بقلم/ أ.سحر محمد كردية .
مدير دائرة العمل النسائي في وزارة الأوقاف والشؤون الدينية .حين شرعت في كتابة هذه المقالة بدأت أسأل نفسي هل الوعظ وفن الإلقاء موهبة من الله عز وجل أم أن الإنسان العادي يمكنه أن يتقن ذلك ويصل إلى مرحلة التأثير في الناس إذا أهلَ نفسه في جوانب معينة تعتبر من مستلزمات الدعوة ؟
ففي هذا المقام ترد إلى ذهني قصة كان قد ذكرها لنا شيخنا الفاضل "د. أسامة المزيني" يقول فيها: "في يوم طلبنا من أحد الشباب الذين يكثرون التردد على مجالس العلم أن يلقى كلمة في المسجد لمدة خمس دقائق فقط فوافق, ولكنه لما جاء اليوم الثاني أعتذر,وفي اليوم الثالث أعتذر أيضاً, ولكن في اليوم الرابع لم يتمكن من الإعتذار فوجد نفسه أمام أمر واقع فامتثل لذلك, وألقى الكلمة وكان واضحاً عليه الإرتباك والخجل والخوف ناهيك عن عدم التركيز فيما يقول , ولما أنتهى من درسه أثنى عليه الجميع وهنأوه على نجاحه وشكروه على ما قدمه لهم من معلومات قيمة ,في حين لم يكن هو مقتنعاً بما يقولونه إلا أن هذا الموقف ترك أثراً كبيراً في نفسه وشجعه على تكرار هذه التجربة مرة تلو المرة فأصبح اليوم يهز القاعات بمحاضراته وندواته" .
نعم إنها تجربة رائعة تدعو إلى التفاؤل فهذا ما حدث معي في بداية مشواري الدعوي ,كان عندي ثقة أنه يمكن التقدم والنجاح بالممارسة والتدريب مع التأهيل؛ لذا أقول لمن أرادت من بناتنا السير على هذا الطريق أن تتعرف على أمور تعتبر من مستلزمات الوعظ والإلقاء .
لنبدأ حديثنا عن الجوانب الثلاثة المؤثرة وهي :- [المحتوى- والأسلوب ـ والحركات ] .
أولاً/المحتوى: يرى البعض أنه يمثل70%من نسبة التأثير, وإليكم الأساسيات في الإعداد:-1/ أختاري موضوعاً حياً يعيشه الناس .
2/ أعرفي جمهوركِ وشكلي حديثكِ حسب الجمهور .
3/ حددي أهدافكِ ولتعلمي أن ما يسعى إليه الداعية دائماً واحد من ثلاثة: إما أ/التذكير بآيات الله وعقوباته, وما أعد من وعد ووعيد للعباد, ب/وتعليم الكتاب والسنة, ج/والتزكية بإصلاح القلوب وتحسين السلوك .
4/ أجمعي المادة من: [آيات - أحاديث - أقوال - شعر - خطب إلكترونية ,وغيرها] .
5/ صنفي المادة وقسميها إلى محاور رئيسة تدور في فلك الموضوع ,فإن كان الموضوع عن العلم مثلاً يمكن تقسيمه إلى محاور رئيسية [حكمه - فضله - مستلزماته , وغيرها] .
*قاعدة ذهبية في فن الإلقاء :-
ـ قولي لهم ماذا ستقولين لهم من خلال مقدمة قصيرة لشد انتباههم, وتعريفهم بالموضوع بأسلوب جذاب كقصة أو حدث.
ـ قولي لهم الموضوع بعد تقسيمه إلى محاور رئيسة كما ذكرنا, وكل محور إلى نقاط, ومع كل نقطة استشهاد (بآية , وحديث ,وقصة , بيت شعر ) ,وذلك من المادة التي جمعتيها في البداية مع التأكيد على أهمية القصص فهي جند من جنود الله يثبت الله بها قلوب أوليائه.
ـ أختمي بماذا قلتِ لهم وذلك من خلال تلخيص ماذا قلتِ خلال الدرس ,أو رسالة تريدين أن توصيلها لهم , وأظهري مشاعر طيبة نحوهم كأن تقولي لهم: (استمتعت معكم - سررت بدعوتكم لي - أشكركم على حسن استماعكم ) .
