تفريغ الدرس الأول
لقد من الله علينا بمواسم و مناسبات يكون الوصول فيها إلى الله بمواهب و هدايا من الله
قال النبي : " ان لله في ايام الدهر نفحات فتعرضوا لها فلعل احدكم تصيبه نفحة فلا يشقى بعدها ابدا " اخرجه الطبراني و حسنه الالباني في السلسلة الصحيحة
و من هذه المواسم شهر رمضان 0 0 فيه يتغير كل شئ
تمتلئ المساجد بالمصلين و تكثر الصدقات
يا باغي الخير اقبل و يا باغي الشر اقصر
رمضان فرصة ثمينة و الاعوان فيه كثيرون و عوامل الفساد قليلة لان الشياطين مصفدة
و لابد لشهر رمضان من شيئين :
همة عالية - نية صحيحة
فاذا رأى الله من عبده صدق النية أخذ بيده إليه و دبر له أموره و أصلح له الأحوال و رزقه همة عالية
" فأما من أعطى و اتقى * و صدق بالحسنى * فسنيسره لليسرى * و أما من بخل و استغنى * و كذب بالحسنى * فسنيسره للعسرى " الليل 5 : 10
رمضان الغنيمة الباردة و الفرصة التي لا تعوض
هو الشهر الذي اختاره الله و اصطفاه ليكون ميقاتا لارسال كتبه و رسالاته
عن واثلة بن الاسقع عن رسول الله قال :
" انزلت صحف ابراهيم اول ليلة من رمضان و انزلت التوراة لستة مضت من رمضان و انزل الانجيل لثلاثة عشر مضت من رمضان و انزل الزبور لثماني عشر خلت من رمضان و انزل القرآن لاربعو عشرين خلت من رمضان " اخرجه احمد و صححه الالباني
فالله اختصه من بين الشهور لنزول اعظم كتاب لاعظم امة
" شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس و بينات من الهدى و الفرقان "
فهو شهر الصلة بين الارض و السماء
ينزل الله فيه كلامه و يخاطب فيه خلقه
يقول الله في الحديث القدسي : " كل عمل ابن ادم له الا الصوم فانه لي و انا أجزي به "
فهي منقبة من اعظم المناقب ان نسب الله الصوم بانه له و استأثر الله به لنفسه 0 0 كفى بنا هذه المنقبة
و لشهر رمضان مناقب كثيرة :
تسلسل فيه مردة الشياطين
فيه ليلة خير من الف شهر و هي ليلة القدر و هي بركة من بركات الشهر و رحمة للامة
فيه تفتح ابواب الجنان
و نحن امة مرحومة رزقنا الله بالعديد من الفرص للمغفرة و رحمنا بأكثر من مرحمة فلابد أن نعطيها حقها لتكون في ميزان حسناتنا يوم القيامة
و في شهر رمضان تجد إحدانا نفسها في نشاط و حماس للطاعات و العبادات
و لكن
هل رمضان هو الامتناع عن الطعام و الشراب و الشهوة حتى غروب الشمس أم ان لهذه العبادة اسرار لابد ان نعرفها و نتقنها علما و عملا ؟ ؟
فالصائمون ليسو سواء في صيامهم
يقول الحافظ ابن حجر :
الصيام على اربعة انواع :
1- صيام العوام :
و هو الصوم عن الاكل و الشرب و الجماع
2- صيام خواص العوام :
و هو الصوم عن الاكل و الشرب و الجماع بالاضافة لاجتناب المحرمات من قول أو فعل
3- صيام الخواص :
و هو الصوم عن غير ذكر الله و عبادته
4- صيام خواص الخواص :
و هو الصوم عن غير الله
هؤلاء وجهتهم فقط هو الله يصومون عن كل شئ إلا الله فينسون كل شئ إلا الله
