معهد دار الهجرة للقراءات وعلوم القرآن الكريم

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

مرحبا بك يا زائر في معهد دار الهجرة للقراءات وعلوم القرآن الكريم


3 مشترك

    تدبر سورة النساء

    خادمة الإسلام
    خادمة الإسلام
    هيئة التدريس


    تدبر سورة النساء Empty تدبر سورة النساء

    مُساهمة من طرف خادمة الإسلام الخميس 29 أكتوبر 2009, 3:07 am

    سورة النساء

    أخواتي الحبيبات :

    سورة النساء (مدنية) نزلت بعد سورة الممتحنة وعدد آياتها (176) مائة وست وسبعون آية، وهي السورة الرابعة في ترتيب المصحف بعد سورة آل عمران.

    سورة النساء هي سورة العدل والرحمة خاصة مع الضعفاء فبعد أن حدّدت سورة البقرة مسؤولية المسلمين عن الأرض وعرضت منهج الاستخلاف، جاءت سورة آل عمران لتدعو إلى الثبات على المنهج القويم وعلى المسؤولية الملقاة على عاتق المؤمنين. ثم جاءت سورة النساء لتعلمنا أن المستأمن على الأرض لا بد أن يكون على قدر من العدل والرحمة تجاه الضعفاء الذين استؤمن عليهم وكأن الصفة الأولى التي تميّز المسؤولين عن الأرض هي العدل.. ولهذا فإن سورة النساء تتحدث عن حقوق الضعفاء في المجتمع. إنها تتحدث عن اليتامى والعبيد والخدم والورثة، كما تركز بشكل أساسي على النساء. وكذلك فإنها تتحدث عن الأقليات غير المسلمة التي تعيش في كنف الإسلام وعن حقوقها بالإضافة إلى التوجه إلى المستضعفين أنفسهم وكيف ينبغي عليهم التصرف في المواقف المختلفة. يضاف إلى كل هذا الحديث عن ابن السبيل وعن الوالدين وكيف يجب أن يُعاملوا.. فهي سورة الرحمة وسورة العدل.. يتكرر في كل آية من آياتها ذكر الضعفاء والعدل والرحمة بشكل رائع يدلنا على عظمة الإعجاز القرآني في التكرار دون أن يملّ القارئ.

    سبب التسمية: بيتك أولاً

    أما سبب تسمية السورة بهذا الاسم فهو أن المرء لو عدل مع زوجته في بيته ورحمها فإنه سيعرف كيف سيعدل مع بقية الضعفاء.







    فهي سورة المستضعفين وقد اختار الله نوعاً من أنواع المستضعفين وهم النساء ليكونوا اسماً لهذه السورة.. وكأن الله يقول للرجل : قبل أن أستأمنك على الأرض، أرني عدلك في بيتك، فلو عدلت ورحمت في بيتك فستكون مستأمناً للعدل في المجتمع، إن العدل مع النساء في البيوت نموذج يقاس به عدل المسلمين في امتحان الاستخلاف على الأرض، فهل سنجد بعد هذا من يدّعي بأن الإسلام يضطهد المرأة ولا يعدل معها؟

    إن هذه الادّعاءات لن تنطلي على قارئ القرآن وخاصة مع الذي يقرأ سورة النساء، فهناك سورة كاملة تتناول العدل والرحمة معهنَّ، وقبلها سورة آل عمران التي عرضت السيدة مريم وامرأة عمران كنموذجين للثبات (كأن سورة آل عمران تمهّد لتكريم المرأة).

    تعالوا الآن أيها الأخوة نخوض في رحاب الآيات الكريمة وننوي أثناء قراءتها أن نعدل مع كل الناس خاصة مع الضعفاء.



    دعامة الاستخلاف في الأرض : العدل

    تبدأ السورة بداية واضحة في توضيح هدفها: ]يَـأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمُ ٱلَّذِى خَلَقَكُمْ مّن نَّفْسٍ وٰحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء...[ (1)فهذه الآية تخبرنا بأن الأصل الإنساني واحد ]مّن نَّفْسٍ وٰحِدَةٍ[ فلم الظلم؟؟

    وتبيّن الآية أن النساء قد خلقن من الرجال، وفي هذا دعوة صريحة للرأفة بهنّ كما في حديث النبي: "النساء شقائق الرجال". والملاحظ أن السورة بدأت بخطاب عالمي ]يَـأَيُّهَا ٱلنَّاسُ[ بينما سورة المائدة بدأت بخطاب المؤمنين ]يَـأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ[ وذلك لأن العدل قانون عام للأمم جميعاً.. فلا يمكن لأمة أن تسود في الأرض وهي ظالمة.. فالعدل أساس الملك وأساس الاستقرار وأساس الاستخلاف. وفي هذا يقول ابن تيمية رحمه الله تعالى:

    (.. وأمور الناس تستقيم مع العدل الذي فيه الاشتراك في أنواع الإثم، أكثر مما تستقيم مع الظلم في الحقوق وإن لم تشترك في إثم، ولهذا قيل: إن الله يقيم الدولة العادلة وإن كانت كافرة، ولا يقيم الظالمة وإن كانت مسلمة، ويقال الدنيا تدوم مع العدل والكفر، ولا تدوم مع الظلم والإسلام..) 28/146 مجموع الفتاوى.

    ولاحظ أن سورة النساء ابتدأت بنفس المعنى الذي ختمت به السورة التي قبلها: التقوى. فقد ختمت آل عمران بـ ]وَٱتَّقُواْ ٱلله لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ[ (200) وابتدأت سورة النساء بـ ]يَـأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمُ[ (1).

    لا تأكل النار

    والآية الثانية تحذّر من ظلم نوع آخر من المستضعفين: ]وَءاتُواْ ٱلْيَتَـٰمَىٰ أَمْوٰلَهُمْ وَلاَ تَتَبَدَّلُواْ ٱلْخَبِيثَ بِٱلطَّيّبِ وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوٰلَهُمْ إِلَىٰ أَمْوٰلِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوباً كَبِيراً[ ثم بعد ذلك يأتي قوله تعالى: ]وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِى ٱلْيَتَـٰمَىٰ[ كان العرب يربّون اليتيمة فينفقون عليها من مالها، فإذا كبرت وأراد أن يتزوجها وليها فقد يبخسها في مهرها، ولا يعطيها مهراً مثل ما يعطي غيرها من النساء، فأتت الآية لتدافع أيضاً عن تلك الفئة المستضعفة من النساء، وفي هذه الآية نرى القاعدة المشهورة في إباحة عدد الزوجات: العدل ثم العدل ثم العدل وإلا فواحدة. ]فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوٰحِدَةً...[.

    المهر: حق الزوجة مع طيّب النفسس :

    ثم تأتي الآية الرابعة لتقرر حق الزوجة في المهر، وأهمية أن يعطيها الرجل مهرها "نحلة" أي عن طيب نفس ]وَءاتُواْ ٱلنّسَاء صَدُقَـٰتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَىْء مّنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَّرِيئاً[.

    فانظر أخي المسلم إلى هذه الرحمة المتبادلة بين الزوجين يرسّخها الإسلام في آية المهر. فالمطلوب من الرجل طيب النفس في العطاء، أما المرأة فهي مخيّرة بين أن تحتفظ بحقّها أو أن تطيب نفسها ببعضه إكراماً لزوجها. آية رائعة في الجمع بين المطالبة بحق الزوجة وبين العلاقة الحميمة المتبادلة في العطاء عن طيب النفس.

    العدل حتى مع السفهاء :

    وتمضي الآيات لتحقق العدل مع فئات المجتمع المختلفة، حتى السفهاء من الناس ]وَلاَ تُؤْتُواْ ٱلسُّفَهَاء أَمْوٰلَكُمُ ٱلَّتِى جَعَلَ ٱلله لَكُمْ قِيَـٰماً وَٱرْزُقُوهُمْ فِيهَا وَٱكْسُوهُمْ وَقُولُواْ لَهُمْ قَوْلاً مَّعْرُوفاً[ (5) والسفهاء هم الذين لا يحسنون إدارة أموالهم بحيث لو أنه ترك معهم لتبدد بسرعة. فحتى هذه الفئة من الناس لا يجوز أن تظلم أو أن تستغلّ، كما يفعل البعض بحجة سفاهة صاحب المال.

    ثم تأتي الآية السادسة أيضاً لتقرر حق اليتامى في مالهم إذا بلغوا سن الرشد ]وَٱبْتَلُواْ ٱلْيَتَـٰمَىٰ حَتَّىٰ إِذَا بَلَغُواْ النّكَاحَ فَإِنْ ءانَسْتُمْ مّنْهُمْ رُشْداً فَٱدْفَعُواْ إِلَيْهِمْ أَمْوٰلَهُمْ وَلاَ تَأْكُلُوهَا إِسْرَافاً وَبِدَاراً أَن يَكْبَرُواْ[.

    والآية السابعة تقرّر حق المرأة في الميراث الذي حرمها منه بعض العرب في الجاهلية ]لّلرّجَالِ نَصيِبٌ مّمَّا تَرَكَ ٱلْوٰلِدٰنِ وَٱلاْقْرَبُونَ وَلِلنّسَاء نَصِيبٌ مّمَّا تَرَكَ ٱلْوٰلِدٰنِ وَٱلاْقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيباً مَّفْرُوضاً[.

