رحمة الله سر لطيف من أسراره لا نستطيع أن نفهم كيف تعمل عملها في الأفراد والأمم فتغيرهم وتغير معهم طريقة استقبالهم لأحداث الحياة ومتغيراتها. إننا نرى آثار هذه الرحمة وقوتها الفاعلة، لكننا لا نعرف الطريقة التي تغشى بها الرحمة قلوب البعض فيصيروا من أهل السعادة والرضا.
لو كان عندك أولاد، وتغشتك رحمة الله صار هؤلاء الأولاد قرة عين لك، ونعمة عظيمة وسعادة تملأ قلبك كلما نظرت إليهم، ويهفو قلبك إليهم لو غابوا عنك، ثم ترى من أدبهم وطاعتهم وبرهم ما يغمرك بسعادة لا تشترى بمال الأرض. ولو سلبت منك رحمة الله تحول الأولاد إلى شقاء ونكد وهم بالليل وتعب بالنهار، وقد رأينا أمثلة في حياتنا لرجال تعتصر نفوسهم ألما وعيونهم بكاء على ولد لهم حول حياتهم إلى جحيم. ولو كان عندك مال وتغشتك رحمة الله، أعانك هذا المال على طاعة الله ورأيت البركة في وجوه إنفاقه ورأيته سببا لألفة قلوب من حولك ومحبة من تحسن إليهم، ورأيت أن كل ما تنفقه يُخلف عليك بغيره أكثر وأنفع، وأحسست أنك حقيقة لست مالك هذا المال وإنما أنت مستخلف ووكيل في إنفاقه، فلا تغتر به ولا تركن إليه. ولو سلبت منك رحمة الله، تحول المال في يديك إلى نقمة عليك يطغيك ويغريك بالمعاصي، ويورثك كبرا على من حولك، وتجد به الحسد والبغض في نفوس من يعرفونك، ولا تنفقه في وجه إلا رأيت دماره عليك بشكل من الأشكال، وهذا كله بخلاف رصيد مفزع في الآخرة لهذا المال المحروم من رحمة الله.
ولو كنت في وظيفة مرموقة أو منصب مؤثر وأفاض الله عليك من رحمته، فإن وظيفتك ومنصبك يصير نعمة عليك وعلى من حولك تقضي به حوائج الناس وترعى مصالحهم ويأتمنونك على مشاكلهم ويضعون ثقتهم فيك، وإلا صار هذا المنصب أنانية ومطمعا شخصيا وربما أدى إلى فساد ونهب.
وفي الجهة المقابلة، فإن أي ضيق أو نقص مع رحمة الله يتحول إلى سعادة وفرج ورضا. المريض إذا تغشته رحمة الله، صبر واحتسب، واختلط في إحساسه مرارة المرض بحلاوة الرضا واحتساب الأجر وشعر أن انتظار الفرج عبادة. والمواطن البسيط الذي رزق مسكنا ضيقا وراتبا محدودا وأعباء عائلية، لو تغشته رحمة الله أحس برحابة مسكنه، ونام في فراشه البسيط ملآ عينيه كأنه افترش الحرير، ونزلت السكينة على أهل بيته فلا ضجر ولا تسخط ولا شقاء، وربما قرت عينه وهو يرى أولاده وقد تحلوا بدقة الفهم وأدب الطاعة وجمال البر. وتراه مع ضيق ذات اليد يستعلي على الحرام وله نفس عفيفة شريفه، يحسبه الجاهل بأمره غنيا من التعفف.