كيف نستعد لرمضان ؟ ؟
لقي أحد السلف أخاً له فقال له :
أترضى حالتك التي أنت عليها للموت ؟
قال : لا
قال : فهل عرضت عليها توبة من غير تسويف ؟
قال : لا
قال : فهل تعلم داراً تعمل فيها غير هذه ؟
قال : لا
قال : فهل للانسان نفسان إذا ماتت إحداهما عمل بالأخرى ؟
قال : لا
قال : فهل تأمن هجوم الموت على حالتك هذه ؟
قال : لا
قال : فما أقام على ما أنت عليه عاقل
اسألي نفسك هذه الأسئلة 0 0 ضعيها أمامك
فكلنا نغفل عن الموت
صحيح نعرف أن الموت سيأتينا و لكن هل تأهبنا له ؟ ؟
فلنأخذ سؤالا من هذه الاسئلة :
هل عزمت على توبة من غير تسويف ؟؟
لابد للتوبة من شروط و هي : الاقلاع و الندم و العزم على عدم العودة
هذه هي شروط التوبة الصحيحة
كلنا فرحين لقدوم شهر رمضان و لكن هل استعددنا له ؟
هل جهزنا له ؟
إن بلوغ شهر رمضان منة عظيمة يمنها الله على من يشاء
عن أبي هريرة قال :
كان رجلان من بلا من قضاعة أسلما مع النبي و استشهد أحدهما و أُخِر الآخر سنة
قال طلحة بن عبيد الله : فأُريت الجنة فرأيت فيها المؤخر منهما أدخل قبل الشهيد فعجبت لذلك فأصبحت فذكرت ذلك لرسول الله فقال :
" أليس قد صام بعدها رمضان و صلى ستة آلاف ركعة أو كذا و كذا ركعة صلاة السُنّة "
و في رواية : " و أدرك رمضان فصامه و صلى كذا و كذا سجدة في السنة "
قالوا : بلى
قال رسول الله : " إن الذي بينهما لأبعد مما بين السماء و الأرض "
و لذلك نقول
إن بلوغ رمضان نعمة مَن حُرم خيره فهو المحروم و مَن لم يتزود لاستقباله فهو الملوم
يقول العلماء : رجب شهر البذر و شعبان شهر السقي و رمضان شهر جني الثمار
كيف نستعد لرمضان ؟
واجبنا من الآن إثارة الشوق
لابد من إثارة الشوق من قلوبنا لرمضان
فاذا عرفت أن أمك ستزورك بعد أسبوع ماذا ستفعلين ؟
ستنظفين البيت و تجهزي الطعام و تفعلين الكثير استعدادا لاستقبال أمك لأن قلبك اشتاق لأمك
فيجب أن تشعري بالشوق يحرق قلبك لبلوغ رمضان
لو اشتقت لشممت ريح رمضان عن بعد
فرمضان له نكهة مميزة تشميها من قبل رمضان
كالصحابي الذي شم رائحة الجنة قبل أن يستشهد
و كما شم يعقوب ريح يوسف عندما اشتاق اليه
فلو شممنا ريح رمضان للبسنا قميصه و اشتقنا اليه
فلابد لنا من شيئين :
الشوق و بصيرة القلب
فالاستعداد لرمضان يكون بالشوق الذي يحرق قلوبنا لبلوغه
و بصيرة القلب بأن نرى بعين قلوبنا أنفسنا طيلة نهار رمضان قائمين بين يدي الله
فاذا قوي الداعي و تم الترك عظم الأجر
فيجب أن يراك الله في همة عالية قبل دخول الشهر
تمرينات الاستعداد لرمضان
التمرين الأول
التدريب على تجويد التوبة
التوبة هي وظيفة العمر
" توبوا إلى الله جميعاً أيها المؤمنون لعلكم تفلحون "
هنا الامر بالتوبة للمؤمنين و ليس الكافرين
و الرسول كان يستغفر الله و يتوب إليه أكثر من سبعين مرة
و التوبة ليست ما نفعله باللسان فقط بأن نقول : تبت أو أستغفر الله
