am
قصة أبشـر ..قصة واقعية
كنت مسافراً إلى دولة عربية ليوم واحد في مهمة، وقبل عودتي للمطار بيوم بحثت عن فندق مناسب لأستريح فيه فلم أجد، ومن ثم دخلت فندقا لأول مرة أدخل مثله، العرى والعهر فيه ظاهرة، فإذا برجل يسألني: ما الذي جاء بك إلى هنا؟ استغرب شكلي الذي لا يناسب الفندق الذي دخلت.
فقلت: أدور مكان أستريح فيه وما دريت إن هالفندق فيه هالأمور.
فقال لي: اطلع يا شيخ هذا المكان ما يناسبك وأمثالك.
فخرجت واتجهت إلى حديقة استريح فيها حتى الصباح، وفي الصباح أنهيت مهمتي، وذهبت إلى المطار للعودة وكلي تعب من الرحلة، فبحثت عن مكان لأستريح فيه وإذا بزاوية في المطار فيها مصلى صغير، اتجهت إليه ونمت فيه نوما عميقا، استيقظت على صوت بكاء شاب دون الثلاثين يصلي وكأنه فقد زوجته بكاءً لا تبكيه إلا أم فقدت ولدها.
عدت للنوم وبعد لحظات أيقظني للصلاة ثم قال: هل تستطيع أن تنام؟!
فقلت: نعم
فقال: أنا لست قادرا على النوم ولا ذقت طعمه
فقلت: نصلي وبعد الصلاة يقضي الله أمراً كان مفعولا
وبعد الصلاة سألته عن أمره فقص علي قصته:
فقال: أنا شاب من أسرة غنية وكل ما أريده مهيء لي من مال وسيارة ولكني مللت الحياة.
فخططت أن أسافر خارج البلاد ثم قررت أن أسافر إلى دولة لا يقصدها أهل بلدي كثيراً حتى لا يعرفونني فينفضح أمري، وما كان هدفي غير اللعب واللهو وقضاء الوقت، فلما وصلت إذا برفقت السوء تحيط بي وتحفني، فاستأنست بها ورافقتها من لهو إلى لهو ولعب وإضاعة أوقات، وكان الأمر مراحل حتى قربوني من خطوات الزنا مع النساء في السهرات، ومازالو بي حتى انفردت بعاهرة منهن ومازالت تلاعبني حتى وقعت عليها، وفجأة بعد أن وصل الأمر ذروته إذا بحرارة في قلبي تلسعني وسياط تقع على صدري، فانتفضت عنها أصيح زنيت وأول مرة أزني كيف فعلت الفاحشة وهدمت جدار الحرمة بيني وبين هذا الفعل الشنيع؟
كيف قدمت في غفلة مني لذة في الدنيا على ملذات الآخرة الدائمة؟ إني سأحرم حور الجنة، خرجت باكيا من الباب، فإذا بفاجر من السماسرة الذين غفلت عنهم أمامي.
يقول: لماذا تبكي وترتجف؟!
صرخت في وجهه: لقد زنيت تعرف ما معنى زنيت، أنا زنيت.
فقال بكل برود: خذ كأسا من الخمر تنسى ما أنت فيه.
فقلت: مازلت بي حتى أوقعتني في الفاحشة وحرمتني حور الجنة وتريد أن تحرمني خمر الجنة بهذا الكأس؟!
فرد ذلك الفاجر بلسان إبليس: إن الله غفور رحيم، وقد نسى أن الله شديد العقاب أعد للمجرمين نارًا تلظى إذا رأت المجرمين سمعوا لها تغيظا وزفيرا.
ثم أخذت أبكي وأبكي من حرقة ما أصابني وفارقت صحبة السوء وهُمت على وجهي حتى وصلت إلى المطار وحجزت انتظر العودة ، وأخذ ذلك الشاب يردد علي: يا ليتهم سرقوني يا ليتهم أخذوا مالي يا ليتهم نصبوا علي، يا ليتهم ما أخذوا إيماني ومن تلك اللحظة يقول بأنه لم يزل باكيا حزينا على ما فعل.
