قدرة الإنسان على الإعتذار هى أحد أنواع الفنون البشرية التى لا يتمتع بها الكثيرون،
نعم فهى مقدرة تتطلب علماً وثقافة وأدباً وذوقاً وحلماً ورشداً وفكراً سديداً،
ليس من السهل أن يعترف كل إنسان بخطئه ويعتذر عنه لمن كان ضحية لخطئه فهو أمر جد كبير وجد عظيم وجد جميل،
كبير لأنه إنتصار على النفس الأمارة بالسوء والتى تأمر صاحبها بالتعالى وعدم الإعتراف بالخطأ، وعظيم لأنه إنهزام أمام شهوات الدنيا وبريقها الأخاذ وألوانها الزاهية المغرية،
وجميل لأنه إرتفاع إلى مرتبة التواضع التى تجعل من الصغير كبيراً ومن المجهول معلوماً ومن المنسى مذكوراً.
فن الإعتذار هو قيمة عالية من قيم الإنسان الراقى المثقف، فهو بمنطقه الفذ ولغته السامية يستطيع أن يعتذر لضحيته دون أن يتنازل عن شىء من كرامته وفى نفس اللحظة يشعر من أمامه بالرضا والتشبع والراحة النفسية،
ولو بادر كل مسىء لإرضاء ضحية الإساءة لانصلح كثير من الأحوال ونجح كثير من الأعمال، وماتت الأحقاد واندثرت الضغائن،
ولكن الواقع هو أن الكثيرين تأخذهم العزة بالإثم فلا يعتذرون ولا يريحون ضحاياهم بكلمة ود ولحظة صفاء تمحو بيدها الحنون آثار الألم الذى ألمّ بهم جراء إلإعتداء عليهم يكون من أهم نتائجها زرع الحقد فى النفس وبث الكره فى القلب،
وهى أمور كريهة كان من الممكن تلافيها بكلمة حب وتبرير حكيم لما بدر وشرح صادق لما صدر.
يصبح الإعتذار وساماً على صدر صاحبه ودليلاً على طيبة قلبه وسلامة نيته ونبل قصده،
ويصير الإعتذار أكبر وأعظم حين يأتى من قوى لضعيف ومن غنى لفقير ومن رئيس لمرؤس ومن قائد لجندى ومن أستاذ لتلميذ،
يصبح هنا الإعتذار فناً حقيقياً ونبراساً جلياً، فإذا حدث هذا واعتذر القوى للضعيف فإنه يصنع من ضعف الأخير قوة ومن فقره غنى ومن إحساسه بالنقص إحساساً بالكمال،
فيكون له عند مالك الملك أعظم الأجر وأحسن الثواب.
فكم يحقن الإعتذار الدماء وكم يطيّب النفوس وكم يشفى الغليل،
وبدون الإعتذار يظل الحدث عالقاً فى القلب محتقناً فى الصدر ويود المعتدى عليه أن يسترد حقه حتى ولو بعد حين.
فلماذا لا يتعلم الناس فن الإعتذار؟
ولماذا لا يتواضعون ويعترفون بأخطائهم؟
ولماذا لايقدمون الإعتذار المناسب قبل فوات الوقت؟