صَرْخةٌ .. في مطعم الجامعة !!
20/4/1426هـ
20/4/1426هـ
د.محمد بن عبدالرحمن العريفي
مدخل
في جزيرة الكنز لم تكن سارة تختلف كثيراً عن بنات جنسها .. وجه جميل .. وقوام رائع .. وطلعة بهية .. منذ صغرها كانت متميزة .. وكانت أمها حريصة على أن تتميز في كل شيء .. كانت غالية على قلبها .. تخاف عليها من نسمات الهواء ..
ولم تكن الأوضاع في جزيرة الكنز تختلف كثيراً عن الأوضاع في كثير من بلاد المسلمين .. فإذا سرت في الشارع .. رأيت المساجد شاهقة المآذن .. ووجوه المسلمين المشرقة تملأ الشوارع بهجة وجمالاً ..
كانت قلوب الرجال مليئة غيرة ومروءة .. فلم يكن أحد يجرؤ أن يلطخ سمعته بالتعرض لامرأة في طريق أو حافلة .. وكانت النساء كذلك يلفهن غطاء الحياء .. وينشأن عليه ..
كانت أكثر النساء يلتزمن الحجاب الشرعي .. يحمين أنفسهن من النظرات الزائغة .. والأيدي الطويلة .. والأرقام المشبوهة .. والكلمات الجارحة ..
كان في الجزيرة عالم مشهور يحبه الناس كباراً وصغاراً .. يحبه الملوك والأمراء .. والكبراء والوزراء ..
كان قد أوتي من القبول ما يجعل الجميع يصدرون عن رأيه .. ولا يخالفون قوله ..
كان عالماً ورعاً جليلاً .. يمضي ليله ونهاره فيما يقربه إلى من في السماء جل جلاله ..
في جزيرة الكنز .. لو قدر لك أن تفتح التلفاز .. لما رأيت مغنية تشدوا : يا ليل يا عين !! ولا رأيت فيديو كليب يتمايل فيها مطرب راقص قد أسدل شعرات ناعمة على عينيه ونمص حاجبيه وحَقَنَ " السيليكون " في شفتيه !! لا .. لا ترى ذلك في تلفاز جزيرة الكنز .. بل حتى الدعايات التلفازية لا تكاد ترى فيها امرأة !! لا متبرجة ولا غيرها ..
كانت الحياة في جزيرة الكنز جميلة وادعة ..
لم يكن الناس يختلفون في مسائل الدين .. كان العالم إذا أفتى قبل الناس فتواه وانساقوا إليها راضين .. وخطيب الجمعة إذا وجه .. تلقى المصلون توجيهه بالقبول .. والداعية إذا وعظ .. تأثر الناس وأصلحوا أحوالهم ..
لم يكن يصل إلى هذه الصفوة من الناس أي تأثير خارجي .. إلا دعوات خافتة تنبعث من أفواه من تشربوا بأسلوب حياة آخر .. وفكر عدو !!
نعم كانت بعض الوسائل الإعلامية تؤثر على استحياء لزرع الفساد .. من خلال مجلة فاسدة .. أو قنوات ماجنة .. لكن تأثيرها كان قليلاُ .. أو قل : كان سطحياً ..
مرت السنوات .. وتطورت وسائل الاتصال .. وصار يصل إلى الناس في جزيرة الكنز بث فضائي مباشر .. ينقل إلى أهلها الوادعين العفيفين .. ثقافات أقوام لا يحكمهم دين ولا عرف ولا مروءة ..
بدأ أصحاب الجزيرة يشاهدون قوماً يعيشون كالبهائم .. بل هم أضل !!
أكل وشرب ونوم .. لا صلاة ولا صيام ولا غض بصر ولا حفظ فرج ..
بدأت النساء العفيفات في جزيرة الكنز يرين نساءً لم يكتفين بالسفور عن وجوههن بل سفرن عن سوقهن وأفخاذهن .. بل وربما في بعض الأحيان سفرن عن غير ذلك ..
كان ذاك العالم الجليل يصرخ بقومه : اتقوا الله .. غضوا أبصاركم عن هؤلاء .. احذروا من تقليدهم .. تمسكوا بدينكم ..
كان يركز على النساء أكثر .. لا تهتكي حجابك .. هو والله عزك .. أنت جوهرة لا ينبغي لكل أحد أن ينظر إليك .. أنت ملكة .. أنت أمنا وأختنا وابنتنا .. أنت ..
كان – رحمه الله – يمسك بحجزهم عن السقوط في الهاوية ..
وكان غيره من العلماء يفعلون ذلك .. من خلال أحاديث إذاعية .. ولقاءات تلفازية .. وخطب جمعة .. وكتب وأشرطة ..
يخافون أن تنخرق السفينة .. فتغرق ..
كان الناس يتقبلون منهم .. ويحبونهم ..
مرت السنوات .. ولحق ذاك العالم بربه .. ومات آخر .. وثالث .. ورابع ..
وبقي العلماء الأحياء يكملون المسيرة المباركة .. ويحرسون السفينة من الغرق ..
ظل الأعداء يصرخون .. أيها الناس التفتوا إلينا .. نحن في متعة وسرور .. الشاب بجانب الفتاة .. وهي تتمتع بتكشفها !! في كل مكان .. انظروا إليها بـ " البكيني " على شاطئ البحر !! تتمتع بالجو الجميل .. وأشعة الشمس تداعب جلد فخذيها !! انظروا إليها في الطائرة تتمتع بحريتها فتخدم المسافرين .. انظروا إليها في مطاعمنا .. تبرز مفاتنها .. وتخدم الزبائن .. انظروا إليها في ..
كانت هذه الدعوات الماجنة تصل إلى النساء في جزيرة الكنز .. لكنها لا تلقى قبولاً ..
لأن الذين أطلقوها أغبياء .. لا يعلمون من أين تؤكل الكتف ..
فنساء عفيفات طاهرات محصنات .. تربت الواحدة منهن منذ أن كانت في مهدها على أن لا تبدي زينتها للرجال .. ولو خرج طرف أصبعها لرجل أجنبي عنها .. لضاق صدرها .. واضطرب مزاجها .. فكيف بالله تريدونها أن تخرج وجهها أو ترمي عنها عباءتها .. أووووه يا للهول !!
تكسير الموجة
رأى الأعداء أن أساليبهم للإفساد ونزع الحجاب لم تنجح .. فأدركوا أن مواجهة التيار لا تفيد .. فعمدوا إلى سياسة تكسير الموجة !! تدري ما تكسير الموجة !! أي تفكيك حزمة العيدان وكسر كل عود على حدة ..
نظروا فإذا عباءات النساء واسعة ساترة .. إذا مشت فيها المرأة لم يكتشف أحد زينتها .. فقالوا لها : نحن لا نقول لك : انزعي عباءتك !!.. لا .. لا .. حرااام ..
ولكن جددي في موديل عباءتك ..
فبدأ مصممو الأزياء يخترعون أشكالاً للعباءة أضيق من العباءة الساترة .. فأعجبت بها مجموعة من النساء ولبسنها .. فهي على كل حال عباءة !! لبستها بعض النساء .. فصارت العباءة كأنها فستان تزداد به زينة وجاذبية .. فبدل أن كانت العباءة تلبس لستر الزينة صارت هي في نفسها زينة ..
استبشر الأعداء وشعروا أن الموجة بدأت تتكسر ..