فقلت له: أقرأ عليك آية من القرآن قال تعالى:
{قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ العَذَابُ بَغْتَةً وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ } [الزمر: 55]
فقال: كلٌ يغفر الله له إلا أنا وأكمل: هل تعلم أني زنيت ثم سألني:هل زنيت أنت
فقلت: لا!
فقال: فأنت لا تعرف حرارة الذنب التي أنا فيها، وما هي إلا لحظات وإذا بمنادي الرحلة ينذر بالإقلاع، تبادلنا العناوين وأرقام الاتصال وأنا على يقين بأن ندمه سيبقى ليومين أو ثلاثة ثم يتلاشى وينسى الأمر، وبعد أن وصلت مدينتي وارتحت لأيام إذ به يتصل بي، وتواعدنا لنلتقي، وعندما التقينا انفجر أمامي باكياً.
وقال: والله منذ فعلت فعلتي تلك ومنذ فارقتك ما تلذذت بنومي إلا غفوات، ماذا أقول لربي يوم يقول لي عبدي زنيت، وسرت بقدميك إلى الزنا؟؟؟
فقلت: إن الله غفور رحيم وإن رحمته واسعة لمن تاب وندم ثم
قاطعني
قائلاً: على كل أنا ما جئتك زائراً وإنما مودعاً، فسألته إلى أين؟
فقال: أسلم نفسي إلى المحكمة وأعترف بذنبي أنبي زنيت.
فقلت: أمجنون أنت؟ نسيت أنك متزوج؟ نسيت حد الزانى المتزوج الرجم حتى الموت؟
فقال: ذلك أهون على قلبي من أن أبقى زانياً وألقى الله ولم يطهرني بحد الزنى، إني جئتك مودعًا لعلي ألقاك في الجنة إن رحمني الله وأدخلني بواسع رحمته.
فقلت: أما تتقي الله؟ استر على نفسك، استر على أسرتك، أستر على جماعتك.
قال: كلهم لا ينقذونني من النار وأنا أريد النجاة منها.
فلم أعلم ماذا أقول له.
فقلت: أطلب منك طلبًا واحدًا؟؟
فقال: اطلب ولك كل شيء إلا أن تردني عن الذهاب إلى المحكمة
فقلت: ماني طالبك هذا، لكن أريد تعاهدني أنك تقبل فيه.
فقال: قبلت.
فقلت: مد يدك أبايعك على أن تعاهدني لتعمل على ذلك وتصبر، فمد يده.
وقال: نعم أعاهدك وعاهدني.
فقلت: نتصل بالشيخ فلان وهو من أكبر العلماء وأتقاهم لله (نحسبه كذلك) حتى نسأله في أمرك فإن قال سلم نفسك أنا آخذك، وإن قال لا، فما لك إلا أن تطيع، وسألنا الشيخ؟
فقال: لا يسلم نفسه ، ويقول الشيخ أن هذا الشاب قد أقلقه بالهاتف واتصل به مرات عديدة يقنعه أن يسلم نفسه ويجادل. فلما قابلته
قلت: لماذا أزعجت الشيخ بهذه الاتصالات وأنا كفيتك.
فقال: أحاول به يمكن يأمرني أو يوافقني.
وكان من كلامه للشيخ اتق الله فإني أتعلق برقبتك يوم القيامة وأقول أنني أردت أسلم نفسي ليقام حد الله علي فردني ذلك الشيخ، فقال الشيخ هذا ما ألقى الله به وما أفتيتك إلا عن علم، ثم قال التائب لي، إني أودعك فإني أردت الحج، وكان الحج وقتها على الأبواب، فطلبت منه أن نحج معًا، فاعتذر وظننته قد اختار رفقة يحج معهم.
فحججت وأنا لا أعلم من رفقته وفي ثاني أيام التشريق رأيته من بعيد وكان اسمه أحمد، فقلت يا أحمد فالتفت فرآني ثم ولى هاربًا، فقلت: سبحان الله ما الذي غير قلبه علي لعلي أراه بعد الحج، فلما انتهى الحج وعدنا قابلته فسألته.
فقال: لقد حججت وحدي وتنقلت بين المشاعر ماشيًا لعل الله ينظر إلي ذاهبًا من منى إلى عرفة أو واقفًا في عرفة أو في أحد مواطن الحج فيرحمني.