ـ أحرصي على حسن التسلسل والربط بين المقدمة والموضوع والخاتمة بحيث يكون الدخول والخروج منهما طبيعي .
ـ أحرصي على وحدة الموضوع فلا تشتتي أفكار الحاضرات .
ـ أستعملي وسائل إيضاح ,وأبدعي في ذلك , وطبقي قوانين وسائل الإيضاح ,أسطر قليلة وكلمات قليلة .
ثانياً/ الأسلوب: ويرى البعض أنه يمثل 38% من نسبة التأثير , فأدعو الداعية إلى :
1/ كوني طبيعية ولا تقلدين أحداً .
2/ نوعي طبقات صوتكِ بالرفع والخفض حسب طبيعة الحدث .
3/ شكلي صوتكِ حسب طبيعة الحدث (حزن - فرح - سخرية - جدية - غضب ) .
4/ أحرصي على لغة سليمة .
5/ استعملي الفكاهة أو حدث مضحك أثناء الحديث؛ فهذا يضفي روحاً على الندوة .
6/ امتلكي فن الوقفات, وخاصة عند الكلام المهم .
7/ إذا حدث تشويش أثناء الكلام توقفي حتى ينتهي هذا التشويش .
8/ أشركي الجمهور معكِ .
9/ لا تكرري ألفاظاً معينة .
ثالثاً/ الحركات: ويرى البعض أنها تمثل 55%من نسبة التأثير:
1/ وزعي النظر بطريقة عشوائية تشاهدي من خلالها الجميع, تجنبي تركيز النظر لأعلى أو لأسفل أو لشخص واحد .
2/ الوقوف والمشي ,يرى العلماء أن نسبة تأثير الخطيب الواقف تصل إلى 78% بينما نسبة تأثير الجالس 52% .
3/ قاعدة المشي,لا تعطي ظهركِ أو جانبكِ للحاضرات اتبعي آلية المشي, وهي خطوة ثم نصف خطوة ببطء, ووجهكِ للجمهور .
4/ حركة اليدين يجب أن تتناسب مع المعنى مثل "تعال , واذهب" ,ولا تتكلفي ولا تضعيها خلف ظهركِ؛ لأن حركة اليدين مهمة في توصيل المعنى .
5/ لا تشيري بإصبعكِ إلى الجمهور, وإن كنتِ فاعلة فإلى السماء أو الأرض .
6/ كوني طبيعية في حركاتكِ, ولا تتكلفي .
*وأخيراً هناك قواعد عامة في فن الإلقاء وهي:
1/ تصحيح النية حتى يكون عملك خالصاً لله تعالى مما يساعد على التوفيق .
2/ أنتبهي لمظهركِ (نظيف - أنيق - يتناسب مع الشخصية الإسلامية من حيث شروط اللباس ).
3/ أوجدي الثقة بينكِ وبين الجمهور بالقدوة والمصداقية .
4/ استعيني بالله وأكثري من دعاء سيدنا موسى عليه السلام: {رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي*وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي*وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي*يَفْقَهُوا قَوْلِي}. [طه25-28]
5/ عالجي الخوف من الإلقاء بالتمكن من المادة والتدريب.
6/ أحسني الإعداد الجيد مثل الاهتمام بـ (القاعة - الكراسي - السماعة - الضيافة - النظافة ) .
7/ ألتزمي بالموعد, ولا تتأخري .
8/ لا تكثري من الأكل قبل الإلقاء .
9/ لا تُتعبي نفسكِ قبل الإلقاء حتى ولو كنتِ متأخرة فلا تسرعي الخطى .
10/ راقبي الجمهور؛ فإذا بدأ يتملل فألقي بفكاهة أو لغز أو ارفعي صوتكِ .
وختاماً: هناك رسالة أوجهها لبناتنا لا تهبن السير في هذه الطريق طريق الأنبياء والرسل, وأنا على يقين أنكِ ستبدعين فيه إذا استعنتِ بالله وأخلصتِ النية له, ولم يكن للشيطان أو النفس والهوى نصيب في ذلك , وأقول لمن أرادتِ الاستفاضة في ذلك فيمكن الرجوع إلى روضة الخطباء للدكتور مصطفى مراد , أو كتاب الخطابة وأساليب الدعوة منهج الصف الثانوي بوزارة الأوقاف والشؤون الدينية في غزة.