فاخترعوا عباءات تلبس على الكتفين .. فانطلق وراءها جماعات من النساء ..
فاستبشروا ..
ثم عباءات تربط من الجنب ..
ثم عباءات ضيقة جداً تبرز مفاتن المرأة ..
ثم ..
حتى صارت المرأة بهذه العباءات تلفت النظر أكثر مما لو نزعت العباءة!!
بدأ المجتمع يضطرب .. والسفينة تتهاوى للغرق .. فلم يسكت المصلحون .. أصدر العلماء الفتاوى .. واهتزت المنابر بالخطب الرنانة .. وانطلق الدعاة يعظون وينصحون ..
وخوفوا لابسة هذه العباءات من عاقبة فعلها .. وأنها بذلك تبرز زينتها التي أمر الله بسترها ..
وكان التحريم في هذه العباءات الضيقة والشفافة المبرزة لمفاتن المرأة واضحاً لكل عاقل .. فبدأ يقل وينحسر .. وبدأت النساء تعود إلى العباءات الساترة .. وإن كان لا يزال يوجد أعداد من النساء يتساهلن بلبس هذه الأشكال من العباءات ..
إلا أن هذه الأعداد من النساء تبقى قليلة في المجتمع .. ويشعرن بخطئهن دائماً ..
أدرك الأعداء ذلك .. ورأوا أنهم يتعبون لإفساد الحجاب .. وزرع الاختلاط .. ويمضون في ذلك السنة والسنتين .. فإذا تأثرت بذلك ألف امرأة .. وفرحوا بهذا الإنجاز .. أقبل داعية ناصح مفوّه فتلا عليهن الآيات وسرد الأحاديث .. فتبن كلهن في لحظة واحدة ..
فإذا رأى المفسدون النساء التائبات .. عضوا أصابعهم وتهامسوا : ياااا خساااارة ..!!
نعم عرفوا أن الدين متمكن من القلوب .. وأن المسلمة وإن تساهلت يوماً فتكشفت إلا أنها سرعان ما تعود .. فمعدنها ذهب خالص .. بأدنى مسحة بيد رقيقة .. يذهب عنه الغبار .. ويعود إلى بريقه ولمعانه ..
وبعد تفكير طوييييل ..
جاءت الطامة .!!
المسألة فيها خلاف !!
بدأ المفسدون يقلبون صفحات التاريخ .. وينظرون كيف مات الحجاب في بلاد المسلمين الأخرى .. فرأوا أنه بدأ بالدعوة إلى كشف الوجه .. ثم لما انتشر ذلك وأصبح أمراً عادياً .. بدأ الوجه يصبغ بأنواع الزينة .. ثم أصبح الحجاب يتلون بألوان زاهية .. فصار الوجه أجمل .. ثم صار قماش الحجاب مزركشاً مزيناً بصور الورود .. فازداد الوجه بهاءً .. ثم بدأ الحجاب يتسع فظهرت الجبهة كاملة .. ثم أطراف الشعر .. ثم ..
فبدؤوا في تطبيق هذه الخطة في جزيرة الكنز ..
كانت النساء في جزيرة الكنز يسترن وجوههن ..
فظهر لهن من خلال القنوات الفضائية ووسائل الإعلام الأخرى من صحف ومجلات من يقول لهن : أصلاً تغطية الوجه غير واجب !! وأن المرأة يجوز لها أن تكشف وجهها !! وهناك علماء يفتون بجواز كشف الوجه !! والمسألة فيها خلاف !!
ثم ظهر من أفتى النساء العفيفات المحصنات بجواز إلقاء الحجاب عن وجوههن .. والخروج إلى الشوارع والأسواق سافرات عنه محاسن وجوههن .. فمن نظر إليها تمتع بجمال خديها .. وسحر عينيها .. ونعومة شفتيها .. ودلال بسمتها .. كل ذلك جائز على اعتبار أن كشف الوجه جائز !! ولا يدخل في قوله تعالى " ولا يبدين زينتهن " !!
ما علينا ..
كانت سارة من بين النساء اللاتي تسلط عليهن هذه السهام .. لكنها كانت بعيدة عن التساهل بحجابها .. سعيدة بعباءتها .. تمشي بين الناس ملكة في عرشها .. الكل معجب بقوة شخصيتها وثباتها ..
في كل صباح تزدحم الشوارع بالناس .. ومن بينهم ترى أخوات مسلمات .. لكنهن متساهلات بالحجاب .. وقد حسرت مجموعات منهن عن محاسن وجوههن ..
كانت سارة تمر بهذه المناظر وهي ذاهبة إلى مكان دراستها .. لكنها كانت مع عدد كبير من الطالبات ترتدي حجاباً يغطي وجهها وبقية جسدها .. كانت بعض الطالبات يكشفن عن وجوههن .. وبعضهن يرتدين عباءات كالفساتين .. وكان عدد من الشباب يتجمهرون عند رؤية الطالبات .. ليصطادوا من تقع في شباكهم ..
وكانت سارة تلاحظ أنها تمر أمامهم .. وهي بكامل حجابها .. فلا يجرؤ أحد أن يلقي عليها رقم هاتفه .. أو يسمعها كلمة جارحة .. كانت عليها جلالة ومهابة .. وكأن الملائكة تحرسها من كل جانب ..
--------------------------------------------------------------------------------
في المستشفى!!
كانت أم سارة حاملاً في الشهر التاسع .. والبيت كله يترقب مقدم هذا الضيف الصغير إلى الدنيا ..
اشتاق هذا الجنين إلى الدنيا .. وتحرك دافعاً الرحم من حوله .. أحست أم سارة بآلام المخاض .. وصلت للمستشفى .. وولدت غلاماً جميلاً أسموه خالد ..
الجميع فرح بمقدمه ..
وفي المساء ذهبت سارة مع أبيها لزيارة أمها ..
كان الزائر المعافى الذي يدخل المستشفى يتحسس تاج الصحة فوق رأسه الذي لا يكاد يراه إلا المرضى .. المرضى يملئون الغرف .. هذا مصاب بحادث .. وذاك بمرض في القلب ..
وهذه امرأة نفساء .. وتلك عندها أمراض في الرحم ..
دخلت سارة على أمها .. واطمأنت عليها ..
كانت في الغرفة مع أمها أربع نساء كلهن والدات ..
لمحت سارة من بين الزائرات فتاة وقوراً .. يبدو عليها الذكاء والأدب .. قد لبست عباءة فضفاضة .. غير مزينة .. ولا مزركشة .. لكنها كشفت وجهها .. فبدا كالقمر ليلة البدر .. يراه الأطباء والممرضون والزوار ..
جعلت سارة تتعجب .. كيف تبدي زينتها!! والله يقول " ولا يبدين زينتهن"!!
كانت سارة جريئة بأدب .. أقبلت إليها وسلمت عليها بلطف .. وعرفت أن اسمها أريج .. ثم اكتشفت أنها جاءت زائرة لأختها الوالدة .. فدعت لهم جميعاً بالبركة والتوفيق .. ثم استأذنتها قائلة : لي معك حديث خاص .. هل يمكن أن نجلس في غرفة الاستراحة المجاورة ..
جلست الفتاتان جلسة هادئة .. دارت فيها أحاديث مختصرة .. اكتشفت خلالها سارة أن أريج كثيرة القراءة في الكتب الداعية إلى التبرج والسفور باسم : تحرير المرأة .. وكأن المرأة رقيقة مملوكة تحتاج لمن يحررها ..
