يقول عز وجل : ــ" إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا وعلى ربهم يتوكلون. الذين يقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون. أولئك هم المؤمنون حقا لهم درجات عند ربهم ومغفرة ورزق كريم
في هذه الآيات الكريمات من سورة الأنفال يتحدث الحق سبحانه عن صفات وخصائص المؤمنين الصادقين ويبشرهم بأعلى الدرجات، حيث قال سبحانه في
صفتهم الأولى: “إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم”، والمعنى: إنما المؤمنون الصادقون الذين إذا ذكر اسم الله وذكرت صفاته أمامهم خافت قلوبهم وفزعت استعظاما لجلاله وتهيبا من سلطانه، وحذرا من عقابه، ورغبة في ثوابه، وذلك لقوة إيمانهم، وصفاء نفوسهم، وشدة مراقبتهم لله عز وجل ووقوفهم عند أمره.
والصفة الثانية من صفات هؤلاء المؤمنين الصادقين عبر عنها الحق سبحانه بقوله: “وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا” أي إن من صفات هؤلاء المؤمنين أنهم إذا قرئت عليهم آيات الله أي حججه وهي القرآن زادتهم إيمانا أي زادتهم قوة في التصديق ، ورسوخا في اليقين، ونشاطا في الأعمال الصالحة وسعة في العلم والمعرفة.
التوكل على الله
والصفة الثالثة من صفات هؤلاء المؤمنين الصادقين أنهم “وعلى ربهم يتوكلون” أي أن من صفاتهم أنهم يعتمدون على ربهم الذي خلقهم بقدرته وربّاهم بنعمته، فيفوضون أمورهم كلها إليه وحده، لا إلى أحد سواه.
يقول الإمام ابن كثير في تفسيره لهذه الآية: “وعلى ربهم يتوكلون” إنهم لا يرجون سواه ولا يقصدون إلا إياه، ولا يلوذون إلا بجنابه، ولا يطلبون الحوائج إلا منه، ولا يرغبون إلا إليه، ويعلمون أنه ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، وأنه المتصرف في الملك لا شريك له، ولا معقب لحكمه وهو سريع الحساب، ولهذا قال سعيد بن جبير: “التوكل على الله جماع الإيمان”.
والتوكل على الله كما يؤكد العلماء لا ينافي الأخذ بالأسباب التي شرعها سبحانه، بل إن الأخذ بالأسباب التي شرعها الله وأمر بها لبلوغ الغايات هو أبرز دليل على قوة الإيمان وعلى حسن طاعته سبحانه في ما شرعه وفي ما أمر به.
وليس من الإيمان ولا من العقل ولا من التوكل على الله أن ينتظر الإنسان ثمارا من دون غرس أو شبعا من دون أكل، أو نجاحا دون جهد، أو ثوابا من دون عمل صالح، إنما المؤمن العاقل المتوكل على الله هو الذي يباشر الأسباب التي شرعها الله لبلوغ الأهداف، ثم بعد ذلك يترك النتائج له سبحانه يسيرها كيف يشاء حسب ما يريد.
ساجدون منفقون
أما الصفتان الرابعة والخامسة من صفات هؤلاء المؤمنين، فهما في قوله سبحانه “الذين يقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون”.
والمراد بإقامة الصلاة: أداؤها في مواقيتها مستوفية أركانها وشروطها وآدابها وخشوعها، لأن الشأن في صلاة المؤمنين أن تكون إحساسا عميقا بالوقوف بين يدي الله، وانقطاعا تاما لمناجاته، وتمثلا حيا لجلاله وكبريائه واستغراقا كاملا في دعائه.
والمراد بقوله “ينفقون”: يخرجون ويبذلون من الإنفاق، وهو إخراج المال وبذله وصرفه، وأنهم يبذلون أموالهم للفقراء والمحتاجين بسماحة نفس وسخاء يد، استجابة لتعاليم دينهم.
وهكذا نرى الحق سبحانه وتعالى قد وصف هؤلاء المؤمنين بخمس صفات: الأولى والثانية والثالثة منها ترجع إلى العبادات القلبية التي تدل على شدة خشيتهم من ربهم، وقوة تأثرهم بآيات خالقهم، واعتمادهم عليه سبحانه وحده لا على أحد سواه.
والصفة الرابعة ترجع إلى العبادات البدنية وهي إقامة الصلاة بإخلاص وخشوع أما الصفة الخامسة فترجع إلى العبادات، وهي إنفاق المال في سبيل الله، ولا شك أن هذه الصفات متى تمكنت في النفس كان صاحبها أهلا لمحبة الله ورضوانه، ولذا مدح الحق أصحاب هذه الصفات وبين ما أعده لهم من ثواب جزيل فقال: “أولئك هم المؤمنون حقا لهم درجات عند ربهم ومغفرة ورزق كريم”.
أي أن أولئك المتصفين بتلك الصفات الكريمة هم المؤمنون إيمانا حقا “لهم درجات” عالية ومكانة سامية “عند ربهم” ولهم “مغفرة” شاملة لما فرط منهم من ذنوب، ولهم “رزق كريم” في الجنة يجعلهم يحيون فيها حياة طيبة. اللهم أجعلنا جميعاً منهم يارب العالمين .
منقول