    والآية الثامنة تجمع بين العدل والإحسان ]وَإِذَا حَضَرَ ٱلْقِسْمَةَ أُوْلُواْ ٱلْقُرْبَىٰ وَٱلْيَتَـٰمَىٰ وَٱلْمَسَـٰكِينُ فَٱرْزُقُوهُمْ مّنْهُ وَقُولُواْ لَهُمْ قَوْلاً مَّعْرُوفاً[.

    إحفظ أولادك من بعدك بالعدل :

    والآية التاسعة تصحح مفهوماً سائداً عند الناس ]وَلْيَخْشَ ٱلَّذِينَ لَوْ تَرَكُواْ مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرّيَّةً ضِعَـٰفاً خَافُواْ عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُواّ ٱلله وَلْيَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيداً[ كثير من الناس يأكلون الحرام ويعتدون على غيرهم بحجة أنهم يخافون على أولادهم بعد وفاتهم، لكن السورة تقول لك العكس: اعدل مع غيرك وقل قولاً سديداً يحفظ لك الله أولادك.

    ثم تأتي الآية العاشرة لتحذِّر من الظلم تحذيراً شديداً ]إِنَّ ٱلَّذِينَ
    يَأْكُلُونَ أَمْوٰلَ ٱلْيَتَـٰمَىٰ ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِى بُطُونِهِمْ نَاراً وَسَيَصْلَوْنَ
    سَعِيراً
    [.

    الميراث بالعدل

    وبعد ذلك تأتي أحكام الميراث للأولاد والبنات في الآية (11) ]يُوصِيكُمُ ٱلله فِى أَوْلَـٰدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِ ٱلاْنْثَيَيْنِ...[ هذا هو العدل لأن تقسيم الإرث ليس على أساس الأفضلية، وليس بنسبة متساوية بين الذكر والأنثى بل على أساس الواجبات والمسؤوليات لكل واحد منهما. فالرجل عنده مسؤولية النفقة على بيته وزوجته. بينما المرأة ليس عليها أي واجب للنفقة وإذا تزوجت فعلى زوجها أن ينفق عليها وتبقى لها حصتها من الإرث.

    ثم الآية (12) تفصل الميراث بين الزوجين أيضاً بالعدل ]وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوٰجُكُمْ إِنْ لَّمْ يَكُنْ لَّهُنَّ وَلَدٌ[فباختصار أختي الحبيبة ، كلما أحسست بأن العدل قد نقص من حياتك خاصة مع الضعفاء فعليك أن تقرأ سورة النساء: سورة العدل وأن تعرضي نفسك على آياتها.

    تلك حدود الله :

    ثم تأتي آيتان (13-14) محوريتان في الترغيب بالعدل والترهيب من الظلم والتعدي على حدود الله ]تِلْكَ حُدُودُ ٱلله وَمَن يُطِعِ ٱلله وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّـٰتٍ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا ٱلاْنْهَـرُ خَـٰلِدِينَ فِيهَا وَذٰلِكَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ & وَمَن يَعْصِ ٱلله وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَاراً خَـٰلِداً فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ[.

    فماذا لو وقع الظلم من البشر؟ تأتي الآية (17) لتجيب على السؤال مباشرة وتفتح باب التوبة ]إِنَّمَا ٱلتَّوْبَةُ عَلَى ٱلله لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ ٱلسُّوء بِجَهَـٰلَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ فَأُوْلَـئِكَ يَتُوبُ ٱلله عَلَيْهِمْ وَكَانَ ٱلله عَلِيماً حَكِيماً[.

    شعار الـسورة: وعا شروهنّ بالمعروف :

    وتعود الآيات إلى الحديث عن العدل مع النساء ]يَـأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُواْ ٱلنّسَاء كَرْهاً...[ (19)فهذه الآية تحذّر من إرث النساء كرهاً ]وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُواْ بِبَعْضِ مَا ءاتَيْتُمُوهُنَّ إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِٱلْمَعْرُوفِ[ (19).. فليس معنى ]وَعَاشِرُوهُنَّ بِٱلْمَعْرُوفِ[ أن لا يظلم الرجل زوجته فحسب، بل إن العلماء قالوا بأن المعاشرة بالمعروف هي أن يتحمّل الرجل الأذى من زوجته ويصبر عليها ويرقق قلبها حتى يذهب عنها غضبها كما كان يفعل النبي r: وتمضي الآية لتقول ]فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَيَجْعَلَ ٱلله فِيهِ خَيْراً كَثِيراً[ (19).

    وأخـذ ن منكم ميثاقاً غليظاً :

    ثم تأتي الآية (20) ]وَإِنْ أَرَدْتُّمُ ٱسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَّكَانَ زَوْجٍ وَءاتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَاراً فَلاَ تَأْخُذُواْ مِنْهُ شَيْئاً أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَـٰناً وَإِثْماً مُّبِيناً[ هذه الآيات تجمع بين العدل والواقعية في التعامل مع المرأة، فأولاً: عاشروهنّ بالمعروف، ثم لو كرهتها فاصبر فإذا لم تقدر وأردت استبدال زوجة مكان زوجتك فإياك أن تأخذ من مهرها شيئاً، حتى لو كان قنطاراً أي مالاً كثيراً. والآية شديدة في هذا المعنى ]أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَـٰناً وَإِثْماً مُّبِيناً[. لماذا ذكر البهتان هنا؟ لأن العرب كانوا إذا أرادوا استبدال زوجتهم رموها بفاحشة (بهتاناً) حتى يدفعوها إلى رد كل ما يريدون من المهر، فوبّختهم الآية (20) بقوّة.

    ثم تأتي آية من أروع الآيات القرآنية في ترقيق القلوب بين الزوجين من ناحية وفي تغليظ وتعظيم عقد الزواج من ناحية ثانية: ]وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَىٰ بَعْضُكُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنكُم مّيثَـٰقاً غَلِيظاً[ (21) وكلمة (أفضى) تدلّ على عمق العلاقة بين الزوجين فتذكّر الزوج بعشرات الصور الجميلة قبل أن تسوء العلاقة مع زوجته، في الليل والنهار في غرفة النوم وفي النزهات.

    وأما الميثاق الغليظ، فهو عقد النكاح أيها الرجل، عندما وضعتَ يدك بيد وليّ زوجتك وقلت "على كتاب الله وسنة رسوله". فهنا تحذير شديد لكل زوج من أن ينقِض هذا العهد الذي يُشهد الله عليه. والملفت أن عبارة ]مّيثَـٰقاً غَلِيظاً[ لم ترد في القرآن إلا ثلاث مرات: مرة مع الأنبياء، الذين أوفوا بهذا الميثاق الغليظ
    (سورة الأحزاب، الآية 7)، ومرّة مع بني إسرائيل، الذين نقضوا الميثاق
    (سورة النساء الآية، 154) والمرة الثالثة هي مع الزوج عند عقد القران.


    من صور تكريم الإ سلام للمرأة :

    لقد ظلمت المرأة كثيراً عبر التاريخ فجاء الإسلام وأُنزلَت سورة النساء لتردّ لها حقوقها. فمن مظاهر الظلم التي كانت موجودة أن يرث الرجل كل ثروة أبيه، ويرث مع المال كلّ زوجاته - إلا أمه - إذلالاً لهنّ، فتأتي الآية (22) ]وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ ءابَاؤُكُمْ مّنَ ٱلنّسَاء إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَـٰحِشَةً وَمَقْتاً وَسَاء سَبِيلاً[ لتنهى عن هذه الفعلة الشنيعة.

    وتتابع الآيات وتتحدث عن حقّ آخر هو حق الزواج من العبيد في الوقت الذي لم يكن هناك قانون يلتفت لحقوقهم فلو كان الرجل غير قادر على الزواج من المحصنات أي الحرائر وأراد الزواج بأمة فان الآية تقول.. ]فَٱنكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ[ ولم تقل الآية (سيدهنّ). فالقرآن سمّى السيد بالأهل ليحثّ على الرحمة بهنّ ويراعي مشاعرهنّ ]فَٱنكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَءاتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِٱلْمَعْرُوفِ[ (25) أي ادفعوا لهن مهورهن عن طيب نفس، ولا تبخسوهن حقهن لكونهن إماء مملوكات.

    ولا متخذات أخذان :

    وبعد ذلك تخاطب الآية النساء ]وَلاَ مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ[ وتحذرهن من العلاقات غير الشرعية مع الرجال (تحت عنوان المصاحبة) فالسورة تتحدث عن رحمة ورأفة الإسلام بالمرأة بأن لا يكون لها صديق عاشق لأنها ستشعر بالإحباط إذا تركها، وهو ما ستؤول إليه كل علاقة بدأت بمعصية.. وستتحطم سمعتها وحياتها في المستقبل. والنساء في هذه الحالة يشكلن نوعاً آخر من المستضعفين لأن قلوبهن رقيقة وعاطفتهن قوية. فيا أيتها البنات، أنتن غاليات عند الله تعالى والإسلام يحمي مشاعركن من أن يعبث بها شاب لاهٍ غير مسؤول.

