بسم الله الرحمن الرحيم
الشيخ محمد علي فركوس حفظه الله :
وفي الحاشية فتوى شيخ ابن باز رحمه الله :
السن الذي ينقطع فيه دم الحيض وما يترتب عليه من أحكام
السؤال: والدتي تبلغ من العمر 53 سنة ولحد الآن لا يزال يأتيها الدم (دم الحيض) بانتظام وفيما مضى كانت إذا أتاها الدم انقطعت عن الصيام والصلاة حتى تطهر، ولكن في شعبان من السنة الماضية قرأت فتوى للشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله تعالى، إجابة عن سؤال طرح له ونص الفتوى موجود لديكم إن شاء الله(١)، وعندما أخبرت والدتي بالفتوى أصبحت تصوم وتصلي وعليها الدم، وقد أخبرتها أنّنا ولله الحمد لم نتبع في ذلك الهوى لكن كان اعتمادا على فتوى لعالم ثقة، علما أنّ الطبيبة أخبرتها مؤخرا أنّ هذا الذي يأتيها هو دم حيض ما دام أنها حين حاضت أول مرة كان سنّها 16 سنة والطبيبة تقول: إنّ انقطاع الحيض عنها سيكون عند بلوغها سن 54 إلى 56 سنة ووالدتي الآن تسأل هل تصلي وتصوم وهي في تلك الحال أم لا؟ وهل تقضي الأيام التي كانت صامتها في رمضان الماضي وعليها الدم ؟.
أفيدونا يرحمكم الله؛ والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل وبارك الله فيكم وجزاكم عنّا خير الجزاء، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الجواب: الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على من أرسله رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، أمّا بعد:
فإنّ الذي أفتى به سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز –رحمه الله تعالى- هو رواية عن أحمد نقلها الخرقي عنه، وبها قال إسحاق بن راهويه، وروي هذا عن عائشة موقوفا عليها، وفي هذه المسألة أقوال أخرى مختلفة في تحديد سنّ اليأس، وغالبها يبني المسألة على العرف وعادة النساء بالتتبع والاستقراء، وفي تقديري أنّ أقوى الأقوال من يرى أنّه لا وقت لانقطاع الحيض وبه قال ابن حزم وابن تيمية رحمهما الله وغيرهما، ذلك لأنّ دم الحيض معروف في تكوينه، كثيف كأنّه محترق، له رائحة كريهة وهو أسود محتدم، وقد يتغير إلى الحمرة والصفرة والكدرة، وقد يكون مخاطا وله وقت تعتاده النساء، وهو دم لا يتجلط: أي لا يتجمد في الأوعية الدموية، بخلاف دم الفساد أو الاستحاضة فهو أحمر قاني ليس له رائحة ويتجلط ويأتي مستمرا أو في غير الوقت الذي تعتاده النساء.
وعليه فالمرأة المسنة التي رأت الدم بمثل هذه الأوصاف المذكورة فهو حيض مانع لها من الصلاة والصوم والطواف والوطء، لقوله صلى الله عليه وسلم في حديث فاطمة بنت أبي حبيش:"إذا كان دم الحيض فإنّه أسودُ يُعْرَف"(٢) وأمر صلى الله عليه وسلم أن من رأته أن تترك الصلاة، والصيام في الحديث المتفق عليه:"أليس إذا حاضت المرأة لم تصل ولم تصم"(٣) وفي شأن الحيض يقول عليه الصلاة والسلام :"هذا شيء كتبه الله على بنات آدم"(٤) ولم يفصل في مقام الاحتمال بين الشابة والمسنة من بنات آدم، وترك الاستفصال في مقام الاحتمال ينزل منزلة العموم في المقال، كما أنّه لم يرد نص ولا إجماع بأنّه ليس حيضا، فيستصحب الحكم ويبقى ما كان على ما كان.
هذا والمستفتي تابع للمفتي في اجتهاده وفتواه، ولا يترتب على العمل بالفتوى عتاب وقضاء ولا كفارة ولا عقاب، بل هو مأجور للامتثال للأمر الوارد في قوله تعالى : ﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ﴾[النحل:43] وقوله صلى الله عليه وسلم:"ألا سألوا إذ لم يعلموا فإنّما شفاء العي السؤال"(٥)، اللّهم إلاّ إذا ظهر في المسألة المستفتى فيها خطأ قطعا لكون المفتي خالف نصا لا معارض له أو إجماع أمة، فعلى المفتي أن يخبر المستفتي إن كان قد عمل بالفتوى الأولى، وعليهما أن يعدلا عن العمل بها، وإذا كانت الفتوى الأخرى المعتمدة توجب أحكاما ترتبت هذه الأحكام عليهما.
والعلم عند الله تعالى، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين.
الجزائر في 5 رجب 1421هـ
الموافق 5 أكتوبر2000 م
١- نص فتوى سماحة الوالد، الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز
صلاة المستحاضة:
س- امرأة تبلغ من العمر اثنتين وخمسين سنة يسيل معها دم ثلاثة أيام بقوة والباقي خفيف في الشهر، هل تعتبر ذلك دم حيض وهي فوق خمسين سنة مع العلم بأنّ الدم يأتيها بعد شهر في بعض الأحيان أو شهرين أو ثلاثة؟ فهل تصلي الفريضة والدم يسيل معها؟ كذلك هل تصلي النوافل كالرواتب وصلاة الليل؟
ج- مثل هذه المرأة عليها أن تعتبر هذا الدم الذي حصل لها دما فاسدا لكبر سنها واضطرابه عليها. وقد علم من الواقع وممّا جاء عن عائشة –رضي الله عنها- أنّ المرأة إذا بلغت خمسين عاما انقطع عنها الحيض والحمل أو اضطرب عليها الدم، واضطرابه دليل على أنّه ليس هو دم الحيض، فلها أن تصلي وتصوم، وتعتبر هذا الدم بمثابة دم الاستحاضة لا يمنعها من صلاة ولا صوم، ولا يمنع زوجها من وطئها في أصح قولي العلماء، وعليها أن تتوضأ لكلّ صلاة، وتتحفظ منه بقطن ونحوه، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم للمستحاضة:"توضئي لكل صلاة"رواه البخاري في صحيحه . الشيخ ابن باز
٢- أخرجه أبو داود كتاب الطهارة باب من قال إذا أقبلت الحيضة تدع الصلاة(286)، والنسائي كتاب الطهارة باب الفرق بين دم الحيض والاستحاضة(217)، من حديث فاطمة بنت أبي حبيش رضي الله عنها. وصححه الألباني في الإرواء(1/223) رقم(204).
٣- متفق عليه من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: أخرجه البخاري كتاب الحيض باب ترك الحائض الصوم(304)، ومسلم كتاب الإيمان (252).
٤- أخرجه البخاري كتاب الحيض باب تقضي الحائض المناسك كلها إلا الطواف بالبيت(305)، ومسلم كتاب الحج (2976)، من حديث عائشة رضي الله عنها.
٥- أخرجه أبو داود كتاب الطهارة باب في المجروح يتيمم(336) من حديث جابر رضي الله عنه، والحديث حسنه الألباني في تمام المنة (ص131)، وفي صحيح سنن أبي داود(336).
منقول