بسم الله الرحمن الرحيم
وبه تعالى نستعين
وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم تسليماً
بدأنا بحول الله وقوته..
ــــ
مدارسة سورة الفاتحة
باسمه تعالى نفتتح المجلس الأول من سورة الفاتحة. ومنهجُ التدارس قائم أساساً على السير المتأني، والتحقق بالآيات كلمةً كلمةً؛ قصد تمكين القلب من التلقي للرسالات المنهاجية الواردة في السورة، والتخلق بحقائقها الإيمانية. وما التوفيق إلا بالله.
تقديم
الفاتحة باب القرآن
و"فاتحة الكتاب" هي باب القرآن الأول. هي "فاتحة" نعم، ولكنها ليست كأي فاتحة! فإذا كان مِنْ وظائفِ المقدماتِ والفواتحِ تقديمُ مضمونِ الكتاب للناس، على سبيل العرض الإجمالي، فإنَّ الله – جلَّ جلالُه - قد ثَـنَى القرآنَ كلَّه ثَنْياً في سورة الفاتحة! وإنما هي سبع آيات! بما بهر القلوب بقوة نوره! وأعجز العقول عن إدراك سره! فلذلك سماها تعالى "السَّبْعَ الْمَثَانِي"! وبذلك أيضا كانت هي "أم القرآن"، و"أم الكتاب"! وكانت مفروضةَ التلاوةِ في كل ركعة من كل صلاة، فريضةً كانت أم نافلة! لا تصح صلاةٌ إلا بها! قال صلى الله عليه وسلم: (من صلى صلاةً لم يقرأ فيها بأم القرآن فهي خِدَاجٌ! فهي خِدَاجٌ! فهي خِدَاجٌ! غَيْرُ تَمَامٍ!)( ) والْخِدَاجُ: النقصان والفساد واللغو. وقال عليه الصلاة والسلام جازما: (لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب!)( )
ويكفي سورةَ الفاتحةِ قدراً وعظمةً أنها هي التي امتن الله بها على خليله المصطفى محمد - صلى الله عليه وسلم - في قوله تعالى: (وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِّنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ!)(الحجر:87). فجعلها في سياق الْمَنِّ مُوَازِيَةً لكل القرآن العظيم؛ بما ثَنَى فيها من جميع حقائق القرآن! حتى لكأنها هي كل القرآن! وقد صَرَّحَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - ببيان ذلك فقال: (أم القرآن هي: السبع المثاني والقرآن العظيم!)( ). وقال عليه الصلاة والسلام: ("الحمد لله رب العالمين": أم القرآن وأم الكتاب والسبع المثاني!)( ) ومثله قوله صلى الله عليه وسلم: ("الحمد لله رب العالمين" هي: السبع المثاني الذي أوتيته والقرآن العظيم!)( ) وعن أُبَيٍّ - رضي الله عنه - أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (السبع المثاني: فاتحة الكتاب!)( ) والأحاديث الصحيحة في ذلك كما ترى كثيرة وفيرة!
ومن هنا فالفاتحة باب ليس كأي باب! إنها تنفتح بك مباشرة على الملأ الأعلى! وتنطلق بك في سياحة روحية كبرى في عالم الْمُلْكِ والملكوت! وتتدفق منها على مواجيدك المشاهداتُ تَتْرَى! أليس القرآن هو الكتاب الجامع لكل الكتب؟ والكتاب المهيمن على كل الكتب؟ ثم أليس الفاتحة هي أم ذلك الكتاب الجامع والمهيمن؟ فأي مُلْكٍ تنفتح عليه هذه الآيات العظيماتُ وأي ملكوت؟! ذلك ما لا سبيل إلى حده بعبارة! ولا إلى وصفه بإشارة! فلا يملك الداخل عبر كلماتها إلى عوالم القرآن، إلا أن يَخِرَّ راكعاً لله رب العالمين! وإنما يكفيني مؤونة البيان العاجز، أن أحتمي ببيان رسول الله - صلى الله عليه وسلم – أعلم الخلق بالله وبكتابه! قال سيدي مُقْسِماً بخالقه العظيم على التفرد المطلق للفاتحة عن كل الكتاب! وعلى ما تكتنـز به اختصاصاً من أسرار اللوح المحفوظ وأنواره! فَاسْتَمِعْ وأبْصِرْ ثم تَدَبَّرْ: (والذي نفسي بيده! ما أُنْزِلَ في التوراة، ولا في الإنجيل، ولا في الزبور، ولا في الفرقان مثلها! وإنها لسبعٌ من المثاني والقرآنُ العظيم الذي أُعْطِيتُهُ!)( ).