    تخفيف العقوبة على الضعفاء :

    ما زلنا مع الآية (25) والتي تنص على مظهر رائع من مظاهر عدل الإسلام ورحمته مع الضعفاء: ]فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَـٰحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى ٱلْمُحْصَنَـٰتِ[ وهذا عكس ما نرى في القوانين الرومانية والهندية القديمة في تشديد العقوبة على الطبقات المتدينة وفي حين أن الإسلام يرأف بالطبقات الضعيفة ويخفف عنها العقوبة.

    ثم تأتي الآيات (26 - 27 - 28) لتذكر رحمة الله ورأفته بالأمة المحمدية وبالبشرية كلّها. وهذا أيضاً من باب الرحمة بالضعفاء لأن الآية تقول ]وَخُلِقَ ٱلإِنسَـٰنُ ضَعِيفاً[ اقرأ معي الآيات وتأمل كيف يبين لنا الله رأفته وعدله ويذكرنا بضعفنا في وسط الآيات الكثيرة التي تدعو للرأفة بالضعفاء ]يُرِيدُ ٱلله لِيُبَيّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَٱلله عَلِيمٌ حَكِيمٌ & وَٱلله يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ ٱلَّذِينَ يَتَّبِعُونَ ٱلشَّهَوٰتِ أَن تَمِيلُواْ مَيْلاً عَظِيماً & يُرِيدُ ٱلله أَن يُخَفّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ ٱلإِنسَـٰنُ ضَعِيفاً[.

    العدل في الأموال والأننفس :

    وبعد أن تناولت الآيات مظاهر العدل في مجالات مختلفة (المرأة ثم الأسرة ثم المجتمع) تنتقل إلى العدل في التجارة والمعاملات المالية ]يَـأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوٰلَكُمْ بَيْنَكُمْ بِٱلْبَـٰطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَـٰرَةً عَن تَرَاضٍ مّنْكُمْ[ (29) ثم إلى العدل مع الحياة البشرية وعدم سفك الدماء ]وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ ٱلله كَانَ بِكُمْ رَحِيماً[.

    لا إفراط ولا تفريط

    وتأتي الآية (34) لتنظّم الضوابط داخل الأسرة المسلمة لأن الرجل قد يدفعه حرصه على العدل مع الزوجة إلى التراخي وعدم الحزم، وقد يترك زوجته تفعل أشياء خاطئة، فتعطينا الآية صورة من صور التوازن في الإسلام: الحزم مع العدل ]ٱلرّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى ٱلنّسَاء بِمَا فَضَّلَ ٱلله بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوٰلِهِمْ فَٱلصَّـٰلِحَـٰتُ قَـٰنِتَـٰتٌ حَـفِظَـٰتٌ لّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ ٱلله وَٱللَّـٰتِى تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَٱهْجُرُوهُنَّ فِى ٱلْمَضَاجِعِ وَٱضْرِبُوهُنَّ[ فالمرأة مأمورة شرعاً بطاعة زوجها لتستقيم الحياة داخل البيت، فإذا أخطأت المرأة وكان الزوج يعطيها حقّها، فلا ينبغي أن يتركها تفعل ما تشاء (مخافة أن يظلمها)، فلا بد من الحزم هنا، وعدّدت الآية مراتب التأديب: الوعظ ثم الهجر في المضاجع ثم الضرب وينبغي التنبه إلى أن الضرب لا يكون إلا في حالة النشوز، وهو العصيان الشديد الذي قد يؤدي إلى دمار البيت، فالضرب إذاً حالة نادرة ولا يجوز أن يلجأ إليه الرجل متى شاء تحت حجة أن القرآن أمر به
    دون أن ينسى أن له ضوابط عديدة والهدف منه هو إشعار المرأة بالخطأ لا إشعارها بالألم.


    ولنا في رسول الله أسوة حسنة حيث أنه لم يضرب في حياته امرأة أو خادماً قط.

    لا تظلم نفسك

    ثم تعود آيات السورة للحديث عن العدل فتحذّر من الشرك بالله ]وَٱعْبُدُواْ ٱلله وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً[ (36) لأن أعظم الظلم الشرك كما ورد في سورة لقمان ]إِنَّ ٱلشّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ[ ثم توزّع الآية (36) العدل والإحسان على فئات المجتمع المختلفة وخاصة الضعيفة منها ]وَبِٱلْوٰلِدَيْنِ إِحْسَاناً[ أي الوالدين عند الكبر ]وَبِذِى ٱلْقُرْبَىٰ وَٱلْيَتَـٰمَىٰ وَٱلْمَسَـٰكِينِ وَٱلْجَارِ ذِى ٱلْقُرْبَىٰ وَٱلْجَارِ ٱلْجُنُبِ وَٱلصَّـٰحِبِ بِٱلجَنْبِ وَٱبْنِ ٱلسَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَـٰنُكُمْ إِنَّ ٱلله لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُوراً[. أرأيت كيف تتوالى آيات السورة التي - وإن اختلفت في مضمونها - تصب وتخدم محوراً واحداً وهو العدل بكل أشكاله.

    عوائق العدل والرحمة

    وبعد ذلك تتحدث السورة عن صفات مذمومة لو وجدت بشخصٍ لأثّرت سلباً في قدرته على العدل والرحمة بالضعفاء، فتبدأ الآية 37 بالحديث عن البخل ]ٱلَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ ٱلنَّاسَ بِٱلْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ مَا ءاتَـٰهُمُ ٱلله مِن فَضْلِهِ[ ومن ثم الرياء وحب الظهور الآية 38 ]وَٱلَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوٰلَهُمْ رِئَـاء ٱلنَّاسِ وَلاَ يُؤْمِنُونَ بِٱلله وَلاَ بِٱلْيَوْمِ ٱلاْخِرِ وَمَن يَكُنِ ٱلشَّيْطَـٰنُ لَهُ قَرِيناً فَسَاء قِرِيناً[.

    إن الله لا يظلم مثقال ذرة

    بعد كل هذه الآداب يذكّرنا تعالى بفضله وكيف أنه يعاملنا بالفضل
    قبل العدل فكيف يأبى الإنسان أن يتعامل مع غيره بالعدل.
    ]إِنَّ ٱلله
    لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِن تَكُ حَسَنَةً يُضَـٰعِفْهَا وَيُؤْتِ مِن لَّدُنْهُ أَجْراً
    عَظِيماً
    [ (40).

    والآية التي بعدها تذكرنا أن النبي r سيشهد على عدلنا يوم القيامة ]فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلّ أمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَىٰ هَـؤُلاء شَهِيداً[ (41) فكأن الله يقول للظالم: إحذر فسوف يشهد النبي على ظلمك، ويقول للعادل: إفرح، فسوف يشهد حبيبك r على عدلك.

    ثم تأتي آية محورية تمثّل قلب السورة ]إِنَّ ٱلله يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ ٱلامَـٰنَـٰتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ ٱلنَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِٱلْعَدْلِ إِنَّ ٱلله نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ ٱلله كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً[ (58).

    طاعة الله والرسول أساس العدل

    وهذا المعنى واضح في الآية (59) التالية: ]يَـٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ
    أَطِيعُواْ ٱلله وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ وَأُوْلِى ٱلاْمْرِ مِنْكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِى شَىْء فَرُدُّوهُ إِلَى ٱلله وَٱلرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِٱلله وَٱلْيَوْمِ ٱلاْخِرِ ذٰلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً
    [.

    فالاحتكام إلى شرع الله وردّ كل خلاف إلى كتاب الله وسنة رسوله هما صمّام العدل والرحمة في المجتمع وإن بدا فيهما غير ذلك، كما هو واضح في الآية (64)، فإذا عصى المؤمن أوامر الله ورسوله فيكون قد ظلم نفسه ]وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَاءوكَ فَٱسْتَغْفَرُواْ ٱلله وَٱسْتَغْفَرَ لَهُمُ ٱلرَّسُولُ لَوَجَدُواْ ٱلله تَوَّاباً رَّحِيماً[. فكيف نحقق تمام العدل؟ تجيب الآية (65) بوضوح شديد ]فَلاَ وَرَبّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِى أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلّمُواْ تَسْلِيماً[ يا مسلمون، اعرضوا أنفسكم على كتاب الله وعلى سنة النبي وسلّموا بحكم النبي، وإياكم أن تترددوا أو تتحرجوا من أوامر النبي لكي يشهد النبي على عدلكم في الآخرة.