فسألته: لماذا هربت مني يوم ناديت ثاني أيام التشريق؟
فقال: كنت مشغولا بالاستغفار من الشأن الذي فعلت.
فقلت: هلا جئت معنا؟
فقال: أنا أجلس معكم أنتم أطهار أتريدون أن أدنسكم بالزنا؟ وكان في حجه يقول أخشى أن لا يغفر لمن حولي بشؤم ذنبي.
وتارة يقول: لعل الله أن يرحمني بهؤلاء المسبحين الملبين.
ثم إنه دام التواصل بيننا ودامت الزيارات وكنا نقرأ في سير الصالحين والتائبين وكنا نتدبرها.
وأذكر أن التائب بعد الحج قد حفظ القرآن كله وصار يصوم يوما ويفطر يوما.
وذات يوم كنا مجتمعين، نقرأ في سير الصالحين فمرت بنا قصة الربيع بن خثيم شاب لم يجاوز الثلاثين وسيم قوي عالم بالله خائف منه، وكان في تلك البلاد من الفساق الذين تعاونوا على إفساد الناس فتجارؤوا وقالوا: نريد أن نفسد الربيع بن خيثم، وتسائلوا مالذي يفسده؟
فقالوا نأتي إلى غانية بغي (والغانية هي التي استغنت عن المحسنات والمجملات) فندفع لها ما يكون سببًا في أن تغوي الربيع.
فأتوا إلى أجمل من عرفوا فقالوا: لك ألف دينار، فقالت: على ماذا؟
فقالوا: على قبلة واحدة من الربيع بن خيثم.
فقالت: لا ولكم فوق هذا أن يزني ويفعل ويفعل.
ثم إنها تهيأت وتعرضت له في طريقه في مكان خال ثم سفرت عن لباسها وتعرضت له.
فلما رآها صرخ بها قائلاً: كيف بك إذا نزلت الحمى في جسدك فغير فيك ما أرى من لونك وبهجتك ؟ أم كيف لو نزل ملك الموت وقطع منك حبل الوريد؟ أم كيف بك إذا جاءك منكر ونكير؟
فصرخت صرخة عظيمة ثم ولت هاربة وأصبحت من العابدات، حتى لقبت بعابدة الكوفة.
ثم قال أولئك الفسقة: لقد أفسدها الربيع علينا، فلما سمع التائب هذه القصة انفجر باكياً.
وقال: الربيع يردها وأنا بقدمي أذهب لأزني بها؟! الربيع يردها وأنا بقدمي أذهب لأزني بها؟!
ثم انصرف عني باكيا متأثرا حزينا منكسرا ثم ذهبت إلى أحد العلماء فذكرت ما كان من توبته وإنابته وخوفه وتقواه وصيامه وحفظه للقرآن.
فقال العالم: لعل زناه هذا يكون سببا في دخوله الجنة ولعل بعض الآيات تصدق في حقه وتنص وهي قول الله جل وعلا:{وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً } [الفرقان: 70]
فما سمعت هذه الآية عجبت.
وقلت: كيف غفلت عن هذه الآية فوليت إلى بيت صاحبنا في قصر قصر أبيه الفسيح.
ذهبت إليه لأبشره.
فقالوا: إنه في المسجد، فذهبت إليه في المسجد فوجدته منكسرًا تاليًا للقرآن
فقلت: عندي لك بشرى
فقال: ما هي؟
فقلت له مرتلاً: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً }
فلما أتممت هذه الآية قفر واحتضنني.
وقال: إني أحفظ القرآن ولكن كأني أقرؤها أول مرة لقد فتحت لي باب من الرجاء عظيم فأرجو الله أن يغفر لي بها، ثم أذن المؤذن لإقامة الصلاة وغاب الإمام ذلك اليوم.
فقدم ذلك التائب، وبعد أن كبر وقرأ الفاتحة تلى قول الله جل وعلا: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ} فلما بلغ {إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً} بكى ولم يستطع أن يكملها، فكبر وركع ثم اعتدل ثم سجد واعتدل ثم سجد ثم قام للركعة الثانية وقرأ الفاتحة وأعاد الآية يريد أن يكملها فلما بلغ {إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ} ، ركع وأتم صلاته باكيًا ومضى على هذه الحال زمنًا، إلى أن جاء يوم الجمعة من الأيام الماضية وكان الجمعة من عطلة الربيع، اتصل بي رجل.