كانت معلومات سارة لا بأس بها .. مما شجعها إلى فتح نقاش طويل مع أريج ..
بين سارة وأريج
قالت سارة : تعلمين يا أريج أن الله تعالى خلق الرجل والمرأة شطرين للنوع الإنساني :
ذكراً وأنثى قال تعالى " وأنـّـه خلَق الزوجين الذكر والأنثى " [النجم: 45] ، والزوجان هما المقترنان اللذان لا يستغني أحدهما عن الآخر .. فالرجل والمرأة مقترنان لتسيير عجلة الحياة ..
نعم .. الذكر والأنثى مخلوقان يشتركان في عِمارة الكون كلٌّ فيما يخصه .. بلا فرق بين الرجال والنساء في عموم الدين ..
فهما متساويان في المسئولية ..
فرسول الله صلى الله عليه وسلم دعا النساء كما دعا الرجال .. وبايع النساء على الدخول في الإسلام كما بايع الرجال .. وصلى إماماً بالرجال والنساء .. وأفتى الرجال والنساء .. وكان الرجال والنساء يشيرون عليه ويقبل منهم .. وكان الـ ..
عندها صرخت أريج : كان يقبل مشورة النساء!! عجباً !! وأبو بكر وعمر موجودان ؟!!
سارة : نعم .. واستمعي إلى أم سلمة وهي تحكي بكل عزة ثقتها بنفسها .. وشعورها بنظرة المجتمع المشرقة لها .. وهي تقضي برأيها على مشكلة كانت قد تعصف بجيش كامل !!
أريج : كيف ؟!
لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مكة معتمراً ..
وهذا كله قبل قرون من اعتراف العالم الحديث للمرأة بحقها في التعبير عن رأيها الخاص بها ..
خرج مع ألف وأربعمائة من أصحابه ليعتمروا .. وذلك قبل فتح مكة .. فكان قريش هم أهل مكة يمنعون من شاءوا ويأذنون لمن شاءوا ..
وصل صلى الله عليه وسلم مع أصحابه لا يريدون قتالاً بل سيعتمرون كبقية الناس ..
منعتهم قريش من دخول مكة .. وكاد صلى الله عليه وسلم أن يدخلها بالقوة .. لكنه عدل عن ذلك وأراد أن يكتب بينه وبينهم صلحاً ..
أرسلت قريش إليه عدة أشخاص للتفاوض معه حول بنود الصلح .. حتى جاءه سهيل بن عمرو ليكتب الصلح معه ..
فدعا النبي صلى الله عليه وسلم الكاتب فجعل يملي عليه قال : اكتب : بسم الله الرحمن الرحيم ..
فاعترض سهيل قائلاً : أما الرحمن .. فوالله ما أدري ما هو ؟ ولكن اكتب باسمك اللهم كما كنت تكتب ..
فغضب المسلمون وقالوا : والله لا نكتبها إلا باسم الله الرحمن الرحيم ..
فقال النبى صلى الله عليه وسلم : اكتب باسمك اللهم ..
ثم قال صلى الله عليه وسلم اكتب : هذا ما قاضى عليه محمد رسول الله ..
فقال سهيل : والله لو كنا نعلم أنك رسول الله ما صددناك عن البيت ولا قاتلناك ، ولكن اكتب محمد بن عبد الله
فقال صلى الله عليه وسلم : والله إني لرسول الله وان كذبتموني ، اكتب محمد بن عبد الله
فقال صلى الله عليه وسلم اكتب : على أن تخلوا بيننا وبين البيت فنطوف به ..
فقال سهيل : والله لا تتحدث العرب أنا أخذنا ضغطة ، ولكن ذلك من العام المقبل ..
فوافق النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك .. وكتبه ..
فأراد سهيل أن يضيق على المسلمين .. فاشترط : أنه لا يخرج من مكة مسلم يريد المدينة .. إلا رُدَّ إلى مكة .. أما من خرج من المدينة وجاء إلى مكة مرتداً إلى الكفر .. فيُقبل في مكة ..
فقال المسلمون : من جاءنا مسلماً نرده إلى الكافرين !! سبحان الله كيف نرده إلى المشركين وقد جاء مسلماً ..
فقال صلى الله عليه وسلم : أما من ذهب منا إليهم فأبعده الله ..
ثم سكت والنبي صلى الله عليه وسلم مفكراً ..
وكان قد أسلم فعذبه أبوه وحبسه .. فلما سمع بالمسلمين .. تفلت من الحبس وأقبل يجر قيوده .. تسيل جراحه دماً .. وعيونه دمعاً ..
ثم رمى بجسده المتهالك بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم ..والمسلمون ينظرون إليه ..
فلما رآه سهيل .. غضب !! كيف تفلت من حبسه .. ثم صاح بأعلى صوته : هذا يا محمد أول من أقاضيك عليه أن ترده إلي ..
فقال صلى الله عليه وسلم : إنا لم نقض الكتاب بعد ..
قال : فوالله إذاً لا أصالحك على شيء أبداً ..
فقال صلى الله عليه وسلم : فأجزه لي .. قال : ما أنا بمجيزه لك .. قال : بلى فافعل .. قال : ما أنا بفاعل ..
فسكت النبي صلى الله عليه وسلم ..
وقام سهيل سريعاً إلى ولده يجره بقيوده .. وأبو جندل يصيح ويستغيث بالمسلمين .. يقول :
أي معشر المسلمين أرد إلى المشركين وقد جئت مسلماً .. ألا ترون ما قد لقيت من العذاب .. ولا زال يستغيث حتى غاب عنهم ..
والمسلمون تذوب أفئدتهم حزناً عليه ..
فصالح النبي صلى الله عليه وسلم على أن يعودوا إلى المدينة..ويعتمروا في العام القادم..
كان المسلمون قد جاؤوا بإحرامهم من المدينة متحمسين للعمرة .. ثم تفاجئوا أن قريشاً تمنعهم هكذا بكل بساطة !!..
كان الحزن يسيطر على نفوسهم ..
فلما فرغ النبي صلى الله عليه وسلم من كتابة المعاهدة التفت إلى أصحابه ثم أمرهم أن ينحروا الـهَدْي .. وهو ما جاؤوا به معهم ليذبحوه في عمرتهم من غنم وإبل .. وأمرهم أن يحلقوا رؤوسهم ..
فتفاجأ الناس .. الأصل أن يفعلوا ذلك بعد العمرة .. ولا تزال نفوسهم معلقة بها .. فتباطئوا عن الاستجابة لأمره رجاء أن يتراجع عنه ..
لكنه لم يتراجع .. وأخذ ينظر إليهم ينتظر تنفيذ الأمر .. فلم يقم أحد !! فأعاد عليهم .. فلم يقم أحد !!
فغضب صلى الله عليه وسلم .. ودخل على زوجه أم سلمة .. فذكر لها أنه يأمرهم ولا يطيعون !!
فقالت أم سلمة : يا نبي الله أتحب ذلك ؟ أي تحب أن يطيعوك ؟ اخرج إليهم .. ثم لا تكلم أحداً منهم كلمة .. حتى تنحر هَدْيك .. وتدعو حالقك فيحلقك ..
فخرج صلى الله عليه وسلم ومضى يمشي ساكتاً لم يكلم أحداً منهم حتى فعل ما اقترحته عليه أم سلمة .. نحر هديه .. ودعا حالقه فحلقه .. فلما رأى الناس ذلك قاموا فنحروا هديهم ..