    القتال للحفاظ على حقوق المستضعفين

    وتتابع الآيات إلى أن تصل إلى ربع حزب كامل يتحدّث عن القتال من أول الآية (74) ]فَلْيُقَاتِلْ فِى سَبِيلِ ٱلله ٱلَّذِينَ يَشْرُونَ ٱلْحَيَوٰةَ ٱلدُّنْيَا بِٱلاْخِرَةِ[ ما علاقة هذا الربع بالعدل؟ إن استمرار العدل في المجتمع يتطلب وجود قوّة لتحافظ على حقوق المستَضعفين، فالقتال في الإسلام ليس للعدوان وليس هدفاً لذاته، وإنما هو وسيلة لهدف، ودليل ذلك الآية (75) ]وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَـٰتِلُونَ فِى سَبِيلِ ٱلله وَٱلْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ ٱلرّجَالِ وَٱلنّسَاء وَٱلْوِلْدٰنِ ٱلَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَـٰذِهِ ٱلْقَرْيَةِ ٱلظَّـٰلِمِ أَهْلُهَا وَٱجْعَلْ لَّنَا مِن لَّدُنْكَ وَلِيّاً وَٱجْعَلْ لَّنَا مِن لَّدُنْكَ نَصِيراً[. والملاحظ أن أكثر أحكام القتال وردت في سورة النساء، لأن النساء مصنع المجاهدين أولاً، ولأن المرأة مقاتلة في بيتها. فالمرأة التي يتعبها زوجها وتصبر على ظلمه تقاتل وتستشهد في بيتها كلّ يوم مئة مرّة. فكان إيراد أحكام القتال في السورة رسالة للمرأة لتقول لها (والله أعلم) أنك أيضاً مقاتلة في صبرك على زوجك
    وحمايتك لبيتك.




    أثر الإعلام على العدل

    وتأتي في هذا الربع أيضاً آية مهمة، تخاطب الإعلاميين في كل زمان ومكان وتشير إلى أثر الإعلام على العدل ]وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مّنَ ٱلاْمْنِ أَوِ ٱلْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى ٱلرَّسُولِ وَإِلَىٰ أُوْلِى ٱلاْمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ ٱلَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ[ فالإعلام قد يكون بيئة مخيفة للقاضي وللرأي العام فتنقلب المفاهيم وتؤثر على حكم العادل، لذلك لا بد من ردّ الإشاعات إلى أولي الأمر وعدم التأويل والاستنباط. إنها رسالة واضحة للمسلمين في زماننا أن يمحّصوا ويتثبتوا مما تبثه وسائل الإعلام.

    خطر النفاق

    وبعد ذلك يأتي ربع حزب كامل يتحدث عن خطورة المنافقين
    على المجتمع
    ]فَمَا لَكُمْ فِى ٱلْمُنَـٰفِقِينَ فِئَتَيْنِ وَٱلله أَرْكَسَهُمْ بِمَا
    كَسَبُواْ
    [.

    وسبب ذكر المنافقين هو التنبيه إلى أن انتشارهم في المجتمع هو أعظم سبب لتضييع العدل وتضييع حقوق الضعفاء. فهم يفسدون المجتمع ويضيّعون قيمه وخاصة قيمة العدل.

    وبعد ذلك تصل بنا الآيات إلى قمة العدل: العدل حتى أثناء القتال ]يَـأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ إِذَا ضَرَبْتُمْ فِى سَبِيلِ ٱلله فَتَبَيَّنُواْ[ إنها الأخلاق الحربية التي كان الإسلام رائداً في الدعوة إليها.

    كن إيجابياً لتنال العدل

    في كل الآيات السابقة كان القرآن يخاطب الأقوياء والمسؤولين ويأمرهم بالعدل مع الضعفاء والرحمة بهم. لكن القرآن في الآية 97 يطلب من المستضعفين الإيجابية والحركة وعدم الخضوع والهوان لكي لا يظنوا أن واجبهم في الأرض يقتصر على انتظار العدل واستجداء الرحمة من الناس ]إِنَّ ٱلَّذِينَ تَوَفَّـٰهُمُ ٱلْمَلَـئِكَةُ ظَـٰلِمِى أَنفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِى ٱلاْرْضِ قَالْواْ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ ٱلله وٰسِعَةً فَتُهَـٰجِرُواْ فِيهَا فَأُوْلَـئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءتْ مَصِيراً[.

    القصر في الصلاة من رحمة الله بنا

    وبعد ذلك ينبهنا الله تعالى إلى رحمته التي يعامل بها خلقه وعباده، فتأتي الآية (101) لنتحدّث عن القصر في الصلاة وصلاة الخوف ]وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِى ٱلاْرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُواْ مِنَ ٱلصَّلوٰةِ...[ فالله تعالى يلفت انتباهنا في هذه الآية إلى رحمته بنا لنرحم الناس.

    مع الأقليات غير المسلمة

    وأخيراً نصل إلى العدل مع الأقليات غير المسلمة في المجتمع المسلم كمثال على \أن العدل لا يتجزء , ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين . وذلك أن أحد المسلمين في عهد النبي r سرق درع (طعمة بن أبيرق سرق درع قتادة بن النعمان, ورآه (رفاعة) عم (قتادة ) ....... واتّهم يهودياً هو زيد بن السمين) بل ونقل الدرع إلى بيت اليهودي ليدلل على انه السارق ). علِم قرابة طعمة بالأمر وشهدوا زوراً حتى لا يتعرّض طعمة للحد وذلك تحت حجة الأخوة.

    فنزلت الآيات تخاطب المسلمين خطاباً شديداً ]إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ ٱلْكِتَـٰبَ بِٱلْحَقّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ ٱلنَّاسِ بِمَا أَرَاكَ ٱلله وَلاَ تَكُنْ لّلْخَائِنِينَ خَصِيماً[ (105) ثم تشتدّ اللهجة على الظالم ]وَمَن يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْماً ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئاً فَقَدِ ٱحْتَمَلَ بُهْتَـٰناً وَإِثْماً مُّبِيناً[ (112) فشهد الله تعالى من فوق سبع سماوات ببراءة اليهودي مما نسب إليه ليرسخ في الإسلام هذه القواعد الحضارية في التعامل مع الديانات الأخرى.سؤال : هل أسلم اليهودي ؟

    كونوا قوّامين بالقسط

    لذلك نرى الآية (135) تذكرنا بهدف السورة بقوّة قبل ختامها:
    ]يَـٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِٱلْقِسْطِ شُهَدَاء لله وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ
    أَوِ ٱلْوٰلِدَيْنِ وَٱلاْقْرَبِينَ إِن يَكُنْ غَنِيّاً أَوْ فقَيراً فَٱلله أَوْلَىٰ بِهِمَا فَلاَ تَتَّبِعُواْ ٱلْهَوَىٰ أَن تَعْدِلُواْ وَإِن تَلْوُواْ أَوْ تُعْرِضُواْ فَإِنَّ ٱلله كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً
    [.

    وقوامين هي لفظة مبالغة تعني: شديدي القيام بالعدل. والآية تحذّرنا من اتباع الهوى لأنه عامل خطير في التسبب بظلم الناس.

    ظلم أهل الكتاب

    ثم تنتقل السورة إلى انتقاد بعض أخطاء أهل الكتاب المتعلّقة بموضوع السورة وذلك لتحذير المسلمين من أفعالهم ]فَبِظُلْمٍ مّنَ ٱلَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيّبَـٰتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ[ (160) بسبب ظلمهم ضيّق الله عليهم الحلال. فماذا كانت مظاهر ظلمهم ]وَبِصَدّهِمْ عَن سَبِيلِ ٱلله كَثِيراً & وَأَخْذِهِمُ ٱلرّبَا وَقَدْ نُهُواْ عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوٰلَ ٱلنَّاسِ بِٱلْبَـٰطِلِ[ (161).

    وتتناول الآيتان (171-172) ]يأَهْلَ ٱلْكِتَـٰبِ لاَ تَغْلُواْ فِى دِينِكُمْ وَلاَ تَقُولُواْ عَلَى ٱلله إِلاَّ ٱلْحَقَّ إِنَّمَا ٱلْمَسِيحُ عِيسَى ٱبْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ ٱلله وَكَلِمَتُهُ أَلْقَـٰهَا إِلَىٰ مَرْيَمَ وَرُوحٌ مّنْهُ فَـئَامِنُواْ بِٱلله وَرُسُلِهِ وَلاَ تَقُولُواْ ثَلَـٰثَةٌ ٱنتَهُواْ خَيْراً لَّكُمْ إِنَّمَا ٱلله إِلَـٰهٌ وٰحِدٌ سُبْحَـٰنَهُ أَن يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَّهُ وما فِى ٱلسَّمَـٰوٰت وَمَا فِى ٱلاْرْضِ وَكَفَىٰ بِٱلله وَكِيلاً & لَّن يَسْتَنكِفَ ٱلْمَسِيحُ أَن يَكُونَ عَبْداً لله وَلاَ ٱلْمَلَـئِكَةُ ٱلْمُقَرَّبُونَ وَمَن يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيهِ جَمِيعاً[ أيضاً انحراف عقيدة النصارى. وإيرادها هنا يخدم هدف السورة من ناحية أخرى: فإن سبب تحريف دينهم وكتابهم هو الاستضعاف والاضطهاد من الرومان للجيل الأول من النصارى. فكأن الرسالة هنا للمؤمنين: نصرة الدين وتقويته ودعمه حتى لا يبدل ويحرّف كما جرى مع أهل الكتب.

