السؤال
أنا أمارس تعاليم الدين، وأحترم الإسلام، ولا أشرب الخمر، وأصوم، وأقوم بأداء الصلوات، ولدي أطفال، ولكني أكذب دائما في العمل، من أجل الستر على أشياء أو تزيينها. وأنا دائما أفكر في ترك هذه الصفة الذميمة ولكني لم أستطع. فأرشدوني ماذا أفعل؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
بعد الاطلاع على استشارتك يتضح لي أن هناك صفات إيجابية تتحلى بها شخصيتك، وذلك في ممارسة تعاليم ديننا الإسلامي، كأداء الصلوات، والصيام، وعدم شرب ما نهى الله عنه (الخمر)، وتلك الصفات تدل على داخلك؛ ذلك النبع الصافي والنقي، ولكن هذا النقاء تظهر به يرقة سوداء تنمو وتكبر وتتكاثر، حيث تلفت انتباه الناظرين لذلك النبع حتى يؤدي بهم إلى الابتعاد عنه ومغادرته، وتلك اليرقة هي صفة (الكذب).
إن ديننا الإسلامي الحنيف لم يحثنا على أداء العبادات وممارسة التشريعات فقط، إنما حثنا على مكارم الأخلاق وتهذيبها بين الناس.
فالكذب هو ما يخالف الحقيقة من أجل تحقيق مصلحة لمن يمارسه، وقد ورد في القرآن الكريم النهي عنه بقوله تعالى: "إنما يفتري الكذب الذين لا يؤمنون بآيات الله وأولئك هم الكاذبون" [النحل:105].
وفي السنة المطهرة: "آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا عاهد غدر" رواه الشيخان. وفي رواية لمسلم: "وإن صلى وصام وزعم أنه مسلم". وفي حديث آخر "أربع من كن فيه كان منافقاً خالصاً، ومن كانت فيه خصلة منهن، كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها: إذا أؤتمن خان، وإذا حدث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر".
وقد قال ابن القيم في مدارج السالكين: "زرع النفاق ينبت على ساقيتين، ساقية الكذب وساقية الرياء".
وبعد هذه الأدلة أورد لك ما ينتج عن الكذب من سوء للسمعة بين الناس، وانعدام الثقة من الآخرين في الرجل الكاذب، علاوة على ذلك عدم قبول شهادته، أو تصديقه في المواعيد والعهود، فضلاً عن ذلك أن الكذب لا يصل تأثيره على الشخص الكاذب فحسب، وإنما ينتقل إلى المحيطين به، فقد يكذب الأطفال تحت تأثير التقليد من الكبار، ومن المتوقع أن يكذب الطفل إذا كان أبواه كاذبين، فهل ترضى بأن يكون أبناؤك يتحلون بتلك الصفة؟؟؟
روى البخاري ومسلم من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (عليكم بالصدق، فان الصدق يهدي الى البر، وان البر يهدي الى الجنة، ولا يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقا، واياكم والكذب، فان الكذب يهدي الى الفجور، وان الفجور يهدي الى النار، وان الرجل ليكذب، ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابا).
نلخص الحديث بالقول أن للكذب عواقب أخروية وأخرى دنيوية
إليك بعض النصائح التي آمل من الله عز وجل أن تصل قلبك، ويعمل بها عقلك، وذلك فيما يلي:
1- تذكَّر قوله تعالى: "ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد" [ق:18]. ولذا فإن أقوالنا الصادقة هي منجاة من سخط الله عز وجل، ورضا منه سبحانه.
2- ما الداعي لممارسة هذه الصفة الذميمة!! وإن حصلت على ما تريد من خلالها، فهل سترضى على نفسك بذلك!! فالأولى لك أن تتألم لأجل الصدق من أن تكافأ لأجل الكذب.
3- تخّيل أسوأ شيء ممكن أن يحدث لو أنك قلت الحقيقة، ويكون ذلك بينك و بين نفسك، بعدها سيسهل عليك مواجهة الآخرين.
4- إن الكذب صفة مكتسبة، فابحث بداخلك عن أسبابها، و كيف نفذت إلى قلبك، وبذلك تقطع الطريق، وتستعد لطريق الصدق بالمجاهدة، واستعن على نفسك بكل ما يغلبها كوضع جدول للمتابعة، أو خطة، أو كتابة آية، أو حديث يرهبك و يذكرك بعظم فعلك عندما تكذب.
5- اعلم أخي أن صفة الكذب تلازم الشخص متى ذكر اسمه بين الناس، فعندما يمدح الناس شخصاً فقليلون يصدقون ذلك، وعندما يذمونه فالجميع يصدقون ذلك.
6- اعلم أخي أن حبل الكذب قصير مهما طال، ولا أظن أن هناك أسوأ من أن ترى نظرات الشك والريبة في عيون محدثيك كلما خاطبتهم أو أسررت لهم قولا، (أهلك، أصدقاؤك، زوجتك، أولادك) 7- عليك أن تكون صادقاً مع نفسك أولاً حتى يحصل لك التغيير، فليس الشجاع من يعترف بالخطأ، ولكن من لا يكرره.
8- عليك بالدعاء لله عز وجل بالتخلص من الكذب، فإن الدعاء بمثابة العلاج النفسي الذي يساعد القلب على ممارسة الصدق.
9- أن الصدق مع الله عز وجل كفيل بأن يظهره على عبده أمام الآخرين.
وفقك الله وثبتك