما يكون غرضه من النصح الإصلاح، وابتغاء مرضاة الله.
الحكمة والموعظة الحسنة واللين: فالكلمة الطيبة مفتاح القلوب، قال تعالى:
{ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن}
[_النحل: 125].
عدم كتمان النصيحة: المسلم يعلم أن النصيحة هي أحد
الحقوق التي يجب أن يؤديها لإخوانه المسلمين، فالمؤمن مرآة أخيه، يقدم له
النصيحة، ويخبره بعيوبه، ولا يكتم عنه ذلك. قال صلى الله عليه وسلم: (حق
المسلم على المسلم ست).
قيل: ما هن يا رسول الله؟ قال: (إذا لقيتَه
فسلِّم عليه، وإذا دعاك فأجبْه، وإذا استنصحك فانصحْ له، وإذا عطس فحمد
فشمِّته، وإذا مرض فَعُدْه (فزُرْه) وإذا مات فاتبعه (أي سِرْ في جنازته)
[مسلم].
أن تكون النصيحة في السر: المسلم لا يفضح المنصوح ولا يجرح مشاعره، وقد قيل: النصيحة في الملأ (العلن) فضيحة.
وما أجمل قول الإمام الشافعي:
تَغَمَّدَني بنُصْحِــكَ فــي انفـــِرادِي
وجَنِّبْنِــي النصيحــةَ فِــي الجَمَاعةْ
فـإنَّ النُّصْــحَ بَيـْـن النــاسِ نـــوعٌ
مــن التـَّوْبيخ لا أَرْضَى اســتِمَـاعَه
وكان صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن ينصح أحد الحاضرين يقول: ما بال
أقوام يفعلون كذا، ما بال أحدكم يفعل كذا. وقيل: النصح ثقيل فلا تجعلوه
جبلا، ولا ترسلوه جدلا، والحقائق مرة فاستعينوا عليها بخفة البيان.
الأمانة في النصح: فلا يخدع المنصوح ولا يستهين بأمره، بل يبذل الجهد،
ويعمل الفكر، قبل أن ينصح، وعليه بيان ما يراه من المفاسد إن وجد في ستر
وأمانة.
آداب المنصوح:
أن يتقبل النصيحة بصدر رحب: وذلك دون ضجر أو ضيق أو تكبر، وقد قيل: تقبل النصيحة بأي وجه، وأدِّها على أحسن وجه.
عدم الإصرار على الباطل: فالرجوع إلى الحق فضيلة والتمسك بالباطل رذيلة،
والمسلم يحذر أن يكون ممن قال الله -تعالى- فيهم: {وإذا قيل له اتق الله
أخذته العزة بالإثم فحسبه جهنم ولبئس المهاد} [_البقرة: 206].
أخذ
النصح من المسلم العاقل: لأنه يفيده بعقله وحكمته، كما أن المسلم يتجنب
نصح الجاهل أو الفاسق؛ لأنه يضره من حيث لا يحتسب. روي أن النبي صلى الله
عليه وسلم قال: (من أراد أمرًا فشاور فيه امرءًا مسلمًا، وَفَّقَهُ الله
لأرشد أموره) [الطبراني].
شكر الناصح: يجب على المنصوح أن يقدم الشكر لمن نصحه، فمن لا يشكر الناس لا يشكر الله.