    وتأتي بعدها آيتان شديدتان في التحذير من الظلم ]إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَظَلَمُواْ لَمْ يَكُنِ ٱلله لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلاَ لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقاً & إِلاَّ طَرِيقَ جَهَنَّمَ خَـٰلِدِينَ فِيهَا...[ (168-169).

    هذه سورة النساء، سورة العدل والرحمة مع كل طبقات
    المجتمع.


    ومما تميزت به هذه السورة أنها الأكثر إيراداً لأسماء الله الحسنى في أواخر آياتها (42 مرة). تشمل هذه الأسماء العلم والحكمة (عليم حكيم) أو القدرة والرحمة والمغفرة، وكلها تشير إلى عدل الله ورحمته وحكمته في القوانين التي سنّها لتحقيق العدل.
    أخي المسلم، اقرأ سورة النساء بنية تطبيق العدل في حياتك، في بيتك وأهلك أولا (وخاصة زوجتك ووالديك)، ومع جيرانك وكل مجتمعك مهما يكن دينهم أو طبقتهم الاجتماعية
    تم بحمد الله
    المصدر : خواطر قرآنية للدكتور عمرو خالد


    عدل سابقا من قبل خادمة الإسلام في الثلاثاء 03 نوفمبر 2009, 12:06 pm عدل 2 مرات
    عنايات عبدالعزيز
    عنايات عبدالعزيز


    تدبر سورة النساء Empty رد: تدبر سورة النساء

    مُساهمة من طرف عنايات عبدالعزيز الخميس 29 أكتوبر 2009, 4:22 am

    وهذا التكريم الذي حظيت به المرأة في الإسلام لا يوجد له مثيل في أي ديانة أو ملة أو قانون

    فقد أقرت الحضارة الرومانية أن تكون المرأة رقيقاً تابعاً للرجل , ولا حقوق لها على الإطلاق , واجتمع في روما مجمع كبير وبحث في شؤون المرأة فقرر أنها كائن لا نفْس له , وأنها لهذا لن ترث الحياة الأخروية , وأنها رجس .
    وكانت المرأة في أثينا تعد من سقط المتاع , فكانت تباع وتشترى , وكانت تعد رجساً من عمل الشيطان .

    وقررت شرائع الهند القديمة : أن الوباء والموت والجحيم وسم الأفاعي والنار خير من المرأة , وكان حقها في الحياة ينتهي بانتهاء أجل زوجها - الذي هو سيدها - فإذا رأت جثمانه يحرق ألقت بنفسها في نيرانه , وإلا حاقت عليها اللعنة .

    أما المرأة في اليهودية فقد جاء الحكم عليها في العهد القديم ما يلي :
    ( درت أنا وقلبي لأعلم ولأبحث ولأطلب حكمة وعقلاً , ولأعرف الشر أنه جهالة , والحماقة أنها جنون ؛ فوجدت أمرّاً من الموت : المرأة التي هي شباك , وقلبها شراك , ويدها قيود ) سفر الجامعة , الإصحاح 7 : 25 , 26 ,
    ومن المعلوم أن العهد القديم يقدسه ويؤمن به اليهود والنصارى .

    تلك هي المرأة في العصور القديمة , أما حالها في العصور الوسطى والحديثة فتوضحها الوقائع التالية :

    شرح الكاتب الدانمركي wieth kordsten اتجاه الكنيسة الكالوثوليكية نحو المرأة بقوله :
    ( خلال العصور الوسطى كانت العناية بالمرأة الأوربية محدوداً جداً تبعاً لاتجاه المذهب الكاثوليكي الذي كان يعد المرأة مخلوقاً في المرتبة الثانية ) ,

    وفي فرنسا عقد اجتماع عام 586 م يبحث شأن المرأة وما إذا كانت تعد إنساناً أو لا تعد إنساناً ؟
    وبعد النقاش : قرر المجتمعون أن المرأة إنسان , ولكنها مخلوقة لخدمة الرجل .

    وقد نصت المادة السابعة عشرة بعد المائتين من القانون الفرنسي على ما يلي :
    ( المرأة المتزوجة - حتى لو كان زواجها قائماً على أساس الفصل بين ملكيتها وملكية زوجها - لا يجوز لها أن تهب , ولا أن تنقل ملكيتها ولا أن ترهن , ولا أن تملك بعوض أو بغير عوض بدون اشتراك زوجها في العقد أو موافقته عليه موافقة كتابية ) .

    وفي إنجلترا حرّم هنري الثامن على المرأة الإنجليزية قراءة الكتاب المقدس وظلت النساء حتى عام 1850 م غير معدودات من المواطنين , وظللن حتى عام 1882 م ليس لهن حقوق شخصية , سلسلة مقارنة الأديان , تأليف د . أحمد شلبي , ج3 , ص: 210 - 213 .

    أما المرأة المعاصرة في أوروبا وأمريكا وغيرها من البلاد الصناعية فهي مخلوق مبتذل مستهلك في الأغراض التجارية , إذ هي جزء من الحملات الإعلانية الدعائية , بل وصل بها الحال إلى أن تجرد ملابسها لتعرض عليها السلع في واجهات الحملات التجارية وأبيح جسدها و عرضها بموجب أنظمة قررها الرجال لتكون مجرد متعة لهم في كل مكان.

    وهي محل العناية ما دامت قادرة على العطاء والبذل من يدها أو فكرها أو جسدها , فإذا كبرت وفقدت مقومات العطاء تخلى عنها المجتمع بأفراده ومؤسساته , وعاشت وحيدة في بيتها أو في المصحات النفسية .

    قارن هذا - ولا سواء - بما جاء في القرآن الكريم من :
    قوله تعالى : ( المؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض ) سورة التوبة/71 ,
    وقوله جل ثناؤه : ( ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف ) سورة البقرة / 228 .
    وقوله عز وجل : ( وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحساناً إمَّا يبلُغنَّ عندك الكبر أحدهما أوكلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولاً كريماً - واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رًّب ارحمهما كما ربياني صغيراً ) سورة الإسراء / 23, 24 .

    وحينما كرمها ربها هذا التكريم أوضح للبشرية قاطبة بأنه خلقها لتكون أماً وزوجة وبنتاً وأختاً , وشرع لذلك شرائع خاصة تخص المرأة دون الرجل .وجزاك الله خيرا معلمتنا الفاضلة
    منقوووووووووول
    خادمة الإسلام
    خادمة الإسلام
    هيئة التدريس


    تدبر سورة النساء Empty رد: تدبر سورة النساء

    مُساهمة من طرف خادمة الإسلام الإثنين 02 نوفمبر 2009, 11:50 am

    وجزاك كل خير حبيبتي

    شكر الله لك هذه الإضافة الرائعة

    الحمد لله الذي رزقنا الإسلام
    طالبة رضا الله
    طالبة رضا الله


    تدبر سورة النساء Empty رد: تدبر سورة النساء

    مُساهمة من طرف طالبة رضا الله الإثنين 02 نوفمبر 2009, 1:32 pm

    السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
    جزاكِ الله خيراً معلمتي خادمةُ الإسلام جعلها الله في ميزان حسناتك
    قال تعالي في بداية السورة
    {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً }النساء1
    عندما كان الخطاب للناس جميعا جاء بقوله تعالى اتقوا ربكم و لكن بعدها ال تعالى و اتقوا الله و كان من الطبيعى ان يأتي بضمير يعود على ربكم و لكن المقام هنا مقام تشريع و هو للمسلمين خاصة الذين قد تكون فيهم بعض رواسب الجاهلية و هم لا يشعرون بها في التساهل في الأرحام
    و استحضر اسم الله العلم هنا دون ضمير يعود على ربكم لإدخال الروع في ضمائر السامعين لأن المقام يناسبه ايثار المهابة
    التحرير و التنوير

    جزاكم الله خيرا لى عودة إن شاء الله
    خادمة الإسلام
    خادمة الإسلام
    هيئة التدريس


    تدبر سورة النساء Empty رد: تدبر سورة النساء

    مُساهمة من طرف خادمة الإسلام الثلاثاء 03 نوفمبر 2009, 12:33 pm

    بارك الله فيك حبيبتي : طالبة رضا الله

    إضافة رائعة

    جزاك الله الفردوس الأعلى
    حبيباتي لنتدبر آيات من السورة :


    في سورة النساء وفي الآية السادسة والعشرين
    يُرِيدُ اللّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ{26} وَاللّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُواْ مَيْلاً عَظِيماً{27} يُرِيدُ اللّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفاً{28}


    يريد الله ليبين لكم ، وقال سبحانه: إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم

    ( سورة هود : 119 )

    يعني يا عبادي خلقتكم لأرحمكم ، وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون

    ( سورة الذاريات : 56 )

    قل متاع الدنيا قليل

    ( سورة الحديد : 20 )
    يا أيها الناس إن وعد الله حق فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور



    ( سورة فاطر : 5 )

    لو قرأت القرآن الكريم ، لوجدته كله يبيِّن لهذا الإنسان سرّ وجوده ، لماذا جيء به إلى الدنيا ؟ ماذا بعد الدنيا ؟ ما حكمة وجودك ؟ في حين ترى أنّ كل إنسان يشكك ، يقول أحدهم : جئت ، لا أعلم من أين ، ولكني أتيت ، هكذا قال بعض الشعراء ، رأيت قدامي طريقًا فمشيت ، كيف جئت ، كيف أبصرت طريقي ، لست أدري ، ثم يقول : ولماذا لست أدري لست أدري ، هذا الذي يشكك ، له مِن وراء التشكيك غاية .