ذلك لأنها معراج الروح الأبدي إلى الله، بما هو جلَّ جلالُه رَبُّ العالمين، كُلِّ العالمين! فأي باب هذا أم أي طريق؟ ذلك سر من أسرار جَعْلِهَا هي الصلاة! وجعلها مَنَاطَ الصِّلَةِ اليومية بالله لملايير المسلمين إلى يوم الدين! ثم جعلها مقسومةً بين الرب الكريم وبين عبده المطيع نصفين، حَمْداً وعَطَاءً مُتَبَادَلَيْنِ، لا ينتهيان أبداً! فمن ذا يَشِذُّ عن مدارها الجميل شارداً عن الله، إلا ضَالٌّ مَكِينٌ وخَاسِرٌ مُبين! ذلك بيان سيدي المصطفى عليه الصلاة والسلام، في إضافةٍ نوريةٍ على شعاع الحديث السابق، قال: (ما أنزل الله في التوراة ولا في الإنجيل مثلُ أم القرآن! وهي السبع المثاني. وهي مقسومة بيني وبين عبدي، ولعبدي ما سأل!)( )
وإن لتنـزيل سورة الفاتحة على محمد - صلى الله عليه وسلم - مع خواتيم البقرة، لَقِصَّةً وأي قصة! أخرج مسلم عن ابن عباس رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ قال: (بينما جبريلُ قاعدٌ عند النبي - صلى الله عليه وسلم - سمع نقيضاً من فوقه فرفع رأسه، فقال: هذا بابٌ من السماء فُتح اليوم، ولم يُفتح قط إلا اليوم! فنـزل منه مَلَكٌ فقال: هذا مَلَكٌ نزلَ إلى الأرض، لم ينـزل قط إلا اليوم! فسَلَّمَ وقال: أبشر بنورين أُوتِيتَهُمَا لم يُؤْتَهُمَا نَبِيٌّ قَبْلَكَ! فاتحةُ الكتاب! وخواتيمُ سورة البقرة! لن تَقْرَأَ بِحَرْفٍ منهما إلاَّ أُعْطِيتَهُ!)( ) يعني مما ورد فيهما من الذِّكْرِ والدُّعَاءِ، طَلَباً طَلَباً! ورَغَباً رَغَباً! فأي خسران تحصده الأمة اليوم، وأي غبن تجنيه؛ إذْ فرَّطتْ في هذا الكنـز العظيم!
فيا نفسي الجهولة المغبونة! أَوَتَدْرِينَ ماذا تخسرين!؟ وكم تخسرين!؟ حينما تستفتحين الصلاة بقلبٍ شاردٍ عن مشاهدات الجمال والجلال، وأنتِ قائمةٌ بمحاريب السبع المثاني؟! فواحسرتاه واحسرتاه! على عمر ضاع في متاهات الشرود! وواحسرتاه واحسرتاه! على نَزَقٍ تلطخ بأوساخ الذنوب! والفاتحة بين يديك الآن تتدفق بكوثر الرحمة والغفران، ولا أنتَ يا قلبي الكليل تتعرض لربيعها!
منقول للفائدة
وبه تعالى نستعين
وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم تسليماً
بدأنا بحول الله وقوته..
ــــ
مدارسة سورة الفاتحة
باسمه تعالى نفتتح المجلس الأول من سورة الفاتحة. ومنهجُ التدارس قائم أساساً على السير المتأني، والتحقق بالآيات كلمةً كلمةً؛ قصد تمكين القلب من التلقي للرسالات المنهاجية الواردة في السورة، والتخلق بحقائقها الإيمانية. وما التوفيق إلا بالله.
تقديم
الفاتحة باب القرآن
و"فاتحة الكتاب" هي باب القرآن الأول. هي "فاتحة" نعم، ولكنها ليست كأي فاتحة! فإذا كان مِنْ وظائفِ المقدماتِ والفواتحِ تقديمُ مضمونِ الكتاب للناس، على سبيل العرض الإجمالي، فإنَّ الله – جلَّ جلالُه - قد ثَـنَى القرآنَ كلَّه ثَنْياً في سورة الفاتحة! وإنما هي سبع آيات! بما بهر القلوب بقوة نوره! وأعجز العقول عن إدراك سره! فلذلك سماها تعالى "السَّبْعَ الْمَثَانِي"! وبذلك أيضا كانت هي "أم القرآن"، و"أم الكتاب"! وكانت مفروضةَ التلاوةِ في كل ركعة من كل صلاة، فريضةً كانت أم نافلة! لا تصح صلاةٌ إلا بها! قال صلى الله عليه وسلم: (من صلى صلاةً لم يقرأ فيها بأم القرآن فهي خِدَاجٌ! فهي خِدَاجٌ! فهي خِدَاجٌ! غَيْرُ تَمَامٍ!)( ) والْخِدَاجُ: النقصان والفساد واللغو. وقال عليه الصلاة والسلام جازما: (لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب!)( )
ويكفي سورةَ الفاتحةِ قدراً وعظمةً أنها هي التي امتن الله بها على خليله المصطفى محمد - صلى الله عليه وسلم - في قوله تعالى: (وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِّنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ!)(الحجر:87). فجعلها في سياق الْمَنِّ مُوَازِيَةً لكل القرآن العظيم؛ بما ثَنَى فيها من جميع حقائق القرآن! حتى لكأنها هي كل القرآن! وقد صَرَّحَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - ببيان ذلك فقال: (أم القرآن هي: السبع المثاني والقرآن العظيم!)( ). وقال عليه الصلاة والسلام: ("الحمد لله رب العالمين": أم القرآن وأم الكتاب والسبع المثاني!)( ) ومثله قوله صلى الله عليه وسلم: ("الحمد لله رب العالمين" هي: السبع المثاني الذي أوتيته والقرآن العظيم!)( ) وعن أُبَيٍّ - رضي الله عنه - أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (السبع المثاني: فاتحة الكتاب!)( ) والأحاديث الصحيحة في ذلك كما ترى كثيرة وفيرة!
