--------------------------------------------------------------------------------
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
من الأمور التي ينبغي الاهتمام بها بعد القيام بأي عمل: مسألة قبول العمل هل قُـبِـل أم لا ؟؟
فإن التوفيق للعمل الصالح نعمة كبرى، ولكنها لا تتم إلا بنعمة أخرى أعظم منها، وهي نعمة القبول. وهذا متأكد جدًّا بعد الحج الذي تكبد فيه العبد أنواع المشاق،
فما أعظم المصيبة إذا لم يقبل؟ وما أشد الخسارة إن رد العمل على صاحبه، وباء بالخسران المبين في الدين والدنيا!
وإذا علم العبد أن كثيراً من الأعمال ترد على صاحبها لأسباب كثيرة كان أهم ما يهمه معرفة أسباب القبول، فإذا وجدها في نفسه فليحمد الله،
وليعمل على الثبات على الاستمرار عليها، وإن لم يجدها فليكن أول اهتمامه من الآن: العمل بها بجد وإخلاص لله تعالى.
ومن أسباب قبول الأعمال الصالحة:
1 - استصغار العمل وعدم العجب والغرور به:
إن الإنسان مهما عمل وقدم فإن عمله كله لا يؤدي شكر نعمة من النعم التي في جسده من سمع أو بصر أو نطق أو غيرها، ولا يقوم بشيء من حق الله تبارك وتعالى،
فإن حقه فوق الوصف، ولذلك كان من صفات المخلصين أنهم يستصغرون أعمالهم، ولا يرونها شيئاً، حتى لا يعجبوا بها، ولا يصيبهم الغرور فيحبط أجرهم،
ويتكاسلوا عن الأعمال الصالحة.
ومما يعين على استصغار العمل: معرفة الله تعالى، ورؤية نعمه، وتذكر الذنوب والتقصير.
ولنتأمل كيف أن الله تعالى يوصي نبيه بذلك بعد أن أمره بأمور عظام فقال تعالى: {يا أيها المدثر * قم فأنذر * وربك فكبر * وثيابك فطهر * والرجز فاهجر * ولا تمنن تستكثر}.
فمن معاني الآية ما قاله الحسن البصري: لا تمنن بعملك على ربك تستكثره.
2 - الخوف من رد العمل وعدم قبوله:
لقد كان السلف الصالح يهتمون بقبول العمل أشد الاهتمام، حتى يكونوا في حالة خوف وإشفاق، قال الله عز وجل في وصف حالهم تلك:
{والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون * أولئك يسارعون في الخيرات وهم لها سابقون} (المؤمنون:60،27).
وقد فسرها النبي صلى الله عليه وسلم بأنهم الذين يصومون ويصلون ويتصدقون ويخافون أن لا يتقبل منهم. وأثر عن علي رضي الله عنه أنه قال:
(كونوا لقبول العمل أشد اهتماماً منكم بالعمل. ألم تسمعوا الله عز وجل يقول: {إنما يتقبل الله من المتقين} ( المائدة:27).
3 - الرجاء وكثرة الدعاء:
إن الخوف من الله لا يكفي، إذ لا بد من نظيره وهو الرجاء، لأن الخوف بلا رجاء يسبب القنوط واليأس، والرجاء بلا خوف يسبب الأمن من مكر الله،
وكلها أمور مذمومة تقدح في عقيدة الإنسان وعبادته.
ورجاء قبول العمل -مع الخوف من رده- يورث الإنسان تواضعاً وخشوعاً لله تعالى، فيزيد إيمانه. وعندما يتحقق الرجاء فإن الإنسان يرفع يديه سائلاً الله قبول عمله؛
فإنه وحده القادر على ذلك، وهذا ما فعله أبونا إبراهيم خليل الرحمن وإسماعيل عليهما الصلاة والسلام، كما حكى الله عنهم في بنائهم الكعبة فقال:
{وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم} (البقرة:127).
4 - كثرة الاستغفار:
مهما حرص الإنسان على تكميل عمله فإنه لا بد من النقص والتقصير، ولذلك علمنا الله تعالى كيف نرفع هذا النقص فأمرنا بالاستفغار بعد العبادات،
فقال بعد أن ذكر مناسك الحج: {ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس واستغفروا الله إن الله غفور رحيم} (البقرة:199).
وأمر نبيه أن يختم حياته العامرة بعبادة الله والجهاد في سبيله بالاستغفار
فقال: {إذا جاء نصر الله والفتح * ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجاً * فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان تواباً}. فكان يقول في ركوعه وسجوده:
( سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي) رواه البخاري. وكان صلى الله عليه وسلم يقول بعد كل صلاة فيقول: (أستغفر الله) ثلاث مرات.
5 - الإكثار من الأعمال الصالحة:
إن العمل الصالح شجرة طيبة، تحتاج إلى سقاية ورعاية، حتى تنمو وتثبت، وتؤتي ثمارها، وإن من علامات قبول الحسنة: فعل الحسنة بعدها، فإن الحسنة تقول:
أختي أختي. وهذا من رحمة الله تبارك وتعالى وفضله؛ أنه يكرم عبده إذا فعل حسنة، وأخلص فيها لله أنه يفتح له باباً إلى حسنة أخرى؛ ليزيده منه قرباً.
وإن أهم قضية نحتاجها الآن أن نتعاهد أعمالنا الصالحة التي كنا نعملها، فنحافظ عليها، ونزيد عليها شيئاً فشيئاً. وهذه هي الاستقامة التي تقدم الحديث عنها.
وإن من أراد أن يداوم على أعماله الصالحة بعد رمضان، ويسابق إلى الخيرات، فإن من المفيد له أن يعرف أهمية المداومة عليها، وفضل المداومة، وفوائدها،
وآثارها، والأسباب المعينة عليها، وحال الصحابة رضي الله عنهم في ذلك.
نماذج من محافظة الصحابة على العمل الصالح: عن عائشة رضي الله عنها أنها كانت تصلي الضحى ثماني ركعات ثم تقول:
(لو نشرني أبواي ما تركتها) (أخرجه مالك، وصححه إسناده الألباني).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لبلال عند صلاة الفجر: (يا بلال حدثني بأرجى عمل عملته في الإسلام، فإني سمعت دف نعليك بين يدي في الجنة)،
قال: (ما عملت عملاً أرجى عندي أني لم أتطهر طهوراً في ساعة من ليل ولا نهار إلا صليت بذلك الطهور ما كتب لي أن أصلي) متفق عليه.
وعن بريدة قال: أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعا بلالاً فقال: (بم سبقتني إلى الجنة؟ ما دخلت الجنة قط إلا سمعت خشخشتك أمامي)
قال: يا رسول الله، ما أذنت قط إلا صليت ركعتين، فقال رسول الله: (بهما) رواه الترمذي.
وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: (أتانا رسول الله فوضع رجله بيني وبين فاطمة -رضي الله عنها- فعلمنا ما نقول إذا أخذنا مضاجعنا،
فقال: (يا فاطمة إذا كنتما بمنزلتكما فسبحا الله ثلاثاً وثلاثين، وحمدا ثلاثاً وثلاثين، وكبرا أربعاً وثلاثين) قال علي: والله ما تركتها بعد.
فقال له رجل -كان في نفسه عليه شيء-: ولا ليلة صفين؟ قال علي: (ولا ليلة صفين)، (أخرجه الحاكم وقال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي).
فلم يتركها رضي الله عنه في وقت الشدة، ليلة التعب والحرب والكرب، ومن باب أولى وقت الراحة والرخاء.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
من الأمور التي ينبغي الاهتمام بها بعد القيام بأي عمل: مسألة قبول العمل هل قُـبِـل أم لا ؟؟
فإن التوفيق للعمل الصالح نعمة كبرى، ولكنها لا تتم إلا بنعمة أخرى أعظم منها، وهي نعمة القبول. وهذا متأكد جدًّا بعد الحج الذي تكبد فيه العبد أنواع المشاق،
فما أعظم المصيبة إذا لم يقبل؟ وما أشد الخسارة إن رد العمل على صاحبه، وباء بالخسران المبين في الدين والدنيا!
وإذا علم العبد أن كثيراً من الأعمال ترد على صاحبها لأسباب كثيرة كان أهم ما يهمه معرفة أسباب القبول، فإذا وجدها في نفسه فليحمد الله،
وليعمل على الثبات على الاستمرار عليها، وإن لم يجدها فليكن أول اهتمامه من الآن: العمل بها بجد وإخلاص لله تعالى.
ومن أسباب قبول الأعمال الصالحة:
1 - استصغار العمل وعدم العجب والغرور به:
إن الإنسان مهما عمل وقدم فإن عمله كله لا يؤدي شكر نعمة من النعم التي في جسده من سمع أو بصر أو نطق أو غيرها، ولا يقوم بشيء من حق الله تبارك وتعالى،
فإن حقه فوق الوصف، ولذلك كان من صفات المخلصين أنهم يستصغرون أعمالهم، ولا يرونها شيئاً، حتى لا يعجبوا بها، ولا يصيبهم الغرور فيحبط أجرهم،
ويتكاسلوا عن الأعمال الصالحة.
ومما يعين على استصغار العمل: معرفة الله تعالى، ورؤية نعمه، وتذكر الذنوب والتقصير.
ولنتأمل كيف أن الله تعالى يوصي نبيه بذلك بعد أن أمره بأمور عظام فقال تعالى: {يا أيها المدثر * قم فأنذر * وربك فكبر * وثيابك فطهر * والرجز فاهجر * ولا تمنن تستكثر}.
فمن معاني الآية ما قاله الحسن البصري: لا تمنن بعملك على ربك تستكثره.
2 - الخوف من رد العمل وعدم قبوله:
لقد كان السلف الصالح يهتمون بقبول العمل أشد الاهتمام، حتى يكونوا في حالة خوف وإشفاق، قال الله عز وجل في وصف حالهم تلك:
{والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون * أولئك يسارعون في الخيرات وهم لها سابقون} (المؤمنون:60،27).
وقد فسرها النبي صلى الله عليه وسلم بأنهم الذين يصومون ويصلون ويتصدقون ويخافون أن لا يتقبل منهم. وأثر عن علي رضي الله عنه أنه قال:
(كونوا لقبول العمل أشد اهتماماً منكم بالعمل. ألم تسمعوا الله عز وجل يقول: {إنما يتقبل الله من المتقين} ( المائدة:27).
3 - الرجاء وكثرة الدعاء:
إن الخوف من الله لا يكفي، إذ لا بد من نظيره وهو الرجاء، لأن الخوف بلا رجاء يسبب القنوط واليأس، والرجاء بلا خوف يسبب الأمن من مكر الله،
وكلها أمور مذمومة تقدح في عقيدة الإنسان وعبادته.
ورجاء قبول العمل -مع الخوف من رده- يورث الإنسان تواضعاً وخشوعاً لله تعالى، فيزيد إيمانه. وعندما يتحقق الرجاء فإن الإنسان يرفع يديه سائلاً الله قبول عمله؛
فإنه وحده القادر على ذلك، وهذا ما فعله أبونا إبراهيم خليل الرحمن وإسماعيل عليهما الصلاة والسلام، كما حكى الله عنهم في بنائهم الكعبة فقال:
{وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم} (البقرة:127).
4 - كثرة الاستغفار:
مهما حرص الإنسان على تكميل عمله فإنه لا بد من النقص والتقصير، ولذلك علمنا الله تعالى كيف نرفع هذا النقص فأمرنا بالاستفغار بعد العبادات،
فقال بعد أن ذكر مناسك الحج: {ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس واستغفروا الله إن الله غفور رحيم} (البقرة:199).
وأمر نبيه أن يختم حياته العامرة بعبادة الله والجهاد في سبيله بالاستغفار
فقال: {إذا جاء نصر الله والفتح * ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجاً * فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان تواباً}. فكان يقول في ركوعه وسجوده:
( سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي) رواه البخاري. وكان صلى الله عليه وسلم يقول بعد كل صلاة فيقول: (أستغفر الله) ثلاث مرات.
5 - الإكثار من الأعمال الصالحة:
إن العمل الصالح شجرة طيبة، تحتاج إلى سقاية ورعاية، حتى تنمو وتثبت، وتؤتي ثمارها، وإن من علامات قبول الحسنة: فعل الحسنة بعدها، فإن الحسنة تقول:
أختي أختي. وهذا من رحمة الله تبارك وتعالى وفضله؛ أنه يكرم عبده إذا فعل حسنة، وأخلص فيها لله أنه يفتح له باباً إلى حسنة أخرى؛ ليزيده منه قرباً.
وإن أهم قضية نحتاجها الآن أن نتعاهد أعمالنا الصالحة التي كنا نعملها، فنحافظ عليها، ونزيد عليها شيئاً فشيئاً. وهذه هي الاستقامة التي تقدم الحديث عنها.
وإن من أراد أن يداوم على أعماله الصالحة بعد رمضان، ويسابق إلى الخيرات، فإن من المفيد له أن يعرف أهمية المداومة عليها، وفضل المداومة، وفوائدها،
وآثارها، والأسباب المعينة عليها، وحال الصحابة رضي الله عنهم في ذلك.
نماذج من محافظة الصحابة على العمل الصالح: عن عائشة رضي الله عنها أنها كانت تصلي الضحى ثماني ركعات ثم تقول:
(لو نشرني أبواي ما تركتها) (أخرجه مالك، وصححه إسناده الألباني).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لبلال عند صلاة الفجر: (يا بلال حدثني بأرجى عمل عملته في الإسلام، فإني سمعت دف نعليك بين يدي في الجنة)،
قال: (ما عملت عملاً أرجى عندي أني لم أتطهر طهوراً في ساعة من ليل ولا نهار إلا صليت بذلك الطهور ما كتب لي أن أصلي) متفق عليه.
وعن بريدة قال: أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعا بلالاً فقال: (بم سبقتني إلى الجنة؟ ما دخلت الجنة قط إلا سمعت خشخشتك أمامي)
قال: يا رسول الله، ما أذنت قط إلا صليت ركعتين، فقال رسول الله: (بهما) رواه الترمذي.
وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: (أتانا رسول الله فوضع رجله بيني وبين فاطمة -رضي الله عنها- فعلمنا ما نقول إذا أخذنا مضاجعنا،
فقال: (يا فاطمة إذا كنتما بمنزلتكما فسبحا الله ثلاثاً وثلاثين، وحمدا ثلاثاً وثلاثين، وكبرا أربعاً وثلاثين) قال علي: والله ما تركتها بعد.
فقال له رجل -كان في نفسه عليه شيء-: ولا ليلة صفين؟ قال علي: (ولا ليلة صفين)، (أخرجه الحاكم وقال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي).
فلم يتركها رضي الله عنه في وقت الشدة، ليلة التعب والحرب والكرب، ومن باب أولى وقت الراحة والرخاء.