فانظري كيف أن امرأة واحدة .. واثقة بقدراتها .. معتزة بفكرها .. لم تحتقر نفسها بل أبدت رأيها .. وهم لم يحتقروها .. بل أخذوا بالرأي .. وعملوا به ..
أريج : والله كلام رائع ..
سارة : نعود إلى ما كنا فيه :
فأقول لك - أريج – إن الله تعالى ساوى بين الجنسين الرجل والمرأة في كل شيء .. إلا فيما تقتضي طبيعة الرجل والمرأة الافتراق فيه ..
فقال تعالى عن الرجال " إن الذين يبايعونك إنما .. " وقال عن النساء " يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك على .." ..
وكذلك ساوى بينهما في المسئولية عن البيت .. فقال صلى الله عليه وسلم ( .. الرجل راع على أهل بيته .. والمرأة راعية على بيت زوجها وولده .. فكلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته ) متفق عليه ..
وساوى بينهما في العبادة والتكاليف الشرعية :
فأوجب الله على الرجل والمرأة تكاليف متماثلة .. ساوى بينهما فيها ..
فالصلاة واجبة على الرجل وواجبة على المرأة على السواء خمس مرات ..
وصوم رمضان واجب عليهما جميعاً ..
والزكاة واجبة عليهما جميعاً ..
والحج واجب عليهما جميعاً ..
بل إن الله خفف على المرأة أكثر من الرجل ..
فأسقط عنها الصلاة والصيام أيام حيضها ونفاسها ..
وساوى بين الرجل والمرأة في عمارة الأرض .. فكلاهما مأموران بالجد والعمل .. كما قال تعالى " فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه " .. وهذا خطاب للرجال والنساء ..
وكلاهما مأموران بأنواع الطاعات .. قال تعالى " إن المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات والقانتين والقانتات والصادقين والصادقات والصابرين والصابرات والخاشعين والخاشعات والمتصدقين والمتصدقات والصائمين والصائمات والحافظين فروجهم والحافظات والذاكرين الله كثيرا والذاكرات أعد لهم مغفرة وأجرا عظيما ) ..
والرجل والمرأة على السواء مأموران بطاعة الله ورسوله قال تعالى ( وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله أمرا أن يكون لهما الخيرة من أمرهم ) ..
بل إن نساء صالحات ضربن أروع الأمثال في الحرص على الطاعة وطلب العمل .. والتحبب إلى الله تعالى بأنواع القربات ..
بطولات
واصلت سارة قائلة :
أذكر أن إحدى الأخوات كانت مديرة لأحد دور تحفيظ القرآن النسائية ، تقول :
لما افتتحنا الدار كان المبنى مرافعاً قليلاً عن مستوى الشارع .. فكان هناك درج يحتاج الداخل إلى المبنى لصعوده .. وكانت الطالبات يصعدن وينزلن بكل سهولة ..
في اليوم الأول للتسجيل في الدار فوجئت بامرأة كبيرة في السن .. جاءت تدفعها ابنتها على كرسي متحرك ..
فلما وصلت إلى الدرج .. جعلت تلتفت إلى ابنتها .. وتنظر إلى الدرج .. ثم نزلت من كرسيها وأخذت تحبو على يديها وركبتيها على الدرج .. حتى دخلت الدار .. وسجلت اسمها لتحفظ معنا القرآن .. ثم خرجت بالطريقة نفسها ..
وسمعت عن فتاة لها همة عظيمة أصيبت في حادث مروع ..
صارت بسببه معاقة مشلولة على السرير أكثر من خمس عشرة سنة ..
امتلأ جسمها قروحاً .. وتآكل اللحم بسبب ملازمتها للفراش ..
ولا تستطيع أن تخرج الأذى من جسدها إلا بمعاونة أمها ..
لكن عقلها متدفق .. وقلبها حي مؤمن ..
فكرت أن تخدم الإسلام ..
فوجدت بعض الأساليب والطرق التي تنفع بها الدين .. وتنفع نفسها ..
فاستخدمت ما تملك من قدرات ..!! تدرين ماذا فعلت ؟
أولاً : فتحت بيتها لمن يشاء من النساء أن يزورها ليتعظ بحالها ..
فصارت تأتيها النساء وطالبات دور تحفيظ القرآن .. فتلقي عليهن محاضرة بصوتها المؤثر ..
ثانياً : جعلت بيتها مستودعاً للمعونات العينية والمادية للأسر المحتاجة ..
حتى صارت ساحة البيت الكبيرة مليئة بصدقات الناس التي يحضرونها وهي تتولى الاتصال بالأسر الضعيفة .. وإرسالها إليهم ..
وكم من جائع سدت هذه المشلولة جوعته .. وكم من عار سترت عورته .. وكم من مريض سعت في علاجه ..
ثالثاً : إذا أرسلت المعونات للأسر المحتاجة .. ترسل معها كتباً واشرطة نافعة .. وتقيم المسابقات على هذه الكتب والأشرطة .. لتتأكد من سماعهم لها ..
رابعاً : لا تدع منكراً من منكرات النساء إلا وتتصل على صاحبة المنكر وتنصحها..
خامساً : تسعى في تزويج الفتيات العوانس عن طريق المتابعة الهاتفية مع الثقاة من أهل العلم والجمعيات الخيرية ..
سادساً : تساهم في إصلاح ذات البين وفي حلول المشاكل الزوجية ..
إنها امرأة عجيبة والله ..
كانت أريج في غاية المتعة وهي تستمع إلى هذه المعلومات والقصص .. وتستعيد في ذهنها ما سمعته مراراً من المطالبة بالمساواة بين الرجل والمرأة .. وما يردده بعضهم من أن المرأة مظلومة .. مبخوسة الحق .. كسيرة الجناح .. و ..
من غير شعور أخذت أريج تردد : رائع .. رائع ..
قالت سارة : بل هنا نقطة هامة ..
عندما تطلق كلمة " يا أيها الناس " فالمقصود بها في القرآن والسنة : الرجال والنساء ..
ففي القرآن أكثر من عشرين موضعاً ينادي الله فيه الرجال والنساء بقوله : " يا أيها الناس " ..
كما قوله تعالى :
" يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ " ..
" يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُواْ مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلاَلاً طَيِّباً " ..
" يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِن رَّبِّكُمْ "..
"يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءكُم بُرْهَانٌ مِّن رَّبِّكُمْ " ..
"يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا" ..
"يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ " ..
"يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا" ..
"يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاء إِلَى اللَّهِ" ..
"يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا" ..
نعم الرجال والنساء جميعاً يناديهم ربهم نداءً واحداً ..
وانتقلي معي إلى المدينة .. وانظري إلى أمك أم سلمة رضي الله عنها .. وقد جلست يوماً في بيتها وهو ملاصق للمسجد .. وعندها جارية تمشط شعرها ..
فينما هي كذلك .. إذ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "يا أيها الناس "
فقالت للجارية استأخري عني .. وقامت لتذهب للمسجد .. فقالت الجارية : إنما دعا الرجال ولم يدع النساء !!
فقلت : إني من الناس ) رواه مسلم ..
قالت أريج : رضي الله عن أم سلمة ..
طيب – سارة - هل تسمحين بسؤال ..
سارة : لحظة .. بقي كلام قليل في موضوع المساواة .. ليتك تسمعيه مني ..
