*دورة الإيمان و رمضان
الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على أشرف الأنبياء و المرسلين سيدنا محمد و على آله و صحبه أجمعين .
بداية قبل أن ندخل في محاور دورتنا أردت أن يكون أول أمر يستقر في قلوبنا هو تعبيد قلوبنا لأن معنى العبودية لا يتأكد كما يتأكد في هذه الأزمنة الفاضلة ..
إن أول ما يستقر في قلوبنا في بداية هذه الدورة ( حسن الظن بربنا )
فأول تقرير : لا تقدم على اللع في أي زمان فاضل أو أي مكان فاضل إلا و أنت ( محسن الظن بربك)
لابد أن نفقه جميعاً أن المنح الربانية لأي أحد و حظك يا عبد من الرب تبارك و تعالى يكون بمقدار
ما لله في قلبك
يكون بناءعلى ما قام في قلبك من حبك لله و رغبتك فيما عند الله و حسن الظن بالله و صدق سريرتك ، و كمال إخلاصك ، و حسن طويتك ..
فهذا أول ما نستهل به دورتنا ( حسن الظن بربنا )
ثانياً : النية
فإن النية إذا صححت ، بورك في العلم ووجدت الثمرة و تحقق النفع بإّذن الله تعالى
فنحن نحتسب هذه الدورة و إن كانت قصيرة و موجزة إلا أننا نحتسبها عملاً صالحاً ، وزاداً إيمانياً و قربى نتقرب بها إلى الله نرجو برها و ذخرها عند ربنا إذا وقفنا بين يديه يوم القيامة ، ثم نستدر بها معونته و توفيقه و فتحه لنا في رمضان ، و كلنا يريد المعونة و التوفيق في رمضان ما منا من أحد إلا و هو يريد أن يوفق و أن يُعان في رمضان ..
وكما قال الإمام الدارني ( التوفيق على قدر القربى )
أي أنه كلما زاد العبد بالتقرب إلى الله زاد الرب بالعطايا و المنح و التوفيق
فالذي يريد ماعند الله يتقرب لله فما عند الله ينال بطاعته لأن المنح تأتي بعد الطاعات .
2- نحتسبها من باب الدعوة إلى الله و إلى دينه و التواصي بالحق و التواصي بالصبر و قد قال العلامة ابن السعدي :
" ( الجزاء من جنس العمل ) فكلما سعى الإنسان إلى تكميل العباد و نصحهم و توصيتهم بالحق و صبر على ذلك ، لابد أن يجازيه الله من جنس عمله و يؤيده بنور منه وروح و قوة و إيمان "
فأسأل الله أن لا يحرمنا و إياكم هذا التأييد و هذا النور و هذا المدد و الإعانة .
( الإيمان و رمضان)
هو مسمى دورتنا لم الكلام عن الإيمان و نحن في العد التنازلي لإستقبال رمضان ؟
لسببين :
1- نريد أن نلملم قلوبنا يقول تعالى { وربطنا على قلوبهم } و كأن هذا القلب شيء قابل للتمزق و التوزع و التبعثر فيحتاج إلى ربط و تثبيت ، فأردنا بعد هذه الإجازة التي ربما كثر فيها فضول كلام ،فضول خلطة ، فضول نظر ( ومن زاغ نظره زاغ قلبه و من راغ قلبه زاغت جوارحه )
يقول ابن الجوزي رحمه الله :
" إذا فسحت لنفسي في مجالسة الناس و لقائهم تشتت القلب المجتمع و انتعش في القلب ما قد رأته العين و في الضمير ما تسمعه الأذن وفي النفس ما تطمع في تحصيله من الدنيا و إذا جمهور المخالطين أرباب غفلة فإذا عدتُ أطلب القلب لم أجده "
لذلك نتكلم عن الإيمان من باب التهيئة لقلوبنا قبل رمضان و الله إذا أراد بعبد خيراً ( هيئه لإستقبال مواسم الطاعة )
و الأزمنة الفاضلة نفحة من نفحات الله و منة من منن الله على عباده و لا ملزم على الله عز وجل و إنما محضن إحسان و بر من الله جل جلاله لأنه يريد أن يرحم عباده و أن يغترفوا من الأجور غرفاً .
و النبي صلى الله عليه وسلم كان يفرح برمضان و بقدومه و يبشر أصحابه فيقول:
d]أتاكم شهر رمضان شهر مبارك فرض الله عز وجل عليكم صيامه تفتح فيه أبواب السماء و تغلق فيه أبواب الجحيم و تغل فيه مردة الشياطين لله فيه ليلة خير من ألف شهر من حُرِم خيرها فقد حُرم ]
لو سألنا أنفسنا ماذا سنفعل في رمضان ؟ لوجدت من يقول سأقوم و سأختم أكثر من مرة و سأنفق و سـ.. و ..و...و ما أسهل الكلام ... لكن الله قال من فوق سبع سموات : { إن سعيكم لشتى } ، سعيكم مختلف و لكل ساع نصيبه من سيعه ، من المسرع و من المبطيء و من المتقدم و من المتأخر و من المبادر و من المتاثقل من الصادق و من صاحب الأماني قاعدة عظيمـة في الشريعة عنوانها [ لا يستوون ] { أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون } { لا يستوي أصحاب النار و أصحاب الجنة أصحاب الجنة هم الفائزون } { لا يستوي الأعمى و البصير } و هنا يأتي السؤال الأهم لمَ هذا التفاوت في سعينا ؟
الجواب //
على حسب تفاوت الإيمان في قلوبنا
الإيمان يختلف وزنه من شخص لآخر من الناس من وزن الإيمان في قلبه ثقيل و كأنه جبل راسخ بل جبال راسخـة ..
مشاهد ممن رفعهم إيمانهم :
قال النبي صلى الله عليه وسلم n]إن من أمتي من يُدخل الله بشفاعته أكثر من أهل مُضر الجنة ] الله أكبر ، من أين له هذه الكرامة ؟ لقوة ووزن الإيمان في قلبه ، الإيمان ثقله عند ربه (إن الإيمان يُعز صاحـبه و يرفعه )
النبي صلى الله عليه وسلم يقول عن عمار بن ياسر n]إنه امتلأ إيماناً حتى مشاشته ](ابن حجر في الفتح ) أي حتى عظامه ، ليس فقط في قلبه بل نفذ و سرى وتعدى العروق و الشرايين و اللحم ووصل إلى عظامه . وفي رواية أخرى رواه أحمد مارفي كتاب الزهد [ إن عمار مُليء إيماناً من قَرنه إلى قَدمه ]
الرسول صلى الله عليه وسلم قال عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه لما ضحك الصحابة رضوان الله عليهم من دقه ساقيه فقال : مما تضحكون ؟ قالوا: من دقة ساقيه قال: [والذي نفسي بيده لهما أثقل في الميزان من أحد ] جبل عظيييم كأحد ساقي اين مسعود أثقل منه لم؟ مالذي ثقله ؟ الإيمان الذي في قلبه .
-أم خالد بن الوليد رضي الله عنه لما مات خالد رثت إبنها ووزنته فقالت : أنت بألف ألف من الرجال " تعني أنت بمليون رجل فسمعها عمر رضي الله عنه فقال : " صدقت "
كل هذه أوزان ثقيلة لبشر مثلنا يعيشون على الأرض و يأكلون و يشربون ، لكن إيمانهم ثقلهم رجح بهم .
و في المقابل أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن من الناس من سيكون وزن الإيمان في قلبه ]مثقال حبة من خردل ] ، و في روايات أخرى وزن الشعيرة و وزن الذرة ، ومن كان وزنه كذلك فالله لا يبالي به في أي أودية الدنيا هلك .
