حقيقة الدولة العبيـــدية
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره . ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا . من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله . أما بعد,,, فإن الله تعالى قضى بالابتلاء ، وابتلاء هذه الأمة بأمور متعددة تمحيصاً واختباراً وتمييزاً لأهل الجنة عن أهل النار . وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم ببعض هذه الابتلاءات ومن ذلك التغيّر الكبير الذي سيطرأ عليها بعد وفاة نبيها ، وأخبرهم أنه من يعيش منهم من بعده فسيرى اختلافاً كثيرا . وكذلك أخبر بالتفرق الذي سيحصل في الأمة ، قال : وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة . وأخبر أنها جميعاً في النار إلا واحدة وهي التي تتبع ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه . حذّرنا من محدثات الأمور في مواجهة هذا الابتلاء وقال : عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي . أوصانا أن نعضّ عليها بالنواجذ وأخبرنا بأن كل بدعةٍ ضلالة وكل ضلالة في النار . وبيّن الله لنا سبيل الحق في كتابه . وقال : {وكذلك نفصل الآيات ولتستبين سبيل المجرمين} ومن هؤلاء أهل البدع . من الدين كشف الستر عن كل كاذب وعن كل بدعي أتى بالعجائب . فقيّض الله لهذه الأمة من يكشف الحق ويبينه للناس . {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ}(آل عمران: من الآية187) . وكان من الفرق الخطيرة جداً إن لم تكن هي أخطر الفرق على الإطلاق التي ابتليت بها هذه الأمة ولا تزال ترزح تحت الابتلاء بها فرقة الباطنية بشتّى أنواعها . سُمّوا بذلك لأنهم يظهرون بشيءٍ ويبطنون آخر ، ويزعمون أن لنصوص من الكتاب والسنة ظاهراً وباطناً . دينهم مختلفٌ عن دين الإسلام بل هو متناقضات ، فهي طائفةٌ مخذولة وفئة مرذولة ومأوى لكل من أراد هدم الإسلام ، وكانوا أعوان اليهود والنصارى والمشركين والذين جاؤوا لغزو المسملين ، وكذلك فإنهم في عددٍ من بلدان العالم الإسلامي قد أقاموا لهم كياناتٍ في القديم والحديث . وينادي بعض الضلال في هذا الزمن بإعادة مجد العبيديين والدولة الفاطمية.
عباد الله! لقد كان هؤلاء الباطنية في تاريخ الإسلام عيباً وشناراً وعاراً على أهل الإسلام . لقد كانوا نصراء لكل ملحدٍ ويهودي ونصراني صليبي ممن غزوا بلاد الإسلام أو طغوا في البلاد فأكثروا فيها الفساد . وقد بدأ هؤلاء العبيديون الذين تسموا بالفاطميين زوراً دعوتهم في بلاد المغرب ، و اعتنق ذلك كثيرٌ من البربر ، حتى إن كثيراً من وزراء الأغالبة في شمال أفريقية كانوا على مذهبهم ، فقد تسللوا إلى دولة الأغالبة ، وكان من أبرز دعاتهم رجلٌ من بلاد اليمن في الأصل له من ضروب الحيل ما لا يحصى ، بدأ بنشر دعوتهم في بلاد المغرب ، ثم بسط نفوذهم في بلاد أفريقية , فوقعت في يده بلاد عديدة . وأعلن الفاطميون قيام دولتهم سنة مائتين وست وتسعين للهجرة إثر تغلبهم على الأغالبة في موقعة الأربذ . ثم اتجهت أنظارهم إلى مصر لوفرة ثرواتها وقربها من بلاد المشرق وأرادوا إقامة دولةٍ مستقلةٍ تنافس الخلافة السنّية العباسية في بغداد ، فوجهوا أكثر من حملة للاستيلاء على مصر . وفي سنة ثلاثمائة وثمان وخمسين عهد الخليفة العبيدي إلى جوهر الصقلّي قائد جيوشه كتاباً بالأمان وفيه أن يظل المصريون على مذهبهم ولا يلزموا بالتحول للمذهب الباطني ، وأن يجري الأذان والصلاة وصيام رمضان وفطر رمضان والزكاة والحج والجهاد على ما ورد في كتاب الله ورسوله . ولم يكن كتاب جوهر لأهل مصر إلا مجرد مهادنة ، وعندما وصل المعز الفاطمي إلى القاهرة سنة ثلاثمائة واثنين وستين ركز اهتمامه على تحويل أهلها إلى المذهب الباطني . واتبع الباطنيون العبدييون في ذلك طرقاً منها : إسناد المناصب العليا وخاصة القضاء لأهل مذهبهم ، واتخاذ المساجد الكبيرة مراكزاً للدعاية لهم كالأزهر وجامع عمرو ومسجد أحمد بن طولون وأمعنوا في إظهار شعائرهم المخالفة لأهل السنة في الأذان والاحتفال بالعاشر من محرم وهم أول من ابتدع عيد المولد النبوي ، وقد صنف العلماء في بيان حقيقتهم كما تقدم وصنف الباقلاني كتابه "كشف الأسرار وهتك الأستار" في بيان فضائحهم . فما هي إنجازات هؤلاء العبيديين الذين تسموا بالفاطميين؟
يتبع إن شاء الله