أريج : تفضلي ..
سارة : الرجل والمرأة كما هما متساويان في الواجبات .. كذلك هما متساويان في الجزاء ..
قال تعالى ( من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون ) ..
وقال : ( فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى ) ..
وقال عز شأنه : " ومن يعمل من الصالِحَاتِ من ذكرٍ أو أنثَى وَهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة ولا يُظْلمون نقيراً " ..
فجميع الأحاديث الواردة في فضائل الأعمال هي لكل المسلمين رجالاً ونساءً ..
"من قال سبحان الله وبحمده غرست له نخلة في الجنة ".. هي للرجال والنساء ..
"من صلى لله ثنتي عشرة ركعة في يوم تنفلاً من غير الفريضة .. بنى الله له بيتاً في الجنة .. " هي للرجال والنساء ..
وهما متساويان أيضاً في العقاب :
ففي حالة انتهاك أي من الجنسين حداً من حدود الله فإن العقاب واحد للذكر والأنثى دون تمييز أحدهما عن الآخر ..
ففي عقاب الزنا قال تعالى : (الزانية والزاني فأجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة )
وفي عقاب السرقة قال : " والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما " ..
وفي عقاب النفاق والشرك قال : ( ليعذب الله المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات ويتوب على المؤمنين والمؤمنات ) .
وفي القيمة الانسانية .. جعل الله تعالى كلاهما مكرم .. لا يجوز التنقص منه أو امتهانه ..
قال الله " ولقد كرمنا بني آدم " .. بنوعيه الذكر والأنثى ..
وحرم تنقص المسلم عموماً رجلاً كان أو امرأة ، فقال : ( يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيراً منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيرا منهن ) ..
أكرمكم أتقاكم
كانت أريج تستمع إلى سارة بكل تركيز .. وسارة تتكلم بتدفق وحماس ..
وفجأة .. سكتت سارة قليلاً وكأنها تدافع عبراتها .. وقد امتلأ قلبها بمحبة هذا الرب العادل الحكيم جل جلاله .. كيف يتهمون الدين الذي شرعه وأكمله .. أنه ظلم المرأة أو بخسها حقوقها ..
ثم قالت بكل عِزة وحزم :
مقياس التفاضل الوحييييد بين الرجل والمرأة هو التقوى ..
قال تعالى : ( يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم ) .. نعم : أكرمكم أتقاكم .. ليس أشدكم جسداً .. ولا أكثركم مالاً .. ولا أقواكم ذكورة .. ولا أعظمكم فحولة .. وإنما أتقااااكم ..
بدت أريج متأثرة بما تسمع .. وقالت : ليت أكثر النساء اليوم المخدوعات بالدعوات الماجنة التي تردد : حقوق المرأة .. حقوق المرأة .. يعقلون مثل هذه المفاهيم ..
ليتهم يدركون أن الله ليس بينه وبينهن عداوة .. ولا ثأر .. ولا انتقام .. وإنما هن من خلق الله .. تستطيع الواحدة منهن أن تبلغ أعالي الجنان وتسبق الرجال .. بتقواها ..
قالت سارة : صحيح .. بل أزيدك :
حتى عند الزواج حفظ الكرامة لكل منهما .. فقال تعالى : ( ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف ) ..
وعن حكيم بن معاوية أنه قال : يا رسول الله ما حق زوجة أحدنا عليه ؟
قال :" أن تطعمها إذا طعمت وتكوسها إذا اكتسيت .. "
وقال صلى الله عليه وسلم : ( ألا إن لكم على نسائكم حقاً .. ولنسائكم عليكم حقاً .. ) .
وأمر الأولاد باحترام الرجل والمرأة .. أعني الأب والأم ..
بل إن حق المرأة ( الأم ) أكبر ..
قال تعالى : " وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا" ثم بدأ بالأم فقال " حَمَلَتْهُ أُمُّهُ " .. فقدمها على الأب ..
وفي الصحيحين أن رجلاً سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : من أحق الناس بحسن الصحبة ؟
فقال صلى الله عليه وسلم : أمك ، ثم أمك ، ثم أمك ، ثم أبوك ) ..
مها .. في بنطال أحمر !!
كان الكلام حامياً .. لكن سكينة الإيمان كانت تحف مجلس سارة وأريج ..
وفي هذه الأثناء .. كانت " مها " أخت أريج .. تبحث عنها في الممرات .. وقد تعجبت أين ذهبت !!
كان واضحاً من طريقة لبس مها للحجاب أن عندها تساهلاً كثيراً ..
فعباءتها ضيقة يتبين منها بوضوح تفاصيل جسدها .. ومع مشيها يظهر البنطال الأحمر الذي ترتديه .. فيلفت النظر أكثر للالتفات إليها ..
دخلت مها غرفة الاستراحة .. فرأت أريج مع سارة .. تعجبت من هذه الجلسة .. ألقت التحية وصافحت سارة وتعرفت على اسمها بلطف .. وجلست تستمع للحوار ..
كان الكلام ساخناً .. عن حقوق المرأة في الإسلام .. فلم تصبر مها .. فقالت بكل جرأة :
بصراحة .. يا سارة .. بعض النساء أذكى من الرجال .. وأكثر نجاحاً في الحياة .. فلماذا تريدين أنت وغيرك أن تفرقي بين الرجل والمرأة وتحددي لكل منهما مجالات خاصة لا يصلح أن يزاحمه فيها الآخر .. ودائماً الرجل .. الرجل ..
كانت مها متحمسة كثيراً وهي تلقي هذا السؤال ..
ضحكت سارة .. وقالت :
وأيضاً .. دائماً المرأة .. المرأة ..
اسمعي يا مها ..
قَدَّر الله وقضى أن الذكر ليس كالأنثى في صِفة الخلقة والهيئة والتكوين .. فالرجل أقوى من المرأة جسداً .. وأضعف عاطفة .. والمرأة أقوى منه عاطفة .. وأضعف جسداً .. وكل منهما مكالب بأن يستثمر قوته ..
مها : كيف ؟!
سارة : المرأة لها طبيعتها الجسدية الخاصة .. يعتريها الحيض والحمل .. والمخاض والولادة .. والإرضاع وشؤون الرضيع .. وتربية جيل الأمة المقبل .. ولهذا خلقت الأنثى من ضِلع آدم عليه السلام .. خلقت من عظام الصدر .. قريبة من القلب ..
أما الرجل فمؤتمن على القيام بشؤون الأسرة .. المرأة والأولاد .. وحفظها والإنفاق عليها .. ولذلك خلق غليظاً .. من تراب الأرض ..
ومن آثار هذا الاختلاف في الخلقة :
• الاختلاف بينهما في القوى ، والقُدرات الجسدية .. والعاطفية ..
• الاختلاف والتفاوت والتفاضل بين الرجل والمرأة في بعض أحكام التشريع ..
فلما كان الرجل في طبيعته الجسدية .. لا أعني الذكاء والفطنة .. بل أقول : في قوته الجسدية أقوى وأقدر على التحمل جعله الله مسئولاً عن السعي والإنفاق على من في البيت ..
ولما كانت المرأة أقدر على إدارة البيت والقرب من الصغار .. وأعرف بحل مشاكل الأولاد .. جعلها مسئولة عن القيام بشؤون البيت .. وتربية جيل الأمة .. وقد أدركت مريم – وهي امرأة – هذه الفوارق فقالت : "وليس الذكر كالأنثى " ..
كأن مها لم تقتنع بكلام سارة كثيراً ..
فالتفتت أليها سارة وقالت :
مها .. عذراً .. أنت لو كنت مدرسة وأردت أن تنظمي حفلاً في مدرستك .. وأردت أن تقومي بعدة أعمال في قاعة الاحتفال .. من تنظيف .. ورسم صحائف .. وتعليق أوراق .. ومسح سبورة .. وإعداد كلمات ..
وعندك عشرون طالبة .. متنوعات فيهن السمينة .. والنحيفة .. وفصيحة اللسان .. والأقل من ذلك .. والجريئة .. والخجولة ..
من ستختارين للوقوف على الكراسي وصعود السلم لتعليق الأوراق ؟ الطالبة السمينة .. أليس كذلك ؟
تبسمت مها وقالت : لا طبعاً .. بل الطالبة النحيفة الخفيفة ..
قالت سارة : ومن ستختارين للتنظيف ..؟ الطالبة الفصيحة الجريئة .. صحيح ؟!
قالت مها : لا طبعاً .. هذه سأجعلها تلقي الكلمة الترحيبية .. وغيرها يتولى صف الكراسي والتنظيف .. و ..
قالت سارة : طيب هل في تقسيمك هذا ظلم لأحد ..
قالت مها : لا طبعاً .. كلهن أعمالهن مهمة .. تكامل وتعاون ..
قالت سارة: طيب لو احتجت السمينة .. واعترضت الخجولة .. والنحيفة لم ترض بعملها .. والجريئة أبت أن تلقي الكلمة ..
مها : لا .. لن أقبل اعتراضها .. لأن إسناد العمل الذي يناسب طبيعتها .. ليس ظلماً لها ..
شعرت سارة أنها وصلت إلى ما تريد .. وقالت :
طيب لماذا تعترضين على تخصيص الرجل بشيء وتخصيص المرأة بشيء كل بناء على قدراته ..!!
يبدو أن أريج تحمل فكرة مها نفسها .. فقالت - مقاطعة - : سارة .. يعني حرام المرأة تخرج من بيتها ..!!
سارة - متعجبة - : لا .. ليس حراماً .. وأنا لم أقل ذلك ..
أريج : طيب فيه أعمال يقوم بها الرجل تستطيع المرأة أن تعملها مثله .. بل قد تكون أحسن منه ..
سارة : صحيح .. أنا معك في هذا .. لكن ما رأيك في امرأة تعمل في محل " بنشر " !! تفك إطارات السيارات .. وعجلات الشاحنات .. وتصلح وتشتغل ؟
ما رأيك بامرأة تعمل في إزالة انسداد أنابيب المجاري .. فتحفر الأرض .. وتنقل التراب .. وربما نزلت في الأنابيب .. وفتشت عن الأوساخ ..
ما رأيك بامرأة في شدة الحر .. لمدة ثمان ساعات يومياً .. تسوق الونش الكبير .. وتحرك رافعته لحمل السيارات المتعطلة .. ورفع الأثقال والحديد لأعالي البنايات ..
ما رأيك بامرأة تعمل في حفر الآبار .. وبناية الجسور .. وتحمل أكياس الإسمنت من سيارة إلى أخرى ..
ما رأيك بامرأة ..
كانت أريج ومها يكتمان ضحكة مدوية أثناء استماعهما للأمثلة التي تسوقها سارة .. وفجأة ضحكت الفتاتان بصوت عااالٍ ..
جعلت سارة تهدئ من أصواتهما ..
كان واضحاً أن كل عاقل – مسلماً أو غير مسلم – يعلم أن هذه الأمور لا توافق طبيعة المرأة .. بل حتى أصحاب الشركات لا يكادون يوظفون النساء في هذه الوظائف لعلمهم بعدم قدرتهن على المواصلة فيها .. بل إن المرأة إذا عملت فيها بدأت تفقد أنوثتها ونعومتها شيئاً فشيئاً .. فيغلظ جلدها .. وتبرز عضلاتها .. ويتغير لونها ..
جعلت أريج ومها .. تمسحان دموعهما من كثرة الضحك .. وسارة تردد : طيب .. خلوني أواصل ..
أريج : عذراً .. تفضلي أكملي ..
سارة : بس بلاش ضحك ..
مها : طيب .. طيب ..
سارة : وبالمقابل ..
ما رأيك برجل يجلس في البيت .. يعمل الرضاعة للصغير .. ثم يجلسه في حضنه ويرضعه .. وإن بكى الصغير أخذ يهزه ويطربه ببعض الأهازيج حتى يسكت ..
وإذا تفاجأت إحدى بناته بشيء من علامات البلوغ .. أقبل إليها وفهمها الموضوع .. وحدثها عن مرحلة الحياة الجديدة التي تستقبلها ..!!
وإن نام ليلة بجانب زوجته .. وسمعوا بحركة لص دخل البيت .. اكتفى بإيقاظ زوجته لتعالج الموضوع .. وتولى هو الصراخ .. وجمع الأطفال !!
وما رأيك برجل ..
انطلقت أريج مرة أخرى ضاحكة .. وقالت : المفروض أن المرأة هي التي تصرخ وهو يتفاهم مع اللص ..
ردت سارة بذكاء : لماذا ؟! مساواة .. كلاهما يمكن أن يقوم بالعمل نفسه ..
فقالت مها : عجيب !! حتى حليب الطفل هو الذي يصنعه !! ويضجعه في حضنه ويرضعه ..!! ويحل مشاكل بناته !! ما بقي إلا يحمل ويلد أيضاً ..
عندها جاء دور سارة بالضحك .. فجعلت طرف عباءتها على فمها وغرقت في الضحك .. وقد تخيلت رجلاً حاملاً !!
--------------------------------------------------------------------------------
لماذا الفوارق ؟!
سارة : أعود إلى بعض الفوارق بين الرجل والمرأة التي هي بسبب افتراقهما في طبيعة الخلقة والتكوين ..
فمن الأحكام التي اختصت بها النساء .. أنها ملكة مخدومة ..
فيجب على الرجل أن ينفق على زوجته .. وابنته وأمه وكل من كانت تحت ولايته .. ولا يجوز أن يقصر عنها بطعام ولا شراب ولا مسكن ولا ملبس ولا علاج ..
ويجب عليه أن يحميها من كل ضرر ينال عرضها .. بل قد قال صلى الله عليه وسلم : من قتل دون عرضه فهو شهيد ..
فالرجال قوامون على النساء بالرعاية وحراسة الفضيلة .. والكسب والإنفاق عليهن .. وهو معنى قوله تعالى : "الرجال قَوَّامونَ على النسَاء بِما فضَّل اللهُ بعضهمْ على بعضٍ وبِما أنفقوا مِن أمْوالهم " ..
لأن رعاية البيت والدفاع عنه تناسب طبيعته .. فهو يحمي الجبهة الخارجية .. والمرأة تحمي الجبهة الداخلية ..
لذا أوجب الله على الرجال عبادات أسقطها عن النساء .. فمثلاً : يجب عليهم الجهاد .. ويجب عليه شهود صلاة الجمعة .. والخروج في شدة الحر والبرد للصلاة في المسجد ..
قالت أريج : .. لكن .. سارة .. اسمحي لي .. يعني .. يعني ..
وبدت أريج مترددة في كلامها ..
قالت سارة : هاه .. ماذا عندك ؟!
أريج : هناك بعض الفوارق ..
لماذا المرأة تأخذ نصف ميراث الرجل ؟! أليس في هذا تفريقاً بينهما ؟!
فقالت سارة - وقد تملكت محبة الله وتعظيمه قلبها -: أريج .. لنكن واضحين ..
يعني تتوقعين أن الإسلام بينه وبين المرأة عداوة !! تعالى الله ..
لو كان الأمر كذلك .. لما خفف على المرأة في الصلاة .. فهي تصلي في البيت .. وتمكث أياماً من الشهر في إجازة من الصلاة في فترة عادتها الشهرية .. !! ..
وخفف عليها في الصوم فتفطر أياماً من رمضان أيضاً .. والحج يسقط عنها مهما ملكت من أموال الدنيا ما دامت لم تجد محرماً يذهب معها ويعتني بها .. و ..
أريج : أدري أن الله تعالى حكم عدل .. ولا يظلم ربك أحداً .. لكن .. ما سبب التفريق في الميراث ؟!!
سارة : لا يشرع الله تعالى شيئاً إلا لحكمة .. وهو سبحانه الرب العظيم الأعلم بمصلحة عباده ..
افرضي أن رجلاً مات وورثه ولد وبنت .. فلما أحصينا التركة فإذا هي مائة وخمسون ألفاً ..
كم للولد وكم للبنت ؟
أريج : للبنت خمسون ألفاً .. وللولد مائة ألف ..
سارة : طيب .. بعد سنة خطبت البنت .. وأعطاها خطيبها مهراً قدره خمسون ألفاً .. كم صار عندها ؟
أريج : مائة ألف ..
سارة : جاءها هديا بعد زواجها بما مجموعه عشرون ألفاً .. كم صار عندها ؟
أريج : مائة وعشرون ألفاً ..
سارة : وجهز زوجها الشقة واشترى الأثاث وتكفل بكل التكاليف الأخرى - إن وجدت - كالسفر .. والولائم .. والهدايا .. و ..
أما الولد فإنه خطب فتاة .. وأعطاها مهرها خمسين ألفاً .. فكم بقي عنده ؟
أريج : خمسون ألفاً ..
ثم اشترى أثاث الشقة من غرفة نوم وأثاث مطبخ وجهز مجالس الضيوف .. وأنفق في تكاليف الزواج الأخرى ستين ألفاً ..
هاه .. يا شاطرة !! كم بقي عنده ..
تبسمت أريج وقالت : يكون مديوناً بعشرة آلاف ..
سارة : وبقي عليه الإنفاق على البيت .. وتدريس الأولاد .. والإنفاق على الزوجة .. و .. وكل هذه تكاليف لا تجب على المرأة ..
أما أخته فالمائة ألف قد جعلتها في مشروع يدر عليها أرباحاً .. وزوجها ينفق عليها وعلى أولادها .. ويسدد إيجار الشقة وفواتير الهاتف والكهرباء والماء ..
يعني يا أريج .. الحقوق الواجبة في مال الرجل أكثر من الحقوق الواجبة في مال المرأة .. ومقدار كبيييير من مال الرجل يصرفه على المرأة .. سواء كانت زوجة أو بنتاً أو أماً أو أختاً ..
فالأمر كما قال الله " إن ربك حكيم عليم " جمع بين الحكمة في التشريع .. والعلم بحاجات الناس ..
كان الهدوء والخشية ظاهران على محيا أريج ومها .. وهما تتأملان في حكمة هذا الرب العظيم .. الحممممد لله .. كم أحبك يا ربي ..
عجباً .. ما أعدلك وأحكمك .. هل نبحث عن حكمٍ غيرِ حكمك ؟ أو شريعة أكمل من شريعتك ؟ أين هؤلاء المطبلون الذين يخفون عنا هذه الحكم العظيمة في التشريع .. أعوذ بالله .. يحاولون أن يصرفونا عن الدين وكأنه للرجال دون النساء ..
--------------------------------------------------------------------------------
إن ربك حكيم عليم
قالت سارة : وعموماً يجب علينا جميعاً أن نرضى بما قسم الله لنا ..
فكما أن الرجل لا يجوز له أن يتمنى ما فضلت به المرأة من لبس الذهب والحرير .. وسقوط كثير من التكاليف الشرعية عنها .. والتخفيف عليها في العبادات .. مع وجوب كل ذلك على الرجل ..
كذلك المرأة ينبغي أن ترضى بما قسم الله لها ..
ولا يجوز لمسلم ولا مسلمة أن يتمنى ما خص الله به الآخر من الفوارق المذكورة .. لأن في ذلك تسخطاً على قدر الله .. وعدم رضا بحكمه وشرعه ..
ولهذا قال الله تعالى ناهياً عن ذلك : " ولا تتمنوا مَا فضَّل الله به بعضكم على بعض للرجالِ نصيبٌ مِمَّا اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن واسألوا الله من فضله إنَّ اللهَ كانَ بكلِّ شيءٍ عليماً " ..
وإذا كان هذا النهي - بنص القرآن - عن مجرد التمني .. فكيف بمن ينكر الفوارق الشرعية بين الرجل والمرأة .. وينادي بإلغائها .. ويدعو إلى المساواة بين الرجل والمرأة فيما لا يمكن أن يساوى بينهما فيه ؟
ووالله لو حصلت المساواة في جميع الأحكام - مع الاختلاف في الخِلقة والقدرات - لكان هذا انعكاساً في الفطرة .. ولكان هذا هو عين الظلم لكل منهما ..
ولباس التقوى
مها : ولذلك أوجب الله على المرأة الحجاب .. وفرض عليها الستر .. والرجل يلبس ما يشاء ..
سارة : لا .. ليس صحيحاً !! الرجل لا يلبس ما يشاء ..
مها : كيف ؟!
سارة : الحجاب والستر .. فرض على كل مسلم من رجل أو امرأة .. حتى الرجل مع الرجل .. والمرأة مع المرأة .. وأحدهما مع الآخر .. كلٌّ بما يناسب فطرته .. وبحسب وظائفه الحياتية التي شرعت له ..
فواجب على الرجال ستر عوراتهم من السرة إلى الركبة عن الرجال والنساء ..
إلا عن زوجاتهم أو ما ملكت أيمانهم ..
ونهى الشرع عن نوم الصبيان في المضاجع مجتمعين .. وأمر بالتفريق بينهم .. مخافة اللمس والنظر ..المؤدي إلى إثارة الشهوة ..
وكانت قريش في الجاهلية يطوفون بالكعبة عراة .. ويقولون : لا نطوف بثياب عصينا الله فيها !! فلما فتح النبي صلى الله عليه وسلم مكة قال : لا يطوفن بالبيت عريان .. رجلاً كان أو امرأة ..
ولا يجوز أن يصلي أحد وهو عريان .. حتى لو كان وحده بالليل في مكان خالٍ لا يراه أحد ..
ونهى النبي صلى الله عليه وسلم إذا كان أحدنا خالياً أن يتعرى .. وقال صلى الله عليه وسلم : ( فالله أحق أن يستحيا منه من الناس ) ..
وفي الإحرام : معلومة الفوارق بين الجنسين ..
ونهى الرجال عن الزينة المخلة بالرجولة من التشبه بالنساء في لباس أو حلية أو كلام .. أو نحو ذلك ..
