كلنا يعرف أن بعض الأسر نشأ ت في بيئة جاهلية.. خصوصا هذا الجيـل
ووسط أبوين يريان أن الدين خطر، وأن التدين مشكلة، والواجب البعد عن التدين الظاهر قدر الإمكان،
على هذا ربي الشباب، من خلال مناهج الدراسة، ومن خلال أفكار المجتمع، وآماله وأحلامه وتصوراته..
وليس النبت ينبت في جنان كمثل النبت ينبت في الفلاة
فشأن المربي شأن المزارع الذي يقلع الشوك، ويخرج النباتات الدخيلة من بين الزرع، ليحسن نباته ويكمل ريعه.
إن وجد الإنسان هذا المربي الصالح؛ كانت سعادة الدنيا والآخرة.
أما إن فقد ولم يوجد هذا المربي المتابع الناصح الأمين القوي الرشيد..
فإن التخبط يلازم الإنسان ويحيط به، فيخبطه ويضيع هويته, ويصبح نموذجا سيئا للتضارب الأخلاقي في باطنه مع ظاهره.
ولذلك توعدنا الله جل وعلا في شأن تربية الأولاد, وحمل الآباء المسؤولية تجاه إصلاح أو إفساد أبنائهم،
فقال تعالى{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم:6].
قال ابن عباس: أي أدبوهم وعلموهم.
وقال مقاتل: أن يؤد ب المسلم نفسه وأهله , فيأمرهم بالخير وينهاهم عن الشر.
وينشأ ناشئ الفتيان منا على ما كان عوده أبوه
إن تربية الأبناء- أيها الإخوة من أجل وأعظم الواجبات
وللأسف ! قَلَّ اليوم اهتمام المسلمين بها؛ فصار الأب يفهم أن دوره ومسؤوليته ينحصران في الإنفاق, والسعي على الرزق,
فمن ذا الذي يهتم اليوم - إلا من رحم ربك- بتربية ابنه تربية دينية صحيحة، ويصبر على ذلك؟!
هذه واجبات وحقوق تُسأل عنها أيها الوالد يوم القيامة؛ أنك تركت ولدك في التيه يضله المضلون,
ثم تسألون لماذا ينحرفون؟
فهذه حقوق واجبة, ليست من باب الندب والاستحباب, قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:
"إن الله سائل كل راع عما استرعاه؛ أحفظ أم ضيع؟حتى يسأل الرجل عن أهل بيته" [ابن حبان وصححه الألباني].
ويؤكد ابن القيم رضي الله عنه على هذه المسؤولية، فيقول:
"فمَن أهمل تعليم ولده ما ينفعه وتركه سدى؛ فقد أساء غاية الإساءة, وأكثر الأولاد إنما جاء فسادهم من قبل الآباء وإهمالهم لهم,
وترك تعليمهم فرائض الدين وسنته, فأضاعوهم صغاراً, فلم ينتفعوا بأنفسهم, ولم ينفعوا آباءهم كباراً
فقد توعدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا لم نبذل النصح,
ونبذل الجهد فيمن استرعانا الله تعالى؛ فقال:
"ما من عبد استرعاه الله رعية فلم يحطها بنصيحة ؛ إلا لم يجد رائحة الجنة" [البخاري]
أين من يسخط ويشتد غضبه على ولده إن وجده يقصر في حقوق الله تعالى،
ويثيبه إن وجده ملتزما مستقيما؟!
أليست الصورة معكوسة؟!!
المأساة- أيها الإخوة- أننا نربي أولادنا لأنفسنا؛ لكي ينفعونا ويحملوا عنا.. لسنا نربيهم لله,
ليكونوا مؤمنين موحدين أولياء لله , وهذا هو الإشكال00
ولذلك يكمن الخطر في أمرين:
أولهما:
الإخلاص لله في تربية الولد
ينبغي أن نتساءل: لماذا نحرص على أن نربي أولادنا تربية صالحة؟
1- هل لينفعونا كباراً حين نكبر ونحتاج إليهم؟
2- هل لنفتخر بهم أمام الناس ونتباهى بهم عند الآخرين؟
3-هل لكيلا نعير بهم وتسوءنا سيرتهم؟
هذه نيات باطلة ومآس ظاهرة, لعلها السر الأكبر في فساد الأولاد؛ فإن النيات الفاسدة لا يصلح معها العمل,
قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ}[يونس: 81]؛
فيجب إن أردنا ذرية صالحة أن نصحح نياتنا: أننا إنما نربيهم لأن الله أمرنا بذلك.
أن هذه التربية تكليف من الله عز وجل, وأنها فريضة نؤجر بفعلها ونأثم على تركها..
وهذا يجعلك تؤدي هذه المهمة كما يحب هو ويرضى، لا كما تبتغي وتهوى.
وأيضا بهذه النية تستجلب إعانته وتثبيته وتوفيقه, فكم من حريص على تربية الأبناء شغوف بها وهو غير موفق؛ فتأتي النتائج العكسية.
والأمر الثاني
شكر نعمة الولد
نعم : إننا لم نشكر نعمة الله علينا أن وهبنا الأولاد- وهي النعمة التي لا يدري عِظمها إلا من حرمها-
وكان من أوليَّات ذلك: أن نحسن تربيتهم ليكونوا عبيداً لله الذي خلقهم لنا ورزقنا إياهم,
واستخلفنا في رعايتهم, قال ربي سبحانه وتعالى: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} [إبراهيم:7]
فمن يكفر بنعمة الله فلا يشكرها؛ فإن الله شديد العقاب, فيبتليه من جنس النعمة فتصير عليه نقمة, فيرهقه الأولاد بمتطلباتهم فلا
يقدر عليها, ويحزنوه بانحراف سلوكياتهم وفساد أخلاقهم؛ طغياناً وكفراً.
أما المؤمنون الشاكرون لأنعم الله جل وعلا, المحافظون على أولادهم من الضلال؛ فيرزقهم رزقا حسناً, فيبرهم أبناؤهم, ويكونون
خيراً لهم في دينهم ودنياهم: قال ربي، وأحقُّ القولِ قولُ ربي: {وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا
فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا} [الكهف:80-81]
ألا فاستعد للقاء الله وحسابه {يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ} [آل عمران:30]
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين
والحمد لله رب العالمين