    الإنسان المنحرف يريد ألا يعلم ، لأنه لو علم ، لأصبح مسؤولاً ، والدليل : فإن لم يستجيبوا لك - يا محمد - فاعلم أنما يتبعون أهوائهم

    ( سورة القصص : 50 )

    إذاً الإنسان حينما يريد ألا يعلم ، معنى ذلك أنه منحرف ، وأنه مقيم على المعاصي ، وأنه يتبع شهواته ، فإذا علم أصبح مسؤولاً ، هو أميَل إلى ألاّ يعلم ، إلى أن يشكك ، إلى أن يقول : لا نعرف ، ففي الحياة في أسرار ، وكأنّ كلّ الأسرار عنده ، قل له : فُكَّ سراً واحداً ، يقول لك : لا أقدر ، هذا القرآن كلما غُصتَ فيه غرقتَ ، أعوذ بالله ، كلام الله ، نزل هذا القرآن من لدن حكيم عليم لنفهمه ، لنقرأه ، لنتدبر آياته، انظر في الآية الكريمة ، يريد الله ليبين لكم ، لقد بيّن لك ، بيّن لك لماذا خلق الكون ، ولماذا خلق الإنسان ، ولماذا جاء بك إلى الدنيا ، وماذا يقول الإنسان عند الموت ، قال رب ارجعون لعلي أعمل صالحا فيما تركت

    ( سورة المؤمنون : 99 - 100 ) .

    إذاً سر وجودك في أنْ تعمل العمل الصالح .

    القرآن كله بيان ، قال : يريد الله ليبين لكم ويهديكم سنن الذين من قبلكم " الآن هؤلاء الأقوام السابقة، حينما انحرفوا ماذا حل بهم ، أتريد عبرة نظرية ، أتريد حقيقة نظرية ، اقْرأ القرآن الكريم ، أتريد حقيقة عملية ، أقرأ ماذا حل بالأقوام السابقة ، "ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل ، ألم يجعل كيدهم في تضليل ، وأرسل عليهم طيراً أبابيل"

    ( سورة الفيل : 1 -2 - 3 ) .

    وأنت أيها الإنسان ، ألم تَرَ كل يوم ماذا يحل بالمنحرفين ، "وضرب الله مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون "

    (سورة النحل 112 )

    ألا ترى كل يوم فيما حولنا من البلاد الفلانية ؛ هنا حرب أهلية ، هنا فيضان ، هنا زلزال ، هنا صواعق ، هنا براكين ، إن أردت الحقيقة مجردة ، فاقرأ القرآن ، وإن أردت الحقيقة مطبقة على أقوام ، قال سبحان : يريد الله ليبين لكم ويهديكم سنن الذين من قبلكم ويتوب عليكم ، من أجل ماذا قال : ليتوب عليكم ؟ من أجل أن يتوب عليكم والله عليم حكيم ، أمّا الآية التي بعدها ، والله يريد أن يتوب عليكم ، هذه مشيئته .

    لذلك إذا جاءت توبة الله قبل توبة العبد ، فشيء عجيب ، تاب عليهم ليتوبوا

    ( سورة التوبة : 118 )

    وفي آية ، تابوا فتاب الله عليهم .

    ما معنى توبة الله قبل توبة العبد ؟

    ما معنى توبة الله بعد توبة العبد ؟

    تاب عليهم ليتوبوا ... تابوا فتاب الله عليهم ...

    العلماء قالوا :

    إذا جاءت توبة الله بعد توبة العبد ، فهي قبول التوبة .

    أما إذا جاءت توبة الله قبل توبة العبد ، أي هي الشدائد ، التي يسوقها الله لهذا الإنسان ليحمله على التوبة ، أيْ تَوَّبَهُ ، تَوَّبَهُ ، فلما ربنا يقول : والله يريد أن يتوب عليكم ، يعني كل هذه المصائب ، كل هذه المتاعب ، الفقر ، الفرج ، القهر ، الذل ، الخوف ، القلق ، وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفوا عن كثير

    ( سورة الشورى : 30 )

    ما من عثرة ولا اختلاج عرق ولا خدش عود إلا بما قدمت أيديكم ، وما يعفوا الله أكثر، والله يريد أن يتوب عليكم .

    إذاً الشر المطلق ليس له وجود في الكون ، الشر الهادف ، والشر بنظر الإنسان شر ، في نظر الواحد الديان مطلق الخير ، والله يريد أن يتوب عليكم ،ثم قال : ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلاً عظيما .

    إذاً أنت محاط بناس لا دين لهم ، فَسَقَة ، يحبون الشهوات ، مشكلة الإنسان أنه يعيش معهم ، دائما يريدون منك أن تميل ميلاً عظيما

    إذا كان الذين حولك دين لهم ، فإنهم يجرونك لاتّباع الشهوات والميل عن الحق ، فهذه الآية دقيقة .

    والله يريد أن يتوب عليكم ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلاً عظيما ، عن الحق ، لذلك :ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا

    ( سورة الكهف : 28 )

    واتبعْ سبيل مَن أناب إليّ

    ( سورة لقمان : 15 )

    إذا استشرتَ فاستشِر إنسانًا مؤمنًا ، صادقًا ، استشِر إنسانًا واثقًا من ورعه ، من علمه ، أما أنْ تسأل واحدًا لا دين له ؟ فإنّه يغرقك ، لماذا يريد الله أن يتوب عليكم؟ قال : يريد الله أن يخفف عنكم .

    أنت تحمِّل نفسك مالا تطيق ، لماذا يحمل الإنسانُ نفسَه مالا تطيق في حين : يريد الله أن يخفف عنكم ، لكن : وخلق الإنسان ضعيفا .

    أنت تقدر على معاينة المعصية عند الموت ؟ وفي أثناء الحياة تجد الناس نيامًا مخدرين ، تشغلهم نزهات مختلطة ، يقترفون السيئات ، فهم مخدرون ، والمال موجود، والصحة موجودة لا يدري أحدهم ما يعمل لغفلته ، لو أن إنسانًا عاين هذه المعاصي وهو في القبر فإنه لا يتحمل ؟ يصيح صيحةً لو سمعها أهل الأرض لصعقوا منها ، ولمّا يرى الإنسان مكانه في النار يصيح صيحةً لو سمعها أهل الدنيا لصعقوا بها .

    يريد الله أن يخفف عنكم وخلق الإنسان ضعيفا .

    أربع آيات بمحور واحد ، يريد الله ليبين لكم ، كل هذا القرآن تبيان وإذا لم تكفِ الحقائق النظرية ، فإنه يريك حالَ الأقوام السابقة التي كفرت .

    قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذاباً من فوقكم

    ( سورة الأنعام : 65 )

    هذه الصواعق قديماً وحديثاً ، والصواريخ ،حديثا مِن فوقكم : أو من تحت أرجلكم ، الزلازل والألغام ، قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذاباً من فوقكم أو من تحت أرجلكم أو يلبسكم شيعاً : الحروب الأهلية ويذيق بعضكم بأس بعض .



    ، خلقك ليرحمك وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ، وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور ، اقرأ القرآن فإذا قلت: لا أدري فهذا جوابه : فإن لم يستجيبوا لك فاعلم أنما يتبعون أهواءهم ، والحمد لله رب العالمين



    خادمة الإسلام
    خادمة الإسلام
    هيئة التدريس


    تدبر سورة النساء Empty رد: تدبر سورة النساء

    مُساهمة من طرف خادمة الإسلام الثلاثاء 03 نوفمبر 2009, 12:34 pm

    ويقول تبارك وتعالى :




    "ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم وأمنتم " . سورة النساء الآية السابعة والأربعون بعد المئة .



    كيف يتوقف عذاب الله عز وجل ؟ عن كل إنسان ، آمن به وشكره ، هذا الجواب أيها الإخوة .



    هذا الكون بسماواته وأرضه ، مسخر للإنسان تسخرين ؛ تسخير تعريف .... وتسخير تكريم ....



    أضرب لكم مثلاً ، لو أن لك صديقاً مهندساً في الإلكترون ، قدّم لك جهاز هاتف من أعلى مستوى ، قدمه لك هديةً ، وهذا الجهاز نادر ، ويؤدِّي خدمات كثيرة ، ينوب مناب إنسان ، أنت أمام هذه الهدية العالية مستواها ، أمام شعورين ؛ شعور امتنان لأن هذا الجهاز قدم لك هدية ، وشعور إكبار لهذا العلم الدقيق الذي وراء هذا الجهاز .



    هذا معنى قولي ... تسخير تعريف ... وتسخير تكريم ...



    فالكون له مهمتان ؟



    المهمة الأولى أن تتعرف إلى الله من خلاله .



    والمهمة الثانية أن تنتفع به .



    رد فعل التعرف ، إيمان ، ورد فعل الانتفاع ، الشكر .