ونهى الرجال عن الإسبال تحت الكعبين ..
أما المرأة فمأمورة بستر قدميها .. إما بتطويل ثوبها أو بلبس الجوربين ..
وأمر الله المؤمنين بِغضِّ أبصارهم عما يظهر من عورات الآخرين بغير قصد .. أو مما يظهر من زينة المرأة .. وحرم الله النظر إلى كل ما يثير الشهوة .. وهذا أدب شرعي عظيم في مباعدة النفس عن الحرام ..
وهذه الأمور التي تقدمت كلها في الحجاب العام الذي أو جبه الله على الرجل والمرأة ..
فالرجل مأمور بحجب أشياء من جسده .. والمرأة مأمورة بالحجاب أيضاً ..
والمرأة أولى بالتستر لأن الأنظار الطامعة تسبق إليها أمرها الله تعالى بتغطية زينتها .. وستر مواضع جمالها .. وأولها الوجه .. حتى تكتمل أنوثتها .. ولا يخدش أحد عفافها ..
قالت أريج : فعلاً .. والله كلام رائع ..
أذكر أن امرأة كانت متمسكة بصلاتها .. وكان زوجها يحبها كثيراً ويغار عليها .. وكانت متساهلة بالحجاب .. فربما كشفت وجهها أمام إخوانه .. بل وأصدقائه أحياناً .. وأحياناً قد تصافحهم ..
كان زوجها كثير الشكوك فيها .. وتكثر مشاكلهما بسبب كثرة شكوكه وأسئلته الاتهامية المتتابعة .. وقد رزقهما الله عز وجل بولدين كالقمرين .. كانت المرأة تصبر لأجلهما ..
كثرت المشاكل بسبب أسئلته : ماذا يقصد فلان بنظرته ..؟ فلان لما صافحتيه .. لماذا أطلت بقاء يدك في يده ؟ فلان لماذا تضحكين على نكته ؟
كان زوجها رجلاً عنده غيره .. ويشعر أنه ملك وهي ملكة .. والملكة لا ينبغي أن يشارك الملك فيها أحد ..
تقول هذه المرأة : من كثرة المشاكل فكرت في طلب الطلاق مراراً .. وكان إذا سافر ارتاح .. وإذا حضر فنحن في مشاكل ..
تعبت كثيراً من كثرة التفكير .. ما هو الحل ..
فقررت يوماً : أن أتبع ما أمر الله به المؤمنات من لبس الحجاب .. وترك مصافحة الرجال ..
فالتزمت بالحجاب الشرعي .. وغطيت وجهي .. فلا يراه إلا زوجي ومحارمي ..
وتجنبت الاختلاط بالرجال الأجانب عني ..
والله لقد شعرت بلذة عظيمة .. شعرت بعزة .. شعرت أن من كنت أخالطهم لما علموا بحجابي ازدادت قيمتي عندهم .. احترموني أكثر .. فعلاً هذه هي الفطرة التي خلق الله عليها المرأة ..
ومن بعدها .. لم يقع بيننا مشكلة واحدة .. والحمد لله ..
ثم واصلت سارة قائلة : لذلك .. أريج .. فرض الله على المرأة الحجاب لأنه خالقها والأعلم بها ..
سارة : صحيح .. لذلك ما شرع الله تعالى شيئاً إلا لحكمة يعلمها ..
--------------------------------------------------------------------------------
حمي الوطيس !!
أريج : أعلم أن العلماء اختلفوا في مقدار الحجاب الواجب على المرأة .. لكن ماذا لو أن المرأة سترت جميع جسدها وأخرجت وجهها وكفيها ؟!
سارة : يبدو أن نقاشنا سيكون حامياً الآن .. لأن هذه النقطة هي التي جلست معك لأجلها ..
أريج : نعم حمي الوطيس .. ولكن لا بأس .. ثقي تماماً أني أطلب الحق وأحرص على طاعة ربي .. فأقنعيني بالأدلة الشرعية ..
سارة : الحكم الذي دلت عليه الأدلة المتعددة من القرآن والسنة ..
ودل عليه الإجماع العملي من نساء المؤمنين من عصر النبي صلى الله عليه وسلم ..
ودل على هذا الحكم أيضاً عمل النساء في عصر الخلافة الراشدة ..
وعملت النساء أيضاً بهذا الحكم خلال القرون المفضلة .. وهي الـ300سنة الأولى من تاريخ الإسلام ..
بل .. واستمر العمل بهذا الحكم إلى انحلال الدولة الإسلامية وانقسامها إلى دويلات في منتصف القرن الرابع عشر الهجري .. و ..
أريج : عذراً !! أي حكم !!
سارة : وجوب تغطية المرأة لوجهها ..!! نعم .. ولم يعرف اشتهار كشف المرأة لوجهها إلا في السنين المتأخرة !!
أريج : هذا غريب ..!! أنت متأكدة ؟
سارة : سأثبت لك ذلك ..
أما أن كشف الوجه لم يكن موجوداً أبداً .. وكان المعروف من نساء المسلمين ستر وجوههن .. فهذا كلام أكثر العلماء ..
وأنا لا أحفظ ذلك الآن .. لكنه موجود في مطوية صغيرة مختصرة تحمل توجيهات للمرأة .. كنت قد أحضرت منها مجموعة لأمي لتوزعها على الممرضات ..
انتظري قليلاً لعلي أن أجد منها نسخة ..
غابت سارة قليلاً ثم عادت ومعها الورقة التي تريد ..
جلست ثم بدأت تقلب نظرها في التوجيهات لتختار الخاص منها بالحجاب ..
ثم بدأت تقرأ :
التوجيه الثالث :
تساهل بعض الأخوات بكشف الوجه .. مع أن المسلمات طوال العصور لم يزل عملهن على تغطية الوجه .. ولقد ذكر ذلك العلماء المتقدمون والمتأخرون ..
قال الحافظ ابن حجر ( توفي سنة 852هـ) : "لم تزل عادة النساء قديمًا وحديثاً يسترن وجوههن عن الأجانب " .. وقال أبو حامد الغزَّاليُّ : " لم يزل الرجال على مرِّ الزمان مكشوفي الوجوه ، والنِّساء يخرجن منتقبات ( فتح الباري 9/337) .
وقال الإمام المفسر السيوطي المصري ( المتوفى سنة 911هـ ) عند تفسيره لقوله تعالى : ( يدنين عليهن من جلابيبهن ) : " هذه آية الحجاب في حق سائر النساء ، ففيها وجوب ستر الرأس والوجه عليهن " ..
ومما يؤكد هذا أنك لا تجد مسألة كشف الوجه من عدمه قد أخذت حيزًا كبيرًا في مصنفات العلماء السابقين ، ولم تستغرق جهدهم ووقتهم ، بل لا يكاد يوجد مصنّف خاص بهذه المسألة ؛ مما يدل دلالة واضحة أن كشف الوجه لم يكن معروفاً عندهم وبالتالي ما احتاج العلماء أن يؤلفوا في الرد على من يفتي بجواز كشف الوجه ..
وتغطية المرأة لوجهها عمل تتوارثه الأجيال .. بل حتى الصور( الفوتغرافية ) التي التقطت قديماً لديار المسلمين المختلفة ( تركيا ، مصر ، تونس ، الشام ، .. الخ ) تؤكد أن المرأة المسلمة كانت تغطي وجهها ..
كما في كتاب "مكتب عنبر" للقاسمي ، وك