فلابد من تجويد التوبة
فيجب أن نتوب من الحياة ككل 0 0 من الآمال العريضة التي نعيشها
نريد فعلا تدريب على توبة جديدة جيدة
قبل دخول رمضان نحتاج أن نحسن التوبة و نجودها
و التوبة ليست من المعاصي فقط - و إن كانت الأولى - و لكن نحن بحاجة إلى توبة من أشياء أخرى نذكر منها ما يلي :
( 1 ) التوبة من تضييع الأوقات
و فيها عدة نقاط :
1- الليل
" كانوا قليلا من الليل ما يهجعون و بالأسحار هم يستغفرون "
" و الذين يبيتون لربهم سجداً و قياماً "
هذا هو ليل المسلمين
و لكن - مع الأسف - هل هذا هو ليل المسلمين الآن ؟ ؟
بالطبع لا 0 0 الآن ليل المسلمين لهو و لعب و ضياع للأوقات
ألا نستحي أن نتقلب في الفراش الوثير و الله بجلاله و عزته ينزل إلى السماء يطلبنا (هل من مستغفر فأغفر له هل من تائب فأتوب عليه )
ليل المسلمين هو ليل تعبد و خلوة مع الله
لا نقول لكِ لا تنامي 0 0 و لكن نامي سويعات قليلة
فلنرجع مجد ليل المسلمين
القيام كان فرض على النبي و أصحابه لأن وقتها الاسلام كان محتاجاً لهذه النقطة المهمة { و ارجعي الى سورة المدثر }
2- الشرود الذهني في الفراغ
تنتهي من كل أعمالك و تجلسي على أريكتك و تتركي العنان لنفسك شاردة تفكرين في لا شئ و تعتقدين أنك بذلك ترتاحي
هل هذه الدقائق التي تشردي فيها غير محسوبة من عمرك ؟
ألن تُسئلي عنها ؟
بدلاً من الشرود في لا شئ اشغلي نفسك و لسانك بذكر الله و اشغلي عقلك بالتفكر في هذا الذكر
3- مأساة المواصلات
كم من أوقات تضيع في المواصلات أثناء الذهاب للعمل أو الذهاب لأي مكان
ماذا تفعلين في أوقات المواصلات ؟
الصحيح : تراجعي القرآن أو تشغلي لسانك بذكر الله أو تذكري الله
4- النوم الكثير
كما قلنا يحتاج هذا الشهر لهمة عالية
و أصحاب الهمة العالية لا ينامون إلا القليل و جسمك حسب ما تعوديه فان عودتيه على النوم الكثير فلن يرتاح الا بالنوم الكثير و ان عودتيه على النوم القليل سيكتفي به
و يمكنك أن تستعيني على نفسك بالقيلولة
و لتكن قيلولتك ربع ساعة أو نصف ساعة و إن شاء الله تكفيكِ
دربي نفسك على النوم القليل لتستثمري وقتك
و ان شاء الله تكون البركة في هذا النوم القليل
( 2 ) التوبة من اللسان
و ما أدراك ما اللسان
كان النبي يقول : " و أعوذ بك من شر لساني "
كان النبي يستعيذ من شر لسانه فأين نحن من ذلك ؟؟
و في حديث معاذ بن جبل حين سأل النبي عن عمل يقربه من الجنة
و يبعده عن النار فقال له النبي في آخر الحديث : " أمسك عليك هذا "
و أمسك بلسان نفسه فقال معاذ : أومؤاخذون نحن بما نتكلم فيه ؟
قال النبي : " و هل يكب الناس على وجوههم في النار إلا حصائد ألسنتهم "
و يدخل في هذه النقطة الغيبة و النميمة و اللغو و الفحش من القول
و كذلك التليفونات
كم من ساعات تضيع في التليفونات و الموبايلات و الشات و الماسنجر
ثورة الاتصالات في عصرنا فيها فوائد و لكن لابد لنا معها من وقفة شرعية
