( علاقة الدعاء بالعبادة ) جزء من محاضرة : ( الرجاء والدعاء ) للشيخ : ( عائض القرني )
علاقة الدعاء بالعبادة
الشق الثاني في هذا الحديث: الدعاء.
يقول عليه الصلاة والسلام: {قال الله عز وجل: يا بن آدم! إنك ما دعوتني ورجوتني } فالدعاء
له آداب، وهو من أفضل العبادة، وقد قال عليه الصلاة والسلام في حديث فيه بعض المقال في
الترمذي : {الدعاء مخ العبادة } والذي يصح من هذه الأحاديث: {الدعاء هو العبادة }
وإذا رأيت العبد يكثر الدعاء كثيراً كثيراً؛ فاعرف أنه متجه إلى الله، وأنه كثير الإيمان.
قصة لرجل في الصحراء
أحد الناس يقول: نزلت في قفرة أنا وأهلي وانقطع عنا الماء وكنا في بادية، فذهبت لألتمس
في وديانٍ أخرى فما وجدت شيئاً، فالتمست في مكانٍ يمنة ويسرة فما وجدت شيئاً، فعدت إلى
أهلي فوجدت أطفالي كادوا يتلفون من الظمأ، وأوشكوا على الموت، قال: فتفكرت ثم تذكرت
أن الحي القيوم بيده خزائن السموات والأرض، وكان مؤمناً{ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ } [غافر:60]
{ أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاه } [النمل:62] {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي
فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ } [البقرة:186] قال: فانقطعت كل الحيل التي حولي
في الوديان، قال: فتيممت وصليت ركعتين ثم رفعت يدي ودمعت عيناي.
قال: والذي لا إله إلا هو -وهو صادق، ويعرف الإيمان، والصدق والنضوج -في وجهه- ما غادرت
مكاني إلا وغمامة فوق رأسي وما كان في السماء شيء قال: ثم مطرت على الوادي الذي أنا فيه حتى
امتلأت الغدرة.
وهذا لا يحتاج إلى إثبات، والسنة والآثار والتاريخ فيها أكثر من ألف قصة{ أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاه} [النمل:62].
رجل أرسل الله له ملكاً ينقذه
ويكفي كما تعلمون أن كثيراً من أهل العلم أوردوا قصة الرجل الذي خرج في تجارة، فعرض
له لص مجرم في الطريق فأخذه معه، وقال: أوصلني إلى ذاك المكان بالأجرة، فصدقه فمشى
معه، فلما مشى معه؛ فإذا بهذا المجرم معه خنجر فأخرجه، وقال: والله لأقتلنك الآن، لكن ادفع
ما معك من مال؟ قال: أسألك بالله ما مع أهلي إلا أنا، قال: حلفت أن أقتلك؛ لأنه لو تركه وأخذ
ماله أخبر الناس بوجود لص في الوادي، فقال: دعني أصلي ركعتين. قال: صلِّ واستعجل.
قال: فقمت فتوضأت في ذاك الوادي، وقمت أصلي ركعتين، قال: والله لقد نسيت كل شيء
في القرآن إلا قوله تعالى:{ أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاه } [النمل:62] قال: فكررتها،
فلما انتهيت من الركعتين وإذا بفارس على فرس من آخر الوادي بيده خنجر كالمشعف قال:
فأطلقه على هذا اللص، فوقع في لبته، فإذا هو يسقط على قفاه مقتولاً. قلت: أسألك بالله من
أنت؟ قال: أنا رسول {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاه } [النمل:62] لما دعوت الدعوة الأولى
كنت في السماء السابعة، ودعوت في الثانية فكنت في الرابعة، ودعوت الثالثة فكنت في الأرض،
فالله عز وجل يقول:{ أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاه } [النمل:62].
رجل يطارده جمل في الصحراء فيرى أمامه ثعبان
هناك قصة وهي من ثقات اشتهرت بين الناس وأوردوها في بعض الأخبار الموجودة العصرية
وهي: أن شخصاً كان في البادية طارده جمل، قال: فمشيت في الصحراء والجمل ورائي يطردني -
والجمل إذا طاردك فلا يعصمك إلا رب السموات والأرض، إلا أن يكون هناك جبل ترتقي فيه،
أو مكان -قال: فأخذ الجمل ورائي، حتى كاد نفسي ينقطع، فإذا هو ورائي ما يغادرني أبداً،
قال: فقلت على لساني: يا من يجيب المضطر إذا دعاه! قال: فعرض لي في الأرض شق
فنزلت فيه، قال: يكفي الإنسان وزاد شيئاً، قال: فلما دخلت فيه جاء الجمل فجلس على ركبته
حتى يلاحقه، قال: فيدخل رأسه فكنت أقول: يا من يجيب المضطر إذا دعاه! قال: وإذا بشيء
يضايقني بجانبي، وأنا في هذا الثقب وهذا الشق، قال: فالتفت إليه فإذا هو ثعبان أسود، قال:
فإن بقيت فالثعبان معي، وإن خرجت فالجمل فوقي، هذا نتيجة يا من يجيب المضطر إذا دعاه!
سبحان الله! بل الله عز وجل أكرم وأجلَّ سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، قال: فبقيت أقول: يا من يجيب
المضطر إذا دعاه! قال: فخرج هذا الثعبان، كان يتكي على كتفه وهو يخرج، لكن هنا موت
وهنا موت، قال: فخرج ثم أخذ بأنف الجمل، قال: فرأيته يتعاصر هو والجمل، فخرجت أنا
بحفظ الله ورعايته، وبعد فترة وإذا بالثعبان ميت والجمل ميت، وأنا أقول: هذه من تجارب الناس
التي لا ننقلها حدثنا فلان عن فلان لكنها موجودة وملموسة ومحسوسة يجدها من يتصل بالحي
القيوم، قل يا من يجيب المضطر إذا دعاه! وفي القرآن أهول من هذه القصص،
فإن إبراهيم عليه السلام لما ألقي في النار بالمنجنيق قال الله تعالى:{ قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً
عَلَى إِبْرَاهِيمَ } [الأنبياء:69] فكانت برداً وسلاماً، وصاحب الحوت نجاه الله من البحر وأنبت
عليه شجرة من يقطين، فخرج بعد أن دخل في بطن الحوت، وأكلته وابتلعته؛ لأنه قال:
{لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ } [الأنبياء:87].
فإذا رأيت العبد يكثر من الدعاء فاعرف أنه قريب من الله، وأن الله عز وجل سوف يقربه.