    فإذا آمنت وشكرت ، فقد حققت الهدف من وجودك ، وحينما تحقق الهدف من وجودك يتوقف العلاج الإلهي .



    "ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم وأمنتم " .



    أنت متى تتيقن ، أن كل أنواع المعالجات ، والمضايقات ، والشدائد ، والمصائب ، تتوقف ضدّك ! حينما تحقق الهدف من وجودك .



    الله سبحانه وتعالى لا يعذب عباده إلا لهدف كبير ، لأنّ الشر المطلق لا وجود له في الكون .



    مثلاً أب طبيب جراح ، وله ابن يتمتع بصحة جيدة ، فهل يضعه على منصة التشريح ، ويخدره ويفتح بطنه بلا سبب ؟ مستحيل .



    أبٌ طبيبٌ جراح ، قلت : أب لأن في قلبه رحمة لا حدود لها تجاه ابنه ، وقلت : طبيب لأنه يعلم وهو جراح أيضًا ، أيضع ابنه على المشرحة ، ويفتح بطنه بلا سبب ؟ أما إذا رأيت أباً يفتح بطن ابنه ، فالمعنى أنّه يعاني من التهاب زائدة .



    " ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم وآمنتم وكان الله شاكراً عليما ".



    يعني إذا أردت أن يتوقف العلاج الإلهي ، والشدة الإلهية ، فعليك بتحقيق الهدف من وجودك ، وتحقيق الهدف من وجودك في هذه الآية ، يتمثل بإيمانك بالله ، كرد فعلٍ على أن الكون مسخرٌ لك تسخير تعريف ، وبشكره كرد فعلٍ على أن هذا الكون مسخر لك تسخير تكريم ، والله عز وجل يقول : "وسخر لكم ما في السموات وما في الأرض جميعاً منه "



    ( سورة الجاثية : 13 )



    أيها الإخوة ؛ رأى النبيُّ عليه الصلاة والسلام – مما يؤكد هذا المعنى – مرةً هلالاً فقال: هلال خيرٍ ورشد ، هلال خيرٍ ورشد ، يعني هذا الهلال يرشدني إلى الله ، وأنتفع به في عد الأيام والأسابيع ،



    "لتعلموا عدد السنين والحساب ".



    ( سورة يونس : 5 )



    الآن مرحلة ثانية : أية مهمةٍ أعظم ، أن تهتدي بالكون ، أم أن تنتفع به ؟ الحقيقة الأجانب الغربيون ، انتفعوا بالكون أشد الانتفاع ، يعني ما من أمةٍ وصلت إلى أعماق البحار ، وصلت إلى الأقمار ، استغلت المناجم ، الفلزات ، المعادن ، كل شيء مستخدم ومسخر إلى أعلى درجة ، وقد أثبت الله لكم ذلك : "يعلمون ظاهراً من الحياة الدنيا ".



    ( سورة الروم : 7 )



    لكن مهمة الكون لتعريفك بالله ، أعظم مليون مرة من مهمة الكون في الانتفاع به .



    لو كان دخلك محدودًا ، حيث لا يسمح لك أن تأكل العسل ، وأمسكت كتاباً عن النحل ، وقرأت عن عجائب النحل ، كيف أن كل كيلو عسل ، محصلة طيران أربعمئة ألف كيلو متر ، لو أننا كلفنا نحلةً واحدة ، أن تصنع لنا كيلو عسل ، لاحتاجت أن تطير حول الأرض عشر مرات ، وأن هذه النحلة ، فيها أجهزة لا يعلمها إلى الله ، لا تقف على زهرةٍ امْتُصَّ رحيقُها ، توفيراً لوقتها وجهدها ، أكرِّر : لا تقف على زهرةٍ امتص رحيقها ، وأن النحلات العاملات ترقص رقصاتٍ ، تُعلم بقية النحلات العاملات ، كم هي المسافة بينهم وبين الأزهار ، هناك بحث قائم بذاته اسمه "رقص النحل" ، والشيء الذي لا يصدق أنها تصنع هذا الشمع ، بشكل سداسي منتظم ، ليس فيه فراغات بينية ، هناك ملكة ، وهناك ذكور ، وهناك عاملات ، بعض العاملات وصيفات للملكة ، يأتين بغذاءٍ ملكيٍّ خاص ، مأخوذٍ من غبار الطلع ، وبعض العاملات تنظف الخلية ، فإذا وجدنَ فيها حشرةً كبيرةً ، يغلفنها بطبقة شمع حتى لا تؤذي وتتفسخ ، وبعض العاملات تُهوِّي هذه الخلية ، وبعض العاملات تحمل ، والموضوع طويل الذيل ، وقد أُلِّفتْ كتب كثيرة حول النحل وطريقة عمله وأسلوب حياته .



    فلو أن إنساناً قرأ كتاباً عن النحل ، فخشع قلبه ، وانهمرت عيناه ، ولم يسمح له دخلُه أن يأكل لعقة عسلٍ واحدة ، بينما إنسان آخر كاد ينفزر من أكل العسل ، من الذي حقق الهدف من وجود النحل والعسل ؟ هو الذي عرف الله من خلال هذه الآيات .



    فيا أيها الإخوة الأكارم ؛ يجب أن نعلم أنّ كأس الماء ، كأس الحليب ، رغيف الخبز ، قطعة الجبن ، البرتقالة ، التفاحة ، ابنك الذي أمامك ، الفراش الذي تنام عليه ، اللحاف الذي تتدثر به ، ثيابك التي تلبسها ، الشمس والقمر ، الليل والنهار ، البحار ، الأسماك ، الأطيار ، كل شيءٍ حولك يدل على الله ، فحينما لا تُعمل فكرك في الكون ، فقد عطلت أكبر شيئاً فيك ، وهو أنه دليلك إلى الله عز وجل ، أما إذا انتفعت منه فقط ، فشأنُك شأنُ أهل الدنيا الذين ينتفعون بالكون ، الكفار ينتفعون بالكون ، الملحدون ينتفعون بالكون ، الانتفاع بالماء والهواء ، والزراعة ، والصناعة ، كل إنسان ينتفع بالكون .





    الإنسان إذا لم يفكر في تكوين جسمه ، لا ينتفع بعقله ، لذلك هذه الآية من أدق الآيات .



    "ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم وآمنتم وكان الله شاكراً عليماً ".



    حينما تؤمن ، وحينما تشكر ، فإيمانك ردُّ فعل أن الكون مسخر تسخيرَ تعريف ، وشكرك ردٌ على أن الكون ، مسخر تسخير تكريم ، فإذا آمنت وشكرت ، توقف العلاج الإلهي .



    قال الله تعالى : "ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم وآمنتم ".



    هل أدركنا لماذا إن شكرتم وآمنتم ، فلِمَ لمْ يقل الله عز وجل إن شكرتم وصبرتم ، إن شكرتم وأطعتم ؟ بل قال : إن شكرتم وآمنتم .



    لأن الشكر دليلٌ أنك تأثرت بهذا الكون الذي سخر لك تسخير تكريم والإيمان دليل ... أنك تأثرت بهذا الكون الذي سخر لك تسخير تعريف ، فإذا آمنت وشكرت ، ما يفعل الله بعذابك ؟



    والحمد لله رب العالمين
    خادمة الإسلام
    خادمة الإسلام
    هيئة التدريس


    تدبر سورة النساء Empty رد: تدبر سورة النساء

    مُساهمة من طرف خادمة الإسلام الثلاثاء 03 نوفمبر 2009, 12:45 pm

    ؛ الآيات السابعة والسبعون والثامنة والسبعون والتاسعة والسبعون من سورة النساء ، تشير إلى موضوع دقيق ، قد يفهمه المسلمون على غير ما أراده الله عز وجل .

    أَيْنَمَا تَكُونُواْ يُدْرِككُّمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ وَإِن تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُواْ هَـذِهِ مِنْ عِندِ اللّهِ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُواْ هَـذِهِ مِنْ عِندِكَ قُلْ كُلًّ مِّنْ عِندِ اللّهِ فَمَا لِهَـؤُلاء الْقَوْمِ لاَ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً{78} مَّا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولاً وَكَفَى بِاللّهِ شَهِيداً{79}

    مثلاً ، إذا خاطبتَ إنسانًا متلبساً بمعصية الله ، ألا تتق الله يا أخي ، يقول لك ، هذا قدري ، هذا كلام ليس له أساس من الصحة .

    سيدنا عمر في عهده ، جيء له برجل شارب للخمر ، فلما أمر أن يقام عليه الحد قال هذا الرجل : والله يا أمير المؤمنين ، إن الله قدر عليَ ذلك ، فقال رضي الله عنه ، وهو الذي فهم حقيقة الدين ، قال : أقيموا الحد عليه مرتين ، مرة لأنه شرب الخمر ، ومرة لأنه افترى على الله ، ثم قال له : ويحك يا هذا ، إن قضاء الله لم يخرجك من الاختيار إلى الاضطرار ، إن الله أمر عباده تخييراً ، ونهاهم تحذيراً ، وكلف يسيراً ولم يكلف عسيراً ، وأعطى على القليل كثيراً ، ولم يُعصَ مغلوباً ، ولم يطع مكرهاً ، ولم يرسل الأنبياء لعباَ .