فلابد لكل ذلك من تقنين و خاصة في شهر رمضان
و ليكن لسانك حصانك فلا تخرج كلمة إلا بعد تفكير عميق فان كان فيها خير فقلها و الا فلا داعي لها
و قد تضطرك ظروفك لحضور الولائم أو إقامتها ففي هذه الحالة يجب استثمار هذا الوقت في الحديث الطيب و ليس الغيبة و النميمة
يمكنك أن تحضري موعظة أو درس قصير أو مسابقة لطيفة للأطفال
( 3 ) التوبة من العلاقات
هناك أناس تعرفينهم قد يشدوكِ للوراء و هناك صحبة صالحة يجب أن تتمسكي بها و تعضي عليهم بالنواجذ
اجلسي مع نفسك و قسمي علاقاتك ستجدي أنها لا تخرج عن ثلاثة مجموعات
مجموعة تعينك على الطاعة و أخرى يمكنكِ أن تكوني سبباً في هدايتهم و مجموعة ثالثة ستجعلك تفقدي رمضان فهذه تلغيها من قائمتك
و أكثر ما يضيع الوقت كثرة الاختلاط بالناس و قد وضع العلماء من أمراض القلوب كثرة الخلطة و خاصة إن لم يكونوا من الصحبة الصالحة
( 4 ) توبة القلب
و منها : التوبة من التعلق بغير الله
" و اتخذوا من دون الله آلهة ليكونوا لهم عزاً "
و قد يكون غير الله هذا أقرب الناس إليكِ 0 0 قد يكون زوجك أو أولادك أو أهلك أو أموالك أو أي شئ يشغلك عن الله
لا نقول أن تقصري في حق زوجك أو أولادك أو أهلك و لا نقول تبخسيهم حقهم و لكن لا تجعليهم نقمة بأن يكونوا هم هدفك الوحيد في
الدنيا بل اجعلي الله هو وجهتك و أحبيهم في الله حينئذ تؤجري على ما تفعلين معهم
و لكن للأسف نحن ما زلنا لم نفهم حب الله و لم يصل في قلوبنا لما ينبغي
و توبة القلب أيضاً : التوبة من الأماني و التسويف و طول الأمل
قال الحسن البصري :
( ليس الإيمان بالتمني و لا بالتحلي و لكن ما وقر في القلب و صدقه العمل
و إن قوماً غرتهم أماني المغفرة حتى خرجوا من الدنيا ولا حسنة لهم قالوا نحسن الظن بالله
و كذبوا لو أحسنوا الظن لأحسنوا العمل )
( 5 ) التوبة من الكسل
كم بين العلم و العمل
كم من علم درسناه و عرفناه و كم قرأنا و سمعنا عن فضائل شهر رمضان
كان النبي يقول : " اللهم أعوذ بك من الهم و الحزن و العجز و الكسل "
النبي الذي كان يقوم الليل حتى تتفطر قدماه يستعيذ بالله من الكسل
فماذا فعلنا نحن ؟ ؟
لو صمنا رمضان إيمانا و احتسابا سيغفر لنا
فلابد من اليقين مع العمل
التمرين الثاني
التدريب على تعظيم الشعائر
غفلة القلب من أضر الأشياء على الانسان
و من يقظة القلب أن تراعي شعائر الله و تعطيها قدرها
فأنت إذا احترمت إنسان ستعطيه قدره و كذلك إذا استشعرت عظم هذا الشهر ستعطيه قدره
أصحاب السبت لما لم يعظموا أمر الله مسخهم قردة
" فلما عتوا عما نُهوا عنه قلنا لهم كونوا قردة خاسئين "
فاستشعري عظمة هذا الشهر في قلبك
" يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون "
فهذا أمر من الله تعالى و لا يعظمه إلا التقي
" و من يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب "