إنهم رجالٌ اشتروا الآخرة بالدنيا، وآثروا اللهَ ورسولهُ على سواهما
إنَّهم الصحابةَ رضوان الله تعالى عليهم أولئكَ الجبالُ التي التفت حولَ
رسول الله صلى الله عليه وسلم، كم عانوا وكم عُذبوا؟ وكم تحملوا في سبيل
الله ؟! .
أُريقت دماؤهم الزكيةَ في سبيل الله، وعلى أجسادهم وصل إلينا هذا الدينُ العظيم.
فهذه قريشٌ تجتمع على صحابي من صحابة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وهو
خبيبُ بن عدي-رضي الله عنه - اجتمعوا عليه ليثأروا لقتلاهم يومَ بدر،
وينتقموا من رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ولما وصلت هذه الجُموعُ
بأسيرها خُبيب، قُدّم إلى خشبةِ الصلب، وبينما الحشودُ تتصايحُ من حولهِ،
قال وبصوتهِ الهادئُ الثابت إن شئتم أن تتركوني اركعُ ركعتين قبل مصرعي
فافعلوا) وبينما نظراتُ الثائرين تتجهُ صوبهُ، استقبل- رضي الله عنه-
القبلةَ وصلى ركعتين، فسُبحانَ من ثبتهُ، ثمَّ أقبلَ خبيبٌ- رضي الله عنه-
إلى زعماءِ قريشٍ وقال : ( والله لولا أن تظنوا أني أطلتُ الصلاة جزعاً من
الموتِ لاستكثرت من الصلاة !!) ثم بدأَ القومُ يُمثلون به وهو حي،
فيقطعونَ من جسدهِ القطعةَ تلو القطعة، وهم يقولون له: ( أتحبُّ أن يكونَ
محمداً مكانكَ وأنت ناج ؟ ) فقال- رضي الله عنه ـ والدماءُ تنزفُ منه : (
واللهِ ما أحبُّ أن أكون آمناً وادعاً في أهلي وولدي، وأنَّ محمداً يُوخزُ
بشوكة) فتعالت أصواتُ القومِ : أن اقتلوه اقتلوه!
فرفعَ خبيبٌ- رضي الله عنه- بصرهُ إلى السماءِ من فوقِ خشبةِ الصلب وقال :
( اللهمَّ أحصهم عدداً واقتلهم بدداً ولا تُغادر منهم أحداً ) ثمَّ لفظَ-
رضي الله عنه- أنفاسهُ الأخيرة، وبه مالا يُحصى من ضرباتِ السيوفِ،
وطعناتِ الرماح!!