رحمة الله ليست بالضرورة أشياء تقع من حولنا أو أحداثا معينة تتغير بها صورة الحياة، ولكنها فد تكون تغييرا هائلا في إحساسنا الداخلي – ونحن في مكاننا لم نبرحه – تجاه حياتنا، فتتسرب إلى نفوسنا وتعطينا ثقة لا تنتهي بحكمة الله وقدرته وهيمنته، فنطمأن إلى جنابه تبارك وتعالى. هذه الرحمة التي تصب في قلب العبد، أحسها إبراهيم عليه السلام وهو يقذف في النار، وحتى قبل أن يجد النار من حوله قد أصبحت بردا وسلاما. وهذه الرحمة باشرت موسى رضيعا وهو في صندوق تتقاذفه مياه النيل تأخذه بعيدا عن حضن أمه وقريبا إلى عدوه وعدوها. ونفس الرحمة تغشت قلوب سحرة موسى، فإذا هم يجيبون تهديدات فرعون ووعيده باطمئنان عجيب وهم يقولون (لا ضير ... إنا إلى ربنا منقلبون)، وهم لا يعرفون بالضبط ما الذي سيقع لهم في اللحظة التالية. وهي أيضا نفس الرحمة وآثارها الرائعة التي ذاقها نبينا صلى الله عليه وسلم وهو يواجه تكذيب قريش ورحيل عمه أبي طالب وزوجه خديجة، ويلاقي تكذيب واستهزاء أهل الطائف بعد أن حاول أن يجد في بلادهم مخرجا ونصرة، وأمام كل هذا البلاء، تتنزل الرحمة على قلبه الشريف فيأنس إليها، ويردد مناجيا ربه (إن لم يكن بك علي غضب فلا أبالي).
روي أن الحجاج أراد قتل الحسن البصري فاستدعاه ، والحجاج كان حاكما ظالما اشتهر ببطشه ومظالمه التي لا تحصى. فدخل الحسن على الحجاج ، وكان السياف واقفاً ينتظر الأمر، وكان الحسن يحرك شفتيه بذكر الله. وبدلا من أن يشير الحجاج لسيافه بقطع رقبة الحسن، إذا بالحجاج قد وقف له واستقبله وأجلسه إلى جانبه على السرير وقال له : يا أبا سعيد أنت سيّد العلماء ثم استفتاه في قضية ، وطلب الدعاء منه ، وعطَّره ووصله إلى باب القصر ، فصُعِق السياف والحاجب ، فلحقاه ، وقالا له : لقد أُتِي بك لغير ما فُعِل بك ، فماذا قلت لربك ؟ قال قلتُ (اللهم اجعل نقمته عليّ بردا وسلاماً كما جعلت النار برداً وسلاماً على إبراهيم).
لو كان عندك أولاد، وتغشتك رحمة الله صار هؤلاء الأولاد قرة عين لك، ونعمة عظيمة وسعادة تملأ قلبك كلما نظرت إليهم، ويهفو قلبك إليهم لو غابوا عنك، ثم ترى من أدبهم وطاعتهم وبرهم ما يغمرك بسعادة لا تشترى بمال الأرض. ولو سلبت منك رحمة الله تحول الأولاد إلى شقاء ونكد وهم بالليل وتعب بالنهار، وقد رأينا أمثلة في حياتنا لرجال تعتصر نفوسهم ألما وعيونهم بكاء على ولد لهم حول حياتهم إلى جحيم. ولو كان عندك مال وتغشتك رحمة الله، أعانك هذا المال على طاعة الله ورأيت البركة في وجوه إنفاقه ورأيته سببا لألفة قلوب من حولك ومحبة من تحسن إليهم، ورأيت أن كل ما تنفقه يُخلف عليك بغيره أكثر وأنفع، وأحسست أنك حقيقة لست مالك هذا المال وإنما أنت مستخلف ووكيل في إنفاقه، فلا تغتر به ولا تركن إليه. ولو سلبت منك رحمة الله، تحول المال في يديك إلى نقمة عليك يطغيك ويغريك بالمعاصي، ويورثك كبرا على من حولك، وتجد به الحسد والبغض في نفوس من يعرفونك، ولا تنفقه في وجه إلا رأيت دماره عليك بشكل من الأشكال، وهذا كله بخلاف رصيد مفزع في الآخرة لهذا المال المحروم من رحمة الله.