وقال: أنا والد صاحبك أحمد وهو الشاب التائب وأريدك في أمر مهم، أريدك أن تأتي إلى مسرعًا في أمر مهم، فلما بلغت باب قصره، إذ بالأب واقفًا على الباب، فسألته.
فقال: صاحبك أحمد يطلبك السماح يودعك إلى الدار الآخرة، لقد انتقل اليوم إلى ربه، ثم انفجر باكيًا، وأنا أهون عليه وبقلبي على صاحبي مثل الذي بقلب والده عليه، ثم أدخلني في غرفة كان صاحبي فيها مسجًا مغطى، فكشفت وجهًا يتلألأ نورًا، وجها قد فارق الحياة، لكنه كان كله بهجة وسرورا، رأيت محيا كله نور.
فقال لي والده: أسألك يا أحمد ما الذي فعل ولدي منذ أن سافر وهو على حاله هذه؟
فقلت: وكنت قد عاهدته أن لا أخبر أحدًا بالقصة إلا للعظة والعبرة، إن ولدك يوم سافر فقد عزيزاً عليه في سفره ذلك، نعم فقد في تلك اللحظة إيمانًا عظيما، فقد إقبالا على الله عز وجل، أما زوجته فتخبر أن نومه منذ عاد من السفر غفوات، وهي لا تعرف حقيقة قصته، ثم سألت والده عن قصة موته.
فقال: إن أحمد كما تعلم يصوم يوما ويفطر يوما، حتى كان يوم الجمعة هذا فبقى في المسجد يتحرى ساعة الإجابة، وقبيل المغرب ذهبت إلى ولدي فقلت: يا أحمد تعال فأفطر في البيت.
فقال: يا والدي إني أحس بسعادة عظمة فدعني الآن.
فقلت: تعال لتفطر في البيت.
فقال: أرسلوا لي ما أفطر عليه في المسجد.
فقلت: أنت وشأنك، وبعد الصلاة قال الأب لولده: هيا إلى البيت لتتناول عشاءك.
فقال التائب أحمد لوالده: إني أحس براحة عظيمة الآن، وأريد البقاء في المسجد ولكن بعد صلاة العشاء سآتيكم للعشاء.
يقول الأب: ولما عدت أحسست بشيء، يخالج قلبي، فبعثت ولدي الصغير.
وقلت: اذهب إلى المسجد وانظر ماذا بأخيك؟ فعاد الصغير يجري ويقول يا أبت أخي أحمد لا يكلمني، فخرجت مسرعا، ودخلت المسجد فوجدت ولدي أحمد ممددًا وهو في ساعة الاحتضار وكان يتكئ على مسند يرتاح في خلوته بربه واستغفاره وتلاوته، فأبعدت عنه المتكأ وأسندته إلى ونظرت إليه فإذا هو يذكر اسمك، وكأنه يوصي بالسلام عليك، ثم إن التائب أحمد ابتسم ابتسامة وهو في ساعة الاحتضار، ويقول أبوه: والله ما ابتسم مثلها يوم أن جاء من سفره، ثم قرأ في تلك اللحظة التي يحتضر فيها مرتلاً: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ }
وعندها فاضت روحه، ويقول الأب: لا أدري أأبكي على حسن خاتمته فرحا؟ أم أبكي على فراق ولدي؟
ثم إن القصة أصبحت سببًا في صلاح أسرته وإخوانه.
فالبدار البدار للتوبة، فإن الموت لا يمهل المذنبين، ويأتي بغتة، حين يكبر الأمل بطول الحياة، فيشتت الآمال، ويقطع عمل الإنسان، فليس له حينها إلا ما قدم في هذه الفانية من عمل صالح، يؤنسه في قبره ويشفع له عند ربه ويرفعه في درجات الجنات.
أيبقى بعده متأخراً عن الدخول في أبواب رحمة الله الواسعة؟
أبشر أخي ..فإن الله يغفر الذنوب جميعا...ويبدل السيئات حسنات ...لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى..