    لو أن الله سبحانه وتعالى ، أجبر الإنسان على طاعته لبطل الثواب !! ولو أجبره على معصيته لبطل العقاب !! ولو تركه هملاً لكان عجزاً في القدرة !!.

    فالإنسان حينما يتوهم أن الله قدر عليه أن يعصيه ، فقد وقع في ذنبٍ بنص القرآن الكريم ، هو أكبر ذنبٍ على الإطلاق .



    أن تقول على الله ما لا تعلم ، هذا أكبر ذنبٍ يقترفه الإنسان ، فأن تتوهم أن الله عز وجل خلق الإنسان وقدر عليه أن يعصيه ، ولا يستطيع إلا أن ينفذ قدر الله عز وجل ، ثم يأتي ليحاسَب ويدخل جهنم إلى أبد الآبدين ، فهذا افتراء على الله ، قال الله عز وجل: الظانين بالله ظن السوء عليهم دائرة السوء .
    ( سورة الفتح : 6 )


    وقال عز وجل : ولا تظلمون فتيلا
    (سورة النساء :77 )


    "إنا هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا "
    .


    حينما تتوهم ، أن الله سبحانه وتعالى أجبرك على معصيته ، فقد وقعت في أكبر ذنب ، وهو سوء الظن بالله عز وجل .

    فالإمام الغزالي يقول : لأنْ يرتكبَ العوامُ الكبائرَ أهون من أنْ يقولوا على الله ما لا يعلمون ، حسن الظن بالله ثمن الجنة .

    وبعد ؛ فأنت مخير فيما كلفت ، لن تحاسب لماذا ولدت عام كذا ، لماذا ؟ لأنك لست مخيرًا في تاريخ ميلادك ، لست محاسبًا لماذا كان أبوك فلانًا ، فلست مخيّراً في اختيار أبيك ، أنت مخير في ماذا ؟ فيما كلفت ، أمرك أن تصلي ، بإمكانك أن تصلي وألاّ تصلي ، أمرك أن تكون صادقاً ، فبإمكانك أن تكذب ، وبإمكانك أن تصدق، أمرك أن تكون مخلصاً ، فبإمكانك أن تخون ، وبإمكانك أن تخلص ، أمرك أن تغض البصر ، فبإمكانك أن تطلق البصر وأن تغض البصر ، إذًا أنت مخير في ماذا ؟ فيما كلفتَ ، في دائرة التكليف أنت مخير ، فإذا فعلت شيئاً محرماً ، فإياك أن تقول :

    ويجب أن تعلموا أيها الإخوة ؛ أنّ الذي سيرت به هو محض خيرٍ ، ولصالحك ، محض خير ، اختار لك أنسب أب ، وأنسب أم ، وأنسب زمن ، وأنسب إمكانات ، وأنسب شكل ، وأنسب قدرة ، وأنسب زوجة ، وأنسب أولاد ، كل شيء أنت مسير به فهو لصالحك.

    لذلك الإمام الغزالي عبّر عن هذه الحقيقة فقال : ليس في الإمكان أبدع مما كان ، يعني ليس في إمكاني أبدع مما أعطاني .

    ما أنت مسير به فهو لمصلحة إيمانك ، ولمصلحة آخرتك .

    التخيير من أجل أن تدخل الجنة بعملك .

    وبعد ؛ فها هنا نقطة دقيقة ، فبعد أنْ عرفتَ أنك مخير فأنت مسير ، كيف ؟ .

    لو أن إنسانًا اختار أن يغش الناس ، وأن يأكل أموالهم بالباطل ، فربنا الآن يسيره ،ويدفع ثمن اختياره ، إذا أراد ربك إنفاذ أمر أخذ من كل ذي لبٍّ لبَّه ، يورطه في قضية يُفلس فيها ويحار ، يا رب أنا حائر تائه ، لأنّ كل مالك حرام .

    بعد أن تختار فالله عز وجل يسيرك لدفع ثمن اختيارك ، فإذا اخترت الإحسان للآخرين ، فالله يسيرك لعمل مريح ، وإذا اخترت إيذاء الآخرين ، فالله يسيرك بعمل يزعجك ، فأنت بالأساس مخير ، ثم تسير لدفع ثمن اختيارك ، وإذا أراد ربك إنفاذا أمر أخذ من كل ذي لب لبه ، ولا ينفع من ذي الجد منك الجد ، فمهما كنت ذكيًا وعاقلاً ، ولديك خبرات متراكمة ؛ ثمانين سنة مثلاً ، يُؤتى الحَذِرُ من مأمنه ، عند الله ليس هناك ذكي ، وعنده ليس هناك خبرات ، كل الخبرات تضيع ، وإذا أراد ربك إنفاذا أمر أخذ من كل ذي لب لبه يا رجل أين عقلك ؟ فيقول : هذا ما حدَث معي ، الله سيرك لتدفع ثمن اختيارك ، لمَ اخترت أن تفعل المعاصي والآثام ، وأن توقع الأذى بالعباد ، فالله سلبك لُبَّك ، وفعلت شيئاً دفعت فيه ثمن اختيارك ، وهذه هي المقدمة ، من أجل قوله تعالى :



    هنا دقة الآية ، من حيث التنفيذ ، من حيث الفعل ، قل كل من عند الله ، وبعد قليل :



    قد يبدو لبعض الناس ، أن بين الآيتين تناقضاً ، لا

    الفعل له عنصران ؛ عنصر كسبي .. وعنصر تنفيذي ..

    العنصر الكسبي: منك

    والعنصر التنفيذي : من الله

    فلو أردت أن تقوم للصلاة ، أنت أردت أن تصلي ، هذا الجانب الاختياري الكسبي ، أما من يعطيك القوة على أن تقف ، وأن تقرأ وأن تركع وأن تسجد ، فهو الله سبحانه وتعالى .

    أنت صليت اكتساباً ، وصليت بقضاء الله وقدره ، من حيث الفعل ، الفعلُ فعلُ الله ، أمَّا الاختيار والكسب فاختيارك وكسبك ، "لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت "
    ( سورة البقرة : 141 )


    فإذا أشار الله عز وجل إلى أن الفعل كله لله ، إلى أن عمل الإنسان من عند الله ، فهذا يعني المعنى التنفيذي .

    إليك مثلاً آخر أوضح .

    لو كتب مدير المدرسة على جلاء الطالب ، لقد تم ترسيب الطالب في صفه ، فمَن أصدر قرار الترسيب ؟ المدير ، لكنْ مَن سبب الرسوب ؟ إنّه الطالب ، فالرسوب كسبٌ من الطالب ، أما كتنفيذ ، وكقرار أُصدر ووُقِّع وخُتِم مِن المدير ، فالرسوب مَن سببه ؟ الطالب الكسول ، مَن نفذه ؟ المدير المسؤول .

    فالرسوب له جانبان ... سبب .. وفعل ..

    التوقيع وإصدار القرار من المدير ، فإذا قلنا : المدير رسب الطالب ، كلام صحيح ، لأنه كسول ، أشرنا الآن إلى فعل الرسوب ، إذا قلنا هذا الطالب رسب ، مسكين ، صحيح أيضا ، فتنفيذ القرار صدر عن المدير ، هذه صحيحة ، وهذه صحيحة.

    إذا قلنا هذا الطالب رسب فقد أشرنا إلى الجانب الكسبي الاختياري .

    وإذا قلنا المدير رسبه ، أشرنا إلى الجانب التنفيذي ، فليس ثمّة غلط ، ولا تناقض العبارتين ، "وإن تصبهم حسنة يقولوا هذه من عند الله وإن تصبهم سيئة يقولوا هذه من عندك " ، لا ، أنتم غالطون . "قل كل من عند الله " .

    الأفعال كلها من قَبَل الله ، أما الآن الاختيار ، "ما أصابك من حسنة فمن الله "، لو أنت فعلت معروفًا ، فالله لمّا أعطاك الخير ، فهو منه ، وليس لك عنده شيء .

    " ، أمّاهنا في سورة النساء :

    وما تجدي واحدا في حياتك يقول : إذا فعلت أعمالاً صالحةً ، هكذا أراد الله ، لا !!! يقول لك : بالخيرات وبالصلوات وبالصدقات ، أنا فعلت ، وأنا تصدقت ، أنا صليت ، بينما عند فعل الموبقات والأثام يقول : هكذا أراد الله ، هذا كلام فيهتناقض ، الخيرات تعزوها إلى نفسك ، أما إذا وُجِدَ تقصير , هكذا شاء الله ، وهذا قدري ، لا ، ليس قدرك ، هذا وهم ، وهذا جهل ، وهذه الفكرة إذا شاعت بين الناس شلّت حركتهم ، فانتهوا يا عباد الله ، وانتبهوا ، " فمال هؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثاً " ، الخير من الله ، والشر من الله فعلاً ، ومِن الإنسان كسباً .

    العمل له جانبان .. كسب .. وفعل .

    تم بحمد الله

    المصدر : موسوعة الدكتور راتب النابلسي


      الوقت/التاريخ الآن هو الإثنين 25 نوفمبر 2024, 8:53 pm