الرئيسية
بسم الله الرحمن الرحيم
الهاء من يتسنه !
هل هي أصلية أم هي هاء سكت قال تعالى:
[ فَانْظُرْ إِلَىٰ طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ ] البقرة : 259
سؤال كثر تردده على ألسنة الكثيرين هذه الأيام
وبخاصة طلاب القراءات بالرغم من علمهم
بأن الأصل في الأداء هو الإتباع وأن القراءة سنة
بأخذها الخلف عن السلف بالنقل الصحيح
وليس بالأفشى في اللغة ولا بالأقيس في العربية
لكن ذلك لا يمنع من الاجابة على السؤال المذكور فنقول وبالله التوفيق :
بالنسبة للقراءة فجميعهم قرأوا بالوقف على كلمة ( يتسنه ) بسكون الهاء
واختلفوا في قراءتها موصولة بكلمة ( وانظر ) فقرأ بحذف الهاء وصلا
كل من حمزة والكسائي ويعقوب وخلف العاشر وقرأ الباقون
بإثبات الهاء ساكنة وصلا ووقفا والذي يفهم من قراءة الحاذفين
وصلا - أو حجتهم - أن الهاء جيء بها لاستبقاء حركة النون قبلها تماما
كما هو الوقف لاستبقاء حركة الياء في ألفاظ ( ماليه , حسابيه , ماهيه)
وهناك اعتبار آخر وهو تشبيه الهاء بهمزة الوصل التي يؤتى بها للإبتداء
فإذا لم يبدأ بها واتصل الكلام استغني عنها ولهذا قرأوا بالحذف وصلا .
ثم لا يخفى أن الثبتين والحاذفين لم يخرجوا عن دقة الأمانة في نقل ما تلقوه عن شيوخهم لأن ذلك الأصل في علم الرواية ..
أما احتمال كون الهاء أصلية من حروف الكلمة وهي إذ ذاك ساكنة
للجزم بالحرف ( لم ) قبلها فعلى هذا الإعتبار لا يجوز حذفها
فهي إذا لام الفعل ( سَنَهَ ) وبصيغة الوزن ( يتفعّل ) تكون ( يَتَسَنَّن )
وبسبب اجتماع ثلاث نونات حذفت النون الأخيرة ثم جيء
بالهاء بدلًا منها لإغلاق المقطع المفتوح , وذلك كثير في اللغة
كوقلك ( أمّاه , أبتاه , معتصماه , حسرتاه )
وكقولك للأمر من ( رأى , أتى , وقى ) : رَه , تِه , قِه )
فتكون وظيفة الهاء في ذلك هي للإقفال فقط .
والأغلب في العربية هو أن تحذف هذه الهاء في الوصل أي درج الكلام
قال سيبويه في كتابه ( الكتاب 4/159 ) :
" فإذا كان بعد ذلك كلام تركت الهاء لأنك إذا لم تقف تحركت
وإنما كان السكون للوقف فإذا لم تقف استغنيت عنها وتركتها "
وقال ابن بعيش : " لأنها - يعني الهاء - دخلت على الحركة لئلا
يزيلها الوقف فأما الوصل فإن الحركة تثبت فيه فلم تكن حاجة إلى الهاء
والواقع أنه من الناحية الصوتية - لا حاجة إلى هاء السكت في الوصل
فذلك مما له علاقة بالنظام المقطعي للغة العربية والإنسجام الصوتي
بين أطراف الكلام ومن العرب من يجري الوصل مجرى الوقف
وذلك قليل ومنه القراءة المثبتين للهاء وصلا في لفظ
( يتسنّه ) وفي ( كتابيه , حسابيه , ماليه ) فالياء صار ضعيفا
ولهذا يؤتى بالهاء لتقوية الايم ببقاء حركته في الوقف
وفي اللغة العربية باب الإعلال بالإبدال أو بالحذف أو بهما معا
هو باب واسع منه على سبيل المثال صيغة ( افتعل )
من الفعل صبر هي ( اصطبر ) بدلا من ( اصتبر ) ومن الفعل ( زَهَرَ )
هي ( ازدهر ) بدلا من ( ازتهر )
ومن ذلك قوله تعالى : ( ثم ذهب إلى أهلة يتمطّى ) القيامة :33
فلفظ ( يتمطى ) أصله ( يتمطط ) ثم أبدلت الطاء الأخيرة ياء لاجتماع
ثلاث طاءات ثم قلبت الفا لتحركها وانفتاح ما قبلها ومنه قوله تعالى :
( قد خاب من دساها ) الشمس : 10
أصلها ( دَسَّسها ) ثم أبدل من السين الأخيرة ياء لاجتماع ثلاث سينات
ثم قلبت الفا لتحركها وانفتاح ما قبلها
وفي الختام نؤكد أن المعول عليه في القراءة المتواترة هو الإتباع
فمن قرأ ( يتسنه ) بإثبات الهاء وصلا ووقفا هي عنده قراءة متواترة
ومن قرأ بإثبات الهاء وقفا وحذفها وصلا فهي عنده كذلك متواترة
والخلاف في ذلك هو من نوع الخلاف الواجب والذي يلزم تطبيقه
بعزو ( بنسبه ) كل حرف لناقله دونما زيادة أو نقص والله تعالى أعلم
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه
المراجع :
1 - الكشف لمكي بن أبي طالب القيسي
2 - الكتاب لسيبويه
3 - الصوتيات للدكتور إبراهيم أنيس
المصدر : مجلة الفرقان
للشيخ عبد الرحمن جبريل /
مجاز بالقراءات العشر المتواترة
الهاء من يتسنه !