حملة ركاز لتعزيز الأخلاق
فريق عمل موقع وذكر الإسلامي
قصة أبشـر ..قصة واقعية
كنت مسافراً إلى دولة عربية ليوم واحد في مهمة، وقبل عودتي للمطار بيوم بحثت عن فندق مناسب لأستريح فيه فلم أجد، ومن ثم دخلت فندقا لأول مرة أدخل مثله، العرى والعهر فيه ظاهرة، فإذا برجل يسألني: ما الذي جاء بك إلى هنا؟ استغرب شكلي الذي لا يناسب الفندق الذي دخلت.
فقلت: أدور مكان أستريح فيه وما دريت إن هالفندق فيه هالأمور.
فقال لي: اطلع يا شيخ هذا المكان ما يناسبك وأمثالك.
فخرجت واتجهت إلى حديقة استريح فيها حتى الصباح، وفي الصباح أنهيت مهمتي، وذهبت إلى المطار للعودة وكلي تعب من الرحلة، فبحثت عن مكان لأستريح فيه وإذا بزاوية في المطار فيها مصلى صغير، اتجهت إليه ونمت فيه نوما عميقا، استيقظت على صوت بكاء شاب دون الثلاثين يصلي وكأنه فقد زوجته بكاءً لا تبكيه إلا أم فقدت ولدها.
عدت للنوم وبعد لحظات أيقظني للصلاة ثم قال: هل تستطيع أن تنام؟!
فقلت: نعم
فقال: أنا لست قادرا على النوم ولا ذقت طعمه
فقلت: نصلي وبعد الصلاة يقضي الله أمراً كان مفعولا
وبعد الصلاة سألته عن أمره فقص علي قصته:
فقال: أنا شاب من أسرة غنية وكل ما أريده مهيء لي من مال وسيارة ولكني مللت الحياة.
فخططت أن أسافر خارج البلاد ثم قررت أن أسافر إلى دولة لا يقصدها أهل بلدي كثيراً حتى لا يعرفونني فينفضح أمري، وما كان هدفي غير اللعب واللهو وقضاء الوقت، فلما وصلت إذا برفقت السوء تحيط بي وتحفني، فاستأنست بها ورافقتها من لهو إلى لهو ولعب وإضاعة أوقات، وكان الأمر مراحل حتى قربوني من خطوات الزنا مع النساء في السهرات، ومازالو بي حتى انفردت بعاهرة منهن ومازالت تلاعبني حتى وقعت عليها، وفجأة بعد أن وصل الأمر ذروته إذا بحرارة في قلبي تلسعني وسياط تقع على صدري، فانتفضت عنها أصيح زنيت وأول مرة أزني كيف فعلت الفاحشة وهدمت جدار الحرمة بيني وبين هذا الفعل الشنيع؟
كيف قدمت في غفلة مني لذة في الدنيا على ملذات الآخرة الدائمة؟ إني سأحرم حور الجنة، خرجت باكيا من الباب، فإذا بفاجر من السماسرة الذين غفلت عنهم أمامي.
يقول: لماذا تبكي وترتجف؟!
صرخت في وجهه: لقد زنيت تعرف ما معنى زنيت، أنا زنيت.
فقال بكل برود: خذ كأسا من الخمر تنسى ما أنت فيه.
فقلت: مازلت بي حتى أوقعتني في الفاحشة وحرمتني حور الجنة وتريد أن تحرمني خمر الجنة بهذا الكأس؟!
فرد ذلك الفاجر بلسان إبليس: إن الله غفور رحيم، وقد نسى أن الله شديد العقاب أعد للمجرمين نارًا تلظى إذا رأت المجرمين سمعوا لها تغيظا وزفيرا.
ثم أخذت أبكي وأبكي من حرقة ما أصابني وفارقت صحبة السوء وهُمت على وجهي حتى وصلت إلى المطار وحجزت انتظر العودة ، وأخذ ذلك الشاب يردد علي: يا ليتهم سرقوني يا ليتهم أخذوا مالي يا ليتهم نصبوا علي، يا ليتهم ما أخذوا إيماني ومن تلك اللحظة يقول بأنه لم يزل باكيا حزينا على ما فعل.