و نحن نريد أن نصل إلى درجة d]يلتمس أن يرضيني ] معنى ذلك أنه علينا صباح مساء نزداد في إيماننا نرتقي من درجة إلى أخرى
فهذا السبب الأول لابد من تفقد إيماننا قبل رمضان فلن يحصل السبق في رمضان إلا لمن كان إيمانه في الذروة يقول تعالى في سورة المؤمنون عن هذه الفئة المسارعـة السباقة { أولئك يسارعون في الخيرات و هم لها سابقون } حكم الله أنهم المسارعون المسابقون فما هي صفاتهم :{ إن الذين من خشية ربهم مشفقون *و الذين هم بآيات ربهم يؤمنون* و الذين هم بربهم لا يشركون *و الذين يؤتون ما آتوا و قلوبهم وجله أنهم إلى ربهم راجعون } نخرج من هذه الآيات
أنك إن امتلأت إيماناً ستسابق و تسارع و تبادر
قبل قليل تكلمنا عما قاله النبي صلى الله عليه وسلم عن عمار رضي الله عنه ، فكيف كانت مسارعته رضي الله عنه كان يقول : " اللهم لو أعلم أنه أرضى لك عني أن أرمي بنفسي من هذا الجبل فأتردى فأسقط فعلتْ ، و لو أعلم أنه أرضى لك عني أن ألقي بنفسي في الماء فأغرق فعلت ، و إني لا أقاتل إلا أريد وجهك و أنا أرجو أن لا تخيبني و أنا أريد وجهك " معنى كلامه رضي الله عنه إني يارب أجود لك بنفسي و أعظم الجود أن تجود بنفسك لله يا رب أريد أن أفعل أي شيء يرضيك عني .
يقول النبي صلى الله عليه وسلم ] إن العبد ليلتمس مرضاة الله تعالى فلا يزال كذلك حتى يقول : يا جبريل إن عبدي فلاناً يلتمس أن يرضيني ألا و إن رحمتي غلبت عليه ] و كلنا يريد هذا في رمضان ومن عرف من يطلب هااااان عليه ما يبذل .
فإن ارتفع منسوب الإيمان << ضخ القلب << ومن ثم فإن الجوارح تبع
فلا ترى هذا العبد إلا من طاعـة إلى طاعة فلا يزال ميسراً للطاعات منشرح النفس للعبادة لا تفتر له همة و لا يخفف له عزم ، مشمر، مجتهد مثل الخيل إن دخلت السباق ، في أوله تبدأ مجتهدة ، و في وسطه تزيد سرعتها ، و تخرج أحسن ماعندها في آخره ، كذلك المؤمن في رمضان يدخل وهو قوي ثم يزيد نشاطه في وسطه ثم يُخرج أحسن ما عنده في العشر الأواخر كل هذا متى ؟
( إذا تعاهد إيمانه )
ولكم شغلت قضية تعاهد الإيمان الصحابة رضي الله عنهم كثيراً،
أبو الدرداء رضي الله عنه كان يقول : " من فقه العبد أن يتعاهد إيمانه و ما نقص منه و من فقه العبد أن يعلم أن يعلم أيزداد إيمانه أو ينقص "
يقول الإمام أحمد : " إن هذا الإيمان يزيد حتى يبلغ أعلى السموات السبع و ينقص حتى يصير إلى أسفل السافلين السبع "
و قال الأوزاعي :" إن الإيمان يزيد حتى يبلغ أمثال الجبال و ينقص حتى لا يبقى منه شيء "
عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يقول لأصحابه " هلموا نزداد إيماناً "
و عبدالله بن مسعود رضي الله عنه كان من دعائه " اللهم زدني إيماناً و يقيناً وفقهاً "
و قبل هذا كله فرسولنا صلى الله عليه وسلم كان يقول لصحابته :] إن الإيمان ليخلق في جوف أحدكم كما يخلق الثوب فاسألوا الله أن يجدد الإيمان في قلوبكم ] السلسلة الصحيحة .أي أنه يضعف ويصدأ و يهتريء حتى يصبح مثل الثوب البالي القديم فأتى الأمر الصريح
] فاسألوا الله أن يجدد الإيمان في قلوبكم ]
فكلما كان هذا مشمر ، و مسابق و مسارع للأعمال الصالحة في رمضان )
ولكن كيف أعرف أن إيماني ينقص ويحتاج تجديد ؟
يتبع إن شاء الله تعالى تابعونا قبل رمضان *