ولو كنت في وظيفة مرموقة أو منصب مؤثر وأفاض الله عليك من رحمته، فإن وظيفتك ومنصبك يصير نعمة عليك وعلى من حولك تقضي به حوائج الناس وترعى مصالحهم ويأتمنونك على مشاكلهم ويضعون ثقتهم فيك، وإلا صار هذا المنصب أنانية ومطمعا شخصيا وربما أدى إلى فساد ونهب.
وفي الجهة المقابلة، فإن أي ضيق أو نقص مع رحمة الله يتحول إلى سعادة وفرج ورضا. المريض إذا تغشته رحمة الله، صبر واحتسب، واختلط في إحساسه مرارة المرض بحلاوة الرضا واحتساب الأجر وشعر أن انتظار الفرج عبادة. والمواطن البسيط الذي رزق مسكنا ضيقا وراتبا محدودا وأعباء عائلية، لو تغشته رحمة الله أحس برحابة مسكنه، ونام في فراشه البسيط ملآ عينيه كأنه افترش الحرير، ونزلت السكينة على أهل بيته فلا ضجر ولا تسخط ولا شقاء، وربما قرت عينه وهو يرى أولاده وقد تحلوا بدقة الفهم وأدب الطاعة وجمال البر. وتراه مع ضيق ذات اليد يستعلي على الحرام وله نفس عفيفة شريفه، يحسبه الجاهل بأمره غنيا من التعفف.
رحمة الله ليست بالضرورة أشياء تقع من حولنا أو أحداثا معينة تتغير بها صورة الحياة، ولكنها فد تكون تغييرا هائلا في إحساسنا الداخلي – ونحن في مكاننا لم نبرحه – تجاه حياتنا، فتتسرب إلى نفوسنا وتعطينا ثقة لا تنتهي بحكمة الله وقدرته وهيمنته، فنطمأن إلى جنابه تبارك وتعالى. هذه الرحمة التي تصب في قلب العبد، أحسها إبراهيم عليه السلام وهو يقذف في النار، وحتى قبل أن يجد النار من حوله قد أصبحت بردا وسلاما. وهذه الرحمة باشرت موسى رضيعا وهو في صندوق تتقاذفه مياه النيل تأخذه بعيدا عن حضن أمه وقريبا إلى عدوه وعدوها. ونفس الرحمة تغشت قلوب سحرة موسى، فإذا هم يجيبون تهديدات فرعون ووعيده باطمئنان عجيب وهم يقولون (لا ضير ... إنا إلى ربنا منقلبون)، وهم لا يعرفون بالضبط ما الذي سيقع لهم في اللحظة التالية. وهي أيضا نفس الرحمة وآثارها الرائعة التي ذاقها نبينا صلى الله عليه وسلم وهو يواجه تكذيب قريش ورحيل عمه أبي طالب وزوجه خديجة، ويلاقي تكذيب واستهزاء أهل الطائف بعد أن حاول أن يجد في بلادهم مخرجا ونصرة، وأمام كل هذا البلاء، تتنزل الرحمة على قلبه الشريف فيأنس إليها، ويردد مناجيا ربه (إن لم يكن بك علي غضب فلا أبالي).
روي أن الحجاج أراد قتل الحسن البصري فاستدعاه ، والحجاج كان حاكما ظالما اشتهر ببطشه ومظالمه التي لا تحصى. فدخل الحسن على الحجاج ، وكان السياف واقفاً ينتظر الأمر، وكان الحسن يحرك شفتيه بذكر الله. وبدلا من أن يشير الحجاج لسيافه بقطع رقبة الحسن، إذا بالحجاج قد وقف له واستقبله وأجلسه إلى جانبه على السرير وقال له : يا أبا سعيد أنت سيّد العلماء ثم استفتاه في قضية ، وطلب الدعاء منه ، وعطَّره ووصله إلى باب القصر ، فصُعِق السياف والحاجب ، فلحقاه ، وقالا له : لقد أُتِي بك لغير ما فُعِل بك ، فماذا قلت لربك ؟ قال قلتُ (اللهم اجعل نقمته عليّ بردا وسلاماً كما جعلت النار برداً وسلاماً على إبراهيم).