فقلت له: أقرأ عليك آية من القرآن قال تعالى:
{قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ العَذَابُ بَغْتَةً وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ } [الزمر: 55]
فقال: كلٌ يغفر الله له إلا أنا وأكمل: هل تعلم أني زنيت ثم سألني:هل زنيت أنت
فقلت: لا!
فقال: فأنت لا تعرف حرارة الذنب التي أنا فيها، وما هي إلا لحظات وإذا بمنادي الرحلة ينذر بالإقلاع، تبادلنا العناوين وأرقام الاتصال وأنا على يقين بأن ندمه سيبقى ليومين أو ثلاثة ثم يتلاشى وينسى الأمر، وبعد أن وصلت مدينتي وارتحت لأيام إذ به يتصل بي، وتواعدنا لنلتقي، وعندما التقينا انفجر أمامي باكياً.
وقال: والله منذ فعلت فعلتي تلك ومنذ فارقتك ما تلذذت بنومي إلا غفوات، ماذا أقول لربي يوم يقول لي عبدي زنيت، وسرت بقدميك إلى الزنا؟؟؟
فقلت: إن الله غفور رحيم وإن رحمته واسعة لمن تاب وندم ثم
قاطعني
قائلاً: على كل أنا ما جئتك زائراً وإنما مودعاً، فسألته إلى أين؟
فقال: أسلم نفسي إلى المحكمة وأعترف بذنبي أنبي زنيت.
فقلت: أمجنون أنت؟ نسيت أنك متزوج؟ نسيت حد الزانى المتزوج الرجم حتى الموت؟
فقال: ذلك أهون على قلبي من أن أبقى زانياً وألقى الله ولم يطهرني بحد الزنى، إني جئتك مودعًا لعلي ألقاك في الجنة إن رحمني الله وأدخلني بواسع رحمته.
فقلت: أما تتقي الله؟ استر على نفسك، استر على أسرتك، أستر على جماعتك.
قال: كلهم لا ينقذونني من النار وأنا أريد النجاة منها.
فلم أعلم ماذا أقول له.
فقلت: أطلب منك طلبًا واحدًا؟؟
فقال: اطلب ولك كل شيء إلا أن تردني عن الذهاب إلى المحكمة
فقلت: ماني طالبك هذا، لكن أريد تعاهدني أنك تقبل فيه.
فقال: قبلت.
فقلت: مد يدك أبايعك على أن تعاهدني لتعمل على ذلك وتصبر، فمد يده.
وقال: نعم أعاهدك وعاهدني.
فقلت: نتصل بالشيخ فلان وهو من أكبر العلماء وأتقاهم لله (نحسبه كذلك) حتى نسأله في أمرك فإن قال سلم نفسك أنا آخذك، وإن قال لا، فما لك إلا أن تطيع، وسألنا الشيخ؟
فقال: لا يسلم نفسه ، ويقول الشيخ أن هذا الشاب قد أقلقه بالهاتف واتصل به مرات عديدة يقنعه أن يسلم نفسه ويجادل. فلما قابلته
قلت: لماذا أزعجت الشيخ بهذه الاتصالات وأنا كفيتك.
فقال: أحاول به يمكن يأمرني أو يوافقني.
وكان من كلامه للشيخ اتق الله فإني أتعلق برقبتك يوم القيامة وأقول أنني أردت أسلم نفسي ليقام حد الله علي فردني ذلك الشيخ، فقال الشيخ هذا ما ألقى الله به وما أفتيتك إلا عن علم، ثم قال التائب لي، إني أودعك فإني أردت الحج، وكان الحج وقتها على الأبواب، فطلبت منه أن نحج معًا، فاعتذر وظننته قد اختار رفقة يحج معهم.
فحججت وأنا لا أعلم من رفقته وفي ثاني أيام التشريق رأيته من بعيد وكان اسمه أحمد، فقلت يا أحمد فالتفت فرآني ثم ولى هاربًا، فقلت: سبحان الله ما الذي غير قلبه علي لعلي أراه بعد الحج، فلما انتهى الحج وعدنا قابلته فسألته.
فقال: لقد حججت وحدي وتنقلت بين المشاعر ماشيًا لعل الله ينظر إلي ذاهبًا من منى إلى عرفة أو واقفًا في عرفة أو في أحد مواطن الحج فيرحمني.