هل هي أصلية أم هي هاء سكت قال تعالى:
[ فَانْظُرْ إِلَىٰ طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ ] البقرة : 259
سؤال كثر تردده على ألسنة الكثيرين هذه الأيام
وبخاصة طلاب القراءات بالرغم من علمهم
بأن الأصل في الأداء هو الإتباع وأن القراءة سنة
بأخذها الخلف عن السلف بالنقل الصحيح
وليس بالأفشى في اللغة ولا بالأقيس في العربية
لكن ذلك لا يمنع من الاجابة على السؤال المذكور فنقول وبالله التوفيق :
بالنسبة للقراءة فجميعهم قرأوا بالوقف على كلمة ( يتسنه ) بسكون الهاء
واختلفوا في قراءتها موصولة بكلمة ( وانظر ) فقرأ بحذف الهاء وصلا
كل من حمزة والكسائي ويعقوب وخلف العاشر وقرأ الباقون
بإثبات الهاء ساكنة وصلا ووقفا والذي يفهم من قراءة الحاذفين
وصلا - أو حجتهم - أن الهاء جيء بها لاستبقاء حركة النون قبلها تماما
كما هو الوقف لاستبقاء حركة الياء في ألفاظ ( ماليه , حسابيه , ماهيه)
وهناك اعتبار آخر وهو تشبيه الهاء بهمزة الوصل التي يؤتى بها للإبتداء
فإذا لم يبدأ بها واتصل الكلام استغني عنها ولهذا قرأوا بالحذف وصلا .
ثم لا يخفى أن الثبتين والحاذفين لم يخرجوا عن دقة الأمانة في نقل ما تلقوه عن شيوخهم لأن ذلك الأصل في علم الرواية ..
أما احتمال كون الهاء أصلية من حروف الكلمة وهي إذ ذاك ساكنة
للجزم بالحرف ( لم ) قبلها فعلى هذا الإعتبار لا يجوز حذفها
فهي إذا لام الفعل ( سَنَهَ ) وبصيغة الوزن ( يتفعّل ) تكون ( يَتَسَنَّن )
وبسبب اجتماع ثلاث نونات حذفت النون الأخيرة ثم جيء
بالهاء بدلًا منها لإغلاق المقطع المفتوح , وذلك كثير في اللغة
كوقلك ( أمّاه , أبتاه , معتصماه , حسرتاه )
وكقولك للأمر من ( رأى , أتى , وقى ) : رَه , تِه , قِه )
فتكون وظيفة الهاء في ذلك هي للإقفال فقط .
والأغلب في العربية هو أن تحذف هذه الهاء في الوصل أي درج الكلام
قال سيبويه في كتابه ( الكتاب 4/159 ) :
" فإذا كان بعد ذلك كلام تركت الهاء لأنك إذا لم تقف تحركت
وإنما كان السكون للوقف فإذا لم تقف استغنيت عنها وتركتها "
وقال ابن بعيش : " لأنها - يعني الهاء - دخلت على الحركة لئلا
يزيلها الوقف فأما الوصل فإن الحركة تثبت فيه فلم تكن حاجة إلى الهاء
والواقع أنه من الناحية الصوتية - لا حاجة إلى هاء السكت في الوصل
فذلك مما له علاقة بالنظام المقطعي للغة العربية والإنسجام الصوتي
بين أطراف الكلام ومن العرب من يجري الوصل مجرى الوقف
وذلك قليل ومنه القراءة المثبتين للهاء وصلا في لفظ
( يتسنّه ) وفي ( كتابيه , حسابيه , ماليه ) فالياء صار ضعيفا
ولهذا يؤتى بالهاء لتقوية الايم ببقاء حركته في الوقف
وفي اللغة العربية باب الإعلال بالإبدال أو بالحذف أو بهما معا
هو باب واسع منه على سبيل المثال صيغة ( افتعل )
من الفعل صبر هي ( اصطبر ) بدلا من ( اصتبر ) ومن الفعل ( زَهَرَ )
هي ( ازدهر ) بدلا من ( ازتهر )
ومن ذلك قوله تعالى : ( ثم ذهب إلى أهلة يتمطّى ) القيامة :33
فلفظ ( يتمطى ) أصله ( يتمطط ) ثم أبدلت الطاء الأخيرة ياء لاجتماع
ثلاث طاءات ثم قلبت الفا لتحركها وانفتاح ما قبلها ومنه قوله تعالى :
( قد خاب من دساها ) الشمس : 10
أصلها ( دَسَّسها ) ثم أبدل من السين الأخيرة ياء لاجتماع ثلاث سينات
ثم قلبت الفا لتحركها وانفتاح ما قبلها
وفي الختام نؤكد أن المعول عليه في القراءة المتواترة هو الإتباع
فمن قرأ ( يتسنه ) بإثبات الهاء وصلا ووقفا هي عنده قراءة متواترة
ومن قرأ بإثبات الهاء وقفا وحذفها وصلا فهي عنده كذلك متواترة
والخلاف في ذلك هو من نوع الخلاف الواجب والذي يلزم تطبيقه
بعزو ( بنسبه ) كل حرف لناقله دونما زيادة أو نقص والله تعالى أعلم
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه
المراجع :
1 - الكشف لمكي بن أبي طالب القيسي
2 - الكتاب لسيبويه
3 - الصوتيات للدكتور إبراهيم أنيس
المصدر : مجلة الفرقان
للشيخ عبد الرحمن جبريل /
مجاز بالقراءات العشر المتواترة