ومن هنا فالفاتحة باب ليس كأي باب! إنها تنفتح بك مباشرة على الملأ الأعلى! وتنطلق بك في سياحة روحية كبرى في عالم الْمُلْكِ والملكوت! وتتدفق منها على مواجيدك المشاهداتُ تَتْرَى! أليس القرآن هو الكتاب الجامع لكل الكتب؟ والكتاب المهيمن على كل الكتب؟ ثم أليس الفاتحة هي أم ذلك الكتاب الجامع والمهيمن؟ فأي مُلْكٍ تنفتح عليه هذه الآيات العظيماتُ وأي ملكوت؟! ذلك ما لا سبيل إلى حده بعبارة! ولا إلى وصفه بإشارة! فلا يملك الداخل عبر كلماتها إلى عوالم القرآن، إلا أن يَخِرَّ راكعاً لله رب العالمين! وإنما يكفيني مؤونة البيان العاجز، أن أحتمي ببيان رسول الله - صلى الله عليه وسلم – أعلم الخلق بالله وبكتابه! قال سيدي مُقْسِماً بخالقه العظيم على التفرد المطلق للفاتحة عن كل الكتاب! وعلى ما تكتنـز به اختصاصاً من أسرار اللوح المحفوظ وأنواره! فَاسْتَمِعْ وأبْصِرْ ثم تَدَبَّرْ: (والذي نفسي بيده! ما أُنْزِلَ في التوراة، ولا في الإنجيل، ولا في الزبور، ولا في الفرقان مثلها! وإنها لسبعٌ من المثاني والقرآنُ العظيم الذي أُعْطِيتُهُ!)( ).
ذلك لأنها معراج الروح الأبدي إلى الله، بما هو جلَّ جلالُه رَبُّ العالمين، كُلِّ العالمين! فأي باب هذا أم أي طريق؟ ذلك سر من أسرار جَعْلِهَا هي الصلاة! وجعلها مَنَاطَ الصِّلَةِ اليومية بالله لملايير المسلمين إلى يوم الدين! ثم جعلها مقسومةً بين الرب الكريم وبين عبده المطيع نصفين، حَمْداً وعَطَاءً مُتَبَادَلَيْنِ، لا ينتهيان أبداً! فمن ذا يَشِذُّ عن مدارها الجميل شارداً عن الله، إلا ضَالٌّ مَكِينٌ وخَاسِرٌ مُبين! ذلك بيان سيدي المصطفى عليه الصلاة والسلام، في إضافةٍ نوريةٍ على شعاع الحديث السابق، قال: (ما أنزل الله في التوراة ولا في الإنجيل مثلُ أم القرآن! وهي السبع المثاني. وهي مقسومة بيني وبين عبدي، ولعبدي ما سأل!)( )
وإن لتنـزيل سورة الفاتحة على محمد - صلى الله عليه وسلم - مع خواتيم البقرة، لَقِصَّةً وأي قصة! أخرج مسلم عن ابن عباس رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ قال: (بينما جبريلُ قاعدٌ عند النبي - صلى الله عليه وسلم - سمع نقيضاً من فوقه فرفع رأسه، فقال: هذا بابٌ من السماء فُتح اليوم، ولم يُفتح قط إلا اليوم! فنـزل منه مَلَكٌ فقال: هذا مَلَكٌ نزلَ إلى الأرض، لم ينـزل قط إلا اليوم! فسَلَّمَ وقال: أبشر بنورين أُوتِيتَهُمَا لم يُؤْتَهُمَا نَبِيٌّ قَبْلَكَ! فاتحةُ الكتاب! وخواتيمُ سورة البقرة! لن تَقْرَأَ بِحَرْفٍ منهما إلاَّ أُعْطِيتَهُ!)( ) يعني مما ورد فيهما من الذِّكْرِ والدُّعَاءِ، طَلَباً طَلَباً! ورَغَباً رَغَباً! فأي خسران تحصده الأمة اليوم، وأي غبن تجنيه؛ إذْ فرَّطتْ في هذا الكنـز العظيم!
فيا نفسي الجهولة المغبونة! أَوَتَدْرِينَ ماذا تخسرين!؟ وكم تخسرين!؟ حينما تستفتحين الصلاة بقلبٍ شاردٍ عن مشاهدات الجمال والجلال، وأنتِ قائمةٌ بمحاريب السبع المثاني؟! فواحسرتاه واحسرتاه! على عمر ضاع في متاهات الشرود! وواحسرتاه واحسرتاه! على نَزَقٍ تلطخ بأوساخ الذنوب! والفاتحة بين يديك الآن تتدفق بكوثر الرحمة والغفران، ولا أنتَ يا قلبي الكليل تتعرض لربيعها!
منقول للفائدة