فسألته: لماذا هربت مني يوم ناديت ثاني أيام التشريق؟
فقال: كنت مشغولا بالاستغفار من الشأن الذي فعلت.
فقلت: هلا جئت معنا؟
فقال: أنا أجلس معكم أنتم أطهار أتريدون أن أدنسكم بالزنا؟ وكان في حجه يقول أخشى أن لا يغفر لمن حولي بشؤم ذنبي.
وتارة يقول: لعل الله أن يرحمني بهؤلاء المسبحين الملبين.
ثم إنه دام التواصل بيننا ودامت الزيارات وكنا نقرأ في سير الصالحين والتائبين وكنا نتدبرها.
وأذكر أن التائب بعد الحج قد حفظ القرآن كله وصار يصوم يوما ويفطر يوما.
وذات يوم كنا مجتمعين، نقرأ في سير الصالحين فمرت بنا قصة الربيع بن خثيم شاب لم يجاوز الثلاثين وسيم قوي عالم بالله خائف منه، وكان في تلك البلاد من الفساق الذين تعاونوا على إفساد الناس فتجارؤوا وقالوا: نريد أن نفسد الربيع بن خيثم، وتسائلوا مالذي يفسده؟
فقالوا نأتي إلى غانية بغي (والغانية هي التي استغنت عن المحسنات والمجملات) فندفع لها ما يكون سببًا في أن تغوي الربيع.
فأتوا إلى أجمل من عرفوا فقالوا: لك ألف دينار، فقالت: على ماذا؟
فقالوا: على قبلة واحدة من الربيع بن خيثم.
فقالت: لا ولكم فوق هذا أن يزني ويفعل ويفعل.
ثم إنها تهيأت وتعرضت له في طريقه في مكان خال ثم سفرت عن لباسها وتعرضت له.
فلما رآها صرخ بها قائلاً: كيف بك إذا نزلت الحمى في جسدك فغير فيك ما أرى من لونك وبهجتك ؟ أم كيف لو نزل ملك الموت وقطع منك حبل الوريد؟ أم كيف بك إذا جاءك منكر ونكير؟
فصرخت صرخة عظيمة ثم ولت هاربة وأصبحت من العابدات، حتى لقبت بعابدة الكوفة.
ثم قال أولئك الفسقة: لقد أفسدها الربيع علينا، فلما سمع التائب هذه القصة انفجر باكياً.
وقال: الربيع يردها وأنا بقدمي أذهب لأزني بها؟! الربيع يردها وأنا بقدمي أذهب لأزني بها؟!
ثم انصرف عني باكيا متأثرا حزينا منكسرا ثم ذهبت إلى أحد العلماء فذكرت ما كان من توبته وإنابته وخوفه وتقواه وصيامه وحفظه للقرآن.
فقال العالم: لعل زناه هذا يكون سببا في دخوله الجنة ولعل بعض الآيات تصدق في حقه وتنص وهي قول الله جل وعلا:{وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً } [الفرقان: 70]
فما سمعت هذه الآية عجبت.
وقلت: كيف غفلت عن هذه الآية فوليت إلى بيت صاحبنا في قصر قصر أبيه الفسيح.
ذهبت إليه لأبشره.
فقالوا: إنه في المسجد، فذهبت إليه في المسجد فوجدته منكسرًا تاليًا للقرآن
فقلت: عندي لك بشرى
فقال: ما هي؟
فقلت له مرتلاً: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً }
فلما أتممت هذه الآية قفر واحتضنني.
وقال: إني أحفظ القرآن ولكن كأني أقرؤها أول مرة لقد فتحت لي باب من الرجاء عظيم فأرجو الله أن يغفر لي بها، ثم أذن المؤذن لإقامة الصلاة وغاب الإمام ذلك اليوم.
فقدم ذلك التائب، وبعد أن كبر وقرأ الفاتحة تلى قول الله جل وعلا: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ} فلما بلغ {إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً} بكى ولم يستطع أن يكملها، فكبر وركع ثم اعتدل ثم سجد واعتدل ثم سجد ثم قام للركعة الثانية وقرأ الفاتحة وأعاد الآية يريد أن يكملها فلما بلغ {إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ} ، ركع وأتم صلاته باكيًا ومضى على هذه الحال زمنًا، إلى أن جاء يوم الجمعة من الأيام الماضية وكان الجمعة من عطلة الربيع، اتصل بي رجل.
وقال: أنا والد صاحبك أحمد وهو الشاب التائب وأريدك في أمر مهم، أريدك أن تأتي إلى مسرعًا في أمر مهم، فلما بلغت باب قصره، إذ بالأب واقفًا على الباب، فسألته.
فقال: صاحبك أحمد يطلبك السماح يودعك إلى الدار الآخرة، لقد انتقل اليوم إلى ربه، ثم انفجر باكيًا، وأنا أهون عليه وبقلبي على صاحبي مثل الذي بقلب والده عليه، ثم أدخلني في غرفة كان صاحبي فيها مسجًا مغطى، فكشفت وجهًا يتلألأ نورًا، وجها قد فارق الحياة، لكنه كان كله بهجة وسرورا، رأيت محيا كله نور.
فقال لي والده: أسألك يا أحمد ما الذي فعل ولدي منذ أن سافر وهو على حاله هذه؟
فقلت: وكنت قد عاهدته أن لا أخبر أحدًا بالقصة إلا للعظة والعبرة، إن ولدك يوم سافر فقد عزيزاً عليه في سفره ذلك، نعم فقد في تلك اللحظة إيمانًا عظيما، فقد إقبالا على الله عز وجل، أما زوجته فتخبر أن نومه منذ عاد من السفر غفوات، وهي لا تعرف حقيقة قصته، ثم سألت والده عن قصة موته.
فقال: إن أحمد كما تعلم يصوم يوما ويفطر يوما، حتى كان يوم الجمعة هذا فبقى في المسجد يتحرى ساعة الإجابة، وقبيل المغرب ذهبت إلى ولدي فقلت: يا أحمد تعال فأفطر في البيت.
فقال: يا والدي إني أحس بسعادة عظمة فدعني الآن.
فقلت: تعال لتفطر في البيت.
فقال: أرسلوا لي ما أفطر عليه في المسجد.
فقلت: أنت وشأنك، وبعد الصلاة قال الأب لولده: هيا إلى البيت لتتناول عشاءك.
فقال التائب أحمد لوالده: إني أحس براحة عظيمة الآن، وأريد البقاء في المسجد ولكن بعد صلاة العشاء سآتيكم للعشاء.
يقول الأب: ولما عدت أحسست بشيء، يخالج قلبي، فبعثت ولدي الصغير.
وقلت: اذهب إلى المسجد وانظر ماذا بأخيك؟ فعاد الصغير يجري ويقول يا أبت أخي أحمد لا يكلمني، فخرجت مسرعا، ودخلت المسجد فوجدت ولدي أحمد ممددًا وهو في ساعة الاحتضار وكان يتكئ على مسند يرتاح في خلوته بربه واستغفاره وتلاوته، فأبعدت عنه المتكأ وأسندته إلى ونظرت إليه فإذا هو يذكر اسمك، وكأنه يوصي بالسلام عليك، ثم إن التائب أحمد ابتسم ابتسامة وهو في ساعة الاحتضار، ويقول أبوه: والله ما ابتسم مثلها يوم أن جاء من سفره، ثم قرأ في تلك اللحظة التي يحتضر فيها مرتلاً: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ }
وعندها فاضت روحه، ويقول الأب: لا أدري أأبكي على حسن خاتمته فرحا؟ أم أبكي على فراق ولدي؟
ثم إن القصة أصبحت سببًا في صلاح أسرته وإخوانه.
فالبدار البدار للتوبة، فإن الموت لا يمهل المذنبين، ويأتي بغتة، حين يكبر الأمل بطول الحياة، فيشتت الآمال، ويقطع عمل الإنسان، فليس له حينها إلا ما قدم في هذه الفانية من عمل صالح، يؤنسه في قبره ويشفع له عند ربه ويرفعه في درجات الجنات.
أيبقى بعده متأخراً عن الدخول في أبواب رحمة الله الواسعة؟
أبشر أخي ..فإن الله يغفر الذنوب جميعا...ويبدل السيئات حسنات ...لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى..
حملة ركاز لتعزيز الأخلاق
فريق عمل موقع وذكر الإسلامي